الربّ ملك السلام

الربّ ملك السلام
المزمور الثاني والسبعون

1. الفصل الثاني والسبعون هو أحد المزامير الملوكيّة. يُنشد ملكًا من ملوك اسرائيل قبل أن ينشد الملك المسيحاني الذي سيأتي في نهاية الأزمنة. وهو صلاة من أجل الملك كُتبت قبل الجلاء، ثم أعطي لها بعد الجلاء معنى مسيحانيًا، واتّخذت شكل كلام نبويّ على مثال ما نقرأ في القسم الثاني من سفر أشعيا أو سفر زكريا.
يتلو الشعب هذا المزمور في الليتورجيا، فيتذكّرون الماضي وهم ينظرون إلى الملك الحاضر، ويعلنون عن رجائهم بملك حقيقيّ سيأتي في المستقبل على مثال سليمان جديد يحمل معه السلام الكامل. كان الملك داود رجل حرب ودم، أما سليمان فكان ملك سلام، واسمه يدلّ عليه. نسي المزمور خطايا سليمان (النساء، الشرك)، كما نسي خطايا داود (قصة بتشابع وأوريّا) ليتوقّف على رمز السلام الذي يعلن عنه اسم سليمان.

2. صلاة إلى الرب ملك السلام لكي يبارك ملكه.
- في القسم الأول (آ 1- 14) يطلب المرتّل مخلّصًا يكون مُلكه عادلاً (آ 1- 4) ويدوم إلى الأبد (آ 5- 7) ليتمّم عمل خلاص الله. سلطان هذا الملك يكون كونيًا شاملاً من شاطئ البحر إلى نهر الفرات (آ 8- 11). ويهتمّ أولاً بخلاص الفقراء والمساكين والبائسين (آ 12- 14).
- في القسم الثاني (آ 15- 20) نقرأ صلاة من أجل الملك المخلّص الذي سيكون ملكه مجيدًا ويدوم إلى الأبد.
آ 1- 4: الملك هو وكيل الله. والله يعطيه صلاحيّاته وصفاته (36: 7؛ 89: 55)، ويعلّمه كيف يحكم بالانصاف والاستقامة (رج 1 مل 3: 9 بالنسبة إلى سليمان، وأش 11: 1 ي بالنسبة إلى ملك المسيح) في شعب الله، أي البائسين (آ 2) كما يحكي عنهم صفنيا (3: 12: أبقي شعبًا فقيرًا وديعًا فيحتمون باسم الربّ). وسيحقّق الملك كلمات أشعيا (11: 4)، فيقضي للمساكين بالعدل، ويحكم للبائسين بالانصاف. يضرب الشرير بقضيب فيه، ويُهلك المنافق بنفَس شفتيه (رج أش 32: 1). وتذكّرنا آ 3 بكلام حزقيال (36: 8): "يا جبال اسرائيل، ستثمرين ثمرًا لشعبي اسرائيل"، وبكلام أشعيا (32: 16- 17): "بعد أن يرسل الله ملك العدل ويُفيض روحه عليه، يسكن الحقّ في البريّة والعدل يستمرّ في الكروم". العدل يُولِّد السلام، والاستقامة تُنبتُ راحة وطمأنينة إلى الأبد. فالسلام والعدالة هما من الخيرات المسيحانيّة المنتظرة في آخر الازمنة (أش 2: 4؛ 9: 5- 6؛ زك 9: 10). والسلام (شلوم) يعني السلام السياسيّ والاجتماعيّ والصحّة والراحة والطمأنينة.
آ 5- 7: تستند آ 5 إلى تمنّيات كتلك التي نقرأها في 1 مل 1: 39: "ليحيَ الملك وليَدُم ملكه إلى الأبد". (إر 31: 35- 36؛ 33: 20- 21). تردّد آ 6- 7 كلمات أشعيا (45: 8): "لتمطر السحاب العدل، لتنفتح الأرض وليُثمر الخلاص، ولينبت الحقُّ والعدل".
آ 8- 11: إن آ 8 تذكّرنا بنصّ زكريا (9: 10): "ويكون سلطانه من البحر إلى البحر، ومن النهر (الفرات) إلى أقاصي الأرض. فيتّسع وسع الشرق القديم، وتتعدّى مملكته حدود مملكة سليمان" (خر 23: 21؛ 1 مل 4: 21؛ سي 44: 21). تلك هي مملكة الملك المسيحاني (2: 8).
أهل الصحراء: لا تعني هذه العبارة حيوانات البرّية وشياطينها (أش 13: 21؛ 23: 3؛ 43: 14؛ إر 5: 39)، بل البدو الذين لم تستطع قدرة أن تخضعهم، أن تجعلهم يلحسون التراب (علامة الخضوع) كما يقول أشعيا (39: 24؛ رج مي 7: 17).
ترشيش (آ 10) تعني اسبانيا. وتعني أيضًا المقاطعات البعيدة من المملكة. سبأ تقع جنوبي الجزيرة العربية، وشبأ في الحبشة (حسب يوسيفوس المؤرخ. رج 1 مل 10: 1 ي: زيارة ملكة سباً لسليمان). هذا يعني أن الكون كلّه سيأتي إلى جبل صهيون ليسجد للملك المسيح ويخدمه كما لو كان الله بالذات.
آ 12- 14: ويكون الملك عظيمًا، وستُمنح له الممالك، لأنه يحقّق المثال الملوكي حسب سفر الامثال (29: 14): "إن الملك الذي يحكم للفقراء بالعدل، يثبّت عرشه إلى الأبد". هذا الملك المثالي، الملك المسيحاني (أش 11: 4- 5؛ إر 23: 5؛ 33: 15) يصوّره المرتّل حكيمًا كأيوب (29: 12- 17): "ينجّي البائس المستغيث واليتيم الذي لا معين له، يكون عينًا للأعمى ورجلاً للأعرج وأبًا للمساكين، يحطِّم أنياب الظالم وينزع منه فريسته".
آ 15- 17: "ليحي الملك": نقرأ هذه العبارة في سفر الملوك الأول (5: 21، 31) وفي الصلوات من أجل الملك (مز 20، 21؛ 63: 12). وسيكون لحكم الملك نتائج مفرحة، فيكون للشعب الخصبُ الذي يعلن عنه الأنبياء (أش 30: 23؛ حز 34: 26- 27؛ هو 2: 23- 24؛ يؤ 4: 18)، ولصهيون الغنى بالعتاد والرجال (أش 49: 21؛ 54: 1 ي؛ 66: 7 ي). وفي آ 17 نرى أن المواعيد المعطاة لابراهيم (تك 22: 18) انتقلت إلى ابن داود، ثم إلى جميع الامم علامة بركة من الله.
آ 18- 20: هذه الايات توجّه أنظارنا إلى اله العهد، فتلمّح إلى عظمة الله الملك الذي سيملأ الكون بجلاله (أش 6: 3) ويتمّم في الملك عمله الخلاصيّ. وتنتهي صلاة الجماعة بصرختين: آمين. آمين.

3. إليك المواضيع التي تطرّق إليها المزمور الثاني والسبعون.
موضوع العدالة. يكون الملك المنتظر عادلاً مثل سليمان الذي حصل على العدل من الله (45: 7؛ 2 صم 14: 17) بشكل خاص ليحكم للبائس والمسكين والضعيف، فيعيد إليهم حقّهم وينتقم لهم.
موضوع السلام: سيعمّ السلام الأرض كلها. سلام في الداخل بإحقاق حقّ المساكين، وسلام في الخارج مع الأمم.
موضوع الملك المسيح: سيصل سلطانه إلى حدود الأرض المعروفة آنذاك (آ 8)، وتطول أيام حياته، وذريّته لا تنقطع بسبب أمانة الله، وسيكون ملكه أبديًا. في بابل، الشمس المؤلّهة تعطي الملك العمر الطويل. أما في اسرائيل فالشمس شاهدة والقمر (هو اله عند الوثنيّين أيضًا) شاهد للعمر الطويل الذي سيعطيه الله لملكه. إن الله يعطي ملكه العمر الطويل، ويغدق بواسطته على الشعب الخير والبركات. فالربّ صانع العجائب وحده، وبيده العدل والسلام، فليكن اسمه مباركًا.

4. عندما نقرأ هذا المزمور نتذكّر ما يقوله لوقا (1: 32- 33) عن عرش داود المعطى للمسيح، ويوحنا (5: 22- 23) عن تمجيد الابن، وأعمال الرسل (10: 42) عن الابن ديّان البشر، والرسالة إلى العبرانيين (7: 2) عن ملكيصادق ملك العدل والسلام.
ويذكّرنا هذا المزمور بالمسيح الذي يحمل الخلاص إلى المساكين (مت 5: 3؛ 11: 5؛ لو 4: 18؛ 14: 13- 21) وبيسوع ملك السلام الوديع الآتي إلى أورشليم (مت 21: 5؛ يو 12: 15).
ولكن ما يرجوه المؤمنون عند إنشادهم هذا المزمور لم يتحقّق تمامًا بمجيء المسيح الأول، لأن أعينهم لا تزال تتطلّع إلى التحرّر التامّ الذي سيحقّقه مجيء المسيح الثاني عندما يظهر ملكًا على العالم كله. ولهذا فصلاتنا "ماراناتا" تعال أيها الرب (1 كور 16: 22) تصبح صلاة دعاء من أجل يسوع الملك، فينتشر اسمه ويتّسع ملكه حتى يجمع في شخصه كل ما في السماوات والأرض.

5 أ. العدالة، السلام، الحياة
تبرز في هذا المزمور مواضيع كتابية:
أ- موضوع العدالة: فكما كان سليمان يقضي بالعدل، هكذا يفعل الملك الجديد الذي يحلّ حقًا محلّ الله فيلهمه الله. حينئذ يقول الكلمات الضروريّة ويؤدّي أحكامًا يكون حقّ كل واحد فيها محفوظًا. نحن أمام انتقال السلطة من الله إلى إنسان (رج 2 صم 14: 17؛ مز 45: 7).
ولكن المزمور يشدّد على عدالة خاصة، تلك التي تحقّ للفقراء (آ 2، 4، 12، 14). لا تحقّ لهم عدالة في دعوى وحسب، بل يحقّ لهم أن تُعاد كرامتهم وأن يُنتقم لهم (آ 14). يجب أن لا يبقى فقراء وبائسون. أما الغنيّ الظالم فيجب أن يُسحق (آ 4). إن المرتِّل ينتظر من الملك عملاً اجتماعيًا لأن المشاكل الداخليّة عديدة أمامه.
ب- موضوع السلام: لا تتحدّث المزامير كثيرًا عن موضوع السلام الذي يجب أن يعمّ الأرض كلّها (آ 7). ولنتذكّر أن كلمة سلام قريبة من اسم سليمان. وسيحصل الشعب على السلام لا باستعباد الامم (آ 9- 11) بل بفرحهم حين يقدّمون ذواتهم في خدمة مثل هذا الملك المهيب (آ 17). سلام في الداخل بعد تثبيت حقّ المساكين، وسلام في الخارج تعترف به الأمم. ينطلق المرتّل من سلام عرفته البلاد في أيام سليمان، فيتمنّى أن يكون هذا السلام أبديًا.

5 ب. موضوع الحياة الطويلة والوفر: ويتوقّف المزمور عند موضوع الأمم الآتية إلى أورشليم، واتساع مُلك يصل إلى أقاصي الأرض المعروفة في ذلك الزمان. لهذا، يجب أن تطول حياة الملك، وأن يتأمّن له نسل من بعده. يبدو لنا أن ابن الملك (آ 1) هو الأمير الذي يؤمن أن ملكًا أبديًا سيأتي. يتكلّم النص عن الشمس. ففي بابل يعطي الاله "شمش" حياة طويلة للملك. أما في المزمور، فالربّ هو الذي يعطي الحياة الطويلة، وتكون الشمس والقمر شاهدين على ذلك.
مثل هذا الملك يجلب على البلاد بركات الله وأولها المطر: غلالاً وافرة، ثمارًا لذيذة، مروجًا خضراء. وكل هذا يأتي لا من الملك ولا من المسيح الملك، بل من الربّ نفسه الذي يمسك بيده العدالة والسلام كما يُمسك الأمم والنسل الملوكي والوفر.

6. بعض الكتّاب يفسّرون هذا المزمور، فيطبّقون قسمًا منه على سليمان، وقسمًا على ربّنا. هذا أمر يستحقّ الضحك، أن تمزج في نبوءة عن المسيح أمورًا قيلت في إنسان عاديّ، مثل إخوة يقتسمون بالتساوي كرامة ما. وإن يكن في المزمور كلمتان أو ثلاثة تتجاوز سليمان بسبب مغالاتها، فهذا ليس بغريب عن عادة النبوءة. ولقد قال الأنبياء أيضًا أمورًا عديدة عن حزقيّا وزربابل تتجاوز القياس. ثم إن كلمات هذا المزمور تبدو أكثر تحفّظًا ورصانة من تلك التي قيلت في ربنا في أمكنة أخرى. فلا ربنا ولا واحد من رسله استعمل كلمات هذا المزمور، مع أنهم جاؤوا بكلمات أخرى كشهادة على ربنا بسبب تشابه الوقائع.
آ 1: "اللهم، أعط الملك حكمك...". هذا ما طلبه سليمان أيضًا: أن يعطيه الحكمة ليدير ويحكم الشعب بالبر... سُمِّي سليمان "الملك وابن الملك". هكذا نجد: خادمك وابن امتك (86: 16؛ 115: 16)، وكلمات أخرى مشابهة.
آ 3: سمّى "الجبال" ممالك الأمم.
آ 5: "يخافونك مع الشمس وأمام القمر". أي: سينمو سلطانه، وينتشر خبر أعماله المجيدة في كل مكان تكون فيه الشمس وتُضيء. وسيمجَّد على مثال القمر والشمس. كلمات "جيل الأجيال"، تعني زمنًا طويلاً. والكلمات "قدّام الشمس وقدّام القمر" لا تقال عن أسبقيّة في الزمن. وإلاّ لما زاد على الكلمات هذه "لجيل الاجيال" التي تدلّ على المستقبل. وكيف يصلّي المؤمن للزمن الماضي؟ وهل وُجد شخص يخاف الله قبل أن يُخلَق القمر؟ ولكن الكلمات "قدّام الشمس والقمر" تُقال عن الظهور أمامهما. وهكذا هي الكلمات: "ربي أمامك كل رغبتي" (38: 9). "خبز الوجه (أو التقدمة) الذي أمام الرب" (خر 25: 30). "أنا جبرائيل الواقف أمام الله" (لو 1: 19). "أمام الرب الذي يأتي ليدين الأرض" (96: 13). هنا أيضًا كلمة قدّام تعني أمام نظر ووجه الشمس والقمر. وكذلك الكلمات: يخافونك... تعني يمجدّك الحكماء، ويمجدّك كلّ أجيال العالم التي فيها تتصرّف الشمس حسب الرسوم التي وُضعت لها. نقرأ في العبرية: "يخافونك ما دامت الشمس" وفي اليونانية: "يبقى مع الشمس". وآخرون يقولون: "يسمّي الشمسَ سليمان في بدايته". وهكذا الكلمات التي تتعلّق بأشور. قال: "اليوم" أي الشمس "ستشرق بعد في نوب" (أش 10: 32)، يعني ملكه وقدرته... ويسمّي أيضًا القمرَ ملك سليمان بسبب نهايته، ولأن سليمان بعد أن مال عن حبّ الله، تشبّه ملكُه بالقمر الذي يتبدّل. وهذا ما يعنيه: يخافونك، ويخضعون لك طوال ملكك الذي يشبه الشمس والذي يشبه القمر أيضًا. ليس من المدهش أن يذكر الشمسَ والقمر حين يصلّي، لكي تُحفظ مخافةُ الله وسلامته عند الشعب وعند الملك لأن تلك هي العادة عند البشر أن ينفحوا عبارات البركة.
آ 6: ينزل تعليمه وحكمته على الشعب كالمطر على العشب الذي يتشرّب ماء المطر شيئًا فشيئًا. وهكذا سليمان أيضًا. فقد قبله كل الشعب برضى، بفضل وداعته "وكقطرات الندى التي تنزل على الأرض" وتهيّئه ليعطي ثمارًا كثيرة.
آ 7: "تزهر العدالة أيّامًا طويلة" لأنه يخصّ بتعليمه الشعب ليعطي ثمار برّ ومخافة الله.
آ 8: الكلمات: يتسلّط من البحر إلى البحر... لا يملك هكذا، بل يكون مجيدًا قرب كثيرين بصيت حكمته فيُعجبون به كما بملك عظيم.
آ 15: "ويُصلّي من أجله دومًا". يتكلّم عن محبّة الشعب له. حملَه الشعب بحبّ عظيم "فصلّى لأجله،" من أجل أحكامه العادلة... لأنه يُعتبر مجدّفًا من يعلن أن ربنا يحتاج إلى صلاة المؤمنين وهو الذي يفيض خيراته على الجنس البشري؟ يقول اليوناني: "ويصلّون لأجله دومًا".
آ 16: الكلمات: "يكون توافر الحنطة على الأرض وعلى رأس الجبال...". يعني: سيكون الشعب مزدهرًا أيّامًا عديدة. تُعطى له كل الخيرات، وأرضًا تعطي حنطة كثيرة. والأولاد الذين يُولدون له، يرتفعون بالكرامة والمجد كأرزات لبنان العظيمة بقامتها. "وينبت من قلب المدينة" العدل ومخافة الله. "كالشعب" الوافر والغضّ الذي ينبت في الربيع.
آ 17: "يدوم اسمه إلى الأبد وأمام الشمس...". يعني في ما قال: ما دام الحالم سيدوم اسمه ومجده وحكمته. فكتاباته وأقواله الحكيمة تدوم إلى الأبد. "فيه تتبارك كل الشعوب". يعني: يبارك الواحدُ الآخر فيه لدى كل الشعوب: ليعاملك الله كسليمان. يسمّي حنانا (أحد الشرّاح السريان) الشعوبُ القبائل. أما أنا فأقول: إنه وإن قيلت هذه الكلمات في وقتها عن سليمان، إلاّ أنها نالت تمامها الحقيقي في المسيح كما في أماكن أخرى عند الأنبياء. (إيشوعداد المروزي).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM