سبّحوه بالعود والكنّارة، صلاة من المزامير: من يقيم في حمى العليّ
 

 

من يقيم في حمى العليّ-91

يعلن هذا المزمور موضوعاً نجده في مز 92: إقامة البارّ عند الله. وهو بمناخه الروحيّ قريب من مز 1؛ 119. فهو ليتورجية دخول إلى المعبد   (21؛ 61؛ 63؛ 84)  وإعلان  إيمان (16؛ 73). فكل المشاركين، الله وخادم الهيكل والمؤمن، كلّهم يشدّدون على ضرورة الاستسلام الله للحصول على حمايته.
كان هذا المزمور جزءاً من ليتورجيا قديمة أعيد بناؤها بعد بناء الهيكل الثاني. ثم صار للأتقياء أفضلَ تعبير عن ثقة الإنسان بالله. وتحوّلت هذه الثقة إلى نوع من "تأمين" لدى الله، إلى "تجربة" الله. وإذ تبع الشيطان هذا الانحراف، دعا يسوع لكي يأخذ المبادرة فيفرض على الله أن يتبعه في مغامرة مسيحانيّة مبتورة.
ولكن الإطار الليتورجي الأول تجنّبَ هذه العقبة. فالطمأنينة التي يمنحها الله، تبقى خاضعة لخيار الإنسان، وهي تفرض عليه الالتزام. وتتوسّع هذه الليتورجيا في ثلاث حركات: تقديم المؤمن (آ 1- 12). إرشاد أخلاقي (آ 3- 13). قول إلهي (آ 14-16).
في الحركة الأولى يقدّم المؤمن نفسه أو يقدّمه خادم المعبد. دخل إلى الهيكل ليجعل نفسه في حماية الله. بل هو دخل ليقيم فيه ليلاً ونهاراً. وحين يختبىء في سرّ الله الخفيّ، ينعم في ظلّه الملكي بحقّ اللجوء الذي ينعم به من يُتّهم باطلاً.
وفي الحركة الثانية يأتي خادم المعبد فيوجّه إلى ضيف الله خطبة يشجّعه فيها، وهي خطبة قريبة ممّا في أي 5: 17-26. وتبدو في قسمين. إذا كان الله يحميك، فليس لك أن تخاف شيئاً. لا فخّ الصيد ولا كلمة المكر. حينئذ ينسى المؤمن الخوف ويعلن انتصاره واطمئنانه تجاه عالم معادٍ يحيط به. وفي القسم الثاني (آ 9- 13) يعود الكاهن إلى خيار ضيف الله: جعلتَ مسكنك عند العليّ، أو جعلت العليّ معينك. حينئذ يرسل الله ملاكه ليحرسك، فلا تعود تخاف الحيوانات المفترسة، وتنعم بالسلام الكونيّ الذي ستنعم به الخليقة بهما في البدء.
وفي الحركة الثالثة، يُعلن الربّ شروط الوعد. إذا أردنا أن ننعم بحمايته، يجب أن نتعلّق به كما تعلّق هو بشعبه. يجب أن نكون من الذين عرفوا اسمه. حينئذ يَعِد الله المؤمن بأن يكون معه في الضيق، فيخلّصه، بل يمجّده.

إليك نرفع صلاتنا أيها الرب يسوع ونحن نتلو هذا المزمور
وإياك نرافق أيها الرب يسوع، حين سمعت بعض عبارات هذا المزمور
اقتادك الشيطان، وأقامك على شرفة الهيكل بالصورة والخيال
وقال لك: إن كنت ابن الله، فألقِ بنفسك إلى الأسفل
فإنه مكتوب: يوصي ملائكته بك، فيحملونك على أيديهم، لئلا تصدم رجلك بحجر.

فأجبت الشيطان يا يسوع: لا تجرّب الرب إلهك.
ما أردت أن تعصي مشيئة الآب، لترى كم يطول باله كما فعل بنو إسرائيل
وما اعتمدت على صلاحه من أجل هدف تستفيد منه لتعمل دعاية لنفسك
بل تذرّعت بكلمة الله، وانتصرت على الشيطان الذي حاربك بكلام الله.

حاول الشيطان أن يجرّبك ويوقعك لتتخلّى عن رسالتك الحقيقية
أفهمك أنك تستطيع أن تتّكل على حماية الله، وهذا صحيح لأنك أنت البار وابن الله
ولكنك رأيتَ أنك حين تفرض على الله أن يجترح المعجزة، لا يكون عملك مطابقاً لمشيئته
فقبلتَ أن تتصرّف كإنسان ضعيف لا يلجأ إلى المعجزة
ما أردت أن تحوّل الحجر خبزاً أو تستدرّ عطف الناس ورضاهم.

نتلو هذا المزمور يا يسوع، وننظر إليك تسير في الطريق المعاكس لطريق آدم
ننظر إليك تعاكس مسيرة شعب إسرائيل في البرية.
عصى آدم فجرّه عصيانه خارج الفردوس
وأطعت أنت مشيئة الآب فكان جزاء طاعتك رجوعاً إلى الفردوس.

وجرّبَ شعبُ إسرائيل الرب: أيقدر أن يُخرج من الصخرة ماء؟
وتساءل الشعب: هل الرب بيننا أم لا، وهل يستطيع أن يحوّل المياه المرَّة؟
أما أنت يا يسوع فظللت أميناً لرسالتك المسيحانيّة.
ومع أنك ابن الله، لم تستعمل هذه البنوّة من أجل نجاح شخصيّ
فكافأك الله وأرسل الملائكة تخدمك، فتحقّقت فيك نبوءة هذا المزمور.

إنتصرت يا يسوع على قوة الشيطان، وانتصر أحبّاؤك معك
حين عاد التلاميذ من رسالتهم، أخبروك عن فرحهم
حين رأوا الشياطين تخضع لهم أبدوا لك حماسهم
فقلت لهم يا يسوع: كنتُ أرى الشيطان يهوي من السماء كالبرق
وإني أمنحكم سلطاناً تدوسون به الحيّات والعقارب وكل قوّة للعدو، ولن يضّركم شيء
فتحقّقت في كلماتك آيات هذا المزمور الذي نتأمل فيه اليوم.

وصلّيت يا يسوع آيات هذا المزمور وردّدت كلماته: يدعوني فأستجيب له.
وذرفْتَ الدموع أمام الذي بوسعه أن يخلّصك من الموت
فاستجابك الآب لتقواك.
ولأنك خضعت لمشيئته، جعلك علّة خلاص أبدي للمؤمنين.

أنت يا يسوع تقيم في حمى العلي وتبيت في ظلّ القدير
ولهذا حماك الله وحمى تلاميذك معك
حماك في الضيق ومجّدك، فأقامك من بين الأموات، وأجلسك عن يمينه.

عصى آدم مشيئة الآب فجرّ البشرية إلى الخطيئة والموت
وأطعت يا يسوع، يا آدم الجديد، فأدخلت البشريّة في حياة جديدة وخالدة
دُست الخطيئة والموت، دُست الأسد والتنين الجهنّميّ
غلبْتَ الشيطان فكان انتصارك في البرية مقدّمة لانتصارك على الصليب
وحصلت لنا بصومك وموتك وقيامتك على نعمة خلاص أبديّ.

من يقيم في حمى العليّ وفي ظلّ القدير يبيت
يقول للرب: حماي وحصني أنت، وإلهي الذي عليه أتّكل.

هذا هو تعليم الحياة، هذه هي الحكمة الحقيقيّة
بعد أن نعمنا بحماك يا رب، نستطيع أن ننشد هذا المزمور
بعد أن نجونا من عدوّ قاتل، نقول لك أنت حمانا وحصننا
بعد أن لقينا الاضطهاد، نلجأ إليك ونلقي عليك اتّكالنا وأنت تخلّصنا.

أنت إلهي وعليك أتكل، أدعوك فأنجو من أعدائي
أنت إلهي وعليك أتكل، أنرْ بوجهك علّى وخلّصني برحمتك
أنت إلهي وعليك أتكل، لذلك أحمدك وأعظّمك
أنت إلهي وعليك أتّكل، فعلّمني أن أعمل ما يرضيك.

أنت الرب الصباؤوت، أنت الرب القدير، أنت الإله القويّ
أنت العزيز الجبّار، أنت حصن تقوم حوله الأسوار المنيعة
تلبس البرّ كدرع، والخلاص كخوذة، والغيرة رداء لتنجّي أحبّاءك.

وأنت الرب الحامي وأنت الملجأ الذي نعتصم فيه
تحمل شعبك كما يحمل النسر صغاره ويوصلهم إلى حيث يريد
تحيط نجا كما تحيط الدجاجة بصغارها لتمنع عنهم كل شر
تحفظنا حفظ الحدقة بنت العين وبظلّ جناحيك تسترنا.

الرب ينجّيك من فخّ الصياد ومن عاقبة السقوط في المهاوي
بريش جناحيه يظلّلك وفي كنفه تحتمي. أمانته ترس ودرع
فلا تخاف من هول الليل، ولا من سهم يطير في النهار
ولا من وباء يسري في الغروب ولا من آفة تسود في الظهيرة.

ونتعلّم يا رب من خلال الصور أي حماية تقدّم لأحبّائك
فالفخاخ هي علامة الحيلة والمكر، وأنت تنجّي مؤمنيك من هذه الفخاخ
وكما يحيط الكروبيم بتابوت العهد، تظلّلنا بريش جناحيك وتسترنا في كنفك
والأمانة التي بها تُعامل أحبّاءك، أعظم من أي سلاح ندافع به عن أنفسنا
أمانتك قوة وثقة، نستند إليها في يوم القتال.

تنجّينا من أخطار الليل، ساعة تمرّ الأرواح الشريرة
تنجّينا من أخطار النهار، ساعة الشمس تحرق والمرض يصيب
حين نكون معك، نكون في مأمن حريز
حين نلتجئ إليك، نحسّ بعظم حمايتك.

تسقط عن جانبيك الألوف وعن يمينك عشرات الألوف وأنت لا يمسك أذى
ليتك تنظر بعينيك وترى مجازاة المنافقين
لأنك قلت الرب حماي وجعلت العليّ معينك
لا يصيبك أي سوء، ولا تقترب نكبة من مسكنك
يوصي ملائكته بك يحرسوك في جميع طرقك
على أيديهم يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك.
تطأ الصلّ والأفعى وتدوس الشبل والتنين.

أنت تحمينا يا رب، لا داخل جدران الهيكل فقط
أنت تحمينا يا ربّ في كل مكان تطأه أقدامنا
فظلّك القدير يصل إلى كلّ مكان، ويحمينا من عيون الأعداء
وسواء كنا في الطريق أم في بيوتنا، نشعر بعينك الساهرة علينا.

ترسل إلينا ملائكتك ليقودوا مسيرتنا فلا نعثر
وتجعلنا ندوس الحيوانات الشريرة ولا نخاف منها
وهكذا تعود بنا إلى النظام القديم يوم كان الإنسان سيّد الحيوان.
يوم كان الإنسان ينعم بصداقتك أعطيته هذا الامتياز
ويوم تعود إلينا صداقتك نعرف سعادة يعيش فيها الإنسان مع الحيوان بسلام.

قال الرب:
أنجيه لأنه تعلّق بي. أرفعه لأنه عرف اسمي
يدعوني فأستجيب له، ومعه أنا في الضيق
أخلّصه، وأمجّده، ومن طول الأيام أشبعه، وأريه خلاصي.

وتتكلّم أنت يا رب وتعدنا بالحريّة والمجد
تعد الذين يؤمنون بك ويتّكلون عليك، بالخلاص من كل شرّ
ندعوك فتستجيب لنا، ندقّ الباب فتفتح لنا
نسألك الحياة فتعطينا، والخلاص فتمنحه لنا.

نحن نتعلّق ونثق بك، يا من أنت إله المحبّة
نحن نعرف اسمك، نعرفك معرفة شخصيّة بعد أن كشفت ذاتك لنا
نحن نعلن سلطانك بكل جوارحنا، نحن نعلن أنك سيّد حياتنا
عيوننا إليك تنتظر العون، وعينك إلينا في أوان الضيق.

قلت لنا كما قلت لعبادك وأنبيائك: إنك معنا
في الضيق، في الحرب، في المصائب العديدة، أنت معنا وأنت تنصرنا
أنت معنا ونحن معك، لأنك تدخلنا إلى هيكلك، وإلى حياتك الحميمة
أنت معنا فترفعنا وتمجّدنا، أنت معنا لتعطينا طول الحياة
أنت معنا فترينا الخلاص، فترى أقاصي الأرض خلاصك
أنت معنا فترينا الخلاص، ويرى كلّ جسد خلاصك يا ألله.

تدعونا إلى الاتّكال عليك يا رب، ولكنك لا تدعونا إلى الاتّكاليّة الكسولة
تعدنا أنك تحمينا من أخطار الحياة، بل تعدنا أن تكون معنا في وقت الضيق
أنت جعلتنا في العالم وما انتزعتنا من العالم، بل وعدت أن تحمينا من الشرير
أنت تعرف ما يصادفنا من ضيفات، ولكنك وعدت أن تساعدنا لأن نخرج منها.

أنت تلتفت إلينا يا رب، وتمدّ نوقنا يدك المخلِّصة
يدك أقوى من كل قوى الشر، ولهذا نستسلم البك كالولد لين يدي أمه.
أريتنا معونتك فرأيناها، عرّفتنا خلاصك فعرفناه
كنت معنا في الضيق، كنت معنا في المجد، فما أعظمك يا ألله!

فأنت يا يسوع كنتَ عبد الله الذي تألّم ومجّد، الذي عرف الضيق والخلاص
عشتَ حياتك في حمى الله، وجعلت اتّكالك كاملاً عليه
قلتَ: لستُ وحدي، بل الآب معي، فدللت على اتحادك بالله
فمجّدك الآبُ بالمجد الذي كان لك عنده منذ بدء العالم
وأعطاك الحياة التي لا تزول بالقيامة من بين الأموات.

تلك كانت صلاتك، تلك هي صلاتنا. فاجمع صلاتنا بصلاتك.
واحمنا من قوى الشرير وأظهر لنا عنايتك
وكن لنا الملجأ والترس والدرع، كن لنا ذاك الآتي إلينا
فنلقاك بعد الموت في القيامة، وبعد الألم في المجد. أمين.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM