ثقة بالله الذي يجازي

ثقة بالله الذي يجازي
المزمور السابع

1. المزمور السابع هو مزمور توسّل فردي يُنشده المرتّل بعد أن نجّاه الله من أعدائه الذين اتّهموه زورًا وأرادوا قتله رغم براءته. هذا المزمور هو صلاة تنطلق من حدث واقعي في حياة الذي كتب المزمور، ثم دخلت في كتاب الصلاة فتلاها كل الذين يجدون نفوسهم في وضع يشبه وضع صاحب المزامير.

2. صلاة تعبّر عن الثقة بالله الذي يجازي كل انسان بحسب عدالته.
آ 2- 3: دعاء وتوسّل: نسمع بريئًا مضطَهدًا يصرخ إلى الرب.
آ 4- 6: ويحلف أنه بريء: إن كنت قد صنعت ذلك فليضطهدني العدوّ.
آ 7- 10: ويتوسّل إلى ديّان الكون: إنه بريء، ولذلك يرفع شكواه إلى الرب.
آ 11- 14: ويؤكّد ثقته بالله الديّان العادل الذي ينجّيه من أعدائه.
آ 15- 18: سيعاقب الديّان العادل الشريرَ، بينما يشكر المرتّل الله على خلاصه.
إلتجأ المرتّل إلى الهيكل وقد اتُّهم زورًا وهُدِّد بالقتل بسبب خطيئة فظيعة. أيكون قتلَ رجلاً يهاجمه، فجاءت عائلة القتيل بشخص الثائر للدم تطلب حياة مقابل حياة؟ أيكون تخلّى عن صاحبه في الحرب فتركه يموت، وحُسب واحدًا من الفارين المتخاذلين في الحرب؟ مهما يكن من أمر، فصاحب المزامير متّهم والقضاة متحيّرون. فليتدخّل الله، وليبيّن براءة انسان التجأ إليه.
ويصرخ المرتّل إلى الاله الديّان. هو يرى كل على الأرض، ويعرف وحده إذا كان الإنسان بريئًا أو مذنبًا. ويستطيع وحده أن يدل على المذنب ويبيّن له ذنبه. ويحلف المرتّل معلنًا براءته: إن كنت قد صنعت ذلك... إن... ليلاحقني العدو فيدوسني في التراب... ولكن إن كنت بريئًا فليعاقب الرب أعداءه الذين شهدوا عليه زورًا بمثل ما أرادوا أن يعاقبوه: يسقطون في الهوّة، ويرتدّ ضررهم على رؤوسهم، ويسقط ظلمهم على هاماتهم. وينتهي المزمور بصلاة شكر يتلوها المرتّل لأن الرب قد نجّاه من أعدائه: أحمد الرب بحسب عدله، وأشيد لاسم الرب العليّ.

3. يبدأ المرتّل نداءه إلى الله بطريقة شخصيّة تذكّرنا بنصوص عديدة من الكتاب المقدّس: أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر (خر 20: 2). الرب يرحم، وهو يخلّص الملتجئ إليه من فم الأسد (إر 2: 30). الرب يقوم ويقف بكل قامته (أش 33: 10) كالديّان العادل الذي يدين الأمم منذ الآن ويرى خفايا القلوب (إر 11: 20) ويقضي بالعدل: يبرئ ساحة البريء، ويعاقب أعداءه، فيجلب عليهم الشرّ الذي فكّروا به (أش 66: 4).
نتوقّف على التعليم المتعلّق بالمجازاة والمبنيّ على شريعة المثل: سنّ بسنّ وعين بعين. فيدهش المسيحيون وهم الذين يصلّون: "اغفر لنا كما نحن نغفر" (مت 6: 12)، ولكنّهم ينسون كلام المسيح القائل: "كما تدينون تدانون، وبالكيل الذي تكيلون به يكال لكم" (مت 7: 2). وأيضًا: "من يأخذ بالسيف بالسيف يُؤخذ" (مت 26: 52).
"وما تريدون أن يفعله الناس بكم، إفعلوه أنتم بهم" (مت 7: 12). نحن نعرف أن يسوع سيحاسبنا على حسب أعمالنا، وأننا سنمثل أمام منبره لينال كلُّ واحد جزاء ما عمله وهو في الجسد أخيرًا كان أو شرًا (2 كور 5: 10). وبعد هذا، فلماذا تتعجّب عندما نقرأ في العهد القديم أن الكلمات والأعمال تعود إلى أصحابها، فيقع الشرّير في الشرك الذي نصبه، ويسقط المنافق في الحفرة التي حفرها.

4. عندما نتوقّف على شهادات الزور على أحباء الله، نتذكّر يسوع الذي خانه أصحابه، وافترى عليه أبناء شعبه، فانتظر في يوم قيامته براءته من الله الآب. والمؤمن الذي يصلّي هذا المزمور، يتذكّر إخوته الذين يقاسون الاضطهاد والافتراء، وكلّنا اخوة في الكنيسة الواحدة. يصلّي لتفشل قوى الشر في مشاريعها ضد شعب الله، وتُجازي جزاء الربّ على حسب ما جاء في سفر الرؤيا (18: 5- 6) عن رومة، بابل الجديدة: خطاياها تكدّست في السماء، والله تذكّر شرورها. عاملوها بمثل ما عاملتكم وضاعفوا لها جزاء أعمالها.

5. "مزمور لداود، أنشده للربّ حول كلمات كوش البنياميني: أيها الربّ إلهي، فيك وضعت رجائي. خلّصني من كل مضطهديّ ونجّني".
يجب عليكم أن تعرفوا معرفة تامّة الكتب المقدّسة والوقائع التاريخيّة التي تحتويها هذه الكتب، لكي نستغني عن الخطب الطويلة كي نعلّمكم. ولكن بما أن البعض أخذوا باهتمامات هذه الحياة، وغرق البعض الآخر في اللامبالاة فأهملوا التعليم، وجدنا نفوسنا مجبرين، أن نقوم بتوسّعات كبيرة كي نشرح موضوع هذا المزمور، فاعطوني أذنًا صاغية.
ما هو هذا الموضوع؟ "مزمور لداود أنشده للربّ". ونقرأ قي ترجمة ثانية: "مزمور عن جهل داود". وفي ترجمة ثالثة: "جهل داود". وبدل "كوش"، نقرأ "الحبشيّ". يعود الغموض في هذه الكلمات بشكل خاص، إلى أنكم لا تعرفون من هو كوش ابن بنيامين هذا، وما هي الكلمات التي دفعت داود لكي ينشد هذا النشيد؟ هذا ما نشرحه عائدين إلى الأحداث التي كانت مناسبة له. كان أبشالوم ابن داود وقد دنّس شبابه بحياة من الخلاعة والمجون. وسارت به الأمور فتمرّد على أبيه، وجرّده من مملكته، وطرده من قصره ومن بلده، ووضع يده على كل ما يملك دون أية مراعاة لحقوق الدم والتربية والعمر، دون مراعاة للعناية التي وُهبت له...
في هذا الوضع الذي كان فيه الجيش يخضع للتسلّط والمدن تفتح له أبوابها، ظلّ كوش، ذاك الانسان البار والصالح، وصديق داود، ظلّ أميناً له رغم تبدّل الموقف. وحين رآه هكذا هاربًا إلى البرية، مزّق ثيابه، وتغطّى بالرماد وبكى بمرارة على ضيق ملكه. وإذ لم يستطع أن يفعل له شيئًا، قدّم له تعزية دموعه. فهو لم يحبّ عند داود لا المال ولا القدرة، بل الفضيلة. لهذا احتفظ له بأمانة لا تتزعزع رغم تبدّل الحال...
نتعلّم هنا أولاً أن لا نقلق حين نرى المحن التي يخضع لها الأبرار. وثانيًا أن لا نتبدّل بتبدّلات الزمن، بل أن نبقى أمناء لشرائع الصداقة. وثالثًا أن لا نخاف من مواجهة الأخطار من أجل الفضيلة. رابعًا أن نحتفظ بالرجاء وسط أصعب الظروف متّكلين على عون الله...
كما أن الشمس تبدو باهتة للذين عيونهم مريضة، كذلك يبدو الله ضعيفًا وجبانًا في نظر أعدائه. ولكن إن بدت الشمس مغطّاة بالظلمة، فهي ليست كذلك في الواقع. فضعف العينين المريضتين يظهرها بذلك الشكل. ونقول الشيء عينه عن ضعف الله المزعوم الذي نجده في العقول المريضة.
إذن، ماذا يتمنّى البار هنا؟ أعلن مجدك وسط أعدائك، وليكن ساطعًا انتقامك وقدرتك فيعترف متهموك بالضعف أنك قدير حين يصلهم عقابك... هذا هو الهدف الذي جعله أمامه. لم يضع أمامه مصالحه، بل مصالح مجد الله. هناك من يترجم هذه العبارة "على التخوم" بـ "على الرؤوس". وآخرون يترجمون كما يلي: "لا يفلت أحد من أعدائك". هذا ما يدلّ على فضيلة عظيمة لدى البار، حين يكون له ذات الاعداء، وذات الأصدقاء الذين لله. كما إنه لشرّ عظيم أن يكون أصدقاؤنا أعداء الله وأعداؤنا أصدقاءه. كما نقول عن الله إن له أعداء، لا بمعنى أنه يبغضهم ويكرههم، كذلك للبار أعداء لا يسعى إلى الانتقام منهم. هو يكتفي بأن يمقت أعمالهم الرديئة. (يوحنا فم الذهب).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM