الفصل الخامس والثلاثون :الخطيئة الأصلية

الفصل الخامس والثلاثون
الخطيئة الأصلية

يعود هذا المقال إلى التعليم المسيحي في الكنيسة الكاثوليكية ليوضح نظرة اللاهوت إلى الخطيئة الأصلية. هي خطيئة البدايات. هي خطايا البشر على مرّ التاريخ. وهي تصبح ميلاً فينا يجعلنا نفعل الشرّ الذي لا نريد ولا نفعل الخير الذي نريد. وكانت نقطة الانطلاق روم 5: 12- 21: "بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت، وهكذا عمّ الموت جميع الناس لأنهم كلهم خطئوا".
إن امتداد الخطيئة في العالم منذ الاعمال الفردية حتى بنى المجتمع كلّه، كان منذ القديم موضوع تعليم الخطيئة الأصلية. تحدّث "اللاهوتيون" عن خطيئة نرثها من أبينا الأول آدم، عن خطيئة متأصّلة في قلب البشريّة، عن خطيئة ترتبط بالانسان بما أنه إنسان. إن آدم الانسان الأول عصى وصيّة الله فخسر القداسة والبرارة التامّة اللتين فيهما خُلق، فخضع لعبودية الشر وسلطان الموت، ولم يسىء آدم فقط إلى ذاته، بل إلى كل نسله. لهذا، يولد جميع البشر، وهم يتحدّرون من الانسان الأول، خاطئين. والله وحده يستطيع أن ينتزعهم من حالة الخطيئة هذه بموهبة الفداء في يسوع المسيح. وتحدّث بعض الشّراح خطأ عن العمل الجنسي الذي به نولد فيجعلنا خطأة. وقال آخرون: الانسان، بما هو إنسان، موصوم بوصمة الخطيئة، مطبوع بميل إلى الشرّ يجعله يعمل الشرّ الذي لا يريده، ويتحاشى الخير الذي يريده.
نبدأ فنطرح الموضوع ثم نقرأ روم 5: 12- 21 في قسمين متكاملين: سلطان الخطيئة والموت (5: 12-14). الموازاة بين آدم الأول وآدم الثاني (15:5-21).

1- موضوع الخطيئة الأصلية
إن تعليم الكنيسة الكاثوليكية (رقم 385- 421) يجعل القارئ فورًا أمام واقع سرّي وعميق: وجود الشّر في العالم. هناك الشّر الطبيعي: الألم والعذاب والموت. هناك الشّر الأدبي أو الروحي: فوضى الرغبات والخطيئة التي تولّدها هذه الرغبات. منذ متى كان الأمر هكذا؟ منذ وُجد الانسان على الأرض. ومن العبث أن نتخيّل بشريّة أفلتت من سلطان الخطيئة والموت. منذ بولس صار الموت والخطيئة وكأنهما شخصان حيّان، وهكذا قد نستطيع أن نفهم الوضع البشري الذي نعرفه معرفة اختبارية. نحن أمام حدث سّري هو "خطيئة البدايات" الذي هو نقطة إنطلاق وضعنا الحاليّ. وهذا الواقع السّري تسميه الكنيسة اللاتينية (واللاهوت الذي عرفناه في هذا الخط) منذ القديس أوغسطينس: الخطيئة الأصلية. نحن أمام خطيئة البدايات التي هي اجتياح الشّر في التاريخ بسبب ضعف الحرّية البشريّة: دُعيت هذه الحرية للاتحاد بالله، فمالت عنه وانغلقت على ذاتها. ونحن أمام الخطيئة الأصلية كحالة نولد فيها، كحالة متأصّلة فينا. فنحن بها نميل إلى الشرّ الأدبي، نخضع للشّر الطبيعي، للألم والموت، نخضع لنير الخطيئة ونير الموت... ولكنّا من الهالكين لولا النعمة التي تقدّسنا وتوحّدنا بالله.
وإذ أراد تعليم الكنيسة الكاثوليكية أن يوضح وجهتَي هذا الوضع، دعانا إلى قراءة نصين رئيسيين في الكتاب المقدّس. الأول، خبر البدايات في تك 3. إذ أراد الكاتب الملهم أن يصوّر هذا الحدث الاساسي القديم، استعمل لغة مصوّرة، لغة الامثال، التي تُسقط على إنطلاقة التاريخ البشري ما يشكّل جوهر التجربة والخطيئة. لم ينطلق الكاتب من الماضي إلى الحاضر، وكيف له أن يعرف الماضي معرفة علميّة وتاريخيّة. بل انطلق من الحاضر، من عمق الانسان، من الشر المتأصّل فيه، وحاول على ضوء الوحي أن يصل إلى عمق الشر والخطيئة. نحن في الأساس أمام رفض الله، ورغبة في أن يصير الانسان مثل الله يعرف الخير والشر، يقرّر الخير والشّر (وكم نقرّره باسم أنانيتنا ومصلحتنا). أراد الانسان أن يكون "حكيمًا" كالله، فإذا هو عريان كالحيّة الكاذبة، مغلوب على أمره في الشّر الذي اقترفه، وخاضع لسلطة الخطيئة التي قادته إلى الموت. يوم تأكل من شجرة معرفة الخير والشر تموت موتًا. تلك كانت الوصيّة التي وُجّهت إلى آدم، إلى الإنسان الأوّل، إلى الانسان الذي عرفه الكاتب الملهم ساعة كتب، إلى الانسان الذي هو أنت وأنا في ضعفنا أمام الخطيئة وتخاذلنا في حفظ وصيّة الله وعيش المحبّة.
لن نتوقّف مطوّلاً عند تك 3 الذي قد يكون ينبوع إلهام لبولس الرسول حين يكلّمنا عن آدم الأول وآدم الثاني. آدم الأول (وما فيه من عتيق) قاد البشر جميعًا إلى الهلاك. وآدم الثاني (وما فيه من جديد، من نظام جديد) برّر البشر كلّهم فنالوا الحياة (روم 18:5). أجل، لم يترك الله الانسان في عهدة آدم الأول، لم يتركه في يد الموت. بل جعله في عهدة آدم المحيي (1 كور 15: 45). وحدّثنا بولس الرسول في هذا المجال عن حدث البدايات وعمل المسيح الفادي. وهكذا دعانا إلى التأمل في ما يميّز مخطّط الله: حيث كثرت الخطيئة هناك فاضت النعمة وتغلّبت عليها.
من أجل هذا سوف نحلّل روم 5: 12- 21 الذي توخّى أن يبرز فيض النعمة هذا. نقوم بتحليل أدبي فنبيّن التوازي بين "الآدمين"، ونبيّن أن الهدف الأساسي لهذا التوازي هو بأن ينشد عمل المسيح الفدائي ويبيّن عظمته. وإن هو أشار إلى الخطيئة، فلكي يبرز النعمة في شكل تعارض. ولكن يبقى همه الأساسي إظهار الفداء. وهذا ما نفهمه بالعودة إلى السياق السابق: إنطلق من واقع تبريرنا الذي يجعلنا في سلام مع الله (روم 5: 21؛ رج 9:5) فلمّح تلميحات واضحة إلى النعمة (آ 2)، ورجاء المشاركة في مجد الله (آ 2، 9)، ومحبة الله التي سُكبت في قلوبنا فتقبّلناها (آ 5، 8)، والمصالحة مع الله (5: 10- 11): "إذا كان الله صالحنا بموت ابنه ونحن أعداؤه، فكم بالأولى أن نخلص بحياته ونحن متصالحون، بل نحن أيضًا نفتخر بالله، والفضل لربنا يسوع المسيح الذي به نلنا الآن المصالحة".
والمقطع الذي يبدأ مع آ 12 يختتم كل ما قيل حتى الآن، كما تدلّ عليه الأداة "لذلك". أو "بسبب ذلك". بعد هذا تتركّب الجمل حسب تواز دقيق تبدو قوته من خلال تكرار كلمات تتقابل وتترابط. سنقوم بهذه القراءة مميّزين في هذا المقطع شقّين متكاملين: الأول يصور سلطان الخطيئة والموت على البشرية (5: 12-14). والثاني (آ 15- 21) يدلّ على العبور إلى وضع الخلاص الذي حصلنا عليه بالنعمة.

2- سلطان الخطيئة والموت (5: 12- 14)
تتضمّن آ 12 صعوبتين لا بدّ من أخذ موقف تجاههما. "كما بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم، وبالخطيئة الموت، أجل أيضًا، في جميع الناس سرى الموت، بما أن الجميع خطئوا".
يقدّم النصّ تعارضًا. من جهة، إنسان واحد هو آدم. ومن جهة أخرى، جميع الناس. ومقابل ذلك، سلطان شامل للخطيئة والموت المشخَّصين كقوتين للشر، وهذا السلطان يسود على الجميع. فالشريعة لا تتدخّل في آ 13 (نتذكرها فيما بعد مع موسى) إلاّ لتبرز شمولية الموت في الدرجة الأولى، وشموليّة الخطيئة في الدرجة الثانية، حتى حيثما لم تتخذا شكل تعدٍّ على الشريعة كما في وضع آدم.
هنا نعود إلى تفصيلين. تُرجمت آ 12 كما يلي: "كما أن... الخطيئة دخلت في العالم وبالخطيئة الموت، وهكذا سرى الموت". لم تنته الجملة، وظلت آ 14 غير مرتبطة بأن شيء (ظلّت معلّقة)، والمقابلة لم تجد ما يقابلها. لهذا طُرح حلاّن ممكنان. أو نلغي حرف العطف فنقول: كما الخطيئة... هكذا سرى الموت". أو نقول: أجل أيضًا سرى الموت. وهكذا ينتظم عنصرا المقابلة بطريقة منطقيّة تبدو مبنيّة حسب النموذج التالي:
أ- كما بإنسان واحد
ب- دخلت الخطيئة إلى العالم
ج-وبالخطيئة الموت.
أأ- أجل، أيضًا، في جميع الناس
ب ب- سرى الموت
ج ج- بما أن الجميع خطئوا.
والتفصيل الثاني يتعلّق بعبارة "لأنهم كلهم خطئوا". أو: "بما أن الجميع قد خطئوا". قد يعود اسم الموصول إلى "إنسان واحد". لهذا قالت الترجمة اللاتينية التي تبعها أوغسطينس وقسم كبير من اللاهوتيين: "إنسان واحد فيه جميعهم خطئوا". ولكن قد نفهمها أيضًا: لأنهم جميعهم خطئوا. بحيث إنهم جميعًا خطئوا. أجل، كلهم خطئوا. هذا واقع نلاحظه. وهكذا تكون نقطة الانطلاق (آ 12 أ): إنسان واحد، الخطيئة، الموت. والنتيجة (آ 12 ب: كذلك): جميع الناس، الموت، عاقبة الخطيئة.
وهنا تبرز صعوبة. إذا كانت الخطيئة المشخَّصة قد دخلت إلى العالم (= في كل الجنس البشري) بإنسان واحد (= آدم)، فما الذي عمله هذا الانسان الذي نجعله "وحده" تجاه "الجميع"؟ لا تستطيع الخطيئة أن تكون إلاّ تجاوزًا لأمر الله، لشريعة الله. من هنا يرد شرح آ 13 (فقبل الشريعة كان في العالم خطيئة) التي تبدأ فتطرح الاعتراض: لا يعتبر الله شيئًا ما "خطيئة" إلاّ إذا وُجدت شريعة تمنع. والحال أن الشريعة التي بها تأتي "معرفة الخطيئة" (3: 20 ب) لم تعطَ تاريخيًا إلاّ بموسى. إذن، ما الذي حصل لكي يسود الموت (الذي هو نتيجة الخطيئة وعقابها) على العالم منذ آدم إلى موسى؟ الجواب: في ذلك الوقت "كان في العالم خطيئة" (آ 13 أ): بما أن الخطيئة المشخَّصة "دخلت إلى العالم" (آ 12)، يتبع ذلك أن "الجميع خطئوا" (آ 12 ب). ولذلك "ساد الموت من آدم إلى موسى" (آ 13 ب) كعلامة على سيادة الخطيئة على العالم، وعلى شموليّة الخطيئة في الجنس البشري كله. إذن، نحن أمام وضع لا مخرج منه إن لم يتدخّل الله ويحوّل مسيرة الأشياء. هذا هو معنى مجيء المسيح على الأرض: سيعيد بناء ما هدمه آدم. فالفداء هو خلق جديد للبشريّة التي سُلمت إلى سلطان الخطيئة والموت، هذين العدوين اللذين سادا عليها منذ البدايات.

3- الموازاة بين آدم الأوّل وآدم الثاني (5: 15- 21)
أ- نظرة شاملة
يقدّم بولس عمل المسيح في تعارض موسّع يقابل فيه نتائج "خطيئة إنسان واحد" ونعمة الخلاص التي حملها المسيح إلى "جميع البشر". إن هذه النعمة تتجاوز بوفرة نتائج الخطيئة في العالم أي تسلّط الخطيئة والموت المشخَّصين على الجنس البشري كله. إذن، "الموازاة بين الآدمين" لا تفي كليًا بالمراد: فالتشديد هو على المسيح وحده. والعبارات المستعملة تشدّد على هذا الوضع بقوّة. وهذا ما تدلّ عليه بدايتا آ 15 وآ 16. "وليس كما الزلة هكذا أيضًا عطيّة النعمة" (ليست الزلة بمقدار الموهبة). لسنا أمام تكافؤ بين الاثنتين. ولا تُذكر الزلة، إلاّ لكي تُبرز سمّو الموهبة (عطيّة النعمة). إن موضوع تعليم بولس هو المسيح، لا آدم. لا شكّ في أننا أمام موازاة بسيطة مع أدوات التشبيه (كما... كذلك). ولكن الاختلاف بين نتائج عمل آدم وعمل المسيح (كما في آ 15، 16) تبرزه جمل تتبع هذا الاختلاف: فكم بالأحرى قد ازدادت نعمة الله (آ 15). كم بالأحرى الذين يتلقّون كثرة النعمة (آ 17).
إن جملة المقابلة تعود إلى شروح أعطيت في آ 12-14 لتفسّر دخول الخطيئة إلى العالم وتكاثر الخطايا (الذي تلا) عند جميع البشر. لم يعرف الانسان هذين الواقعين إلاّ إنطلاقًا من خبرته الآنيّة. أمّا نقطة إنطلاقهما فتختفي في ضباب الزمن وتطرح سؤالاً صعبًا تدفعنا إليه معرفتنا بأن البشريّة هي خليقة الله، وأن الله لا يمكنه أن يكون مسؤولاً عن الخطيئة والموت في الشكل الذي نختبرهما: فلا الخطيئة (تبدو كشخص حي) ولا الموت جاءا من الله. ولهذا فالعودة إلى "خطيئة البدايات" تقدّم في الايمان شرحًا يبقى "الكيف" فيه سرّيًا (أي: كيف صار ذلك؟). فإن تك 3 هو تصوّر أمثالي (أي تعليم في مثل). غير أن الله لا يتخلّى عن البشر والعالم ليسلّمهم لمصير شّرير: فإن المسيح قد صنع خلاصًا يتجاوز الشّر بكل أشكاله.
ب- تحليل النصّ
أولاً: عودة إلى آ 12- 14
نجد في هذه الايات العناصر المتعارضة: "إنسان واحد" و"جميع الناس". "العالم" و"الجميع". كل هذا يرتبط "بشخصين" دخلا على المسرح: الخطيئة والموت. في آ 12 أ، دخلا إلى العالم. وفي آ 12 ب صارا في العالم وسَريا في جميع البشر. في آ 13-14 تدخّلت الشريعة كشخص ثالث، ولكنها ظلّت في خلفيّة المشهد منذ البداية، لأن آدم "وحده" ارتكب "التجاوز". ففي قلب عالم مطبوع بسلطان الخطيئة والموت، لم تظهر الشريعة إلاّ بواسطة موسى: ومنذ ذلك الوقت أخذت الخطيئة بعين الاعتبار. فحسب ما قيل في آ 13 ب ج كان عقاب الانسان الموت الذي هو علامة سيادة قوّة الموت (هو شخص حي) على العالم. ولكن الموت كان سائدًا على البشر (منذ آدم إلى موسى) الذين جهلوا الشريعة فما استطاعوا أن يتجاوزوها كما تجاوزها آدم. والسبب واضح: في العالم خطيئة (أي: كميّة من الخطيئة) (بدون أل التعريف أو الخطيئة كشخص حيّ). فما وراء خطيئة آدم (خطيئة البدايات)، هناك بدايات "خطيئة العالم" التي تبدو ثقيلة على إنسان وتدلّ على كلّ سيادة الخطيئة (المشخَّصة) على العالم. ينتج عن هذا خطايا فرديّة لا نستطيع أن نسمّيها "تجاوزات" إلاّ حيث عُرفت شريعة موسى. وهذه الخطايا، وإن لم نحسب لها حسابًا بالنظر إلى الشريعة، فهي ترتبط، شأنها شأن "خطيئة العالم"، بسيادة الخطيئة المشخَّصة ونتيجتها التي هي: سيادة الموت الذي هو عقاب الخطيئة في كل أشكالها.
إن خطيئة آدم التي أدخلت إلى العالم الخطيئةَ والموت، هي خطيئة البدايات. ونحن لا نستطيع أن نتصوّرها إلاّ مع الخبر الامثالي كما ورد في تك 3 وتجاه الفردوس الذي يرافق خلق الانسان. فالفردوس يصوّر في الوقت عينه نوايا الخالق الأساسيّة، والحلم الأخير الذي يغذّيه كل إنسان في أعماق وجدانه. ولكن خرج من خطيئة البدايات وخطيئة العالم وضعٌ يميّز علاقتنا مع الله حين نولد في قلب البشريّة الخاطئة. هذا الوضع هو قوّة مظلمة تُلقي بثقلها على البشر وتستجلب نتائج سيكولوجية نسمّيها الانجذاب إلى الشرّ. وإذ أراد أوغسطينس أن يتحدّث عن هذا الوضع اخترع عبارة "الخطيئة الأصلية". أما روم 5: 12-14 فيهتم بخطيئة البدايات أكثر منه بالخطيئة الأصلية. وينتج من السياق أن جميع الناس خطئوا حتى قبل أن يتسلّم موسى وحي الشريعة، وذلك بسبب سيادة الخطيئة المشخَّصة على البشر. ولكن كيف حقّق الله قصده الرحيم تجاه البشر رغم تجمّع عناصر مغايرة له هي: خطيئة البدايات، خطيئة العالم، الخطايا الشخصية؟ هذا ما ستشرحه آ 15- 21 راسمة الموازاة بين آدمين، وواضعة بداية سيادة الخطيئة على العالم تجاه بداية نعمة الفداء التي حصلنا عليها بواسطة يسوع المسيح وحده. هذه الموازاة تمتدّ في ثلاث موجات متعاقبة (آ 15، آ 16-17، آ 18-20) وخاتمة تربط السيادة النهائية للنعمة مع سيادة الخطيئة وتجعلها تتجاوزها وتعوّض عن شّرها تعويضًا لا يتصوّره عقل إنسان.
ثانيًا: بنية آ 15
أرادت آ 15 أن تبرز التعارض بين خطيئة البدايات ونتائجها، فبدأت بالاداة "ولكن" (بل عكس ذلك). وهكذا تتقابل "الزلة" (خطيئة البدايات) مع "الموهبة" (التي جاءت في النهاية). ثم عبارة "خاطئ واحد" (آ 16 أ) مع "الموهبة". كل من المبدأين العامين اللذين يبدأان آ 15 و16، يتبعه توسّع واحد ثم توسّعان يبرزان السمّو المطلق لعمل المسيح مخلّص البشر. والتلميح إلى آدم (سمّي مرَّتين فقط في آ 14) يبرز هذا التأكيد الذي يؤسّس الايمان المسيحي، ويشرح نتائج "الموهبة" ثم "عطيّة النعمة" (كارسمة). واستعاد النصّ هنا المقابلة بين "واحد" و"جميع" فذكّرنا بعبارة نقرأها في أش 53: 12 ودا 12: 2 (الكثيرون).
ولكن الموازاة بين "آدم" وحده و"يسوع المسيح" وحده تبدو غير متكافئة. هذا ما تبيِّنه عبارة "كم بالأحرى". في البدايات كانت نتيجة "خطيئة واحد" الموت للكثيرين. وأما الآن فنحتاج إلى عدد من الألفاظ لنبرز "الوفرة الزائدة" لـ"عطيّة الله" التي بدت كـ "عطيّة نعمة" مُنحت للكثيرين بواسطة "الانسان الواحد يسوع المسيح". فالتلميح إلى "خطيئة البدايات" التي انطلقنا منها، وُجد هنا لكي يبرز الواقع الحاضر الذي يحمله الخلاص لجميع البشر، ويدلّ على الانسان يسوع الذي نعترف به كمسيح أنبأت به الكتب المقدسة. كل هذا يدلّ على دوره كوسيط من أجل جميع البشر.
ثالثًا: وليست خطيئة الخاطئ (آ 16-17)
ويستعيد النصّ الموازاة عينها، وتكاد "الكثرة" تُذكر تجاه آدم الوحيد ثم يسوع المسيح الوحيد. ويشدّد على النتائج: نتائج الخطيئة من جهة، ونتائج النعمة من جهة أخرى. لا تذكر آ 16 "خطيئة البدايات" ذكرًا واضحًا، ولكنها تلاحظ أن "الدينونة" تصل إلى "الحكم" (آ 16 أ ب): العودة الضمنية إلى آ 15 أ ب تفهمنا أن الموت هو عقوبة هذا الحكم، ولكنها لا تحدّد. أما في آ 16، فتبرز عطيّة النعمة لتقابل "الدينونة". جاءت هذه الدينونة كنتيجة للشريعة. ولكن الله كشف عن نفسه الآن أنه ليس الديّان: هو لا يحكم بل يرأف ويغفر. والذين يرحمهم تبعوا مثال أبيهم الأول: إقترفوا "زلاّت عديدة". غير أن الله لا يكتفي بأن يغفر، بل هو "يبرّر". و"التبرير" يدلّ على عمل به يعلنهم الله أبرارًا في حكمه، يل يجعل من الخاطئين أبرارًا لأنّ برّ نعمته يبرّر. ففي المسيح "أظهر الله برّه في الوقت الحاضر لكي يكون بارًا ويبرّر من هو على الايمان بيسوع" (روم 3: 26).
إن نظرية البرّ المتّهم الذي "يستر" الخطايا دون أن يمحوها في الحقيقة، هي على نقيض من النص الحاضر. في الماضي لجأ اللاهوتيون إلى نظرة "برّ" إلهي مأخوذ من الحق الروماني: برّ القاضي الذي يكافئ بالخير أو يعاقب. ولكن منذ أش 53: 3، 8 ب، برُّ الله هذا كان برًا يخلّص. وهذا هو الوضع في آ 16-17 حيث تنطبق الكلمة على أشخاص نالوا الرأفة و"تبرّروا"، عكس الشجب الذي ستحدّد الاية التالية مضمونه بشكل عقاب. ولكن لا نخلط في ما يتعلّق بالله، ما يقال عن "البرّ" وما يقال عن "الحكم". في القسم الأول من آ 16، وصلت الدينونة إلى الحكم. ولكن البرّ الذي يخلّص واهبًا عطيّة النعمة يصل إلى التبرير. هذا هو الدور الحقيقي للمسيح في مخطّط الله. ونفهم أن النص (كما في آ 15) يلجأ إلى التعجّب: كم بالأحرى! فآدم الجديد يتجاوز آدم الأول باتّساع عمله الفدائي تجاوزًا لا حدود له.
وتعود آ 17 إلى الموضوع الاجمالي الذي عرضته آ 12-14: "بزلة واحد، ساد الموت" أي: في العالم. في الكثيرين. كان "الحكم" بعد الدينونة كما قالت آ 16 على خطى آ 14. فانقلب الوضع، وجاءت الكلمات تعظّم الخلاص الذي منحه "يسوع المسيح وحده". هي أوّلاً "وفرة النعمة" للناس المخلّصين. ثم "موهبة البر" التي تدلّ على التبرير الحقيقيّ. على أثر خطيئة البدايات "ساد الموت عليهم (آ 17 أ). ولكنهم منذ الآن نالوا وعدًا بأن "يملكوا" هم أنفسهم (آ 17 ب) بمشاركة في ملك المسيح. ولا يُفهم الأمر إلاّ إذا كان نتيجة "بر"، حقيقيّ داخليّ يعطينا الله إياه فنتسلّمه من نعمته. وهناك تفصيل يتعارض مع وضع الناس الذين ساد عليهم الموت منذ البدايات: تبرّروا بنعمة المسيح، فهم "يملكون في الحياة". إذن، بالنسبة إليهم هناك عبور من الموت إلى الحياة، من ميراث آدم إلى عطيّة النعمة التي منحها المسيح يسوع. وهكذا ينتهي التوسّع المزدوج في آ 15-17. يبقى علينا أن نستخرج النتائج محلّلين البنية التعارضية في الجمل، حتى نهاية التوسّع.
رابعًا: بنية آ 18- 19
نحن أمام خاتمة. هذا ما تدلّ عليه الأداة "إذن". والمبدأ العام الذي وُضع في آ 16، قد استعيد هنا مع تحوّلات جوهرية. فالتعارض بين "واحد" و"كثير" يبدو مع إختلافات لها معناها. في البدايات لم يذكر النصّ "واحدًا" (إنسانًا)، بل "زلة واحدة" مقابل شمولية نتائجها. ويشدّد النصّ على مفهوم الزلة التي ترينا الانسان "ساقطًا" في حالة الخطيئة. ويتكوّن تعارض بين "زلة" و"فعل برّ" يقوم به المسيح الذي لا يُذكر (برّ واحد) هنا. وكانت نتيجة خطيئة البدايات للخاطئ ولنسله، "الحكم" والشجب. ومقابل هذا كانت نتيجة برّ المسيح لجميع البشر "تبرير الحياة". وهكذا نجد عطيّة البرّ المذكورة في آ 17. ويكون التوازي المتعارض كاملاً. هو لا يقول إن دينونة الله جرّت وراءها الحكم "بالموت" (آ 12، 14، 15، 17). لا فائدة من التكرار لأن ذكر "الحياة (آ 18) كنتيجة يلمّح إليه بشكل متضمن.
في آ 18 نتج "الحكم بالموت" و"تبرير الحياة" من "الزلة" و"البرّ". في آ 19، نصعد درجة لنفهم التسلسل بين "الخطيئة" و"الموت". نحن لا نعالج هذه المسألة على مستوى "إنسان واحد" (آدم والمسيح)، بل على مستوى "الكثرة" المذكورة ضمنيًا في آ 12-14، ثم بوضوح في آ 15-16 (الكثيرون). هنا نتوقّف عند نتائج عمل "واحد" (آدم والمسيح). يرسم بولس العمل مستعينًا بتناقضة محدّدة: من جهة آدم كان "العصيان" (عدم الطاعة). أما من جهة المسيح، فـ "الطاعة". ولكن بما يرتبط هذا العصيان (بالنسبة إلى أي شيء) وهذه الطاعة (من نطيع)؟ العصيان هو "رفض سماع". هو رفض سماع الشريعة. ولكن وراء الشريعة نجد المشترع: فالشريعة هي كلام الله. أمّا المسيح فبدا طائعًا لله. ولقد قال فل 2: 8 إنه "كان طائعًا حتى الموت والموت على الصليب". وفي روم، تنطبق الطاعة على المؤمنين بواسطة الايمان (1: 5: تخضع للايمان جميعُ الأمم؛ 16: 16: ليخضعوا للايمان) أو بالنسبة إلى الله وحده (6: 6 ب). ولكن عب 5: 8 تعيد هذا الموقف إلى المسيح نفسه فتقول: "وعلى كونه ابنًا، تعلّم الطاعة ممَّا تألّم". وهذا ما نقول أيضًا في آ 19 ب: "بطاعة واحد"، أي بطاعة المسيح.
ولكن يبدو من الصعب أن نحدّد الطريقة التي فيها تظهر نتائج طاعة يسوع وعصيان آدم. في أي معنى نستطيع أن نقول إن "الكثيرين جُعلوا خطأة"؟ هل نحن أمام تلميح إلى الخطايا الشخصيّة التي جاءت على أثر خطيئة آدم؟ هكذا نعود إلى آ 12: "الجميع خطئوا". ولكن أن يُحسب الجميعُ خطأة بفعل "واحد"، فقد يعني ذلك أيضًا حالة خطيئة تمتد على البشريّة كلها بمعزل عن الخطايا الشخصية. حينئذ نلتقي مع نظرة أوغسطينس إلى "الخطيئة الأصلية". ولكننا لن نتوقّف عندها إلى ما لا نهاية، لأننا نجد ما يقابلها من جهة عمل المسيح، "بطاعة واحدة يُجعل الكثيرون أبرارًا". وبما أن هذه النعمة تتجاوز من كل جانب نتائج "خطيئة البدايات"، تنفتح أمامنا طريق الرجاء. فالرسالة إلى رومة ليست أولاً شجبًا لخطيئة البشر: هي أولاً إعلان الخلاص بنعمة المسيح. فلا نستنتج من آ 19 أن "الخطيئة الأصلية" ألغيت بصورة آلية بفضل هذه النعمة. حين يقول بولس "جعل الكثيرون خطأة" على أثر خطيئة البدايات، فالمبدأ ينطبق على مجمل الجنس البشري. ولكن حين يزيد أن "الكثيرين جعلوا أبرارًا" بطاعة المسيح، فهذا لا يلغي ضرورة جواب قدّمه كل واحد منا بحرّيته لنعمة الخلاص. إن لفظة "الكثيرين" تعارض لفظة "واحد"، والتعارض بين الاثنين يعطي معنى لهما معًا.
في وضع المسيح، تدل لفظة "واحد" على شخص يسوع. ولكن في وضع آدم، لا نستطيع أن نثبت نظرية المونوجينية (وحدة السلالة والأصل) من هذه اللفظة في روم 5: 12، 17، 18. فوحدة أصل الجنس البشري قضيّة عقائديّة، ولكن طريقة تحقيقها لا يعود إلى اللاهوت بل إلى العلم. وكذلك لا نستطيع أن ننظر إلى ثمرة طاعة المسيح وكأنها امتدت بذات الفعل إلى الجنس البشري كله من دون تعلّق شخصي وحرّ بالمسيح الذي يخلّصنا. من هذا القبيل، هناك اختلاف بين الاشارة إلى "جميع الناس" بالنسبة إلى "الموت" (آ 12) و"الحكم" (أي: الحكم بالموت) (آ 18)، والاشارة إلى "الكثيرين" التي نفهمها فقط في إطار تعارض بين العلّة والنتائج. إن "كثرة النعمة وعطيّة البرّ" (آ 17) و"تبرير الحياة" (آ 18) لا تعطى للبشر إلاّ إذا ارتبطوا بالمسيح بالايمان.
ويعود النصّ في آ 20 إلى شخص آخر في الدراما، ذُكر مرتين في آ 13: هو الشريعة. إنها تقابل النعمة تقابلاً تعارضيًا. حدّدت آ 13 القاعدة: "لا حساب لخطيئة إن لم تكن شريعة". هنا تستعيد آ 20 بشكل ضمني المبدأ الذي طرح في 3: 20: "لن يبرّر لحم ودم (إنسان، بشر) أمامه بأعمال الشريعة، لأن الشريعة معرفة الخطيئة". يستعيد النص المبدأ بحيث تهدف عطيّة الشريعة إلى الاكثار من الخطايا التي لا تغفر. فإذا راعينا تفاصيل النصّ نستطيع أن نترجم: "إذا كانت الشريعة تدخّلت، فلكي تتكاثر الخطيئة". ولكن ما يلي يصحّح الشعور الذي تركته فينا هذه الجملة: "ولكن حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة" (آ 20). إن التوازي الأدبي يقلب ترتيب الألفاظ ليبرز بشكل أفضل هذه الخاتمة. وهي تحمل في زخمها الملاحظة السابقة عن تكاثر الخطايا على الأرض. وفي النهاية، ولأجل ذلك، كل شيء نعمة. وهنا يختتم تعليم الكنيسة الكاثوليكية عرضه عن الخطيئة الأصلية فيورد كلام القديس توما: "لا شيء يمنع أن تكون الطبيعة البشريّة قد رُفعت إلى درجة أسمى بَعْدَ الخطيئة. فالله يسمح بالشرّ لكي يستخرج منه خيرًا أعظم. كما يقول القديس بولس: حيث فاضت الخطيئة طفحت النعمة. ونحن ننشد في مباركة شمعة الفصح: طوبى لخطيئة حصلت لنا على مثل هذا الفداء".
خامسًا: الخاتمة (آ 21)
ونصل إلى خاتمة عامة مع أداة تدلّ على غائيّة قصد الله "حتى". إن مضمون هذه الخاتمة يوجز مجمل المواضيع المعالجة في آ 12-20. في آ 21 أ، استعيدت آ 12- 14 مع "الشخصين" المتزاوجين: "الخطيئة" و"الموت". غير أن موضوع المُلك (أو: السيادة) الذي طبّق في الماضي على الموت (آ 17) قد انتقل الآن إلى "الخطيئة": "كما أن الخطيئة ملكت بالموت" (الموت كخبرة بشريّة، لا الموت كشخص حي وقوّة الشّر). واستعاد القسم الثاني من المقابلة عبارة وجدناها في آ 18-19: "كذلك أيضًا". ولكن في هذه المرة انتقل فعل "ملك" الذي طبّق في السابق على الموت والخطيئة اللذين يمارسان سلطانهما على البشريّة، بنت آدم، انتقل إلى المواهب الجوهرية التي يحملها المسيح لكي يخلّصها: "كذلك تملك النعمة بالبرّ للحياة الأبدية بيسوع المسيح ربنا". غابت أل التعريف أمام لفظتَيْ "برّ" و"حياة". ولكننا نستطيع أن نعتبرهما معروفين. إنهما يبدوان في هذه الخاتمة كشخصين حيَّين على مثال الخطيئة والموت.

4- ملاحظات لاهوتيّة
لم يكن هدفنا حين قرأنا روم 5: 12- 21 أن نعرض تفكيرًا لاهوتيًا عن الفداء، ولا أن نطرح كل المسائل التي تدور حول الخطيئة الأصلية (متأصلة فينا) وخطيئة البدايات (في بداية تاريخ البشرية). إنما حاولنا أن نقرأ النصّ فوجدنا فيه قسمين واضحين. القسم الأول (آ 12-14) لا يكشف واقع خطيئة البدايات. بل يعود إليه كما إلى حدث لكي يفسّر وجهتين رئيسيتين في الخبرة البشرية، في زمننا وفي كل الأزمنة: شمولية الخطيئة في الجنس البشري، وحضور الموت كما نحسّ به حين نموت، وحين يموت أشخاص أعزَّاء علينا. وفي خلفيّة كل الخطايا الشخصية، فينا ميل إلى الشّر يدلّ على ثقل قوّة معادية على ضمائرنا المشدودة بين الخير والشّر: إنها الاشارة إلى تسلّط الخطيئة المشخَّصة على كل الجنس البشري في كل عصور تاريخه. ولكن هذه الاشارة التي نلاحظها كلنا، هي علامة عن وضع يُفلت من خبرتنا الحسيّة: فسيادة الخطيئة على البشر هي سابقة لأي خيار أدبي من قبلهم، وقد سمّاها أوغسطينس: "الخطيئة الأصلية". إنه لمن الأهمية بمكان أن لا نمزج المسائل متفحّصين العلاقات بين الخطيئة الأصلية وخطيئة البدايات. فخطيئة آدم تتضمّن شعورًا بالخطيئة نستشفّه فقط عبر تك 3. ولكن في ينبوع الخطيئة الأصلية بالنسبة إلى الأفراد، هناك خطيئة العالم التي تحدّث عنها بولس.
مهما يكن من أمر، ليس الموضوع الجوهري في تعليم بولس في روم 5: 12- 21، الخطيئة الأصلية ولا خطيئة البدايات. بل الفداء الذي أتمَّه يسوع المسيح. فالنصّ الذي حلّلناه يحيط به ذكر مزدوج لشخص المسيح. نقرأ في 5: 11: "بربنا يسوع المسيح". وفي 5: 21: "لحياة أبدية بيسوع المسيح ربنا". والاشارة إلى آدم، بداية عالم خطيئة وموت، قد وُضعت هنا لكي تبُرز بالتعارض ضرورة "المصالحة" مع الله التي حقّقها المسيح (5: 11). الله هو صاحب هذه المصالحة: ذُكر مرّة واحدة بمناسبة الحديث عن النعمة (آ 15). ولكنه ذُكر ست مرات في تقديم المسيرة التي وصلت بنا إلى المصالحة معه (5: 1، 2، 5، 8، 10، 11). إن الفداء هو نتيجة حبّ من المسيح الذي تضامن مع حالتنا حتى القبول بالموت. هكذا صالحنا الله معه بوساطة المسيح، كما قال بولس في 2 كور 5: 19: "فهو الذي في المسيح قد صالح العالم مع نفسه".
وفي النهاية، ماذا نقول في الخطيئة الأصلية من أجل حياتنا؟
لا يتوخّى التعليم عن الخطيئة الأصلية أن يعطينا معلومات عن بداية تاريخ البشرية، لا يستطيع العلم أن يعطينا إياها. فكما أن خبر الخلق في تك 1-2 لا يعطينا جوابًا على مسائل في العلوم الطبيعية، كذلك لا يعطينا التعليم في الخطيئة الأصلية أي حلّ يتعلّق ببداية البشرية.
لا يعطينا التعليم في الخطيئة الأصلية جوابًا مريحًا حول مسألة أصل الشّر في العالم. فمن أراد، بفضل هذا التعليم، أن يجد أعذارًا لخطاياه الشخصية، سيسمع عكس ذلك حين يقرأ النصوص الكتابية: لا نستطيع أن نريح نفوسنا من مسؤولية الخطيئة لكي نضعها على غيرنا. لا على البشر ولا على قوى فوق البشر.
لا نص بيبليًا ولا نص حاسمًا في الكنيسة يتحدّث عن الخطيئة الأصلية في حدّ ذاتها. بل هناك حديث عن الخطيئة الأصلية في علاقتها مع الخلاص وعمل الفداء في يسوع المسيح. إن قلب التعليم عن الخطيئة الأصليّة يعلن أن المسيح هو فادي جميع البشر، لأن جميع البشر يحتاجون إلى فداء الله.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM