صلاة المساء

صلاة المساء
المزمور الرابع

1. المزمور الرابع هو مزمور توسّل يعبّر فيه المرتّل عن ثقته الكاملة بالله رغم الصعوبات التي تحدق به. يرتّله المؤمن وقت الضيق والشدة، ويتذكّر فيه موسى أمام شعبه القاسي الرقاب: إيمان موسى يضعه أمام قداسة الله، ومسؤوليّته كقائد ونبيّ تجعله ذلك المتوسّل الدائم الذي يطلب من الرب أن يرفع الضربات عن شعبه.

2. صلاة المساء: ثقة بالله الذي يعطي الحماية لأحبّائه، والبركة والخير للذين يفتحون قلبهم له.
آ 2: بعد أن حصل المرتّل على الخلاص، ها هو يطلب أيضًا نعمًا جديدة، وهو متأكّد أن الله يستجيب له عندما يصرخ اليه.
آ 3- 4: تنبيه إلى الأعداء: أطلبوا صداقة الله، وهو يفعل المعجزات.
آ 5- 6: نداء إلى المؤمنين: آمنوا بالرب، وضعوا ثقتكم فيه، وهو يسمع لكم حين تصرخون إليه.
آ 7- 9: الرب فرح الصديقين، وهو يُسكنهم في الطمأنينة والسلام.
يبدو أن البلاد كانت في ضيق وقد نفد القمح والنبيذ، والجوع عمّ الأرض بعد غزو أو حرب أو موسم عاطل. فتذمَّر الناسُ وقالوا كلام السخط وتململوا: من يرينا الخير... وقد يكونون توجّهوا إلى آلهة أخرى يسألونها المعونة التي يعجز الرب عنها، وهو إله الصحراء لا إله الخصب والشتاء. فيصلّي قائد الشعب، وهو من اختاره الله وجعله في مركز المسؤولية، وينتظر جوابًا من الرب الذي سيبرّر صفيَّه ويعطيه علامة جديدة عن حبّه له.
ويحضر الرب فتتغيّر الحالة: إرفع علينا نور وجهك يا رب. خسر الآخرون كل رجاء، أما المرتّل فوجد الفرح الكامل الذي لا يوثِّر فيه جوع ولا محنة. وهو ينام في الفرح والطمأنينة وإن كان بطنه فارغًا وأعداؤه يحيطون به، لأن حضور الرب في شعبه ينبوع بركة. كثرت حنطتهم وخمرهم، فكانت علامة على أن الله استمع إلى صفيّه عندما دعاه.

3. تحرر المرتّل من الضيق، فطلب من الرب معونة جديدة تجعل الاغنياء والمقتدرين ينظرون بعيونهم إلى تدخّل الله العجيب من أجل حبيبه. كما طلب أن تظهر مخافة الرب على المؤمنين لتُبعدهم عن الخطيئة فلا يتشبّهون بهؤلاء الذين لم يصرخوا إلى الرب في قلوبهم، بل اجتمعوا لأجل الخمر، وتمرّدوا على النبيّ وفكّروا عليه بالشر (هو 7: 14- 15). سيفهمون أن الذبيحة الحقّة قلب منكسر، وأن التقوى الحقيقيّة تقوم بالرجوع إلى الله

4. لا شكّ في أن المسيح صلّى هذا المزمور مرارًا ليعبّر به عن ثقته بالآب حتى في ساعات الألم والموت، فنام بسلام في ليلة القبر وانتظر جواب الآب له عبر النور والفرح النابعَين من الفصح. وتردّد الكنيسة هذا المزمور صلاة واثقة منتظرة من الله أن يصنع فيها معجزاته. ويُنشده المؤمن عند المساء وقبل راحة النوم، فيستسلم بثقة إلى الرب متذكّرًا كلام القديس بولس إلى أهل فيليبي (4: 7): "وسلام الله الذي يفوق كل ادراك يحفظ عقولكم وقلوبكم في المسيح يسوع".

5. "أفضتَ فرحًا في قلبي". يجب أن لا نطلب فرحنا في الخارج، لدى الذين ثقُل قلبهم فأحبّوا الباطل وطلبوا الكذب. يجب أن نطلبه في الداخل، في عمق نفسنا المطبوعة بنور وجه الله. فالرسول قال لنا: المسيح يقيم في الانسان الباطني. إذن، المسيح وحده يرى الحقّ لأنه الحقّ. ثم حين كلّم المسيح رسوله، كتب لنا هذا الرسول: "أتريدونَ أن تتعرّفوا إلى حضور المسيح الذي يقيم فيّ" (2 كور 13: 3)؟ هو لم يكن يكلّمه في الخارج، بل في عمق قلبه. ففي هذا الخدر المغلَق يجب أن نصلّي. (أوغسطينس).

6. "حين دعوت الرب، إله برّي، استجابني".
إذا كان النبيّ قد تحدّث بهذه الطريقة، فلم ينعل فقط لكي يعرّفنا بأن صلاته استجيبت، بل ليعلّمنا ما يجب أن نفعل إذا أردنا أن يستجيب الله لنا بسرعة ويمنحنا ما نطلبه في صلواتنا قبل أن تنتهي. فالملك النبيّ لم يقل: بعد أن دعوته. ولكن حين دعوته استجاب لي. هو وعدُ الله بواسطة نبيّه لمن يدعوه: "ساعة تكون متكلّمًا، أقول هاءنذا" (أش 58: 9). فالذي يعطي الصلاة قوّة الاقناع على قلب الله، ليس كثرة الكلمات، بل الضمير النقيّ وممارسة الأعمال الصالحة.
أتريد أن تعرف ما يقوله للذين يعيشون في الشرّ ويتخيّلون أنهم يستطيعون أن يجعلوه يلين بطول صلواتهم؟ "حين تكثرون صلواتكم لا اسمع لكم. حين تمدّون أيديكم، أميل بنظري عنكم" (أش 1: 15). قبل كل شيء، على من يصلّي أن يثق (بالله) فينال بلا شكّ ما يطلب. لهذا لا يقول النبيّ: استجابني. لكن: استجاب برّي. وهكذا دلّ على أن نفسه المقتربة من الله امتلأت من هذه الثقة بالربّ.
لا تظنّوا أن هذه الكلمات هي وليدة عاطفة من الاعتداد الباطل بالنفس. فإن كان قد تكلّم هكذا، فليس ليرفع نفسه، بل ليعلّمنا ويعطينا درسًا مفيدًا جدًا. كان باستطاعتكم أن تقولوا: استُجيب المرتّل من قبل الله، لأنه كان داودَ. أما أنا الصغير والقليل الأهميّة، فلا أستطيع أن أرجو شيئًا. إذن، يبيّن لك أنه لا يتفحّص بخفّة وعن طريق الصدف أعمال من يصلّي إليه، بل بأكبر عناية. فإذا استطعت أن تقدّم أعمالك لكي تسند صلاتك، سوف تُستجاب دائمًا. ولكن، إن نقصت هذه الأعمال، فلو كنت داود نفسه، فلا تستطيع أن تجعل قلب الله يلين...
لا نستطيع أن نليّن الله بواسطة الآخرين، بل بواسطة أنفسنا. بما أن الله يرغب في صداقتنا ويطلبها، فهو يعمل كل شيء لكي يلهمنا الثقة به. وحين يرانا عاملين بتأثير من هذه العاطفة، يتنازل على مستوى رغباتنا. هذا ما فعله تجاه الكنعانيّة. صلّى بطرس ويوحنا من أجلها، فلم يسمع لهما. وقامت المرأة بمحاولات جديدة، فمنحها حالاً ما طلبته. تظاهر أولاً وكأنه يريد أن يتأخّر... ولكنه لا يريد أن يترك إلى يوم آخر النعمة التي طلبتها هذه المرأة. لقد أراد أن يتوّج ثباتها بشكل ساطع ويجعل طلبتها حيّة وحميمة.
إذن، لنستعدّ باعتناء للصلاة إلى الله، ولنتعلّم كيف يجب أن نوجّه إليه طلبتنا. لا يُطلب منا أن نذهب إلى المدارس ونقوم بمصاريف باهظة لندفع أجرًا للمعلّمين في البلاغة والفلسفة. وليس من الضروريّ أن نصرف وقتًا طويلاً لنتعلّم واعد هذا الفنّ. يكفي أن تريد الله. فأنت تعرفه معرفة تامّة. وهكذا تستطيع أن تدافع عن قضيّتك كما تدافع عن قضيّة الآخرين. (يوحنا فم الذهب).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM