صلاة عبد الله المتألّم

صلاة عبد الله المتألّم
المزمور الثاني والعشرون

1. المزمور الثاني والعشرون هو مزمور توسّل يُنشده أحد الملوك أو العظماء ليشكو أمره إلى الربّ. يصوّر لنا حالة الألم التي يحسّ بها في جسمه له، والتي لا يستطيع أن يتحمّلها. كما يصوّر لنا حالته النفسيّة وقد شعر أن الله تركه وتخلّى عنه، وأن الناس نبذوه وحسبوه سفالة ولعنة. ورغم عمق هذا الالم، لا ييأس المرتّل، بل يظلّ متيّقنًا بأن أفراح القيامة تتبع أهوال الموت. هذا المزمور صلاَّه يسوع ساعة موته على الصليب، فحمل في صلاته آلام البشر جميعًا كتتمّة لآلام جسده الذي هو الكنيسة (كو 1: 24).

2. صلاة عبد الله المتألّم.
آ 1- 22: صلاة الملك المتألّم وشكواه.
آ 23- 27: صلاة شكر يرفعها المرتّل إلى الرب الذي نجَّاه من آلامه.
آ 28- 32: نشيد ختامي يَنقل أبعاد المزمور من صيغة المفرد إلى صيغة الجمع: تتذكّر الأرض كلّها وترجع إلى الرب.
صوّر القسم الأول آلام المرتّل الذي يحسب أن الله تخلّى عنه، ولم يعد يستجيب صلاته. ويشتكي إلى الرب (آ 4- 12): أنت نجّيت الذين دعوك (آ 4- 6) وسحقتني اليوم وقد وثقت بك (آ 7- 9) مع أنك في الماضي دافعتَ عني دومًا. ساعدتَ آبائي ولم تساعدني. ماذا ينفع المرتّل أن يتّكل على الرب ويلجأ إلى حماه؟ ويعرض حالته على الرب (آ 13- 19) في صور ثلاث: الوحوش التي تصارعه (13- 14)، والموت الذي يقترب منه (آ 15- 16)، وزمرة الكلاب التي تحيط به (آ 17- 19). الأسد يرمز إلى القوّة التي تعارض الملك، والكلب يرمز إلى الشعب الذي يستعد لاقتسام الأسلاب قبل موت صاحبها.
وصوَّر القسم الثاني صلاة المرتّل المتواضعة المؤمنة والبعيدة عن كل روح انتقام. يقبل بالأمور وإن لم يفهمها، فيتشبّه بالمسيح المتألّم، الذي شُتم فما ردَّ على الشتيمة بمثلها، وأسلم أمره إلى الديَّان العادل (1 بط 2: 23). وفجأة تنقلب الشكوى نشيد فرح، لأن المرتّل شعر أن الله استجاب له. هو يتمنّى أن يشكر للرب نعمه فيعلن للجميع رحمته وأمانته: فليعرف الوضعاء أنهم يقدرون أن يأتوا إليه ويشبعوا من خيراته.
في الخاتمة يدعو المرتّل الكون اليه ليشاركه شكره لله وليعبد الرب معه. فإذا كان المؤمنون الآتون إلى الهيكل وإلى أورشليم يشتركون مع المرتّل في ذبيحة الشكر التي يقدّمها، فالكون، والهيكل صورة مصغّرة عنه، سيشارك عبد الله ذبيحة شكره.
3. ينطلق المزمور من قضيّة فرديّة، قضيّة انسان يتألّم، ولكنه يوسّع نظرته فيرى فيها صورة ومثلاً عن كلّ المساكين المتألّمين، صورة عن شعب الله المتألّم في حياة المنفى، العائش بعيدًا عن أورشليم وعن الهيكل، رمز حضور الله. وسيتَّخذ المزمور فيما بعد معنى مسيحانيًا على ضوء أشعيا (52- 53) المتحدّث على عبد الله الذي ضُرب بسبب ذنب الشعب فبرَّر بآلامه الكثيرين.

4. أنشد يسوع بداية هذا المزمور وهو على الصليب فتشكَّى إلى الآب، معلنًا ثقته بمحبّته وحمايته له حتى في عالم الموت، ومعبرًا عن اتحاده الكامل بالله الذي لا يترك حبيبه يمسّه الفساد.
وأنشدت الجماعة المسيحية الأولى هذا المزمور على ضوء آلام يسوع، فرأت في تلك الآلام إرادة الله تتحقّق كما أعلن الانبياء سابقًا. قال متى (27: 39- 43): "وكان المارَّة يهزّون رؤوسهم ويشتمونه... وعيّره اللصان المصلوبان معه أيضًا". وقال يوحنا (19: 24): "اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي اقترعوا". وذكر آباء الكنيسة عبارة مستوحاة من المزمور فقالوا على لسان المسيح: "ثقبوا يدي ورجلي، إني أعدَّ عظامي كلها". وقالت الرسالة إلى العبرانيين (5: 7) عن المسيح إنه "رفع الصلوات والتضرعات بصراخ شديد ودموع إلى الله القادر أن يخلّصه من الموت، فاستجاب له لتقواه". ونحن المؤمنين نصلي هذا المزمور فنكتشف عواطف يسوع المسيح (فل 2: 5) ونفهم معنى آلامنا ونعرف أننا إذا أردنا أن نكون له شركاء في التعزية، يجب علينا أن نكون شركاءه في الآلام.

5 أ. آ 17- ثقبوا يديَّ ورجليَّ
نقرأ في العبرية "كأرو يدي ورجلي" التي صارت في التقليد المسيحي "ثقبوا يدي ورجلي". فكيف قرأ التقليد اليهودي المحافظ (أو الماسوريون) هذه العبارة؟ اعتبروا مع الترجوم أن "كأرو" تعني الأسد. ولكن العبارة لا تعني حينئذ شيئًا. أما السبعينية اليونانية فانطلقت من "كرا" التي تعني حفر بئرا وقالت: ثقبوا (رج مز 41: 7 ثقبت اذني). وعاد تقليد الرابينيين (أو المعلّمين) إلى الأرامية "كار" فقالوا: شوَّهوا. أخيرًا قال ايرونيموس مفسّر اللاتينيّة الشعبيّة (فولغاتا): عقدوا، ربطوا يدي ورجلي.
لم يورد التقليد المسيحي الأول هذه العبارة في الاخبار الانجيليّة. أما ما نقرأه في يو 20: 20، 25، 27، (رج لو 24: 39) والذي يشير إلى اليدين والرجلين المثقوبين، فهو يعود إلى 119: 120، وفي هذا تقول الرسالة إلى برنابا (5: 13): هو (يسوع) الذي قرّر أن يتكلّم بالشكل الذي عرفنا، لأنه وجب عليه أن يتألّم على الخشبة. فقد قال النبي في هذا الموضع: "أنقذ نفسي من السيف" و"اثقُب لحمي بمسامير لان زمرة من الاشرار قاموا علي".
نشير هنا إلى أن يوستينوس كان أول من طبَّق آ 17 من هذا المزمور على صلب المسيح راجعًا إلى ترجمة السبعينية. فقد قال في "حواره مع تريفون" (97: 3- 4): "وفي مقاطع أخرى يتكلّم داود أيضًا عن الآلام والصلب في مثل سري وذلك في المزمور 22: ثقبوا يدي ورجلي وأحصوا كل عظامي. لاحظوني ونظروا إليّ، اقتسموا ثيابي وعلى لباسي اقترعوا. فحين صلبوه شكوا المسامير في يديه ورجليه وثقبوها. والذين صلبوه اقتسموا ثيابه واقترعوا على ما أراد أن يختاره" (أش 65: 2).
هذا السكوت عن ذكر المزمور 22 يبيّن أن التفسير الرابينيّ (شوَّه) وتشير السبعينيّة (حفر، ثقب) لم يلق أذنًا صاغية في أوساط الكنيسة الأولى التي ترى أن يدي يسوع ورجليه ثقبت بالمسامير. نعتبر أن التقليد رأى في بداية المسيحيّة رجلاً مربوط اليدين والرجلين (مت 22: 13؛ أع 21: 11)، ونظنّ أن تردّد التقليد الماسوري يعكس موقفًا عدائيًا من اليهود ضد المسيحيّة.

5 ب. المزمور 22 وسر الآلام
أولاً: العهد الجديد
يشكّل المزمور 22 مع أش 52- 53 أعمق النصوص القديمة التي تعبّر عن لاهوت الآلام. هنا نفهم كيف أن كرازة الكنيسة الأولى تعطي هذين النصّين مكانة مميّزة لتلقي ضوءًا على أسرار المسيح بواسطة الرموز والنبوءات. ونزيد أننا لسنا فقط أمام تفاسير الآباء بل أمام كلام المسيح بالذات الذي يدعونا أن نرى في آلامه تحقيقًا للنبوءة. فهو الذي طبَّق على نفسه كلام المزمور 22 حين كان على الصليب. لا شكّ أنه تلا فقط الآية الأولى فسمعه الناس يقول: إيل إيل لما شبقتني، أي الهي الهي لماذا تركتني. ولكن الشرّاح يعتبرون أن يسوع طبَّق على نفسه المزمور كلّه بما فيه من توسّل أليم وشكر مملوء بالرجاء.
إذن اتَّبعت الكرازة الأولى تعليم المسيح نفسه فأدخلت المزمور 22 في عرضها للآلام. وحين أرادت أن تعبّر عن المضمون اللاهوتي لاحداث حياة المسيح وموته وقيامته، عادت إلى العهد القديم لتجد التعابير اللازمة. ولقد نظَّم المعلّمون سلسلة من الشواهد وكان المزمور 22 واحدًا من هذه الشواهد.
لا يورد الانجيليّون الازائيون (متى، مرقس، لوقا) نص المزمور 22 ولكنّهم يدخلونه في سياق الخبر. واليك بعض الأمثلة. كتب متّى: "لما صلبوه اقتسموا ثيابه بعد أن القوا القرعة عليها" (مت 27: 35؛ رج مر 15: 24؛ لو 23: 34). فمن الواضح أن هذا النص يستوحي حتى كلماته من المزمور 22: 19: "يقتسمون ثيابي بينهم ويقترعون على لباسي". وقال القديس متى أيضًا: "وكان المارّة يشتمونه ويهزّون رؤوسهم" (مت 27: 39؛ رج مر 15: 29). أما المزمور (22: 8) فقال: "يفغرون الشفاه ويهزّون الرؤوس".
ويضع التكديس متّى (27: 43) على لسان رؤساء الكهنة والكتبة هذه الآية من المزمور (22: 9): "اتكل على الله فلينقذه الآن، إن كان راضيًا عنه". ويستعمل لوقا المزمور 22 في مقطع آخر. يقول: "ولبث الشعب هناك ينظر. أما الرؤساء فكانوا يتهكّمون ويقولون: خلّص آخرين، فليخلّص نفسه إن كان مسيح الله المختار" (لو 23: 35). هذا الكلام يذكّرنا بما قاله المزمور 22: 8: "جميع الذين ينظرون إليّ يسخرون بي". أما كلمة "المختار"، فهي تلمح إلى الآية 10: "أنت الذي أخرجتني من الرحم".
ولقد أثّر المزمور 22 على خبر القديس لوقا. فحين تراءى المسيح للرسل في العلية أراهم "يديه ورجليه" (24: 40) ليدلّهم على أثر المسامير. ونقرأ في النصّ الموازي في انجيل يوحنا (20: 25) عن اليدين المثقوبتين بالمسامير. ونقرأ أيضًا في انجيل بطرس المنحول: "انتزعوا المسامير من يدي الرب". أما التلميح إلى الرجلين المثقوبتين فنجده عند القديس يوستينوس الذي ذكرناه أعلاه (97: 3) ونقرأ أيضًا عند القديس ايريناوس (132- 208، عاش في ليون في فرنسا): "نجّ نفسي من السيف وجسدي من المسامير لأن زمرة من الأشرار قاموا عليّ" (الدليل 83، ضد الهراطقة 4/ 29: 3).
وحين يتكلّم القديس يوحنا عن اقتسام الثياب، يورد آية المزمور كنبوءة من الكتاب فيقول: "لكي يتمّ الكتاب: اقتسموا ثيابي بينهم وألقوا القرعة على لباسي" (يو 19: 24). أما اكلمنضوس الروماني فيورد في رسالته (16: 16) نص أشعيا 53: 1- 12 ويتابع: "ويقول أيضًا: أما أنا فدودة لا إنسان وسفالة الشعب. كل الذين رأوني هزئوا بي وهزّوا الشفاه وحرَّكوا الرؤوس. اتكل على الله فلينجِّه الله، فليخلّصه إن كان يحبه". من يقول هذا الكلام؟ يسوع المسيح نفسه الذي تلا المزمور كله، كما يظن القديس اكلمنضوس.
كان المزمور 22 نبوءة عن أحداث الآلام والقيامة، وهو يدخلنا في سر يسوع المسيح ويساعدنا على تفسير الآلام تفسيرًا لاهوتيًا. واليك ما نقرأ في الرسالة إلى العبرانيين (2: 10- 17): "فذاك الذي من أجله كل شيء وبه كل شيء، إذ أراد أن يهدي إلى المجد كثيرًا من الابناء، يحسن به أن يجعل قائدهم إلى الخلاص كاملاً بالآلام، لأن كلا من المقدّس والمقدسين له أصل واحد، فلا يستحي أن يدعوهم أخوة حيث يقول: سأبشّر باسمك اخوتي واسبحك في الجماعة. ويقول أيضًا: سأجعل اتّكالي عليه. وأيضًا: هاءنذا والابناء الذين وهبهم لي الله. ولما كان الابناء شركاء في اللحم والدم شاركهم هو فيهما أيضًا ليقضي بموته على ذاك الذي يقدر أن يميت، أعني به ابليس، ويعتق الذين ظلّوا طوال حياتهم في العبودية مخافة الموت. فإنه لم يقم لنصرة الملائكة، بل قام لنصرة نسل ابراهيم، فحقّ عليه أن يكون مشابها اخوته في كل شيء".
يتضمّن النصّ إيرادًا صريحًا للمزمور 22 ويلمّح إلى الاخوة ويشير إلى نسل ابراهيم. ثم أن مجمل النصّ يبدو تفسيرًا للمزمور وهو مبني حسب رسم المزمور. جرّب المسيح بالألم، لهذا فهو يقدر أن يعرض على الآب هؤلاء الذين صار أخاهم.
والمهمّ في هذا المقطع أنه لا يتوقّف على تفاصيل، كالهزء والثياب المقتسمة، بل على المضمون اللاهوتي لآلام المسيح التي يعبّر عنها هذا المزمور. ثم إنه لا يحصر كلامه في مقطع من المزمور، بل يعتبر أن المزمور كلّه يعبّر عن السرّ الفصحي.

6 أ. يوستينوس
القديس يوستينوس هو ابن نابلس (شكيم القديمة) في فلسطين، والمدافع عن الديانة المسيحية خلال القرن الثاني. كتب الدفاع الأول والدفاع الثاني، ثم الحوار مع اليهودي تريفون. مات شهيدًا في رومة مع ستة من رفاقه سنة 165 على الارجح.
هذا ما يقوله في دفاعه الأول (38: 4- 6) عن آلام المسيح وقيامته مستلهما المزمور 22: "حين يكلّم الروح النبوي المسيح، فهذا ما يقوله: ألقوا القرعة على لباسي وثقبوا رجلي ويدي. رقدت ونمت، ثم نهضت لأن الرب اهتم بي. وأيضًا: حرّكوا الشفاه وهزّوا الرؤوس قائلين: ليخلّص نفسه. نلاحظ هنا أن يوستينوس يبدأ بالآية 19 قبل آ 17 من المزمور ليتتبع آلام يسوع في الزمان. ثم يقحم مز 3: 6 بين آيات المزمور 22. أما الكلمة "ليخلّص نفسه" فهي كلام الفرّيسيّين كما أورده الازائيون مستلهمين المزمور 22.
وسيعود يوستينوس إلى المزمور 22 فيفسّره تفسيرًا موسعًا في حواره مع تريفون (ف 97- 106). يبدأ يوستينوس فيبيّن لليهود الذين يرفضون القول إن هذا المزمور تحقّق في المسيح، أنهم لم يعرفوا في تاريخهم ملكًا ثقبت يداه ورجلاه ومات في هذا السرّ، أي سر الصليب، إلاّ يسوع وحده. وهكذا يطبّق يوستينوس المزمور كلّه على يسوع. فيطبّق آ 3 على صلاة يسوع في بستان الزيتون. والتلميح إلى الجهل يدلّ على أن المسيح كان عارفًا أنها سيقوم. إن آ 6 "عار عند البشر وسفالة في الشعب" تعني أن المسيح عار لنا نحن الذين نؤمن به. هو سفالة في الشعب لأن الشعب رذله وحقَّره فاحتمل المعاملات السيّئة التي فرضتموها عليه. ويشرح أيضًا آ 8 كما نقرأها في المزمور: "الذين نظروا إليه مصلوبًا هزّوا الرؤوس وحرَّكوا الشفاه". أما الرجاء من ثدي أمي (آ 10) فترجعنا إلى حماية الله ليسوع يوم قُتل أطفالُ بيت لحم. والكلام عن اللسان الملتصق بالحنك هو نبوءة عن صمت يسوع أمام بيلاطس. والآية 12 كالآية 5 تدلّ على أن المسيح اتّكل على الله وحده. الثيران والعجول هم اليهود وأبناؤهم الذين هجموا على المسيح في بستان الزيتون. والأسد الزائر هو هيرودوس أو الشيطان. والمياه الجارية (آ 15) تدلّ على عَرق الدم وقت النزاع. قرون الثور هي صورة عن الصليب. السيف والكلاب وفم إن الاسد تدلّ على الشيطان الذي يريد أن يستولي على النفس ساعة تترك الجسد.

6 ب. "إلهي صرخت إليك في النهار وما سمعتني. وصرخت طوال الليل. لا، فأنت لا تريد أن تهلكني". قال يسوع هذه الكلمات من أجلي، من أجلك، من أجل جميع البشر. فعلى الصليب حمل جسده الذي هو الكنيسة. لا تظنّوا أيها الأخوة، أن الرب حين قال: "أيها الآب، إن أمكن فلتبعد عنّي هذه الكأس" (مت 26: 39)، كان يخاف الموت. فالجندي لا يمكن أن يكون أكثر شجاعة من القائد. وحسب العبد أن يكون مثل سيّده. فبولس، جنديّ المسيح ملكنا، تاق أن ينحلّ جسده لكي يكون مع المسيح (فل 1: 23). إذا كان بولس تمنّى الموت ليكون مع المسيح، فكيف نصدّق أن المسيح خاف من الموت؟ ولكنه حمل ضعفنا، وتكلّم باسم أعضاء جسده الذين ما زالوا يخافون من الموت. هو صوت الاعضاء، لا صوت الرأس. "صرخت ليلاً ونهارًا وما استجبتني". أجل، هناك عدد كبير من الذين يصرخون في المحنة ولا يجدون استجابة. فهذا من أجل خلاصهم لا من أجل هلاكهم. فبولس نفسه صرخ لأن تُنزع الشوكة من جسده، وما استجيبت صلاته، بل قال له الله: "تكفيك نعمتي، لأن قدرتي تتمّ في الضعف" (2 كور 12: 9). ما استجابه، لا لأنه يريد أن يهلكه، بل أن يخلّصه. فعلى الانسان أن يفهم أن الله طبيب، وأن المحنة دواء يشفي، لا عقاب معدّ لهلاكنا. فالجرّاح يستعمل المبضع ويقطع، وأنت تصرخ. أما هو فلا يهتمّ بأن يسمعك، بل أن يخلّصك.
"أنت مجد اسرائيل، تسكن في المكان المقدّس". تسكن في الذين قدّستهم، وقد أفهمتهم أن بعضًا منهم لا يستجابون وذلك لخيرهم، على مثال ما حدث لبولس. واستجيب "إبليس"، ولكن تلك الاستجابة كانت لخزيه. طلب السلطة على تجربة أيوب ونالها (أي 1: 11). وطلبت الشياطين أن تقيم في الخنازير ونالت ما طلبت (مت 8: 31). ولكنها استجيبت لهلاكها. وإذا كان الرسول ما استجيب، فلخلاصه. لا. ما أردت أن تهلكني لأنك تقيم في المكان المقدّس. ولماذا لا تستجيب دومًا أخصاءك؟ أي سؤال؟! تذكّر دومًا أن تقول: شكرًا يا ربّ. (أوغسطينس).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM