الرب في معبده

الرب في معبده
المزمور السابع والتسعون

1. هذا المزمور هو أحد المزامير المعاديَّة عن مُلك يهوه (مز 47؛ 93؛ 96- 98). تنشده الجماعة لتعبّر عن عاطفة الفرح (47: 1): "يا جميع الشعوب صفّقوا بالأكف، اهتفوا لله بصوت الترنيم". (96: 1): "رنمّوا للرب ترنيمة جديدة" (96: 11- 12): "لتفرح السماوات وتبتهج الأرض، لتبتهج الصحراء".
والعلاقة وطيدة بين هذه المزامير المعاديَّة والقسم الثاني من سفر أشعيا (40- 55) الذي يذكر الترنيمة الجديدة (96: 1؛ 98: 1؛ أش 42: 1) والإعلان عن بشرى الخلاص (96: 2؛ أش 40: 9؛ 41: 27؛ 52: 7) ومجد الله للشعوب جميعهم (97: 6؛ أش 40: 5) إلى أقاصي الأرض (98: 3؛ أش 52: 10). ملك الله ملك شامل (47: 3) على كل الأرض (96: 10؛ 97: 1؛ أش 40: 5؛ 52: 7- 10). ولهذا نرى الطبيعة تشارك الإنسان فرحته ونشيده (96: 1؛ 97: 1؛ 98: 7- 8؛ أش 42: 10- 12؛ 44: 23؛ 49: 13؛ 55: 12). الرب ملك الكون، لأنه خلق كل شيء، وعندما يظهر الرب كما على جبل سيناء، سيعلن عن ذاته كملك وسيد على الأرض كلها، ويظهر لجميع الشعوب عدله ومجده اللذين لم يكن يعرفهما إلاّ اسرائيل. وهكذا يكون ظهوره دينونة قاسية على أعداء الله. ونعمة مجانية إلى أتقيائه الذين يمتلئون فرحًا وبهجة. وعندما يظهر على جبل سيناء سيملأ ظهورُه بالخزي الوثنيّين وآلهتهم (1 مل 1: 34- 40؛ 2 مل 9: 13؛ 11: 12- 14).

2. الرب ملك في نهاية الازمنة.
آ 1- 6: ظهور الله كما على جبل سيناء.
آ 7- 12: هلاك الأشرار وفرح الاخيار.
في آ 1- 2: صورة عن ملك الله الحاضر. في آ 3- 6: ظهور الله على الشعوب في المستقبل. القسم الثاني يسرد نتائج هذا الظهور. في آ 7: الخزي للأصنام وعبّادهم. في آ 8- 9: نشيد شكر ترفعه صهيون إلى الرب. في آ 10- 12: فرح الاخيار والاتقياء.

3. آ 21: الرب ملك وملكه دائم، بمعنى أنه الملك بالمعنى المطلق. "الرب ملك" هي نداء بملك الله (2 صم 15: 10: أبشالوم. أو 1 مل 1: 11: سليمان واكرام الله له. رج مز 92: 1: الرب يلبسُ الملك يلبس البهاء). يرفعه المرتّل ثم يدعو كل الأرض إلى الاقرار بهذا الملك. هذه النظرة الكونيّة نقرأها في مز 47: 8 عندما يذكر الجزر الكثيرة "البعيدة" (أش 40: 15؛ 41: 1، 5؛ 49: 1؛ 51: 5). هذه الجزر تعني الأرض البعيدة التي لا نصل إليها إلاّ بعبورنا البحار. وحتى هذه الجزر سوف تشارك الإنسان فرحته ونشيده (أش 42: 10- 12).
آ 2: الغمام والسحاب والضباب... منذ ظهور الرب في سيناء (خر 19: 9؛ 18؛ 24: 15- 18؛ 33: 10)، صار الغمام والسحاب والضباب علامة لحضور (18: 10، 12). العدل والحق هما تشخيص لصفات الله (88: 15). ملك الله يتوطّد بظواهر الطبيعة الخارجية كما بعمله في داخل الضمائر. وهكذا يتّخذ ملك الله طابعًا داخليًا حميمًا.
آ 3- 6: صورة لظهور الله. عناصر جليانية تتّخذ أبعادًا كونية جديدة. النار تسير أمام الرب (68: 2؛ 106: 18؛ أش 42: 25) فتعني قداسة الله المحرقة (خر 3: 2؛ 19: 18؛ أش 6: 6؛ مز 98: 3) التي تفني كل من يقف بوجهها (أش 42: 25؛ 50: 3). أما العاصفة والبروق فنراهما أيضًا في ظهور سيناء (خر 19: 16، 19؛ مز 18: 13- 15؛ 77: 17- 19). تهتز الأرض وترتعد (خر 19: 18؛ مز 18: 8) والبركان يشتعل (مي 1: 4). لا يظهر الله فقط أمام اسرائيل، بل وأيضًا أمام الشعوب ليعاين الجميعُ مجده. وهذا ما يجعلنا قريبين من أشعيا (40: 5) الذي يقول: "ويتجلّى مجد الرب فيعاينه كل بشر" (رج 52: 10).
- القسم الثاني يصوّر نتائج ظهور الرب. هذا الظهور هو دينونة ورحمة، قصاص ونعمة، وأولى ضحايا ظهور الله هي الاصنام التي اغتصبت مكان الله في قلوب البشر فعبدوها. سيدين الرب هذه الاصنام، أي يظهرها على حقيقتها (آ 7)، ويفرض عليها أن تخضع له (آ 9). أما أحكام الرب (آ 8) فهي تشجب الخطيئة وكل ما يعارض الله (آ 7 و9)، وتعلن قداسته على البشر (آ 10- 11). وإعلان هذه الاحكام يجعل الجماعة المسيحانية تنشد نشيد شكر (آ 8) في عيد المظال على الجبل الذي كان عليه الهيكل قبل أن يهدم (عز 3: 4)، احتفالاً بملك الله الكوني (زك 4: 16). بنات يهوذا (آ 8) تعني مدن يهوذا وقراها التي تشارك المدينة المقدسة فرحتها (48: 12). سيدين الرب الاصنام والأشرار، ولكن الاتقياء يختبرون نعم الرب كصديق (1 صم 20: 17) أو كزوج (تك 29: 18) أو كأب (خر 21: 5؛ هو 11: 1) يحفظهم (12: 1؛ 1 مل 17: 20 علاقات الراعي بقطيعه) وينقذهم. والأبرار بدورهم سيتعرفون إلى النور الذي هو رمز الخلاص المسيحاني (12: 4؛ لو 1: 78- 79).

4. ما يعلن عنه هذا المزمور هو ظهور الله في يسوع المسيح، وشكر الكنيسة على هذا الظهور. في العهد الجديد وجد هذا المزمور معناه الكامل في كرازة الملكوت. ففي يسوع صار الملكوت قريبًا (مت 3: 2؛ مر 1: 15؛ لو 10: 9، 11)، ولكن هذا الملكوت القريب سيأتي أيضًا. هذا هو معنى خطاب يسوع عن نهاية الازمنة (مت 24: 1- 44؛ مر 13: 1 ي؛ لو 21: 5- 33) وهو يذكرنا بالمزمور 97 وحديثه عن الملك الكوني وخلاص المختارين.
والرسالة إلى العبرانيين 1: 6 تذكر آ 7 من المزمور وتطبّقها على مجيء يسوع الأول والثاني.
- يفسّر آباء الكنيسة هذا المزمور فيشدّد بعضهم على مجيء المسيح المتواضع بالجسد، ويرى البعض الآخر نبوءة عن مجيء المسيح بالمجد، ويتّفق التياران على القول بأن دعوة الأمم هي تحقيق وعد الخلاص الكوني الشامل. يقول تيودوريتس القورشي: هذا المزمور يبشّر بظهور ربنا ومخلّصنا الأول والثاني، بمعرفة الأمم لله، وبالدينونة العتيدة. ويقول أوسابيوس القيصري: هذا المزمور يحوي نبوءة وتعليمًا واضحًا عن أمور ستحدث في مجيء سيدنا الثاني المجيد. ويقول تقليد يرجع إلى أوريجانس: السحاب يعني مجيء الرب الخفي بين البشر عندما ولد فاتخذ صورة عبد.
- الليتورجيا ترى من خلال هذا المزمور ظهورات الرب المتعددة عبر العجائب والآيات التي كشف بها عن ذاته، والتي نقرأها في الآحاد منتظرين تجلّي ربنا العتيد في المجد. فالزمن المسيحي الحاضر هو عبور من الماضي إلى المستقبل. من الأمس إلى الغد، من دنح المسيح وظهوره إلى مجيئه المجيد في آخر الازمنة. والكنيسة التي تتلو هذا المزمور عن الخلاص الكوني لا تنسى أنها خرجت من الأمم، واتكأت إلى مائدة الملكوت لتعيش الافخارستيا وتشكر للرب كل حين معجزاته وآياته في الكون.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM