لماذا تضجّ الأمم

لماذا تضجّ الأمم
المزمور الثاني

1. المزمور الثاني هو مزمور يتحدّث فيه المرتّل عن الملك الذي اختاره الرب ومسحه بالزيت المقدّس. يتحدّث عن ملك تاريخي (داود، سليمان، حزقيا)، ويتطلّع إلى الملك المنتظر والمسيح الموعود به. يفترق شعب الله عن سائر الشعوب في أن الله هو ملكه وأن الملك هو وكيل الله على شعبه. وهكذا نفهم هذه الوحدة بين الله والملك مسيحه.

2. الرب ملك على صهيون وهو يحطّم ملوك العالم.
آ 1- 3: ثورة العالم الوثني على الله والملك مسيحه.
آ 4- 6: ردّة الفعل عند الله: يخيف الملوك وينصِّب الذي اختاره ملكًا.
آ 7- 9: قرار تنصيب الملك على صهيون: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك.
آ 10- 13: نداء المرتّل إلى الملوك: إخضعوا لئلا تهلكوا.


3. يلمّح المزمور لا إلى ثورة سياسية (في مصر أو بابل عند انتقال الملك)، بل إلى ثورة دينية: يرفض العالم الوثني أن يعبد الله وأن يقدّم له الاكرام. الملك يمثّل الله، وأعداء الملك هم أعداء الله. فلا فائدة من حرب على الله والملك الذي اختاره. الله يُحبط مؤامراتهم ويملأ قلوبهم خوفًا. وكما أن الشعوب دخلت في حرب مع شعب الله قبل دخوله أرض كنعان، كذلك سيثور العالم الوثنيّ على الله في العهد الذي يسبق مجيء المسيح في نهاية الكون. ثارت الامم الوثنيّة التي رفضت الخضوع للملك الذي اختاره. والخضوع للملك يعني الخضوع لله في مدينة صهيون حيث يقوم ملكه. ويشدّد المزمور على الرباط بين الله والملك. يوم ينصَّب الملك يتبنّاه الله: أنت ابني، أنا اليوم تبنّيتك، أنا اليوم ولدتك. شعب الله هو ابن الله، والملك (من سلالة داود) هو ابن الله وقد أورثه الرب الأرض المقدّسة بانتظار أن يورثه كل الشعوب حتّى أقاصي الأرض، وتكون له السلطة المطلقة المرموز عنها بالعصا والصولجان. العصا عصا الراعي، وهو يقود الشعوب كقطيع غنم إلى المرعى، أو هو قضيب من حديد يحطّم الشعوب ويفنيهم إن رفضوا الخضوع والطاعة. ثم يوجّه الملك تنبيهًا إلى الملوك الثائرين: أعبدوا الربّ بالخوف والرعدة، قبّلوا قدميه علامة خضوعكم له. غضب على شعبه المختار فعاقبه عقابًا قاسيًا، فما يكون عقابه إذا غضب عليكم؟ وهكذا يضع المزمور أمام الوثنيين الوعد والوعيد: الوعد بالبركة (طوبى، هنيئًا) إن سمعوا، والوعيد بالهلاك إن رفضوا عبادة الله الواحد وظلّوا متعلّقين بالأصنام.
4. يؤكّد العهد الجديد أن ملك صهيون المسيحاني هو يسوع المسيح، وقد حصل على هذا المنصب بحلول الروح القدس عليه (مر 1: 11) وبقيامته من بين الأموات (أع 13: 33) وبارتفاعه عن يمين الله، فصار ملك أورشليم السماوية (غل 4: 26؛ عب 12: 23) ورأس الكنيسة (أف 1: 22)، وملكَ على كل قوّة وسلطان في السماء وعلى الأرض. ويعتبر شعب العهد الجديد أن مخطّط الله في التاريخ يتحقّق بالتأكيد في شخص المسيح الملك الذي لا انتهاء لملكه، كما نقول في قانون الايمان. سيظهر في نهاية الكون المسيحُ المنتصر الذي يحطّم أعداءه (رؤ 12: 10) بعصا من حديد ويحكم على كل الأمم، ويكون ملك الملوك ورب الأرباب.

5. المسيح أو الممسوح
المسيح هو الذي يُمسح بالزيت المقدّس، وهو الملك الذي يعيّنه الله بطريقة شرعية. هذا ما فعله حين اختار شاول (1 صم 9: 26 ي) وداود (1 صم 16: 12 ي) وأرسل صموئيل يمسحهما ويكرّسهما لخدمة الشعب. أما في مز 89: 39، 52، وفي مرا 4: 20، فالمسيح هو الملك صدقيّا. وتدلّ كلمة المسيح أيضًا على كورش في أش 45: 1 وفي دا 9: 25 ي. ولكن فيما عدا ذلك، تدلّ الكلمة على واحد من نسل داود: تآمر العظماء على الرب وعلى الملك مسيحه (آ 2). الرب يمنح خلاصًا عظيمًا، ويُظهر رحمة للملك مسيحه (18: 51).
الآن عرفتُ أن الرب يخلّص الملك مسيحه (20: 7؛ رج 28: 8؛ 84: 10؛ 132: 10، 17). ونقرأ أيضًا في سفر حبقوق (3: 13): "خرجت لخلاص شعبك، لخلاص الملك مسيحك".
ولكننا نقرأ في النصّ السبعينيّ لسفر عاموس (4: 13): "الرب يكشف للبشر مسيحه". وهذا ما يدلّ على أن كلمة المسيح لن تطبّق على الملك المجهول والاسكاتولوجي إلاّ في عهد الحشمونيين، في القرن الثاني ق. م. هذه النظرة الجديدة عن المسيح نكتشفها أيضًا في كتابات قمران. ونقرأ في مزامير سليمان عن المسيح الرب ما يلي: "طوبى للذين سيعيشون إلى ذلك اليوم: سيرون الخيرات التي سيمنحها الله للجيل الآتي، تحت صولجان مسيح الرب وفي خوف الله وفي حكمة الروح في البرّ والقوّة" (مز سليمان 18: 6- 8). ونقرأ أيضًا عن المسيح الذي "يكون نقيًا من كل خطيئة فيملك على شعب عظيم. يوبّخ الامراء ويدمّر الخاطئين بكلمته القويّة. لا يتزعزع طوال حياته، لأنه يستند إلى ربه الذي جعله قويًا بالروح القدس" (مز سليمان 17: 36- 37).
أما في الأناجيل فنرى الجموع تتساءل عن يسوع: أما هو المسيح (يو 4: 29؛ 7: 40 ي)؟ أما هو ابن داود (مت 12: 23)؟ لقد بهرتهم قداسته وسلطانه وقدرته (يو 7: 31)، فتوجّهوا إليه ودعوه ابن داود (مت 9: 27؛ 15: 22؛ 20: 30 ي) رغم تهديدات السلطة اليهوديّة (يو 9: 22). قال اندراوس: "وجدنا ماشيحا أي المسيح" (يو 1: 41). وسيقول بطرس ليسوع باسم التلاميذ: "أنت المسيح" (مر 8: 30).
إذًا حين نقرأ المزامير نرى في المسيح أو الممسوح واحدًا من نسل داود. ولكن حين ندخل في إطار العهد الجديد لا نجد إلاّ مسيحًا واحدًا، هو يسوع المسيح ابن داود الذي دعاه داودُ ربّه.

6. آ 7. "قال لي الرب: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك".
عرف داود المسيح. وعرف أنه سيحتل عرش اللاهوت قبل كل الأزمنة بسبب ميلاده اللامدرك من الآب. قال: "عرشك يا الله يدوم إلى الأبد" (45: 7). وعرف أيضًا أنه نال الملك مثل انسان في الزمن بفضل التدبير (أي مقصد الله في التاريخ) الجديد. وعاد إلى الولادة الازلية فقال: "أنت ابني". فلقد كان دومًا الابن. ولكنه يزيد حين يتكلّم عن الولادة بالجسد: "أنا اليوم ولدتك". فكلمة "اليوم" تعني الزمن. ولقد منحه الله كإنسان نعمة اسم "يفوق كل اسم" (فل 2: 9) هو بالتأكيد اسم الابن.
فكلمة اليوم تعني الزمن الحاضر، الزمن الذي فيه صار جسد الكائن الذي هو بالطبيعة ربّ الكون. وشهد يوحنا في هذا الموضوع على أنه جاء إلى خاصته (يو 1: 11)، فدلّ بذلك على العالم. ودُعي لأن يستعيد حياته المجيدة العاديّة أي مُلكه، فقال: "أما أنا فكُرّست ملكًا بيده"، فدلّ بوضوح على الله الآب. وقاد إلى النهاية هذا القصد، بعد أن صار ابنًا كإنسان، وهو الذي كان بالطبيعة الابن، ليفتَح بواسطته للبسر الطريق ليشاركوه في بنوّته الالهية، وليقدرَ أن يدعو إلى ملكوت السماء هؤلاء الناس الذين أمسكَتهم الخطيئة تحت نيرها. فاللعنة والموت أثقلا علينا، وهما شرّان ورثناهما من معصية أبينا آدم فانتقلا إلى كل نسله. وبالمقابل أيضًا، فالعطايا العظيمة التي وصلت إلينا بالمسيح تفيض منه على كل الجنس البشري. وهذه النعم قد قبلها لنا الاله، ابن الله الوحيد بالطبيعة، وهي تفيض عليه فلا ينقصه شيء. وهو الذي يُغني الخليقة كلها بخيوره السماوية.
آ 8. "إسألني فأعطيك الأمم ميراثًا وأقاصي الأرض ملكًا لك".
تمرّد شعب واحد، شعب إسرائيل، ولهذا رُذل. حينئذ أعطيت للمسيح الأمم (الوثنية) التي آمنت به. فهو انتظار الشعوب. "فيه تضيع الأمم رجاءها" (أش 42: 4). ولقد جعل مقامه لا في بلد واحد، هو بلد اليهود، بل في كل الأرض المسكونة.
فهو كإنسان قد جُعل وارث الكل، لكي تكون حصّة ميراثه الشخصيّة خلاص الذين تُمزّقهم على الأرض القوى المعادية. وبعد أن صنع هذا، قال الابن لأبيه: "الذين أعطيتهم لي كانوا لك، وأنت أعطيتني إياهم" (يو 17: 6). فلو كانوا للآب وللكلمة الذي يقاسمه بالطبيعة مُلكه، لكان الكلمة استعاد غناه الخاص، حتّى حين لبس الجسد. وهذا ما يقوله: "ما هو لي فهو لك، وما هو لك فهو لي" (يو 17: 10). فإذا استطعنا أن نقول عنه إنه ينال وإنه جُعل وارثًا، فنحن نعني طبيعته البشرية. فقد صار انسانًا "ليعلن للمسبيّين"، للذين انفصلوا عن الله واقع "تحرّرهم" (أش 61: 1). ولكن مع هذا ظلّ الله، كان افتقر حين صار انسانًا. لهذا يقول القديس بولس للعبرانيين: "(الابن) الذي به صُنعت العوالم". (كيرلّس الاسكندراني).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM