قيامتنا على صورة قيامة المسيح

قيامتنا على صورة قيامة المسيح
15: 45- 49

أنكر بعض الكورنثيّين القيامة، وتساءلوا كيف تكون القيامة، إن كان هناك من قيامة. فردَّ عليهم بولس منطلِقاً من الواقع الأساسيّ في المسيحيّة. المسيح مات ودُفن، المسيح قام في اليوم الثالث، كما تقول الكتب، وظهر لأشخاص عديدين. فإن هو قام، فنحن نقوم. هو الباكورة ونحن الثمار الذي بعده. هو الابن ونحن أبناء معه. هو بكر من قام من بين الأموات، وبكر إخوة عديدين. أما كيف تكون القيامة؟ فهذا سرّ الله. والتشابيه تساعدنا على أن نفهم أن ذاك الذي يموت هو ذاك الذي يقوم، وأن حبّة القمح التي نزرعها في الأرض هي التي تتّخذ شكلاً آخر، وأن المائت يصبح خالداً، والبشريّ يصير روحانياً، وأننا ننتقل من آدم الأول الذي هو نفس حيّة إلى آدم الأخير الذي هو روح محيي. ونقرأ النصّ الكتابيّ:
(45) فالكتاب يقول: "كان آدم الانسان الأول نفساً حيّة"، وكان آدم الأخير روحاً يُحيي. (46) فما كان الروحانيّ أولاً، بل البشريّ، وكان الروحاني بعده. (47) الانسان الأول من التراب، فهو أرضيّ. والانسان الآخر من السماء. (48) فعلى مثال الأرضيّ يكون أهل الأرض، وعلى مثال السماويّ يكون أهل السماء. (49) ومثلما لبسنا صورة الأرضيّ، فكذلك نلبس صورة السماويّ.

1- سياق النصّ
حاول بولس على مدّ 1 كور 15 أن يشرح للكورنثيّين المتحفّظين ما تعني عبارة "قام من بين الأموات" بالنسبة إليه. فقيامة الموتى هي، في قلب الإيمان المسيحيّ (15: 1- 11) نتيجة قيامة المسيح. ولكن إن كان اليونانيون متشكّكين مرتابين، فلأنهم طرحوا على نفوسهم أسئلة حول شكل القيامة: كيف تتم؟ وبأي جسد نقوم (آ 35)؟ قدّم بولس جوابه على هذين السؤالين مستعملاً الفن البلاغي الذي نجده في أسلوب التصالب والتعاكس، الذي يقلب ترتيب الحلول (آ 36- 50: أجساد القائمين من الموت؛ آ 51- 53: ما يحدث في زمن القيامة).
أما المقطوعة التي نقرأ (15: 45- 49) فجزء من مجموعة آيات تعالج مسألة جسد القائمين من الموت. إنها مسألة أساسيّة بالنسبة إلى عقل يونانيّ يرى طوعاً في الجسد، سجناً للنفس، لا التعبير الحسيّ والملموس عن الانسان ككلّ، على ما في العالم الساميّ. وردّ بولس على اعتراضات الضمير الدينيّ في العالم اليونانيّ، في وجه القيامة، بثلاث مقاربات من السرّ. بحسب بولس، نستطيع أن نلاحظ، أمرين في النظام النباتيّ، وفي النظام الحيوانيّ، وفي نظام الكواكب: إن الكائنات تخضع لتحوّلات عميقة. وهي مختلفة بعضها عن بعضها داخل الصنف الواحد (آ 36- 41). لهذا، لا شيء يفرض علينا القول إن الأجسام البشريّة صنف واحد: ذاك الذي نعرفه والذي يزول في الموت. ثم (آ 45) إن الكتاب المقدس يشهد على وجود نوعين من الأجسام، هذا إذا قرأنا سفر التكوين كما قرأته بعض الأوساط اليهوديّة العائشة في حضارة يونانيّة. هنا تبدأ المقطوعة التي نتأمّل فيها. تبدأ فتعارض بين شخصين: آدم الأول وآدم الثاني (آ 45 - 74). ثم تستخلص النتائج من وجود هذين النموذجين (آ 48- 49) فتطبّقها على جميع البشر.

2- أصل آدم الأول وآدم الثاني (15: 45- 47)
أ- تأليف النصّ
استعمل بولس هنا، كما فعل في الآيات السابقة (آ 39- 44) أسلوب التوازي.
في آ 45، قابل بين الأول والثاني. الأول هو "نفس حيّة". والثاني هو "روح محيية". روح تعطي الحياة. وتبدو آ 46 بشكل معترضة تحطّم التوازي. إن مثل هذا القطع، لدى بولس، يدلّ بشكل عاديّ على فكر شخصيّ يريد الرسول أن يجتذب فكرنا إليه ليزيل بعض الالتباسات. أما هنا، فيشدّد على ترتيب ظهور هذين الانسانين: آدم ظهر أولاً، ثم ظهر المسيح. وتستعبد آ 47 التوازي الذي قُطع، فتقابل بين أصل هذين الانسانين: الأول هو من الأرض، من التراب. والثاني، من السماء. هو سماويّ.
ب- بين النفس والروح
يورد خبرُ خلق آدم في تك 2: 7 أن الله، وبعد أن كوّن جسم الانسان من تراب الأرض، نفخ فيه نسمة حياة (لم يستعمل لفظ "روح")، وهكذا صار نفساً حيّة. نحن بعيدون هنا عمّا أخذنا من عالم الغرب، بدءاً بالفلسفة اليونانيّة، عمّا يُسمّى "النفس" التي تنفصل عن الجسد. فعالمنا لا يرى الانسان مركباً من عنصر روحيّ، هو النفس، ومن عنصر مادي ولحميّ، هو الجسد. فالجسد ليس غلافاً وغشاء، بل الوسيلة الضروريّة لكي يتجلّى في الانسان هذا الواقعُ الذي لا ندركه والذي هو الحياة. نحن ننظر إلى الانسان ككلّ. لا نقول: له نفس، بل هو نفس، هو يتنفّس. نال كانسان، من الله هذا «النَفَس» (نسمة الحياة) الذي يجعل منه كائناً حياً. لهذا نقول: "كان آدم الأول انساناً نال الحياة". صار نفساً (أي شخصاً) حيّة.
وآدم الأخير، الذي هو المسيح، هو "روح يعطي الحياة". أن يكون الروح في مبدأ الحياة، فكرة واضحة في يو 6: 63 (الروح هو الذي يُحيي). ونعود إلى العهد القديم حيث لفظ "روح" إحدى الصفات الخاصّة التي تدلّ على هوية يهوه (الربّ). الروح هو هذه القدرة التي بها يفعل الله، ولا سيّما في عمل الخلق الذي به يدعو الكائنات إلى الحياة. وهو أيضاً هذه القوّة التي تقدر أن تحوّل البشر ليكونوا مرافقين لله في عمل الخلاص في التاريخ. لهذا، شدّد الأنبياء على هذه العطية الخارقة، عطيّة الروح المحفوظة للمسيح. وتوخّت تلميحاتٌ عديدة في الأناجيل أن تبيّن أن يسوع هو ذاك الذي نال ملء الروح حسب أش 11: 2 (روح الربّ ينزل عليه)؛ 42: 1 (جعلتُ روحي عليه)؛ 61: 1 (روح السيّد الربّ عليّ).
في هذا النصّ البولسيّ، ليس يسوع فقط ذاك الذي يمتلك الروح كما لم يمتلكه أحد. بل إن يسوع صار "الروح"، حسب قول بولس. هل يعني هذا أن يسوع والروح صارا شخصاً واحداً وحيداً؟ نتذكّر هنا أن 2 كور 3: 17 (الربّ هو الروح) جُعلت في خدمة مثل هذا اللاهوت. ولكن هذا يعني أننا نفترض أن بولس لم يرَ في الروح القدس شخصاً وأقنوماً، كما سيقول اللاهوت الثالوثيّ اللاحق. والحال أن في عدد من النصوص البولسيّة، حيث جُعل الروح في علاقة بيسوع، يدلّ الروح أولاً على الطريقة التي بها يكون يسوع رباً: بالروح، كونه هو نفسه كائناً روحياً، يفعل يسوع في جماعة المؤمنين. ليس هناك من تماهٍ شخصيّ بين يسوع والروح القدس (وهنا يرد لفظ "روح" بدون التعريف). بل هناك تماه على مستوى العمل (على مستوى الوظيفة) بين الربّ والروح القدس. ويبقى الروح هنا، كما في العهد القديم، قدرة الله العاملة وسط البشر، ولكن منذ الآن في يسوع المسيح. لهذا نستطيع أن نقرأ: "آدم الأخير، المسيح، هو كائن روحيّ يُعطي الحياة".
تفترض هذه الاعتبارات الأخيرة أن مسألة معرفة الوقت الذي فيه صار يسوع كائناً روحياً يقدر أن يعطي الحياة، أمرٌ محلول. لا شكّ في أن بعض الشرّاح فكّروا باللوغوس (الكلمة) الموجود منذ الأزل. ولكن فعل "صار" (كما في مطلع يوحنا، 1: 14، الكلمة صار بشراً) يمنعنا من أن نفكّر في ولادة اللوغوس الأزليّة كسبب هذا التحوّل إلى كائن روحيّ. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، إن اللفظين "الأخير" و"الثاني" (أو: الآخر، الانسان الثاني) اللذين يحدّدان موقعَ المسيح بالنظر إلى آدم، يمنعاننا من أن نرى هنا تلميحاً إلى وجود المسيح منذ الأزل. مقابل هذا، فسياق 1 كور 15 ومعطيات اللاهوت الأولانيّ، تقودنا إلى أن نرى في «صيرورة» المسيح هذه كروح، قيامته الخاصة.بالنسبة إلى يسوع، القيامة هي حقاً ولادة جديدة: «بكر من قام من بين الأموات» (كو 1: 18). ونقرأ في أع 13: 33: "الله أقام يسوع. هذا ما كُتب في المزمور الثاني: أنت ابني وأنا اليوم ولدتك" (رج عب 1: 5؛ 5: 5 حيث يرد مز 2: 7). فالتبدّل الجذريّ عينه في وضع يسوع، نجد تعبيراً عنه في أع 2: 36 (جعله الله رباً ومسيحاً)، وفي روم1 : 4 ("جُعل ابن الله بالقدرة حسب روح القداسة بقيامته من بين الأموات". وهذا في توازٍ مع مولده بالجسد من نسل داود). وفي المديح الكرستولوجي في فل 2: 6- 11. فالمسيح يرى، بقيامته، كيف يتمّ من أجله ملء فيض الروح الذي وُعدت به الأزمنة الاسكاتولوجيّة: "نال من الآب الروح القدس، موضوع الوعد، وأفاضه" (أع 2: 33).
ولكن يجب أن لا ننسى المنظار الاسكاتولوجيّ، وبشكل خاص ساعة التتمّة الحاسمة، حين يأتي المسيح القائم من الموت في المجد والقدرة. فيتجلّى حقاً «كالروح الذي يهب الحياة». في ذلك الوقت تنكشف كلّ قدرة الحياة التي تضمّنتها قيامتُه. إذن، ليس في هذه الآية فقط معارضة بين آدم والمسيح القائم من الموت، بل بين الخليقة الأولى والخليقة الثانية والنهائيّة، خلق البشريّة في يسوع المسيح. نال آدم الحياة، ولكنه ليس هو الذي ينقلها: بل به دخل الموت إلى العالم (روم 5: 12). ويسوع، بما أنه روح، يُحيي منذ الآن، بل ينقل الحياة بشكل نهائيّ في انتصاره الأخير على الموت (آ 54- 55).
إن ميزتي الانسان الأول والانسان الثاني ترتبطان رباطاً في أصلهما (آ 47). جُبل آدم من تراب الأرض. خرج من الأرض. أما يسوع فهو من السماء. لا يقول بولس من أي شيء صُنع، ولا إنّه جاء من السماء في سالف الأيام. إنه كائن سماويّ. أخِذت هذه الاشارةُ، على ما يبدو، من صورة ابن الانسان الذي لا يتكلّم بولس عنها أبداً كلاماً صريحاً، ولكنها تبدو في خلفيّة بعض وجهات كرستولوجيّة. فابن الانسان كما في دا 7، هو كائن سماويّ (يأتي على سحاب السماء) وأصلُه سريّ: لم يُولد من هذه الخليقة. هو "مثل ابن انسان". فما يهمّ بولس، لأنه أساسيّ من أجل تعليمه عن القيامة، هو أن أصل هذا الانسان يسوع لا يُشبه أصلَ الانسان الأول. أخِذ آدم من الأرض. إنه مائت. وقبضة الموت عليه أمر عاديّ. وهو يعود إلى الأرض التي أخِذ منها. ولكن بما أن يسوع كائن سماويّ، فهو ينتمي إلى عالم الروح، ولا سلطة للموت عليه (روم 6: 19).
ج- الأول والأخير
لا نستطيع في هذا المقال أن نذكر جميعَ المسائل التي يطرحها هذا التلميحُ إلى ترتيب الظهور لدى هذين الانسانين. سبق وقلنا إن بولس يشدّد على هذا الأمر، وهذا التلميح يجعلنا نفترض حرباً: فبولس يكرّس نفسه لكي يحارب أولئك الذين يعتبرون أن آدم، الانسان المصنوع من تراب الأرض، لم يكن الانسان الأول، بل الانسان الثاني. ففي بعض المحيطات اليهوديّة، ولا سيّما المطبوعة بالحضارة الهلنستيّة (لا ننسى أن أبلوس كان من الاسكندريّة، وأنّه كرز في كورنتوس بعد ذهاب بولس، وأن 1 كور تتكلّم عنه)، كانت تنظيراتٌ حول خبرَي خلق الانسان اللذين نقرأهما في تك 1 وتك 2. لم يتوقّف الرسول عند مراجع النبتاتوكس (الأسفار الخمسة) فرأى في هذين الفصلين خلقين إثنين وانسانين مختلفين.
حسب تك1، خلق الله الانسان "على صورته وبحسب مثاله" (آ 27). وأعطاه سلطة بها يسود كلَّ الخليقة. وحين خلق الله ما خلق، رأى أن كل هذا كان صالحاً (آ 31). غير أننا لا نعود نرى، في البشريّة اللاحقة، أثراً لهذا الرجل الذي قيل عنه أنه نال روح الله. إذن زال. أو بالأحرى، جعله الله جانباً وحفظه في موضع من السماء، ليكشف عنه (وقد يكون المسيح) في الساعة التي فيها يرغب بأن يجعل البشريّة في وضعها الحقيقيّ.
في تك 2، شُبِّه الله بالفخاري، حسب نظرة انتربومورفيّة (تشبّه الله بالانسان) إلى اللاهوت، فجبل الانسان من تراب. لا يقال عن هذا الانسان إنه «على صورة الله». نال من الله نسمة حياة، فصار كائناً حياً (شأنه شأن الحيوان). وسيقول لنا الكتاب فيما بعد: سيخطأ ضد الله. ويُدعى "آدم". ويلد، مع امرأته حواء، أولى ضيوف هذا النسل الذي وصل إلينا. إذن، أما يكون ذاك الانسانُ هو الثاني؟
فأجاب بولس المعلـّم الرابينيّ بملء قلبه: كلا. ليس سوى انسان واحد أول، وهو آدم. ولكنه لا يرذل رذلاً تاماً الحدس العميق الذي انكشف في هذا التأويل (هناك تأثير من السطر الشرقيّة سوف يتوضح في التيارات الغنوصيّة، في القرن الثاني المسيحيّ). فهذا الانسان الذي هو على صورة الله، والذي ظنّوه إنسان سفر التكوين (ف 1)، هذا النمط لبشريّة جديدة فُقد تاريخُ آثارها، هو موجود حقاً. إنه يسوع، الكائن الروحيّ، القائم من بين الأموات على أنه الأول بين إخوة كثيرين. لا شكّ في أن هناك آدمين ونموذجين للبشريّة. وإن وجب علينا أن نبحث عن الأول في سفر التكوين، فالثاني، الانسان الذي كله روح، نبحث عنه فيما بعد، في الأزمنة الأخيرة (هو الآخر): فهو من جاء يخلّص البشريّة من وضعها المائت واللحميّ والخاطئ، الذي صارت إليه بسبب رباطاتها الضروريّة بالإنسان الأول الذي خرج من الأرض.

3- على صورة السماوي (15: 48- 49)
وتتواصل الموازاة. إلاّ أن بولس لا يعارض فقط آدم ويسوع كما فعل من قبل. بل يعارض بين بشريّتين ترتبطان بآدم الأرضيّ وآدم السماويّ، لأن آدم ويسوع ليسا فقط فردين بشريّين مشهورين: فجميع البشر مرتبطون بمصيرهما، بشكل سريّ. ولفظة "آدم" توجّهنا في الاتجاه الجماعيّ، فتدلّ على الانسان الأول كما تدلّ على الانسان بشكل عام، وعلى البشريّة.
ولد آدم بشريّةً تجد، مثله وبه، أصلَها في هذه الأرض. وبالنظر إلى هذا الأصل، وبسبب الخطيئة، لا بدّ لها أن تعود إلى الأرض. أما يسوع فهو المولود البكر في بشريّة جديدة: فمثله يُفلت البشر من قبضة الموت بحيث ينتمون بكليّتهم إلى الروح.
وإذ أراد بولس أن يعبّر عن رباطاتنا مع آدم الأول كما مع آدم الثاني، عاد إلى محتوى "الصورة": "حملنا صورةَ الانسان الأرضيّ. ونحمل صورة الانسان السماويّ" (آ 49). يعود بولس هنا أيضاً إلى سفر التكوين. ففي رأس لوحة أنساب نسل آدم، نقرأ في تك 5: 3: "حين كان آدم ابن مئة وعشر سنوات ولداً ابنا على شبهه، على صورته، وأعطاه اسم شيت". إن فكرة "الصورة" فتحت الطريق أمام جدالات عديدة، انطلاقاً من النصوص البيبليّة كما من النصوص اليونانيّة الممتدّة من أفلاطون إلى أفلوطين. أما نحن فنحاول فهمها بشكل بسيط متطلّعين إلى وظيفة الصورة، وتفصيلها بعض الشيء على ضوء لفظة "شبه" (مثال). الصورة شكل طيّع يتوخّى تمثيل النموذج الذي بحسبه رُسمت، صُوّرت، أو نُحتت. إذن، هناك شبه كما هناك اختلاف. فالصورة ليست النموذج. ثم من يقول صورة يقول ارتباطاً بالنسبة إلى النموذج. فمن رأى انساناً، رأى الله، بشكل من الأشكال. إنه عمل الله. ولكنه عملٌ يوحي بعضاً من صانعه. فالانسان، حتى بجسمه، يمثّل الله، يجعله حاضراً، نوعاً ما. وكيف ذلك؟ حين يمارس سلطانه على المخلوقات، كما ناله من الله نفسه (تك 1: 26 ي). وإذ يتصرّف الانسان على هذا النحو، يشارك سيّدَ الكون في امتيازاته.
حين نقرأ المرجع الكهنوتيّ، نعرف أن الله، بعد أن خلق الانسان على صورته، جعله جديراً بنقل كرامته السامية من جيل إلى جيل (تك 5: 3). ولكن سفر التكوين لم يكتف بالمرجع الكهنوتيّ، بل ضمّ مراجع أخرى تشدّد على قرب الله من الانسان. ونحن الآن نقرأ تك 5: 3 بعد خبر السقطة والحكم على الانسان والعمل والموت، كما في المرجع اليهوهيّ. فما نقله آدم، ليس فقط صورة الله في نقائها، حسب تك 1: 26، بل شبه انسان صار خاطئاً ومائتاً. وهكذا رأى بولس أن آدم ولد نسلاً على صورته، أي نسلاً خاطئاً ومائتاً مثله (روم 5: 12 ي).
إذن، لسنا أمام وضعين بشريّين تعيشهما بشريّتان متوازيتان، في شكل من الأشكال. في آ 49، فاعلُ الفعل هو هو في الحالتين: "نحن" (حملنا... حملنا). فجميعُ البشر هم على صورة آدم. جميعهم أرضيّون. ولكن يمكنهم جميعاً أن يكونوا يوماً على صورة ذاك الذي صار بموته وقيامته النموذج الأول للبشريّة المخلّصة: الانسان يقوم من الموت على مثال المسيح القائم من الموت. وجسده يكون ممجّداً مثل جسد يسوع.
وهكذا سقط الاعتراض الأهمّ الذي قدّمه الكورنثيّون. اعتبروا أن يسوع قام، وأن القيامة لم تكن بالنسبة إليه استعادة وضع آدم الذي فيه تجسّد. إذا كان الوضع الجسديّ للقائمين من الموت يشبه وضع يسوع، الانسان السماويّ، فلماذا يستصعب اليوناني لكي يعتبره، لا معطية مقبولة وحسب، بل أرفع موضوع لرجاء المؤمن. فليطمئنّوا. "اللحم والدم لا يمكن أن يشاركا في ملكوت الله" (آ 50): فالقيامة ليست استعادة حياة أرضيّة في عالم يشبه عالمنا، أو يتفوّق عليه بعض الشيء. القيامة هي أن نتحوّل تحولاً كلياً فيمتلكنا الروحُ، على صورة المسيح الربّ.

خاتمة
نحتاج كثيراً أن نتكلّم عن وضعنا كقائمين من الموت. فنضيئه، كما فعل بولس، ببعض تصوّرات لم تتنقّ كلياً، ولكننا لا نستغني عنها لنقدر أن نُبرز تضامن جميع البشر في وضعهم الحاضر، وهكذا نشدّد على تضامننا في يسوع المسيح الذي وحده في النهاية، يكون الأساس لرجائنا

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM