سبّحوه بالعود والكنّارة، صلاة من المزامير : يا ربّ استمع صلاتي

      يا ربّ استمع صلاتي 102

نحن أمام بكاء التوبة، مع أن لفظة "خطيئة" ولفظة "غفران" غائبتان من النصّ. غير أن المرنّم يبدو مريضاً يلاحقه الغضب الإلهي.
تبدأ المقدّمة (آ 2- 3) بعبارات نعرفها: "استمع صلاتي ولتبلغ إليك استغاثتي". بعد هذا نجد في آ 4- 6 و7- 9 صورة عن وضع هذا الخاطئ في العالم. فالمزمور يقدّم لنا مريضاً تحرقه الحمّى حتى العظام. خسر كل ما يسند حياته، فرآها تتبخّر كالدخان. "يبس" قلبه، فنسي أن يأكل، ولكنه لم ينسَ أن يصرخ، فلم يبقى له سوى الجلد والعظام.
إنه مريض، وككلّ مريض هو وحده. وصراخه يدوّي في الوادي مثل صراخ البوم. سيطر عليه الأرق، فصار كالعصفور الذي تُرك على السطح. غاب عنه أصدقاؤه، أما أعداؤه فهم كثيرون. يشتمونه، يلعنونه.
تصوّر نفسه يأكل الرماد ويشرب دموعه. "ضربه" الله، فأحسّ بقوّة تجرّه إلى البعيد. وبدأت حياته تغيب كالشمس عند المساء، وشبابه يذبل كالعشب في حرّ النهار، فطلب من الربّ أن لا يقصّر له أيامه.
وينسى المرتّل نفسه، ويبدأ نشيده لصهيون. سيقوم الربّ ويترأّف بصهيون. وخلاص أورشليم وإعادة بنائها يدلاّن على خلاص كل واحد من أبنائها. وإذ يظهر مجد الربّ بهذا الشكل يدهش العالم ويتعجّب. فالربّ قد أعطى علامة عن حبّه لشعبه وعن قدرته من أجل مدينته. والمرتّل متأكّد من ذلك. "هذا ما كُتب" (آ 19). الله كتبه، الله قاله، وسوف يحقّقه. حينئذٍ يكون خلاص كل فرد من أفراد الجماعة استباقاً للمجد الذي ستعرفه المدينة المقدّسة.

صلاتي اليوم يا ربّ، صلاة البائس والمسكين
ضعُفَ جسمي، وانهارت عزيمتي، فجئتُ أمامك أسكب شكواي
صلاتي اليوم أيضاً صلاة الكنيسة المتألمة في أعضائها، المضطَهدة في بنيها
ترنو عيناها إلى السلام
صلاتي هي صلاتك يا يسوع أنت الذي صليت هذا المزمور
وعبّرت فيه عن علاقتك البنوية بالله الآب.

يا ربّ استمع صلاتي، وليصل إليك صراخي.
في يوم الضيق يا ربّ، لا تحجب وجهك عني
أمل اذنك وأجبني سريعاً يوم أدعوك.

استمع، أصغِ، أصِخْ، أمل بأذنك، أعطني انتباهك
أنظر، تطلّع، أشرق بنور وجهك عليّ أنا عبدك
لا تتصامم يا ربّ حين أدعوك، إنتبه إليّ ولا تهملني
لا تحجب وجهك، ولا توارِ ناظريك، فإن فعلت ترى بؤسي وشقائي.

أنا في ضيق يا ربّ، وأنت تفرّج عني ضيقي
أنا متألم وأنت تساعدني على تحمّل المي، إلا إذا أحببتَ أن تعطيني الراحة
أنا أصرخ يا ربّ، وكل ما أرجو أن يصل إليك صراخي
أنا أدعوك يا ربّ، ليصلْ إليك دعائي وأجبني سريعاً
حينئذٍ أتأكّد أنك إله يرى الضيق، وربّ يسمع صوت الملتجئين إليه.

إيامي تلاشت كالدخان، وعظامي تجمّرت كالوقود
أصيب قلبي ويبس كالعشب، حتى سهوت عن أكل خبزي.
من صوت نواحي يا ربّ، لصق جلدي بعظمي
صرت شبيهاً بغراب البرّ ومثل بومة الخرائب.
أسهر الليالي وحيداً كعصفور منفرد على السطح
يعيرّني أعدائي ليل نهار والمهلّلون لي يشتموني
آكل الرماد مثل الخبز وأمزج الشراب بالدموع
من شدّة سخطك وغيظك، رفعتني عالياً وطرحتني.

أعيش حالةً من الألم يا ربّ، أوصلْتني إلى حافة اليأس، فكن أنت رجائي
أحسّ أن أيامي تتلاشى كالدخان، أحسّ أن حياتي تُفلت من يدي
أنا أبكي وأتحسّر على نفسي كالغراب وبومة الخرائب
تعال أنت يا ربّ، وكن قوّتي وعزائي.

المرض يجعلني وحيداً، المرض يبعدني عن الآخرين
فكن أنت بقربي، كن رفيق طريقي
أريد أن اعتزل الناس كعصفور على سطح، فلا يسمع أحد بحالي
أريد أن أنفرد معك، أبوح لك بسّري، فأصغِ واسمع لي وعلّمني.

أيامي كظلّ مائل، وأنا يبستُ كالعشب
وأنت يا ربّ مقيم إلى الأبد وإلى جيل فجيل ذكراك
ستقوم وترحم صهيون، فحنانك حان موعده.
عبيدك يسرّون بحجارتها، ويحنوّن حنيناً إلى ترابها.
ستخاف الأمم اسمك، وكل ملوك الأرض مجدك.

ولكنك أنت الإله المجيد، وملوك الأرض يهابون مجدك
ولكنك أنت الربّ العظيم، والأمم تخاف حتى ذكر اسمك
ولكنك أنت الإله الرحيم، ونحن ننتظر ساعة الرحمة
ولكنك أنت الإله الحنون، وها حنانك حان موعده.

أنا كظلّ مائل، ذاهب إلى التلاشي، ولكنك أنت مقيم إلى الأبد
أنا أزول وأيبس كالعشب، أما أنت فذكراك من جيل إلى جيل
شعبك متألم مضطهد، وصهيون تعرف الخراب والدمار
ولكنك تقوم كجبار، فترحم وتفعل، وما أعظم ما ستفعل.

عندما يبني الربّ صهيون ويتراءى في بهاء مجده،
يلتفت إلى إبتهال المحرومين ولا يحتقر صلواتهم.
فيكتب هذا للجيل الآتي ليهلّل له الشعب الذي سيُخلق
ليسمع تنهّدات الأسرى ويفرّج عن أبناء الموت.
فيحدّث في صهيون باسم الرب ويهلّل له في أورشليم
حين تجتمع الشعوب والممالك، تجتمع معاً ليعبدوا الربّ.

الآمي يا ربّ هي آلام شعبي، والشدّة التي أقاسي هي شدّة كنيستي
فأنت يا ساكن السماوات، أشرف من عليائك وانظر
أنت يا من قلبه قلب أب، أصغِ إلى تنهّدات المتألّمين
يا سامع الصلوات، إلتفت إلى ابتهالنا ولا تحتقر صلاتنا.

ثبّت بناء كنيستك كما أعدت بناء صهيون واجعل فيها بهاء مجدك
خلّص شعبك وارحم ميراثك، فيهلّلون لك في أورشليم،
خلّص شعبك فيحدّثون بعظائمك في صهيون
أخلقنا شعباً جديداً، فنهلّل لك من جيل إلى جيل، ونشهد لك
إجمع الشعوب والممالك مع كنيستك ليعبدوك معنا أيها الربّ الإله.

أضعفت في طريق العمر قوّتي، وقصّرت يا ربّ حياتي
أقول: إلهي لا تنتزعني وأنا في عزّ إيامي، وأنت إلى منتهى الأجيال سنوّك
من قديم أسّست الأرض، والسماوات من صنع يديك
فهي تبيد وأنت تبقى، وكلها كالثوب تبلى،
وكاللباس تغيّرها فتتغيّر، أما أنت فلا تتغيّر وسنوّك يا ربّ لن تفنى
بنو عبيدك يسكنون آمنين وذرّيتهم تثبت أمامك.

أنا ضعيف، أنت قوّتي. أنا مائت، أنت حياتي
فما همّي قصرت أيامي أو طالت، فأنت ثابت إلى الأبد وسنوّك لن تفنى
كل شيء يبيد، ولكنك أنت تبقى، كل شيء يزول، وأنت لا تفنى أبداً
لهذا يرتاح عبيدك، فهم في مسكنك يقيمون
لهذا يأمن أبناؤك، وذرّيتهم تثبت أمامك.

إشتكيت وتأوّهت يا ربّ، ولكني رفعت إليك صلاتي
نحت وبكيت، ولكنني وضعت فيك ثقتي ورجائي
مرارتي تحوّلت إلى سلام، لأنك نجّيتني من الهلاك
لهذا اعترف لك، وأرنّم لك جميع أيام حياتي.

وأجمع شكواي، يا ربّ، إلى شكواك، أنت أيها العبد المتألّم
لم يكن لك بيت، بل لم يكن لك موضع تسند إليه رأسك، ومع هذا نجّيتنا ساعة الضيق والشدّة، كنت منعزلاً وحيداً، ولكن الآب كان معك، كما قلت
تركك تلاميذك ساعة كنت تحتاج إليهم، فالإنسان يكون وحده ساعة المرض والموت.

في الساعة الحرجة، توسّلت إلى أبيك أن يبعد عنك كأس الألم والموت
توسّلت بصراخ ودموع، وابتهلت إلى من كان يستطيع أن ينجّيك من الموت
فاستجاب لك وأية استجابة، ورفعك ورفع اسمك فوق كل اسم في السماء والأرض
قلت نعم في كل هذا، وما تراجعت، فكنت كعبد الله المتألّم.

جعلت نفسك ذبيحة عن آثامنا، وأذللت نفسك لأجل تبريرنا
قبلتَ أن تُساق كحمل إلى الذبح، فكنت صامتاً لا تفتح فمك
أخذت أوجاعنا، وحملت عاهاتنا، وجُرحت لأجل معاصينا
وكل هذا لتكون معنا وقت الشدّة والضيق.

أنت تألّمت، ولهذا تعرف معنى الألم، وتفهم صراخ المتألمّين
أنت خفت من الموت، فقرّبت التضرع إلى الله الآب
ولهذا تعلّمنا كيف نتحمّل الألم والموت باتحاد مع شعبك، باتحاد معك
وترفع أنظارنا إلى الخلاص الآتي الذي بدأ منذ القديم وتمّ في شخصك يا يسوع
ونحن نتنظر أن يصل إلينا هذا الخلاص، بل يصل إلى العالم أجمع.

بقيامتك يا يسوع أنت باقٍ إلى الأبد، وثابت معنا إلى الدهر
بصعودك أنت لا تتبدّل وسنوّك لا تنتهي
بارتفاعك جلست عن يمين الآب، فسجد لك حتى ملائكة السماء
وها أنت ترفع شعبك معك ليكون حيث أنت
فلك الحمد من جيل وجيل، والمجد إلى دهر الدهور.

     

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM