الفصل الرابع: الملك في مجلسه

الفصل الرابع
الملك في مجلسه
1: 13- 14

وجّه العريس كلامه إلى العروس (آ 9- 11) فأجابته في صيغة الغائب: "حين يكون حبيبي في مجلسه ". وسيكون الكلام في صيغة الخاطب في ما بعد. "جميل أنت يا حبيبي " (آ 16).
لم يطرح العريس سؤالاً، ولهذا فنحن لا ننتظر جوابًا دقيقًا. فالاثنان يتبادلان كلام الإعجاب، وها هي العروس تنادي مليكها الذي هو الراعي أيضاً. تنادي حبيبها مرتين في هذه الآيات الثلاث، فتدلّ على أن الحبّ هو الذي رفعها إلى مستوى الحبيب. الحبّ هو الذي جعل العروس قريبة من الله.
(آ 12) وتبدأ العروس جوابها، لا في صيغة الخاطب، بل في صيغة الغائب. ستعود إلى الخاطب في آ 16: "جميل أنتَ يا حبيبي ". تحدّثت آ 7- 8 عن الراعي، وها نحن ننتقل إلى صورة الملك التي رأيناها في آ 4. يهوه هو ملك اسرائيل، وهو يقيم في الهيكل.
أين هو الملك؟ في وسط مدينته، في إطار الهيكل. حينئذ "ينشر ناردينيّ عبيره ". ذهبت الأمّة في طريق المنفى، فانفصلت عن ملكها وإلهها. وها هي تتمنّى في أعماق قلبها أن تراه عائدًا إلى مقامه التقليديّ (آ 4).
يُذكر الناردين (ن ر د في العبريّة) في 4: 13، 14، وهو يدل على نبتة جاءت من الهند. أما الاسم فهو فارسيّ الأصل. يُستخرج منه عطر كثير الثمن (مر 14: 3- 5؛ يو 12: 3- 5). هل يدلّ الناردين على شخص الملك كما في آ 3 (اسمك عطر مراق)؟ بل هو يرمز إلى سحر العروس ومفاتنها كما في 4: 13- 14. بعد أن عاد الربّ إلى هيكله، قدّمت له العروس جواب حبّها.
لا يتحدّث النصّ عن الماضي، عن زمن الملكيّة، والخيانات التي سبّبت المنفى للشعب. بل عن الحاضر فالعروس ترى الآن أن حلمها قد تحقّق. هذا ما قالته في آ 4: نبتهج ونفرح معك.
(آ 13) شبّهت العروس العريس بمجموعة أعواد من المرّ، هذا الصمغ الذي يفرزه نبت البلسم. يرتبط المرّ بالمرارة، ولهذا فطعمه مرّ. غير أن النصّ يجعل من المرّ رمزًا إلى مفاتن الحبيب، كما كان الناردين يدلّ على مفاتن الحبيبة. ترد لفظة المرّ ست مرّات في سفر النشيد (6:3 ؛ 7:4 ،14 ؛ 1:5 ،5، 13).
أجل، سمّت العروسُ العريسَ "حبيبي " (د و د ي في العبرّية). نتذكّر لفظة وداد في العربيّة. لقد صار الملك ذلك الراعي التي تحبّه العروس. استشفّت حبّه في آ 7، فوصلت الآن إلى اليقين المطلق: إنه "حبيبي ". وستكرّر هذه اللفظة 26 مرّة (1: 13، 14، 16؛ 2: 3، 8، 9...)، فتدلّ على عاطفة الحنان التي تربط بين الحبيبين.
"بين ثدييّ موضعه ". صورة جريئة، وهي تدلّ على حضور العريس الدائم مع عروسه، كما على علاقات حميمة تربطه بها. نحن هنا على نقيض مع ما نقرأ في هو 2: 4 (تزيح زناها عن وجهها وفسقها من بين ثدييها) وحز 23: 3 (دغدغوا ثدييهما وداعبوا نهود بكارتهما)، 21 (هكذا يا اهولبة، أي أورشليم، اشتقت إلى فجور صباك، حين داعب المصريون نهديك وثدييك الفتيّين). نتذكّر أن الزنى يدلّ على خيانة الشعب للربّ في تعبّده للأصنام. وهنا يفهمنا النصّ أن زمن الخيانات قد ولّى، وأن الأمّة عزمت على أن تكون أمينة لزوجها الشرعيّ، لربّها.
وقد نجد معنى آخر على مستوى أرض إسرائيل. فالنهدان يدلاّن على مملكة الشمال ومملكة الجنوب، وتقوم أورشليم، مسكن الله، في الوسط. فالعريس الذي يقيم بين النهدين يدلّ على الرب القائم وسط شعبه.
(آ 14) الكافور (ك ف ر) ويسمّى أيضاً "الحنّة"، هو نبات كان ينمو في مصر وقبرص وفلسطين، لاسيّمَا في عسقلان. كما على السهل الساحليّ وفي منطقة أريحا. إنه ينشر رائحة عابقة جدًا.
تقع عين جدي غربيّ البحر الميت وسط صخور وعرة لا يتسلّقها إلاّ المعز، لهذا ارتبطت بلفظة "الجدي " صغير الماعز (آ 8). كانت هذه الواحة مأهولة في ما مضى (يش 15: 26)، وقد زُرع فيها الكافور والنخل والكرم والبلسان.
نحن هنا حقًا في أرض فلسطين. والكرمة تدلّ على الشعب، ووسط هذا الشعب يقيم الرب الذي يغدق عليهم عطره.

* يكون في مجلسه الملك
عريسها هو هنا. وأول اسم تعطيه إياه، ليس كما في السابق: "يا من يحبّه قلبي ". بل: "الملك ". هي لا تتجرّأ بعد أن تناديه يا عريسي. ستدعوه في الآية التالية: "حبيبي ". غير أنها تبدأ نشيدها في الاحترام والإجلال والشعور بوضاعة حالها. فالذي تحبّه هو أولاً ملك الجلال الذي إليه تقدّم سجودها.
وهناك وضع له معناه. كلّ مرّة تنادي العروس حبيبها "الملك "، فهي تعود إلى الهيكل، إلى مقام يملك فيه في وسطها. كانت قد قالت في البداية: "أدخلني الملك أخاديره ". وها هي تقول الآن: "حين يكون الملك في مجلسه ". عبارتان تتجاذبان. فـ "أخادير" الملك، و"مجلسه "، كلاهما يدلاّن على الهيكل.
الملك هو يهوه، وهو يُقيم اليوم في أورشليم، في وسط شعبه، في قلب مدينته التي تحيط بها التلال من كل جهة: "تحيط الجبال بأورشليم " (مز 125: 2). هذا هو معنى لفظة "م س ب " التي ترجمناها بمجلس. إنها تعطي فكرة عما "يحيط " بالملك. فالرب الملك هو في حرم الهيكل، تحيط به الأسوار (نجد كلمة "م س ب " في 2 مل 23: 5 ما يحيط بأورشليم). وتندهش العروس حين تجد نفسها معه، في منزل مشترك وحميم، داخل أسوار تحيط بلقائهما وتحميه.
ولفظة "م س ب " تدلّ أيضاً على حظيرة الخراف. ويسوع يقول في يو 15: 16: "ولي خراف أخرى ليست من هذه الحظيرة". كما تدلّ أيضاً على قاعة الوليمة، وفيها يجلس المدعوّون حول المائدة. على كل حال، تحسّ العروس أنها ليست وحدها. بل يحيط بها حنان الحبيب وحمايته، بعد أن سلّمت نفسها له.
وتقدّم الحبيبة ناردينها إلى ملكها الذي تشاهده هكذا وقد عاد إلى هيكله، وجلس معها في وليمة أعراسه، وتقبّلها في مجلس راحته من أجل رباط نهائيّ. قالت: "ينشر نارديني عبيره ".
الناردين الذي هو خاصّ بالعروس، والذي نجده مرة أخرى في القصيدة الثالثة (4: 14) هو عطر غالٍ جدًّا. قالت العروس: "نارديني ". إنها تستطيع أن تقول أيضاً "حياتي ". في الحقيقة، كيانها كلها، جوهر كيانها يفوح على قدمَي الملك. فهذا الملك الذي دعاها حبيبته ووعدها بأن يغدق عليها حليًا من الذهب والفضّة، لم تقدّم له فقط كلمات تعبّر فيها عن عرفان جميلها. فليس إلاّ حياتها تستطيع أن تعبّر تعبيرًا كاملاً عن جوابها الأول، جوابها الحقيقيّ: نارديني. أنا بذاتي. حياتي التي تسيل بصمت وحبّ كما يسيل الناردين من وعاء تحطّم. أي جواب غير هذا الجواب تعطيه؟
هنا نتذكر تريزيا التي قدّمت كل عطورها ليسوع، ولم تتراجع. ونتذكّر أوريجانس أيضاً. ولا ننسَ إنجيل يوحنا. مريم، ابنة بيت عنيا، "سكبت على قدمي يسوع قارورة طيب غالي الثمن من الناردين " (يو 12: 3). هي المرّة الوحيدة نجد فيها لفظة "ناردين " في العهد الجديد، وقد يكون عاد إلى نش، ومشهد نش قريب جدًّا من المشهد الذي يرويه الإنجيل الرابع.
سكبت مريم عطرها فدلّت على أنها تسكب حياتها، تبذل حياتها لذاك الذي سيبذل حياته من أجلها. وقال يوحنا: "فامتلأ البيت برائحة الطيب ". البيت كلّه. الكنيسة كلّها. الكون كلّه قد تعطّر بالطيب الذي أفاضته مريم. هكذا امتلأ مجلس الملك، امتلأت أورشليم والهيكل بناردين الحبيبة.
قال غريغوريوس النيصي: "يعلّمنا الرب أن نرى في البيت الذي امتلأ برائحة الطيب، العالم كلّه، والأرض كلّها. فقد قال: حيث يُعلن هذا الإنجيل، أي في العالم كلّه (مت 26: 13). فرائحة الطيب تنتشر مع إعلان الإنجيل.
وتأمّل القديس برنردس في فعلة عروس نش وفعلة أختها الصغرى، مريم التي من بيت عنيا، فرأى في الناردين الذي أفاضته هذه وتلك رمزًا إلى التواضع الذي ينضمّ إلى الحبّ. فكأني بالعروس تقول: إن تواضعي وجد حظوة عندك. ليست حكمتي ولا نبلي ولا جمالي. فهي كلا شيء فيّ. والشيء الوحيد الذي أمتلكه هو التواضع، وقد نشر عبيره، كالعادة. وإذ كان الملك يرتاح كعادته في خدره، في مسكنه العاليّ، شعر بالعطر يرتفع إليه وهو مرتاح في حضن الآب.
ما إن قالت الحبيبة إن "نارديني نشر عبيره "، حتى نسيت نفسها، وما عادت تفكّر ولا تهتمّ إلاّ بالعطر الذي يفيضه الحبيب وهو أقوى من عطرها بما لا يحدّ، كما يلج أعماق كيانها.

* حبيبي قادة مرّ لي
منذ وقت قصير دعت العروس عريسها "الملك ": "حين يكون الملك في مجلسه ". وها هي الآن تدعوه "حبيبي "، دودي في العبرّية. حروف هذه اللفظة نجدها في اسم داود (دود في العبرّية). فاسم الحبيب على شفتي العروس يدلّ في ذاته على أنّ أمير قلبها هو الملك المسيحانيّ الحقيقيّ الذي تنتظره الأمّة كلّها وتشتاق إليه. هي المرّة الأولى تعطيه هذا الاسم، وستسمّيه كذلك 28 مرّة في نش.
كانت قد قالت بكثير من الخفر وبطريقة غير مباشرة: "أنت يا من يحبّه قلبي " (آ 7). وها هي تقول الآن بجرأة وحريّة: "حبيبي ". وهي لن تسمّيه بعد الآن إلاّ بهذا الإسم. ظهرت هذه اللفظة يومًا عند أشعيا في بداية نشيد الكرم: "كان لحبيبي كرم " (5: 1). واستعادت عروس نش هذه التسمية وردّدتها بفرح. وبدا الملك سعيدًا حين رآها تناديه بهذا الاسم المليء بالحنان، والذي هو اسمه. وذلك قبل أن يكشف لنا عن اسمه الكامل كما نقرأه عند يوحنا: اسمه الحبّ.
قالت العروس: الملك في مجلسه. وهي تتجاسر وتقول بطريقة حميمة ومليئة بالجرأة إن حبيبها "يبيت " بين ثدييها. إذن، قلبها هو المسكن الحقيقيّ لعريسها. قال برنردس: "في الماضي كان الملك، والآن هو الحبيب. كان يقيم في قصره الملكيّ. وها هو بين ثَديي العروس. لقد حلّت الصداقة محلّ التسمية المليئة بالاحترام، وذاك الذي كان بعيدًا لم يحتج إلى أكثر من لحظة ليقترب ". وهكذا ننتقل في حركة واحدة، من لغة السجود المتواضع والعميق، إلى لغة الدالة والبساطة بحسب تسلسل طبيعيّ في عالم المشاهدة. أيها الربّ المعبود. ويا أيها العريس المحبوب.
يقرأ أوريجانس هذه الآية فيتداخله إعجاب عميق. "حبيبي قلادة مرّ يرتاح بين ثديي. جعل من صدري البيت الذي فيه يجد راحته... يأخذ الملك راحته في هذه النفس. يسرّ بأن يمتدّ هناك ليرتاح. وكان يقوله لها: نأتي أنا وأبي، نأكل معه ونصنع عنده منزلنا. حيث يرتاح المسيح مع أبيه، حيث يبيت، أما يستطيع أن يريح؟ أي مدى سعادة تتضمّنه هذه النفس! أي خدر سعيد هذا القلب الذي فيه يرتاح الآب والابن، الذي فيه يرتاح بكلّ تأكيد الروح القدس، فيه يأكل ومنه يجعل مسكنًا له ".
"حبيبي قلادة مرّ". المرّ صمغ يطلبونه بسبب عطره الساحر. ويرمز المرّ إلى محاسن العريس، كما رمز الناردين في الآية السابقة إلى جمال العروس. وسيقال عن العريس في مز 45: "عبير المرّ واللّبان في ثيابك " (آ 9). ولكن العطور لا تدخل فقط إلى ثياب العريس. فهو جوهر العطور. لهذا قال أوغسطينس: "أفضت عطرك فتنشّقته، وأنا الآن أتوق إليك ".
حين كتب شاعر نش عن العريس أنه قلادة مرّ بين ثديَي العروس، هل تذكّر كلام اشعيا عن نساء أورشليم اللواتي كنّ يخفين أواني العطور في صدورهنّ؟ في هذا المجال قال غريغوريوس النيصي: "يقولون إن النساء يخفين العطور في ثنايا ثيابهنّ. هذا ما تجرّأت وفعلته عروس نشيد الأناشيد. قالت: لديّ قلادة أعلّقها بعنقي على صدري، وبفضلها أمنح رائحة طيّبة لجسدي كلّه... لا أضع واحدًا من هذه الأطياب التي تفوح منها رائحة طيّبة، بل الرب نفسه الذي صار مرًّا في قلادة وجداني فأقام في قلبي بالذات ".
لقد جعل العريس مسكنه في أعماق قلب عروسه. إنه عطر يقيم فيها. تتنشّقه دومًا، فيرتفع من صدرها ويمتزج بنَفسها، فيصبح اشعاعًا سرّيًا في تلك التي يحبّها.
قال الرب بفم نبيّه هوشع عن زوجته الخائنة: "لتنزع زناها عن وجهها، وفسقها من بين ثدييها" (2: 4). أما عروس نش العائدة إلى عريسها، فهي تردّ بلغة الأمانة على ضلال قلبها السابق حين كانت تقدّم الأضاحي لعشّاقها، لأصنامها. فبين ثدييها وفي قلب حياتها لم يعد من زنى وخيانة لربها. لم يعد هناك إلاّ إلهها، وحبّه الذي تتنشّقها أيامها ولياليها.
حين قالت العروس "بين ثديَيّ " فكّرت بحضور الله بين تلال صهيون، في هذا الهيكل الذي منه تعبق عطور التقادم والذبائح في قلب المدينة المقدّسة. ونستطيع أن نقيم توازيًا بين آ 12 (الملك في موضعه، مجلسه) وآ 13 (حبيبي يرتاح بين ثديَيّ).
الله هو في داخلي بشكل حميم. هو فيّ أكثر ممّا أنا في نفسي. كانت العروس تتساءل: "أين ترعى غنمك عند الظهيرة" (آ 7)؟ وها هي تعطي الجواب لنفسها: راحة عريسي هي فيّ. وبين ثديَيّ هيكله الحقيقيّ ومجلسه الحقيقيّ.
ويرتبط عود المرّ بالمرارة وما يعاكس الحلاوة. لهذا، فالمرّ يمثل بشكل خاصّ يسوع في حياته على الأرض. يسوع الفقير والمحتقر والمتألّم، يسوع العائش ضيق آلامه وما فيها من مرارة. أجل، لا نستطيع أن نتأمّل فقط في مجد يسوع، في راحته الساطعة عند الظهيرة. لا بدّ من العودة إلى بشريّة يسوع. هذا هو الطريق الذي نتّخذه ولو وصلنا إلى قمّة المشاهدة: نتأمّل في يسوع الإنسان، في فقره وألمه وتواضعه. إن المرّ سوف يقوّينا بعطوره المرّة. ومع المرّ كان الكافور.

* حبيبي عنقود من الكافور
في آ 13 تلفّظت باسم الحبيب. تجرّأت وما خافت. وها هي تقول مرّة ثانية: "حبيبي ". ولكن كيف تعبّر عمّا هو الحبيب بالنسبة إليها؟ فالكلمات لا تكفي. إذن، هي تحتاج إلى لطافة العطور. فالعطور التي لا نستطيع أن نمسكها، تدلّ على الحبيب الذي لا يُدرك. أرادت أن تعبّر عن السكر الذي يجتاحها فقالت: "حبيبي عنقود من الكافور في كروم عين جدي ".
نحن هنا أمام موضوعَي الكرم والقطيع. لقد أقام الحبيب في قلب كرمته، كما هو في وسط قطيعه. وكان في قلب عروسه الحبيبة ينبوعًا وعطرًا في الوقت عينه. هو كافور في كروم عين جدي، في ينبوع الجداء. فالتوازي بين آ 13 وآ 14 يبدو دقيقًا. من جهة، حبيبي قلادة مرّ، ثم، حبيبي عنقود كافور. ومن جهة ثانية، يبيت بين ثديَيّ، ثم، في كروم عين جدي.
فعبارة "بين ثديَيّ " وعبارة "في كروم عين جدي " تدلاّن على نفس العروس التي فيها يقيم الحبيب. هذا العريس غمر حبيبته بالجواهر النادرة. وها هو قد صار الآن عطرًا من المرّ والكافور بين ثدييها. لهذا أرادت العروس بدورها أن تكون كلّها عطرًا له، فيكون التبادل تامًا.
ظنّت في بساطتها أن عطرها يأتي منها. ولكنها ستكتشف في دهشتها أن ناردينها الخاصّ هو عطيِّة من حبيبها. كانت قد قالت دون أن تتنبّه إلى كلامها: "حين كان الملك في مجلسه، نشر نارديني عبيره ". إذن، أخذ ناردينُ حبّها كل عطره حين اتّصلت بالحبيب. قال أوريجانس: "الحبيبة هي الآن بجانب العريس وهي تدهنه بعطورها. وكم كانت دهشتها كبيرة حين رأت أن الناردين الذي لم يكن له راحة حين كان فيما مضى بين يديها، أخذ ينشر عبيره حين لامس جسد العريس... فمن عطر العريس أخذ الناردين رائحته وحملها إلى العروس... فكأنها تقول: إن نارديني الذي دهنت به عريسي، عاد إليّ حاملاً رائحة عريسي. لا نعجب من ذلك. فكما أن المسيح هو ينبوع، منه تجري ينابيع مياه حيّة، وكما أنه أيضاً خبز، وهو يعطي الحياة، هكذا هو أيضاً ناردين وهو يمنح العبير. والذين تضمّخوا بهذا الناردين صاروا مسيحًا معه ".
وقال أحد الآباء في هذا المعنى: "لا نستطيع أن نحبّك إلاّ إذا جاء هذا الحبّ منك... أنت أحببتنا أولاً وكنت أول من يحبّ الذين يحبّونك... أما نحن فنحبّك بحبّ حارّ وضعته فينا. وحبّك هو الروح القدس ". فقد كتب بولس إلى أهل رومة: "إن حبّ الله قد أفيض في قلوبنا بالروح الذي أفيض فينا" (5: 5).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM