الله ديّان عادل

الله ديّان عادل
المزمور الخامس والسبعون

1. المزمور الخامس والسبعون هو مزمور تنشده جماعة ما بعد الجلاء فتعبّر عن إيمانها بالله الذي يخلّص شعبه، وتجدّد رجاءها بخلاص يأتي في نهاية الأزمنة يوم يعيش الشعب الأمانة للعهد فيرضى الرب عنهم. إن اسرائيل ما بعد الجلاء أخذ يبني ذاته وهو يبني مدينته وهيكله. ولكنه أحسّ بصراع بين الأشرار الذين يرفضون شريعة الربّ والاتقياء المحافظين على عهده. انتظر الاتقياء أن يسحق الله الأشرار وينصرهم عليهم، فيعبّرون عن فرحتهم بأناشيد الظفر: أخبر إلى الأبد، أشيد لاله يعقوب

2. الله هو الديّان وله الكلمة الفصل التي ما بعدها كلمة.
آ 2: المقدمة: يحمد المرتّل الرب على أعماله: اسمك قريب. نحدّث بمعجزاتك.
آ 3- 6: كلام الرب يقال في نبوءة. يقال في الميقات (الزمن المحدّد) أي في أعياد اسرائيل وخاصّة عيد المظال. ولكن فيما بعد ستّتخذ كلمة "ميقات" أبعادًا معاديّة (دا 8: 19). الله سيدين ويحكم بالاستقامة. يعني أنه سيعيد عمل الخلق الذي تبلبل بالجور والظلم كما في الطوفان، فأجبر الله على تثبيت الأرض من جديد وفرض الاستقامة في الاحكام ضد تعنّت المتكبرين.
آ 7- 9: ويفسّر المرتّل ما جاء في كلام النبوءة: حكم الله يعني نهاية الجهلاء والأشرار، وارتفاع الاخيار. الله وحده يدين الأمم، فلا يفلت أحد من حكمه الذي يشبهه المرتّل بكأس يسقيها الربّ لجميع الناس ليمتحن قلوبهم ويخضعهم له.

3. تجتمع الجماعة لتحمد الله وتعدّد أعماله الخلاصيّة في الماضي. تتألَّم في الحاضر وتتطلّع إلى الأفق البعيد منتظرة تدخّل الله في الزمن المحدد. "فالرؤيا مرهونة بوقتها، وحين يجيء وقتها لا تكذب. إن أبطأت فانتظرها، فهي لا بد أن تجيء ولا تتأخّر" (حب 2: 3). العدو حاضر ولكن الله حاضر، وهو الذي كوَّن الأرض وثبّتها، وهو يستطيع أن يضع العدالة عليها. فلا يهمه الأشرار، ولا عظماء الكون المتحالفين مع اليهود المارقين (أش 14: 5؛ حز 7: 21؛ حب 1: 3). لا يستطيعون أن يرفعوا قرونهم، أن يبيّنوا قدرتهم، لأن الله "يضع هذا ويرفع ذاك" وهو يُخضع الجميع لحكمه.
سيكون حكم الله ودينونته على الأرض كلها، فتتزعزع دون أن تغرق كما حدث لها وقت الطوفان. سيقع خوف الرب على المجانين والأشرار والمتكبّرين الذين يهددون الأرض بالسقوط، فيدينهم بسبب أعمالهم دينونة كونية، فتنتبه الأرض إلى عظمته. يعرف الإنسان أن الله حاضر شي الكون وأن لا أحد يستطيع أن يهرب من حضوره. يفرح البار بهذا الحضور ويخبر بأعمال الرب، أما الشرير فيسكر سكرة الموت.

4. الله قويّ، ولكنه يعمل على الأرض بصبر وأناة. لهذا نشدّد إيماننا بإعلان أعمال الله، ونكرّر أن الكلمة الأخيرة ستكون له. هو يتأخَّر ولكنه يأتي بدون شكّ. "فاصبروا يا اخوتي إلى مجيء الرب. انظروا كيف يصبر الفلاح، وهو ينتظر ثمر الأرض الثمين، متأنيًا عليه حتى يسقط المطر المبكر والمتأخر. فاصبروا أنتم أيضًا وقوّوا قلوبكم، لأن مجيء الرب قريب" (يع 5: 7- 8).
ونتذكّر أيضًا الكأس التي أراد أبنًا زبدى أن يشرباها لكي يكونا بقرب المسيح (مر 10: 38- 40). هذه الكأس، كأس الدينونة التي تميت الخطأة والكافرين، قد أخذها يسوع وشربها حتى الثمالة ليوزِّعها على البشر كأس الحياة والفرح.

5. الدينونة
يحدّثنا هذا المزمور عن الدينونة وهي دينونة كونيّة ودينونة أدبيّة أخلاقيّة.
أ- الدينونة الكونية
ارتجفت الأرض. لم تحدث هزة أرضيّة. ولكن الشعب يتذكّر هزّات سابقة فيفهم أن الله جاء ليدين. ويعتقد بنو اسرائيل أن القوى الخفيّة وكل الخلائق تحسّ بالرعدة مثل سكان الأرض. ولكن إن ارتجفت الأرض فهي لا تنهار، لأن الله يحفظها ويمنع الدمار عنها. أجل، لن يكون طوفان آخر على مثال ذلك الذي حدث في أيام نوح، وقد تعهّد الرب بذلك. إن الله هو الذي يرجف الأرض وهو الذي يحفظها.
ب- الدينونة الأدبية
سيُجازى الجهالُ والكفّار والمتكبرون الذين بسببهم ستنقلب الأرض. ولا يعني المرتّل فقط الخطأة في بني اسرائيل، بل كل الذين يثورون على الله ويحسبون في تكبّرهم أنهم يقدرون أن يتصرّفوا كما يحلو لهم.
ينتقل المرتّل من المستوى الكوني إلى المستوى الأدبي، لأن المستوى الأدبي هو ما يهم الله. فتصرّف الإنسان يثبت الكون أو يزعزعه.
وهذه الدينونة ستتمّ في أورشليم وفي أورشليم فقط. لا تستطيع الآلهة أن تفعل شيئًا. فالله القدير وحده يرفع هذا ويحط ذاك ويخضع البشر جميعهم لسلطانه...

6. "نقرّ بخطايانا أمامك يا الله، وندعو اسمك". وتحاول أن تدعو قبل أن تقرّ. أقرّ وادعُ. فذاك الذي تدعوه تناديه إليك. فالدعاء هو نداء. إذا دعوته، أي ناديته، فإلى من يأتي؟ هو لا يأتي إلى المتكبّر. لا شكّ في أنه العليّ، ولكننا لا ندركه حين "نرتفع". إذا أردنا أن نصل إلى أشياء وُضعت فوق، نقف على رؤوس أصابعنا. وإن كان ذلك لا يكفي نستعين بالسلّم والصقالة لنصل إلى المستوى المطلوب. أما بالنسبة إلى الله، فعكس ذلك. هو رفيع ولا يصل إليه إلاّ الوضعاء. نقرأ: "الرب قريب من منسحقي القلوب" (مز 34: 19).
المنسحق القلب هو الورع والمتواضع. ومن كان تائبًا حكمَ على نفسه بشدّة. فلنمارس هذه القساوة لكي ننال الرضى. لتكن ديانتنا صادقة فيكون الله المدافع عنا. إذن، يجيء الله حين ندعوه. إلى من يجيء؟ لا إلى المتكبّر. واسمع شهادة أخرى: "الرب هو في الأعالي وينظر إلى الأرض. يرى ما هو رفيع من بعيد" (مز 138: 6). الرب ينظر إلى الأرض ولا ينظر من بعيد. فبعد أن قال إنه ينظر الوضعاء عن قرب، لئلا يفرح المتكبّرون أنهم ما نالوا عقابًا ظنًا منهم أن الساكن في الأعالي لا يستطيع أن يرى، حيّرهم حين قال: هو يراكم، هو يعرفكم، ولكن من بعيد. الله يحمل السعادة إلى الذين يقترب منهم. وأنتم أيها المتكبّرون، الرفيعو المقام، لا تظنّوا أنكم تفلتون من العقاب. فهو يعرفكم. ولن تكونوا سعداء، لأنه يعرفكم من بعيد. فانظروا ما يجب عليكم أن تفعلوا. (أوغسطينس).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM