تقديم

 

تقديم

تفسير نشيد الأناشيد. تفسير أجمل نشيد. نشيد حبّ الله لشعبه وحبّ الشعب لربّه. بضعة فصول قصيرة، خمس قصائد مع مطلع لها والنهاية. من يتجاسر على تفسير هذا الكتاب الذي يدخلنا في سرّ الله الذي هو محبّة؟ بدأ اوريجانس وتبعه غريغوريوس النيصي. ثمّ برنردس وتريزيا الأفيليّة ويوحنا الصليب ويوحنا السالسي. لم يتجاسر أن يفسّر هذا الكتيّب إلاّ النفوس المشبعة بالحبّ الإلهي.
ونحن تتبّعنا هؤلاء الشرّاح. لم نأتِ بشيء جديد. بل أخذنا غنى هؤلاء الآباء وقدّمناه إلى القارئ العربي، فجاء كل فصل من الفصول في ثلاثة أقسام: مقدّمة تحدّد موقع النصّ في مجمل نشيد الأناشيد. شرح بيبلي للنصّ مع عودة إلى الكلمات العبرّية والمعاني الكتابيّة. هنا، برزت فكرة تقول إنّ العريس يمثّل الهيكل وبالتالي الله المقيم في الهيكل. والعروس تمثّل أرض فلسطين. فالعريس يقيم في قلب العروس كما الهيكل يقع في قلب فلسطين. أمّا القسم الثالث من كل فصل فيشدّد على العلاقة بين النفس والربّ. النفس هي العروس والرب هو العريس.
كيف نتعامل مع هذا الكتاب الذي يبدو أنه كُتب بعد العودة من المنفى سنة 538 ق. م.؟ نبدأ فنقرأ المقدّمة. وإذا استصعبنا القسم الثاني (هناك نجمات صغيرة تفصل بين قسم وقسم) نتركه جانبًا أو نعود إليه لكي نسند الاعتبارات التي نجدها في القسم الثالث. أمّا القسم الثالث الذي هو القسم التأمّلي، فلا بدّ من قراءته على مهل ليكون لنا منبع صلاة.
نشيد الأناشيد هو أوّلاً نشيد حبّ بين العروس وعريسها، بين الزوجة وزوجها. وهي لعمري أرفع صورة على وجه الأرض. وهو ثانيًا نشيد حبّ الله لشعبه وحبّ الشعب لربّه.
وعلى مستوى العهد الجديد هو نشيد حبّ المسيح للكنيسة وحب الكنيسة للمسيح. كما هو نشيد الحبّ بين المسيح والنفس التقيّة. فلا نحاول أن نقرأه فقط على المستوى الحرفيّ (والجسديّ)، لأننا حينذاك نتساءل لماذا دخل هذا الكتاب بين أسفار التوراة. نشيد الأناشيد هو مثَل عن حبّ الله يجد صورته البشريّة في حبّ الرجل لامرأته، وصورته الإلهية في حبّ الله لشعبه.
أطلّت صورة نشيد الأناشيد أوّل ما أطلّت مع هوشع نبيّ الحبّ. صارت حياته مع امرأته جومر، رمزًا إلى حياة الله مع شعبه، مع ما في هذه الحياة من اندفاع إلى الله، وخيانته، والعودة إليه بالتوبة. وتتابعَ هذا الموضوع مع إرميا وأشعيا وحزقيال. وتواصل مع العهد الجديد ولاسيّما في الرسالة إلى أفسس حيث يقابل بولس الرسول حبّ المسيح للكنيسة بحبّ العريس لعروسه.
إذا أردنا أن نبقى على مستوى التكامل الجنسي، فلا نقرأ هذا الكتيّب ولا التفسير الذي نقدّم. وإذا بقينا على مستوى حياة الزوج مع زوجته وحصرنا اهتمامنا بأمور الجسد، فالأفضل أن لا نتوقّف عند هذا الكتاب. أما إذا ارتفعنا إلى مستوى الروح، إلى مستوى حبّ المسيح للكنيسة، إلى مستوى حب المسيح للنفوس المؤمنة، نستطيع أن نقرأ هذا الكتاب ونتغذّى منه من أجل حياتنا الروحيّة والكنسيّة. هذا الكتاب أردناه تأمّلاً ومشاهدة، لا درسًا وتفسيرًا في الدرجة الأولى. ووحدها النفوس الصوفيّة والمستيكيّة تستطيع الولوج إليه والاستقاء من غناه.
قسمنا نشيد الأناشيد إلى مطلع (1: 2- 4)، وخمس قصائد تتوزّع بحسب فصول السنة. تمثّل القصيدة الأولى (1: 5- 7:2) فصل الشتاء وزمن المنفى. والقصيدة الثانية (8:2- 3: 5) فصل الربيع وزمن الخطوبة. والقصيدة الثالثة (6:3- 5: 1) فصل الصيف والزواج. والقصيدة الرابعة (5: 2- 6: 3) تجعلنا نتردّد قبل أن نصل إلى فصل الخريف وقطف الثمار كما تحدّثنا عنه القصيدة الخامسة (6: 4- 8: 4). وجاءت النهاية (8: 5- 7) تعلن أنّ الحب قويّ كالموت. وكانت الأشعار الأخيرة (8: 8- 14) بشكل صدى لما قيل في الأسفار الأولى.
نشيد الأناشيد هو كتيّب صغير في التوراة. وقد أردنا له تفسيرًا كبيرًا. فهذا الكتيّب مهمّ جدًا لأنّه يربط العهد القديم بالعهد الجديد، ويربط الإله الخالق بالإله المحبّ، ويربط شعب التوراة بكنيسة المسيح، ويجعل كل النفوس المؤمنة على مستوى الروح الذي يدخلنا في تيّار الحبّ، حبّ الآب والابن، حبّ الله والعالم، حبّ المسيح ونفوس المؤمنين. لهذا، نقرأ هذا الكتاب ونحاول أن نلج إلى قلب الله الذي هو حبّ وعطف وحنان، الذي يريد أن يأتي الينا ويجعل منّا مسكنًا له.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM