الفصل الحادي والعشرون: من هذه المشرقة كالصبح

الفصل الحادي والعشرون
من هذه المشرقة كالصبح
6: 10 – 12

في بداية هذه القصيدة الخامسة، تبدو الحبيبة هي هي، ومع ذلك فهي تختلف عمّا كانت عليه. هي هي بمعنى أنها تدلّ على ذات الاعجاب الوله بحبيها. على ذات الحرارة في حبّه. على ذات السخاء الخارق الذي يجعلها تتجاوز كل الصعوبات لكي تلتقي به. وفي الوقت عينه قد تبدّلت، صارت "امرأة أخرى". فمحنة البحث عن الحبيب والالم المرافق لهذا البحث، ومحنة خيانتها وسقوطها، كل هذا جعلها تنضج وتصل إلى درجة عالية من الكمال. وهي تعرف الآن ضعفها، وتفهم أن لا سند لحبّها إلاّ حبيبها نفسه. فهي إليه تستند وفيه تضع كل ثقتها.
ثم لا نجد في هذه القصيدة الخامسة أية علامة عن الضعف وسرعة العطب عند الحبيبة. كما لا نجد أثرًا للتكاسل والتراخي. بل هي بعد أن تقوّت، وتعمّقت، وتوحّدت، صارت مستعدّة لدرجة من عطاء الذات لم تكن قد وصلت إليها حتى الآن.
(آ 10) "من هذه"؟ هناك من أراد حذف هاتين اللفظتين. ولكننا نحافظ عليهما لأنهما يعطيان الآية حركتها في إطار من البلاغة. كنا قد قرأنا في 3: 6: "ما هذا الطالع من البريّة"؟ وسوف نقرأ في 8: 5: "من هذه الطالعة من البرية وهي تستند إلى حبيبها"؟
نجد فعل "ش ق ف " الذي يعني: "انحنى لكي ينظر إلى الخارج ". رج قض 5: 28، أم 7: 6، في مز 85: 12 تطلّعت العدالة المشخّصة من أعلى السماء. هنا نقابل مع الأرامية "شقيفا" التي تعني قمة صخريّة. رج في لبنان قلعة شقيف. ونقابل مع العربيّة "سقف" الذي يدلّ على أعلى البيت. إذن، تعني الآية أن جمال العروس "يطلّ، يشرق" كالفجر، أو مثل كوكب في السماء. لا نفترض أن العروس اختفت ثم عادت إلى "المسرح" فدلّت على جمالها المميّز. جمالها يسطع فجأة كما في ظهور سماويّ.
"ل ب ن هـ " أي البيضاء. هي لفظة نادرة (أش 24: 23؛ 30: 26) وشعريّة تدلّ على القمر. هنا نتذكّر القمر في نوره وإشعاعه عندما يكون بدرًا. "ب ر ه " أي بهيّة، ساطعة. "ح م هـ " هي لفظة شعريّة (رج: ح م م في العربيّة حمّ التنور أي أحماه، والماء سخّنه) تدلّ على حرارة الشمس (مز 19: 7) ثم على الشمس (أي 30: 28؛ أش 24: 23؛ 30: 26). "رهيبة مع جيوشها"، وقد تكون جيوشها النجوم. قرأت البسيطة: ايك ربوتا: مثل ربوات (في العبرّية: ك ر ب ب وت) أو عشرة آلاف.
من تلفّظ بهذه الآية، وما علاقتها بسياق النصّ؟ في آ 11، العريس هو الذي يتكلّم. ويستطيع أن يتكلّم في آ 10. وقد تكون الجوقة افتتحت الحوار فقالت: "من هذه المشرقة... "؟ فردّ العريس: "نزلت إلى جنّة الجوز". في آ 9 امتدحت الملكات والجواري والصبايا العروس وهنّأنها. وها هي آ 10 تقدّم موضوع المديح.
(آ 11) "ج ن ه" (جنّة). لا توجد هذه اللفظة إلا في أس 1: 5؛ 7: 7- 8. أما نش فيستعمل دومًا صيغة المذكّر "ج ن" (4: 12، 15، 16؛ 5: 1؛ 6: 2؛ 8: 13). في كل هذه المقاطع تنطبق صورة الجنّة على العروس التي تتماهى مع أرض فلسطين (رج ما قلناه في 4: 2). وهذا هو المعنى هنا.
"ا ج و ز" هي كلمة فارسيّة دخلت أيضاً في العربيّة والاراميّة والحبشيّة. تنمو هذه الشجرة في المناطق المعتدلة من أوروبا الشرقيّة وآسية الصغرى (تركيا الحالية) وبلاد فارس. ونجدها في سورية ولبنان وفلسطين في الجبل، قرب الينابيع ومجاري المياه. وُجد الجوز قرب معبد أدونيس في أفقا البنان) وتحدّث المؤرّخ اليهوديّ فلافيوس يوسيفوس في الحرب اليهوديّة عن الجوز الذي نجده كثيرًا في سل جنسارت. وأخيرًا "ي ر د" أي نزل.
تتكرّر مرتين لفظة "ل ر ا و ت " (لكي يرى). فالعريس قلق. وهو ينتظر أولى علامات ظهور الربيع، أي نهوض العروس من النوم (2: 11- 13). "ا ب ي " (في أي 8: 12: ا ب و) تعني "نما، نضج ". ومن هنا يأتي "ا ب ي ب" أي السنابل ثم الشهر الذي فيه تظهر السنابل الخضراء، وبالتالي يطلّ الربيع (آذار، نيسان). وتجاه ذلك يعني "ا ب " النبتات الجديدة. هذا ما فهمته السبعينيّة. أما سيماك فقال: الثمار. "ن ح ل" يدلّ على السيل ثم على الوادي حيث ينبت العشب...
أي وادي يعني؟ ربما الغور بسبب خصبه، ولأن الربيع يظهر فيه قبل أن يظهر في أماكن أخرى. أو بالأحرى وادي قدرون أو "جنّة الملك" حيث تصبّ مياه جيحون. وأفضل من الفرضيتين، نتحدّث عن وديان فلسطين، لأن جنّة العريس هي البلاد كلها، لا منطقة محدّدة منها. أما عن موضوع الربيع في نش، فراجع 2: 11- 13، 15 ب، 7: 13- 14. نلاحظ في 2: 11 ي أن العريس لاحظ أولى علامات الربيع. وفي 7: 13- 14، ستتطلعّ العروس بدورها إلى الكرم الذي يفرخ والرمان الذي يزهر. وهكذا نفهم حرارة الآمال الاسكاتولجيّة يرافقها الشوق إلى رؤية مجيء الأزمنة الجديدة مع إعادة بناء الأمّة والبلاد بناء كاملاً ومجيدًا.
وتتكرّر نهاية الآية (هل أزهر الكرم ونوّر الرمّان) حرفيًا في 4: 13 أ. حينئذ تزيد السبعينيّة هنا 7: 13 ب: "وهناك أعطيك حبّي ". إن فعل "ف ر ح" (في العربيّة أفرخ) يُستعمل عن طريق الاستعارة في هو 14: 6 وأش 27: 6 فيدلّ على ولادة الشعب العائد من المنفى. إن صاحب نش يتحرّك في هذا العالم نفسه من الصور والافكار.
من هو الشخص الذي يتلفّظ بهذه الكلمات؟ ترى السبعينيّة وعدد من الشرّاح أنها العروس. ولكنها تتماهى دومًا مع جنّة العريس، مع ذلك الذي ينتظر ظهور أولى علامات الربيع (4: 12- 15؛ 5: 1). إذن، الحبيب هو الذي يتكلّم. فيعلن أنه جاء إلى عروسه.
(آ 12) كيف نقرأ هذه الآية؟ هناك من اعتبر "ل ا. ي د ع ت ي" (لا أعرف) عبارة طارئة وهي تدلّ على اقرار الناسخ بأنه لم يفهم. والبداية: امتلأت رغبة قلبي. فرضية لم تلقَ تجاوبًا. هناك من ترك "لا أعرف" منعزلة، أو ربطها مع "ن ف ش ي " (نفسي) كما في السبعينيّة والبسيطة: "لم تعرف نفسي". أما المعنى فواضح: أقرّ العريس أنه تراجع من دون إرادته أمام اندفاعه الطوعيّ. والنفس هي مركز النزعات، مركز العواطف والرغبات. نحن هنا أمام الحبّ (1: 7 ؛ 3: 1، 2، 3، 4).
كيف نربط "س م ت ن ي " مع "م ر ك ب وت "؟ هل نقول: "رغبتي جعلت مني مركبة"؟ يرى بعضهم أن "الله " صار مركبة تقلّ شعبه من المنفى (أش 58: 14 ؛ تث 32: 11-13). هل نقرأ: "حملتني نفسي كأنها مركبة"؟ أو"نزوتي رمتني بين المركبات ". في البسيطة: "جعلتني في مركبة الشعب الذي أُعدّ".
وتبقى "ع م ي. ن ر ي ب ". قيل: "حاشية الأمير". أو"شعب نبيل". في السريانيّة: شعب معدّ. أكيلا: شعب يقدّم طوعًا. سماك: شعب يأمر. هناك من حوّل النص في خطّ السبعينيّة (في خطّ الفاتيكاني والاسكندراني والسيناني) والشعبية: عميناداب. يدلّ الكاتب بذلك على الشعوب المجاورة، على العريس السرّي للشعب، على أوّل من وجّه إليه نش. أما اسم عميناداب فقد حمله أشخاص غير معروفين (خر 6: 23؛ 1 أخ 6: 7؛ 15: 15- 11) يتوقّف عندهم صاحب نش ويجد رمزًا. وقال أحد الشرّاح. يلمّح نش إلى مؤمن تقيّ استضاف تابوت العهد قبل أن يأتي به داود إلى أورشليم (2 صم 6: 3- 4).
مع كل هذه الاحتمالات، نحافظ على النص الماسوري. العريس الذي هو يهوه يتحدّث الى العروس ويدعوها "شعبي" (ع م ي، رج عما في السريانيّة، والعمّ في العربيّة). ففي هو 2: 3 "ع م ي " هو الاسم الرمزي للشعب الذي غفر له الربّ. هذا الأمر معقول حين نعرف أن نش يتحدّث عن عودة العريس بعد فترة من الخيانات عرفتها العروس.
"ن د ي ب " هو السخيّ، الكريم. وقد يعني الأمير (1 صم 2: 18؛ أي 12: 21). في مز 83: 12 (رج قض 7: 25) يُقابل أمراءُ مديان مع "ن س ي ك ي م " الذين يسمّيهم قض 8: 5: ملوك. وهكذا يكون معنى "ن د ي ب " الأمير. وتصبح الآية: "لست أدري... جعلني حبّي على مركبات شعي كأمير". ولكن كيف نفهم هذا الكلام؟
نعود هنا إلى 4: 4؛ 6: 4 ب، 10 حيث تُمدح قوّتها الرهيبة. ويزاد توضيح يعود إلى هو 2: 2- 3 الذي يتحدّث عن تكوين الوحدة الوطنيّة بإمرة رئيس واحد، عن العودة إلى الأرض والتغلّب على الأعداء. قد يكون هؤلاء الأعداءُ الشعوبَ الصغيرة التي دلّت على عداوتها حين دمّرت أورشليم، وحين عاد الشعب من المنفى (عز 4 ؛ نح 2، 4 ؛ 6؛ أش 11: 14 ؛ حز 25؛ رج خر 15: 14- 15). وهم الذين سمّوا "الثعالب الصغار" في نش 2: 15. وقد يتطلعّ الكاتب إلى الدينونة الأخيرة التي تصيب العالم الوثنيّ (أش 13: 7- 16؛ ف 24- 25؛ حز 37: 39؛ يؤ 4؛ زك 12؛ 14). مهما يكن من أمر، فالكاتب يرى الله محرّرًا شعبه من المنفى وقائدًا مركباته إلى النصر الذي يدشن الحقبة الاسكاتولوجيّة.

* من هذه المشرقة
إن موضوع المديح الشامل الذي توجّهه الآن جوقة الامم لتلك التي هي فريدة، لتلك المباركة بين النساء، يظهر الآن في الآية التالية: "من هذه المشرقة كالصبح، الجميلة كالقمر، البهيّة كالشمس، المرهوبة كجيش برايات "؟
فالعروس التي عادت إلى عريسها تبدو دومًا وكأنها تطلع (تطلّ) فجأة. فهي تشبه الابن الضال في لو 15. هي تعود من البعيد البعيد، وتقوم من اسفل الأسفل. بل هي تطلّ في نظر رفيقاتها كأنها الصبح أو كأنها كوكب يطلع في الأفق. هي تطلّ لترتفع شيئًا فشيئًا وتكبر إلى أن تفرض نفسها في النهاية. هي جديدة ومدهشة كالفجر والصبح، وضياؤها مشعّ كالقمر في الليل، وكالشمس في قلب الظهيرة. هي ملكة الليل وملكة النهار. ومختلف أوقات الضوء تصوّر نموّ ضيائها: بدأ خفرًا متخفيًا مثل الفجر. ثم لامعًا مثل القمر. وأخيرًا منتصرًا مثل الشمس. كل هذا حين ينعكس على وجه العروس وجهُ ذلك الذي هو "المصباح الوحيد في المدينة" (رؤ 21: 23؛ أش 60: 19- 20).
وشعاع الشمس المنتصرة يعيدنا إلى صورة الجمال "المرهوب كجيش في رايات". هنا يستلهم الشاعر تقليدًا بيبليًا قديمًا يرى في النجوم جيوش الرب الصباؤوت، ربّ القوّات السماويّة. لقد تحدّث تك 2: 1- 2 عن خلق السماوات والأرض كل جنودها. وهكذا تبدو الكواكب في نظر المؤمن جحافل القدير التي تسير دومًا بترتيب وتأتمر بأمره. هذا ما أنشدته دبورة حين استلمت عونًا في يوم القتال: "من السماء قاتلت الكواكب " (قض 5: 20).
العروس جميلة مشعّة. جمالها الكواكب في السماء. وهي تنعم بسلطان به تشتّت جميع القوى المعادية، كما تنتصر الشمس على ظلال الليل. وشعاع جمالها نفسه هو الذي يجعلها مرهوبة لعالم الظلمة، مثل جيش كبير. هذا ما سيقوله رؤ 12 عن المرأة التي تنتصر على التنّين.
بدت العروس مثل امرأة سفر الرؤيا: ملتحفة بالشمس، والقمر تحت قدميها، ومتوّجة بالنجوم. لم تحسّ، شأنها شأن المرتّل، أنها مسحوقة بمشهد الكون لكي تعلن: "حين أرى السماوات عمل يديك، والقمر والنجوم التي كوّنتها، أقول: من هو الانسان حتى تذكره " (مز 8: 4). بل هي ترى الكون كله (لا فلسطين وحدها) يكوّن جمالها، يخدمها، يعظّمها. أو بالأحرى هي تألّق وتاج العالم الأرضيّ والعالم السماويّ. هي لؤلؤة الكون. فاللؤلؤة تجمع في داخلها الماء والنور كل سحر في العالم.

* نزلت إلى جنّة الجوز
بدأت العروس تتحرّك بتحرّك الكواكب فارتفعت إليها. تجاه ذلك كانت حركة العريس نزولاً إلى تلك التي هي جنّته. كانت قد قالت في ما قبل: "نزلت إلى جنّته " (6: 2). وهي لم ترتفع إلى هذا المستوى إلا لأنه انحدر إليها. أجل، إن ظهور الحبيبة في سماء المجد يقابل نزول الحبيب إلى أرضه المستعادة. فلا تأليه للانسان إلا بتأنّس الإله.
لهذا السبب، وأمام كلمات الجوقة الحماسيّة، فالعريس الذي يعرف الوضع البشري الذي لا يُضاهى لعروسه، خاف أن "يُخدع ". قال: "نزلت إلى جنّة الجوز". فالجوز الذي ينبت في الأراضي الرطبة ينتمي إلى عالم الجنة والماء الذي يميّز الحبيبة (رج 4: 12). لقد نزل العريس إلى جنّته وهو قلق: يريد أن يرى (يتكرّر الفعل مرتين) علامات الربيع. هل تأكّدت ولم تكن مثل ندى الصباح؟ وهل عروسه هذه المرّة قد استيقظت ولن تعود إلى النوم؟ هل هي كلها استعداد له؟ هل نضجت الثمرة الآن داخل النواة القاسية؟
نحسّ في هذه الآية، كما في زمن الثعالب الصغار التي تخرّب الكرم (2: 15) تنبّهًا كبيرًا لدى العريس، بل قلقًا متسائلاً حول ثبات عروسه في حبّها دون تراجع. هو يراقب ويدقّق في كل إشارة تدلّ على الجواب: النبتات الصغيرة التي ترتفع، الكرم الذي أفرخ، الرمان الذي نوّر، أزهر.
نقرأ في تك 3 وحالاً بعد الخطيئة الأولى، أن الله كان يتمشّى في الجنة عند نسيم النهار. وهنا نزل الحبيب من جديد إلى جنته يتطلعّ إلى تجدّد الزهور. أجل، لا عودة عن اندفاع التزهير في الجنّة المحبوبة. لهذا، وحين أنشدت الجوقة عروسه، لم يسلّم ولم يتجرّأ أن يتبع هواه. أما الآن، فقد تغلّب عليه الحب، بل أسر، فقال:

* ارتميت على عربات شعبي
إن صورة العروس التي ظلّ لها كل هذا السحر في نظر العريس. صورة العروس التي رسمتها الجوقة بفنّ عظيم. هذه الصورة التي رآها تتفتّح في ربيع دائم لا رجوع عنه، هذه الصورة فعلت في قلبه، فارتمى كالمجنون. ارتمى بدون مقاومة وبعد أن عيل صبره، على مركبة سوف تقوده منتصرًا إلى قلب شعبه، إلى قلب عروسه، ليقيم هناك إقامة لا عودة عنها.
قال يوحنا الصليب: "حين يحملك الحبّ، لا تسأل إلى أين يذهب ". هذا ما نقول عن الحبيب. قال في بداية الآية: لا أعرف. لست أدري. وهكذا دافع عن نفسه بعد أن قال مرتين لصديقته: "خلبت قلبي يا عروسي، سبيت قلبي... أضعتِ عقلي " (4: 9).
لقد حصل له مرة أولى وخلال القصيدة الثالثة أن يتوقّف عن مديح حبيبته، لأنه لم يعد يتحمّل الانتظار، لأنها وهي الحاضرة دومًا في قلبه تتأخّر في الاتحاد به. فانطلق "بسرعة جنونيّة" إلى لقائها. "من لبنان معي، من لبنان معي تجيئين" (4: 8). هذا ما هتف به بعد أن فقد صبره وما عاد يستطيع أن ينتظر.
وهنا نجد الحركة عينها وإن كانت أكثر دراماتيكيّة وأكثر عنفًا، حركة تدفعه اليوم إلى عروسه. فهي، ورغم خياناتها السابقة، قد عادت إليه حقًا، قد عادت إليه بسرعة، قد أسرعت إليه بكل قواها الضعيفة وكائنها المحطّم. ولكنها رغم مجهودها لا تستطيع أن تخطو الخطوات الأخيرة نحو الاتحاد التام بسبب ضعفها. بقيت لها مسافة من الطريق يجب أن تجتازها لتصل إلى القمّة. ولكنها لا تستطيع بدونه. كانت قد قالت في الماضي: "أرجعني فأرجع" (إر 31: 18). ولكن العريس لم يرد أن ينتظر أن تطلب منه ذلك مرة ثانية. فانطلق في مركبته وذهب إليها. هو لا يرضى بأن يمشي، لا يرضى بأن يركض إلى لقائها. عليه أن يندفع على مركبته مثل "أمير". هنا نتذكّر حز 34: 24: "داود عبدي يكون أميرًا في وسطهم" (أو: رئيسًا). أجل، "الملك المسيح " يأتي في مركبته إلى شعبه. يأتي إلى عروسه. والآباء القديسون يتصوّرون يسوع آتيًا مع كل حاشيته السماويّة إلى لقاء أمه. ما عاد يستطيع أن ينتظر فجاء هو إليها على عربته الناريّة (2 مل 2: 11) وجعلها شريكة مجده السماوي بعد أن شاركته في حياته على الأرض.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM