سنوات حياتنا قصيرة

سنوات حياتنا قصيرة
المزمور التسعون

1. هذا المزمور هو صلاة توسّل تطلقها الجماعة لتعلن للرب أن حالة شعبه المؤلمة هي نتيجة الضعف البشري وقصاص لخطايا الشعب. إن حياة البشر قصيرة، أما غضب الرب فلا يجب أن يطول. إن كان الله لا يحسب حسابًا للوقت لكي يحقّق مخططه الخلاصي، فصلاة المرتّل ترتفع طالبة أن لا تتأخّر ساعة النعمة التي فيها يرحم الرب عبيده.

2. الله يحقّق الخلاص. ولكن ألف سنة في عينيه كيوم أمس الذي عبر.
آ 1- 6: الزمن في نظر الله أمانة الله لشعبه، مثل حكمته التي هي فوق الاجيال وهي أبعد من ولادة التلال. الله هو الأول والاخير، وعمله يتعدّى حدود وجود البشر، لأنه يحيي ويميت ساعة يشاء، كما يمكنه أن يعيد إليه الإنسان الذي صنعه.
آ 4- 6: تدلّ هذه الآيات على أن الزمن ليس بشيء أمام الله: الزمن هو كثوب نبدِّله. وألف سنة، وهي طويلة بنظرنا، طولها طول زخة مطر، وعمرها عمر زهرة الصباح.
آ 7- 9: ضعف الإنسان أمام غضب الله: إذا كان الله فوق الزمن، فالإنسان يعيش في الزمن، وإذا طال غضب الله عليه وأوصله إلى حافة اليأس فلأن غضب الله يقضم وجود الإنسان ويوصل المائت إلى العدم. نظرته نظرة سيِّد باحث ليس أمامه شيء طاهر، لأن نور وجهه يضيء كل الخفايا.
آ 10- 15: وتنطلق الصلاة بعد التأمّل بأزلية الله أساس حبّه لأخصائه، والنظر إلى مصير الإنسان وأيام حياته المعدودة (70، 80 سنة). فلا نفكر في طول حياتنا أو قصرها، ولا بنتائج غضب الله، بل نعمل جهدنا لكي نتجنَّب ضربات الله. ولكن هل يعيش المرتّل حياته كلها في الخوف والرعدة؟ كلا، بل ينتظر أيامًا تنيرها نعمة الله فيرجع عن موقفه تجاه عبيده. ولن يكتفي المرتّل بشعاع سعادة هارب، بل يريد أن يشبع من رحمة الرب كل أيام حياته.
آ 16- 17: ينتهي المزمور في جو هادئ ساكن، إذ ينظر المرتّل إلى مجد الله الذي يظهر عبر أعماله لعبيده: لتكن نعمة الرب الهنا علينا، وعملَ أيدينا وفّق.

3. إن المسافة بين الإنسان والله هي المسافة التي تفصل بين الزمن والأبدية. فالجبال هي رمز الثبات الذي لا يتزعزع (36: 7) ولا يتحرك، ولكن لها بداية وقد وُلدت من بطن الارض (1 ي 38: 8). أما الله الخالق فلا بداية له ولا نهاية (أم 8: 25)، وقد أراد أن يكون مصير البشر عابرًا، وهم سكان بيوت من طين، وفي التراب أساسهم، وسيرجعون إلى التراب (أي 4: 9).
نجد في هذا المزمور إقرارًا جماعيًا بالخطيئة التي استنتجها المرتّل من الحالة الصعبة (هزيمة، وباء، جفاف طويل) التي يعيش فيها الشعب. فضربات الله نتيجة خطايا البشر. وهكذا نرى أن شعب الله لم يخف أن يقرّ بخطاياه في حالات خاصّة، ولم يخف أن يعرض شقاءه على الله فيندم على ما فعل. فإذا كان المؤمن الذي ينكر خطيئته كاذبًا (1 يو 1: 8) فكم بالأحرى ترتاح الجماعة المسيحية (الرعية أو الكنيسة) عندما تعترف بخطاياها، فتجد المسيح الذي يغفر لها ويطهّرها من خطاياها.
الحياة قصيرة فلماذا نقضيها في المحنة؟ والله الذي ألف سنة في عينيه كيوم أمس الذي عبر، ألا يعرف أن حياتنا هي حلم أو بضع ساعات نوم (كالوهم في آ 9)؟ أيكون غضب الله سبب حياتنا القصيرة (تك 6: 1 ي) أو أن غضبه، عندما نخطأ، يجعل أيامنا الحلوة أقصر بما يملأها من محن؟

4. من الأزل إلى الأبد أنت الله. نجد في هذه العبارة نظرة الإنسان إلى الوجود، ومديحًا نعلن فيه إيماننا بالله، لأن له القدرة والعظمة والمجد والوقار والمهابة (1 أخ 29: 11)، وهي كلمات يجعلها التقليد القديم على لسان الرب يسوع في نهاية الصلاة الربيّة (مت 5: 13).
تألم المسيح، ولكنه بسبب آلامه رأى النور وامتلأ منه (أش 53: 11)، ثم ارتفع إلى السماء فامتلأ من حياة الله وملك من الازل إلى الأبد (رؤ 1: 18؛ 11: 15). والبشريّة، وعلى رأسها يسوع المسيح، تجد نفسها مخلَّصة من كل ضعف ووهن، فتنشد هذا المزمور متذكّرة كلام الرسالة إلى العبرانيين (7: 24- 25): "وأما يسوع الذي يبقى إلى الأبد، فله كهنوت لا يزول، وهو قادر على أن يخلص الذين يتقرّبون به إلى الله خلاصًا تامًا لأنه حيّ باق ليشفع لهم".

5. تأمّل
إن أمانة الربّ لشعبه تشرف على الدهور كما قيل في مز 102: 25: "أنت إلى منتهى الاجيال سنوك". وتشبه هذه الأمانة الحكمة (أم 8: 25) التي تعود إلى ما قبل ولادة "التلال الأبديّة". الله هو الأول والآخر، ويحدّد موقع عمله خارج حدود الوجود البشريّ. هو يسمح بأن يموت هذا ويحيا ذاك بحسب إرادته على ما قيل في مز 104: 29- 30: "تنزع أرواحها فتموت، وإلى ترابها تعود. ترسل روحك فتخلق وتجدد وجه الأرض".
كان أيوب قد قال: "أيامي قليلة فأشفق عليّ ودعني فأنتعش قليلاً، قبل أن أمضي ولا أعود إلى أرض عتمة وظلمات" (10: 20- 21؛ رج 14: 13- 15؛ 16: 18). أما المزمور فأعلن أن الله يستطيع أن يعيد الإنسان إلى الحياة، يردّه إليه بعد أن يرسله. ويواصل المرتّل كلامه فيدلّ على أن الزمن هو كلا شيء أمام الله. كما يدلّ أن الوجود البشري باطل. فالزمن يتبخَّر كالضباب، يشبه الثوب البالي. أما الله فيدوم إلى الأبد. والألف سنة التي تقابل الأبديّة في نظرنا لا تمثّل في نظر الرب إلاّ هنيهة. والإنسان يكون في ذلك الوقت عشبًا سرعان ما يزول.
ويجد الإنسان نفسه أمام إله يغضب، يعاقب من لا يحسب له حسابًا. الله يرى كل شيء. وأمامه ليس إنسان نقيًّا. أيامه تهرب ولا تترك شيئًا وراءها. فلا يبقى للمؤمن سوى الصلاة: "علّمنا أن أيامنا معدودة. إرجع يا رب وكن عزاء لعبيدك".

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM