العيد يوم صنعه الرب

العيد يوم صنعه الرب
المزمور المئة والثامن عشر

1. المزمور المئة والثامن عشر هو مزمور يتلوه المرتّل وسط الجماعة، فيصبح الشكر الفردي شكرًا جماعيًا يشترك فيه المؤمنون لينشدوا رحمة الله وأمانته. في هذا المزمور، كما في المزمور 107، نجد ليتورجية يشترك فيها الكاهن والجوقة والشعب وثلاثة أشخاص جاؤوا يشهدون على ما صنعه الله لهم من الخير: رجل كان في السجن، تاجر على رأس القافلة، مريض مسمّر على فراش المرض. يعلن هؤلاء الثلاثة أمام الشعب رحمة الرب من أجلهم. فإن كان لم يتركهم فكيف يترك شعبه اسرائيل.

2. نشيد شكر احتفالي.
آ 1- 4: نداء إلى الجماعة لتمدح الرب وتشكره.
آ 5- 18: يروي المخلّصون عند باب الهيكل أي خلاص حقَّقه الله لهم.
آ 19- 29: حوار بين المرتّل والكهنة والشعب.
يبدأ هذا المزمور بالحوار. الكاهن: اعترفوا للرب لأنه صالح. الشعب: لأن إلى الأبد رحمته (آ 1). الكاهن: ليقل اسرائيل. الشعب: إنّ إلى الأبد رحمته (آ 2) وهكذا حتى الآية الرابعة. وينتهي أيضًا بحوار. المرتّل: افتحوا لي أبواب البر (آ 19). الكاهن: هذا باب الرب (آ 20). المرتّل: اعترف لك (آ 21). العب: الحجر الذي رذله البناؤون (آ 22- 24). الكاهن: يا رب خلّص (آ 25). الشعب: مبارك الآتي باسم الرب. الكاهن: باركناكم (آ 26- 27). المرتّل: أنت الهي (آ 28). نجد في جسم المزمور (آ- 18) ثلاث شهادات حيّة عن رحمة الله. شهادة أولى: رجل في السجن خلّصه الرب (آ 5- 7). ما يهمه الناس، وماذا يستطيع أن يفعل به مبغضوه والرب معه؟ والنتيجة: الاحتماء بالله في هيكله أعظم حماية (آ 8). فيجيب الشعب (آ 9): الاحتماء بالرب خير من الاحتماء بالعظماء. شهادة ثانية عن رحمة الله: مسافر هاجمه الغزاة وأحاطوا به كالنحل لا يتركون له منفذًا، ولكنهم خمدوا كالنار، أي ماتوا ودمّروا باسم الرب. شهادة ثالثة (آ 13- 14) يتلوها مريض وصل به المرض إلى حافة الموت. ويبدأ حوار بين المرتّل والشعب (آ 10- 11): أحاطت بي جميع الأمم، باسم الرب أدمِّرهم. أحاطوا بي ثم أحاطوا بي، باسم الرب أدمِّرهم. الرب جعل عبده في التهلكة، والرب خلّص عبده من العدوّ. يقول الكاهن: صوت ترنيم. يجيب الشعب: يمين الرب صنعت. يقول الكاهن: يمين الرب ارتفعت. يعيد الشعب: يمين الرب صنعت (آ 15- 16) ويستنتج المرتّل الأمثولة من هذه الحالات الثلاث: الرب يؤدِّب أحبّاءه، ولكنه لا يهلكهم.
3. تعبّر الجماعة عن شكرها لله بهتاف يردّده الشعب والكهنة والمؤمنون المشتركون بذبيحة الشكر. يبدأ المرتّل فيذكر كيف أن الله نجّاه في ثلاث حالات (أو هو يتكلّم باسم ثلاثة أشخاص)... وتبدأ الليتورجيا، واليوم يوم الرب، ويوم النور. يبدأ الطواف بصراخ هوشعنا (يا رب خلّص) ترافقه بركات الكاهن: باركناكم من بيت الرب. هذه كانت بعض طقوس عيد المظال.
أنشد هذا المزمور في عيد المظال، وانطلق المؤمنون من اختبارات خاصّة ليبيّنوا رحمة الله. وهذا الخلاص الذي تمّ لأفراد، إنما ينبع من الخلاص العظيم الذي حصل عليه الشعب كله، لأن كل اختبار خلاصي يرجع إلى زمن الخروج، يوم غفر الله لشعبه وجاء به من مصر إلى أرضه، ويوم يغفر له ثانية فيرجعه من منفاه إلى أرض الميعاد، وعندئذ يعرف الشعب فاديه فيصعد إلى الهيكل ويعيش من خلال الليتورجيّا الخلاصَ الذي يتمّ له في حياته. وهكذا تنعش الليتورجيا في قلب المؤمن شعلة الايمان بمستقبل زاهر يعده الله لشعبه يوم يمنحه الخلاص النهائي.

4. المزمور المئة والثامن عشر هو آخر مزامير "الهلل" التهليل التي تُنشد في الأعياد الكبيرة وخاصّة في عيد المظال، وبعد عشاء الفصح. أنشده يسوع (مر 14: 26) بعد العشاء السري وقبل أن يذهب إلى جبل الزيتون ليلة موته، يسوع الذي هو حقًا حجر الزاوية الذي رذله البنّاؤون (أع 4: 11). ولقد ذكر القديس بطرس في رسالته الأولى (2: 4- 10) هذا الحجر فكتب: "فاقتربوا من الرب، فهو الحجر الحي المرفوض عند الناس، المختار الكريم عند الله. وأنتم أيضًا حجارة حيّة في بناء مسكن روحانيّ...". وتدلّنا الرسالة إلى العبرانيين (9: 12، 14) كيف يجب أن نصلي هذا المزمور متحدين بيسوع الممجَّد الذي دخل مرّة واحدة إلى قدس الأقداس في السماء ليظهر في حضرة الله من أجلنا. ولهذا كان هذا المزمور نشيد الكنيسة ليوم الرب، يوم الأحد، الذي هو تذكّر أسبوعيّ لعيد الفصح والقيامة.

5. مدراش على المزمور 118
يحيي الكاتب في اليوم الذي صنعه الرب إزالة كل عبودية في نهاية الأزمنة، ويصوّر بطريقة متحركة ومؤثرة أحداث يوم الخلاص هذا.
من داخل الجدران يهتف سكان أورشليم: نتوسّل إليك يا رب مخلّصنا (آ 25 أ)
فيجيبهم سكان يهوذا من الخارج: نتوسّل إليك يا رب فامنح لنا الوفر (آ 25 ب)
يقول سكان أورشليم من الداخل: مبارك الآتي باسم الرب (آ 26 أ)
فيجيبهم سكان يهوذا من الخارج: نبارككم يا من أنتم من بيت الرب (آ 26 ب)
يقول سكان أورشليم من الداخل: يهوه هو الله وقد أعطانا النور (آ 27 أ)
فيجيبهم سكان يهوذا من الخارج: تحلّقوا وارقصوا وأنتم حاملون الأغصان حتى قرون المذبح (آ 27 ب)
يقول سكان أورشليم من الداخل: أنت إلهي، أنت يا من أريد أن أمدحك (آ 28 أ)
فيجيب من الخارج سكان يهوذا: إلهي، أريد أن أعظمك (آ 28 ب)
ويفتح سكان أورشليم وسكان يهوذا أفواههم ويمجّدون القدوس (تبارك اسمه) معًا ويقولون: إحمدوا الرب لأنه صالح، لأن إلى الأبد رحمته.

6. أ- الله وحده صالح وينبوع كل خير
ينبِّهنا روح الله ويطلب منا أن نمجّد الرب. ويعطينا السبب لذلك: "لأنه صالح". كلمة قصيرة وفكر لا يُدرك. "مجدوا الرب" يقول المرتّل. وكأننا نسأله: "لماذا"؟ فيجيبنا: "لأنه صالح". ماذا نطلب شيئًا أكثر أو شيئًا إلاّ ما هو صالح. فقوّة الخير تجذبنا بقوّة بحيث إن الأشرار أنفسهم يطلبونه.
ولكن الخير لا يملك في ذاته طابع الصلاح هذا. فإذا أردنا أن نعرف من هو مبدأ كل خير، يجب أن نتذكّر كلمة سفر التكوين: "صنع الله كل شيء ورأى أنها كلها حسنة". لا شيء صالحًا إلاّ بفعل خير آخر. ما هو هذا الخير؟ خير لم يخلقه آخر.
إذن لم يكن ليوجد خير لو لم يُصنع بواسطة ذلك الذي لم يصنعه شخص. السماء صالحة ولكنها خُلقت صالحة. الملائكة صالحون ولكنهم خلقوا صالحين. الكواكب صالحة والشمس والقمر وتناوب النهار والليل، كل هذا صالح، وتعاقب الأزمنة وتطور الأجيال ومسيرة السنين وحيوات النبات والشجر وطبائع الحيوانات المتنوّعة. وفوق كل هذه الخلائق خُلق الانسان للمديح. كل هذه الخلائق صالحة ولكنها تنال هذه الصفة من الذي خلقها وهي كذلك بنعمة الله وفي ذاتها. هو صالح، وليس له فقط بل أيضًا من أجلنا. لنعترف بالرب إذن لأنه صالح.

ب- إعتراف المديح واعتراف الخطايا
يعبّر الاعتراف عن عمل الذي يسبّح أو يتوب. فمسيحيّون جهّال يسمعون الكتاب يحدّثهم عن الاعتراف فيظنون أنه لا يمكن أن يكون اعتراف إلاّ اعتراف الخطايا. فيقرعون صدرهم وكأن الأسقف يحضُّهم على الاعتراف بخطاياهم.
ولكي أقنع محبّتكم أن موضوع الاعتراف ليس فقط الاقرار بالخطايا فلنسمع كلام الذي هو بدون خطيئة. "اعترف لك يا أبت يا اله السماء والأرض" (مت 11: 25). من يتكلم هكذا؟ "من لم يقترف خطيئة ولم يتلفّظ بالكذب" (أش 53: 9). وحده استطاع أن يقول: ها إن رئيس هذا العالم يأتي ولا يجد ممسكًا فيّ. ومع ذلك فهو يعترف. اعترافه مديح، لا اقرار خاطئ بخطاياه.
اسمع موضوع اعترافه: إنه مديح. وهذا المديح هو خلاصنا. بماذا يعترف إلى الآب ذاك الابن الذي هو من دون خطيئة؟ "أعترف لك يا أبت، يا رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه الأشياء عن الحكماء والفهماء وكشفتها للصغار" (مت 11: 25). هو يمدح بصورة خاصّة الآب لأنه أخفى هذه الأسرار عن الحكماء والفهماء أي عن المتكبّرين والمتجبّرين، ليكشفها للصغار أي للضعفاء والوضعاء.

ج- الاعتراف بالخطايا ضروري للخلاص
وفي الحقيقة إن الاعتراف بالخطايا أمر خلاصي... سمعنا في المزمور الذي قرئ أولاً: "إجعل حارسًا لفمي وبابًا مغلقًا لشفتي لكي لا يميل قلبي إلى كلام الشر ولا أبحث عن أعذار لخطاياي" (141: 3، 4). يطلب من الربّ أن يجعل حارسًا لفمه ويفسّر ما يريد أن يوكل به هذا الحارس.
هناك أناس تخصب مخيّلتهم بالذرائع. حين تتّهمهم يسرعون بالاعذار. الاعتذار هو البحث عن أسباب، هو استنباط ذرائع لكي نضع جانبًا مسؤولية خطيئتنا. واحد يقول: السبب هو الشيطان. ويقول آخر: الحظّ. وثالث: جرَّني القدر. ولا يشتكي أحد على نفسه. عندما تُخلق الأعذار تلعب لعبة المشتكي.
فإذا أردت أن تجعل المشتكي أي الشيطان يبكي، إصنع كما تعلمت وسمعت وقل لله: "وأنا قلت يا رب ارحمني، إشف نفسي خطئت إليك" (41: 5). نعم، أنا أقول: ليس الشيطان وليس الحظ وليس القدر. وأنا أقول: لا أعذر نفسي، بل أشتكي على نفسي. أنا نفسي أقول: يا رب ارحمني، إشف نفسي. ما هو شرها؟ خطئتْ إليك.

د- اعترف بمجد الرب
"اعترف بالرب إذن لأنه صالح". إذا أردت أن تمدح، فماذا تمدح أفضل من الخير؟ إذا أردت أن تمدح، إذا أردت أن تفيض مديحًا، فماذا تستطيع أن تمدح أفضل من الخير؟ إذا أردت أن تعترف بخطاياك، فإلى من تقدر بطمأنينة إلاّ إلى ذلك الذي هو خير؟ إذا اعترفت بخطيئتك لانسان، فهو يحكم عليك لأنه شرير. أما إذا اعترفت بها لله فهو يغفر لك لأنه صالح.
إذا كنت أمام اعتراف مديح فليكن من تمدحه أهلاً. فالخير هو أهل للمديح، والشرّ للوم. سبب المديح محصور في هذه الكلمة القاطعة: إنه صالح.

هـ- الانسان الشرير يريد كل شيء صالحًا إلاّ هو
إذا كنت صالحًا فامدح من هو سبب صلاحك، وإذا كنت شريرًا فامدح من يقدر أن يجعلك صالحًا. فإذا كنت صالحًا فهذا بفضله، وإن كنت شريرًا فبسبب خطيئتك. فاهرب من نفسك وتعال إلى الذي خلقك. وحين تهرب من نفسك تسير وراءه، وحين تسير وراءه تتعلّق بالذي خلقك.
أي خيرات لا ترغب فيها أنت يا من أنت شرّير؟ أنت شرّير، ومع ذلك لا ترغب إلاّ في ما هو صالح. تبحث عن حصان فتريده صالحًا. تبحث عن أرض فتريدها صالحة. تبحث عن زوجة فتريدها صالحة. تبحث عن بيت فتريده صالحًا. تبحث عن لباس فتريده صالحًا. تبحث عن حذاء فتريده صالحًا. فنفسك وحدها شريرة.
أما تعارض نفسك حين تبحث عمّا هو صالح وأنت شرير؟ إذا بحثت عن الخير فأبدأ بأن تكون خيرًا. وإذا كنت شريرًا فماذا تنفعك الخيرات الوافرة وأنت ذاهب إلى الهلاك؟ إرغبوا في أن تكون نفوسكم صالحة، واشمئزّوا منها إذا كانت شريرة. تكونون صالحين إن أحببتم من هو مبدأ كل صلاح. وابغضوا الشر الذي صنعتموه وتعلّقوا بالخير.

و- يجب معاقبة الخطيئة
ما معنى أبغضْ الشر؟ اعترف بخطاياك بندامة. فكل خاطئ يندم ويقرُّ بخطاياه مع ندامة يثور على نفسه. يثور وينتقم بالتوبة ممّا لا يرضى عنه في نفسه. فالله يبغض  الخطيئة. فإذا أبغضت فيك أيضًا ما يلاحقه الله ببغضه تنضم إلى الله بنيته، لأنك فيك ما يبغضه الله فيك. كن قاسيًا على نفسك إذا أردت أن يغفر الله لك ولا يحاكمك. يجب معاقبة الخطيئة: تعاقبها أنت أو يعاقبها هو. فالخطيئة تستحق القصاص والهلاك. فإذا عاقبتها أنت تجنَّبت القصاص، وإذا لم تعاقبها ستعاقب معها.
"فاعترفوا للرب لأنه صالح". امدحوه قدر استطاعتكم، أحبوه بكل مقدرتكم. "أفيضوا قلوبكم في حضوره" (62: 9). الله هو حامينا "لأنه صالح". (أوغسطينس).

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM