زواج الملك

زواج الملك
المزمور الخامس والاربعون

1. المزمور 45 هو مزمور ينشده المرتّل بمناسبة زواج الملك في إسرائيل. ليس صلاة بكل معنى الكلمة، وإن دخل في كتاب صلاة شعب الله، بل هو نشيد يحكي عن حب الملك والملكة، ثم يعبّر عن الحبّ الجامع بين الله وشعبه. أنشد أولاً بمناسبة زواج سليمان أو أخاب، ثم أنشد خلال زواج كل ملك في شعب الله. وبعد الجلاء، ساعة زالت الملكيّة من إسرائيل، أنشده المؤمنون متطلّعين إلى حفلة العرس في الملكوت، إلى عرس الله مع شعبه بانتظار أن ينشده العهد الجديد في عرس المسيح مع كنيسته.

2. نشيد للملك والملكة في يوم زواجهما.
آ 2: المقدمة: تأثّر الكاتب بجوّ العرس، فارتجل هذا النشيد لملكه في يوم فرَحه.
آ 3- 9: كلمات مديح للعريس. الملك هو رجل الله المبارك، وهو جميل كما يجب أن يكون الملوك، وشفتاه تحملان الحياة والعدل. وهو يحقّق ما ينتظره الشعب منه. ولهذا يكون قويًا بمركباته وقوسه، متجلببًا بالجلال والبهاء، وهاتان صفتان سماوّيتان. تخافه الشعوب، وتسجد أمامه الأعداء. يؤمّن السلام على الحدود والعدالة داخل البلاد، ويحكم للجميع بالاستقامة. لهذا اختاره الرب، ومسحه ملكًا على شعبه، والملكة سُحرت بجماله (لم يسحره جمالها) وبعطره الآتي من عند الله، فجذبها إلى قصره وأدخلها أرض الله (لو جذبته هي إليها، لفصلته عن الله وجعلته يعبد الآلهة الغريبة).
آ 9- 17: ويصوّر الكاتب موكب الملكة آتيًا على أنغام الموسيقى. تأتي الملكة مزَّينة بالحجارة الكريمة التي أعطاها إياها الملك، لا تلك التي جلبتها معها من بلادها (ذهب أوفير هو ذهب سليمان). وتبدأ أمّ الملك (ويمكن أن يكون المتكلّم رئيس الكهنة) بخطاب إلى الملكة: عليها أن تنسى شعبها وبيت أبيها لتهتمّ بالبلاد التي جاءت إليها. وعليها خصوصًا أن تنسى ديانة آبائها معتنقة ديانة إله إسرائيل. حينئذ يتعلّق قلب الملك بها دون أن يخون عهده مع الرب، ويطلب رضاها جميعُ عظماء المملكة. وتتقدّم الملكة بغناها دون أن تنظر إلى الوراء، إلى المغريات التي في بلادها أكانت كنوز مصر أو صور، وتدخل إلى قصر الملك لتعطيه أولادًا ينتقل معهم العهد حتى يصل إلي المسيح.

3. صورة الملك مزيج من ملامح الملك سليمان بمركبات حربه، وملك نشيد الأناشيد (3: 6) بعطوره وبخوره، والملك المسيح المنتظر الذي يتصوّره أشعيا بجبروته وقدرته (أش 33: 17) وعدالته الذي يشدّ وسطه "ليحكم للمساكين بالعدل وللبائسين بالأنصاف" (أش 11: 4- 5). بواسطة هذا الملك يجتذب الربّ شعبه إليه، ويعطيه كل غنى، ويدخله هيكله فيملأ قلبه فرحًا في أرضه المقدّسة.
تعوَّد الكثير من الشرّاح أن يشدّدوا في هذا المزمور على حبّ الله لشعبه. فنسوا أن هذا المزمور هو أولاً نشيد حبّ بشريّ، وهذا ما جعل بعض الليتورجيات تقرأه في حفلات الزفاف. إن الحبّ البشري لم يُنشَد لأنّه رمز للحبّ الالهي وحسب، بل أنشد لأنه في حدّ ذاته صالح، وصالح جدًا. وقد أراده الله كذلك كما قال سفر التكوين (1: 26- 27). فإن وجد فيه الوحي صورةً توافق الحديث عن حبّ الله لشعبه، فهذا لا يُفقده كرامته وقيمته. لا شكّ في أن الله جعل صورته في حياة الزوجين حين جعل الرجل والمرأة كليهما على صورته. ولكن هذا التعليم هدفَ إلى وضع الاسس للحبّ البشري لا إلى إفراغه من محتواه. إذًا نستطيع نحن أن نتحدّث عن حبّ الله، منطلقين من حبّ الزوجين، لأن حبّ الزوجين صالح جدًا، وهو امتداد لحبّ الله في العالم.

4. يصوّر هذا المزمور عرس الله الملك عبر عرس أحد ملوك شعبه. إن الملك يمثّل الله في عمله الخلاصيّ، ويحمل في شخصه مواعيد الله إلى أن تتحقّق كليًا في شخص المسيح المنتظر. تزوّج الله شعبه إلى الأبد (هو 2: 21) وصار عريس نشيد الأناشيد، العريس المسيحاني، الذي يرتبط بشعبه كما يرتبط العريس بعروسه. ولهذا رأت الكنيسة الأولى في هذه الصورة تلميحًا إلى عرس المسيح وكنيسته (عب 1: 8- 9). وكما أعطى العهد القديم هذا المزمور بُعدًا معاديًا، فأنشده الناس متطلّعين إلى نهاية الأزمنة وعودة المسيح المنتظر، كذلك يُنشده أبناء العهد الجديد متطلّعين إلى اتحاد المسيح بكنيسته الذي سيظهر بكامل بهائه عند مجيء المسيح الثاني.

5. الآباء الانطاكيون
يتساءل الآباء الأنطاكيّون: من هو الملك الذي ينشده المزمور 45؟ هو سليمان بحسب اليهود، وهو المسيح بحسب المسيحيّين. أما البرهان الأساسي منذ يوستينوس، فهو أن بعض الملامح المعطاة لهذا الملك المسمّى الله في آ 7، تتجاوز شخصيّة سليمان ولا يمكن أن تليق إلاّ بالله. ولكن التوسّع الكرستولوجي سيساعدنا على تحليل أدقّ.
قال ديودورس: "يبدو أن هذا المزمور موجَّه إلى الرب يسوع، لا إلى سليمان، كما يقول اليهود. فإن نقلوا بقوّة على سليمان أشياء كثيرة لأنها قيلت بشبه بشري، فالآية "عرشك يا الله مسكن أبديّ" و"صولجان ملكك صولجان استقامة" تجبرهم على الصمت. فسليمان لم يُدع الله ولم يملك إلى الأبد. والمسيح وحده، بما أنه إله، قد نال الميزات البشريّة بسببنا، واحتفظ بميزاته الخاصّة بطبيعته، لأنه الله وملك إلى الأبد. وإذا كان المرتّل قد أبرز وجهه البشريّ، فلا عجب في ذلك، لأنه صار انسانًا وقبلَ أن يُمدح كإنسان. وإن قبل أن يتألّم كإنسان، فقد قبلَ بالحري أن يُمدح كإنسان دون أن تُمس طبيعته في شيء".
إن التأرجح بين الملامح البشريّة والملامح الالهيّة التي نراها في صورة الملك، يُفسّر في أن الربّ الذي صار انسانًا يمكن أن ننظر إليه كإله أو كإنسان. أمّا ديودورس في شرحه مز 2؛ 45 فهو يفضّل أن يتكلّم عن الطبيعة (الالهيّة) وعن التدبير (الخلاصيّ). فإن توجّه المرتّل إلى المسيح أو قال له: "الله مسحك" (آ 8)، فهو يشير إلى التدبير. أمّا في آ 7 فهو يسمّي المسيح نفسه الله، لأنه يتكلّم عن طبيعته. في هذا الاطار التقليديّ، لا ننظر إلى المسيح بشكل جامد، بل نحدّده بطبيعته الالهيّة التي تبسط عمله الخلاصيّ بفضل التجسّد.
أما بالنسبة إلى تيودورس، فالمزمور يرتبط بمسألة الشخص المتكلّم. لا يمكن أن يكون نشيدًا يتناوب فيه داود والله، فليس إلاّ شخص واحد يتكلّم من البداية إلى النهاية: داود الملك هو المسيح الذي به وحده تليق آ 3 (إنك أجمل من بني آدم) التي تشير إلى أكثر من ملك بشريّ.
ويوضح تيودورس العناصر الإلهيّة في صورة الملك، لأنها تدمّر التفسير اليهوديّ. تذكّر أن هذا المزمور استُعمل استعمالاً ثالوثيًا، فحدّد أن هذا الملك الذي هو الله (وقد قيل له: عرشك يا الله يبقى إلى الأبد آ 7) ليس الله الآب، لأن قيل له أيضًا: الله الهُك مسحك (آ 8). فما يكشف التقارب بين هاتين الآيتين، يشير إلى المسيح لا إلى الثالوث. "من الواضح أن المرتّل قال كلّ هذا عن واحد. ولكن بما أنه لا يمكن أن تليق الكلمات ("لذلك مسحك الله الهك") بالله الآب، يبقى أنها تعني المسيح الذي ميّز فيه الطبيعتين وبيَّن وحدة الشخص. ميّز الطبيعتين، حين تلفّظ بكلمات تشير إلى تصوّرات مختلفة (هناك فرق بين "عرشك يا الله يبقى إلى الأبد" وبين "لهذا مسحك الله الهك"). ودلّ على الوحدة حين قال هذا عن شخص واحد".
وبرى تيودورس في زوجة الملك الكنيسة (آ 11)، ويصوّر اتّحاد المسيح بالكنيسة كاتّحاد الطبيعتين في المسيح. ولا عجب في ذلك، لأن وحدة الرجل والمرأة هي مع وحدة النفس والجسد إحدى الصور التي يلجأ إليها المفسّر ليحيط بسرّ الثنائية والوحدة اللتين تميّزان معًا المسيح.
ويهتمّ تيودورس بآيات المزمور واحدة واحدة، فيشير إلى ما يدلّ على لاهوت المسيح وإلى ما يدلّ على ناسوت المسيح. "الكلمة النبويّة في آ 3 دلّت لا على الميزات الالهيّة بل على الميزات البشريّة في المسيح الربّ". "حين أعلنت ما حصل حسب التجسّد، علّمت الكلمة النبويّة (آ 7) عن طبيعة (إلهيّة) الله الكلمة الذي تأنس". "بعد هذا (آ 8)، نزل إلى الميزات البشريّة". "مسح بالروح القدس لا كإله بل كإنسان. فالروح مساو له في الجوهر كإله. وكإنسان ينال مواهب الروح المقدّسة كمسحة".

6. ها هو العريس نفسه يأتي إلينا، فلنحبّه. هو أحبّنا أولاً، ولبس حالنا بحيث استطعنا أن نقول: "رأيناه بلا نعمة ولا جمال". ولكن إن تطلّعت إلى الرحمة التي جعلته يتجسّد، تقول إنه جميل. فهذا العريس يبدو لنا نحن المؤمنين جميلاً وفي كلّ مكان.
هو جميل بصفته من الله، لأنه كلمة الله.
هو جميل في حشا العذراء، حيث أخذ بشرّيتنا دون أن يخسر اللاهوت.
وجميل هو الكلمة الذي وُلد طفلاً حين رضع الثدي وحُمل على اليدين: السماوات تكلّمت، والملائكة غنّت، ونجمةٌ قادت المجوس، وُعبد في مذود وفي معلف الحيوانات المجترّة.
هو جميل في السماء، وجميل على الأرض، وجميل في حشا أمه، وجميل في أيدي والديه، وجميل في عجائبه، وجميل تحت السياط.
هو جميل حين يدعو إلى الحياة، وجميل حين يحتقر الموت.
هو جميل حين يضع نفسه، وجميل حين يسترجعها.
هو جميل على الصليب، وجميل في القبر، وجميل في السماوات.
إفهموا حسنًا النشيد الذي تسمعونه فلا يميل ثقل الجسد بعيونكم عن بهاء جماله. فالجمال الساميّ والصحيح هو البر. لا تستطيع أن تكتشف جماله حين تسلم ذاتك للظلم. فإذا كان دومًا بارًا، فهو جميل دومًا. (أوغسطينس).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM