أنصت يا ربّ إلى تضرعي

أنصت يا ربّ إلى تضرعي

مزمور توسّل وبكاء. بكاء بسبب ضيق يحلّ بالشعب، بكاء بسبب خطيئة شعر بها المرتّل في مرضه، فجاء يطلب عودة النعمة إليه.
وينتظر المؤمن (آ 9). في الحالة الأولى أن ينجو من أعداء يطاردونه (آ 3) ويتركونه بين حيّ وميت. وما يطلبه المرتّل هو "هلاكهم"، فناؤهم (آ 12). في الحالة الثانية، وصل المؤمن إلى الرمق الأخير (آ 4، 7)، فطلب من الرب أن يريه نظرة عطف (آ 7)، أن يُسمعه كلمة حنان (آ 8)، أن يأتي فيستعيده من حافة الهاوية (آ 7)، أن يجعله في الطريق القويم (آ 8).
هذا المزمور هو آخر مزامير التوبة. والشعور بالخطيئة والإحساس بأننا ضحيّة عالم ظالم، يترافقان في قلب المنفييّن. ويؤكّد المؤمن ثلاثة أمور: ليس من بارّ أمام الله. ويقابل بين أحزان الحاضر وأمجاد الماضي. وأخيراً، يلمّح إلى روح الرب الذي يقوده في الطريق.
تمنّى المرتّل أن يسمعه الربّ، أن ينال جواباً على سؤاله (آ 1، 7). وها هو يزيد هنا برهاناً جديداً: إن طلب الرب من الداعين إليه حساباً دقيقاً عن سلوكهم، فلا تكون استجابة لإنسان، ولا يكون أي إنسان باراً أمام الله. هذه الفكرة تعود مراراً في سفر أيوب، بلسان أيوب (أي 9: 2)، أو بلسان أصدقائه (أي 4: 17؛ 5: 14). وهي تدلّ على التواضع تجاه تكبرّ "الفريسيّ" الذي يعلن للرب في مز 26: 1: "أنصفني يا ربّ لنزاهة سلوكي".
قابل المرتّل الماضي بالحاضر ليدعو الربّ إلى العمل من أجله. كما انتظر حنان الربّ يقدّم له تعليماً يتيح له أن يسير في طريق الله. هو "عبد الرب" (آ 2، 12)، وهو لا يستطيع أن يعيش إلاّ ليخدم الربّ، يتعبّد له، يعمل مشيئته. لهذا فهو ينتظر روح الربّ.

في زمن الصيام نتلو لك يا رب مزمور التوبة هذا
نحن شعبك في مسيرته عبر البرية نحو أرض البرارة والقداسة
نحن شعبك نسير إليك في عيدك، مسيرة طويلة كتلك التي عرفها شعبك في العهد القديم
نحن نسير من الموت إلى الحياة، ومن الخطيئة إلى البرّ، فننتصر بك ومعك.

إذا غِبْتَ عنا، كانت مسيرتنا مسيرة عمياء، مسيرة شعب حُرم من النور
إذا غِبت عنا، تِهنا في طرق الخطيئة، وصرنا تعساء بسبب آثامنا
إذا غِبت عنا، دفعنا العدو فلامسنا أبوابَ الموت والجحيم
إذا غِبت عنا، كانت طريقنا صحراء، وأرضنا قاحلة لا تعرت الخضرة والمياه.
ولكننا رغم خطايانا نتطلعّ إليك، نوجّه أنظارنا إلى العلاء
نحن نسير قرب الهاوية، ولكننا نريدك أنت بكل قلوبنا
نعرف حالتنا التعيسة، ولكننا نرفع إليك أيدينا، ونرفع معها نفوسنا
نحن نتردّد في مشيتنا ونخادع، ولكننا نبحث فيك عن ملجأ يحمينا
مسيرتنا هي طلب الغفران، طلب النور، طلب وجهك يا ألله.

نحن نقترب من أيام الآلام الخلاصيّة، ولهذا نتلو هذا المزمور لنعلن انتصارنا فيك على الموت والخطيئة
أنت يا إله السلام، ستسحق الشيطان عاجلاً تحت أقدامنا
أنت يا يسوع المسيح، سترى الشيطان ساقطاً من السماء كالبرق
أنت سترسل ملاكك فيقيّد التنين، الحية القديمة، ليكفّ عن إغراء الناس
سترسله فيقيّد إبليس الشيطان ويلقيه في الهاوية ويقفل عليه
هذا ما نعلته يوم الجمعة العظيمة يا قاتل الموت بالموت.

نصرخ إليك ونحن عارفون أننا خطأة، ونحسّ بثقل خطايانا
فنطلب الرحمة ونتوق إلى أن نتحرّر من ميولنا الشريرة ومن أعدائنا
أنت يا ربّ ترى حالنا الذليلة وتد دفعنا الأعداء إلى اليأس
فندعوك ونودّ أن يحُسّ قلبك بنا فيرثي لحالنا ويُشفق.

أنت الإله الأمين، ولن تسمح لنفسك أن تتخلّى عن أتقيائك أو تعاملهم كالأشرار
أنت الإله الرحوم، وسوت تتنازل من أجل خلائقك الضعيفة، لأنه لا يتبرّر أحد أمامك
أنت الإله الصالح، الذي يهمّه عملُ الخير لمن يلجأ إليه، وخاصة في ساعات الشدّة
أنت الإله العظيم، وأنت ستنصرنا إكراماً لاسمك، ولن ترضى أن ينتصر أعداء شعبك.

وأنا أربط حياتي بحياتك، وأتوكّل عليك إتكالاً لا تزعزعه الضيقات
وألجأ إليك كما الطفل إلى حضن أمه، وأعدك بالأمانة التامّة لوصاياك
ولكني ضعيف وعاجز، ولولا معونتك الدائمة لسقطتُ أمام التجربة.
أنا كل يوم أتخلّى عنك بخطاياي، فلا تعاملني بعدلك بل برحمتك
فأنا عبدك وابن أمتك، أنا أخصّك، أنا مُلْك لك.

يا رب اسمع صلاتي. أنصت إلى تضرّعي وأعنّي بأمانتك وعدلك
لا تحاكمني أنا عبدك فما من حيّ يتبررّ أمامك.

أدعوك يا ربّ، أدعوك أيها الأمين لمواعيدك، فأصغِ إلى دعائي
أدعوك يا ربّ، أدعوك أيها الصالح من أجل عبيدك، فأنت تنير طريقي
أتضرّع إليك أيها الإله العادل، فأنت لا تعاقب خطايا الضعف التي نرتكبها
ولكنك تعاقب الأشرار بشرّهم، وتغضب على الذين يستهينون برحمتك.
فإن أردتَ أن تحاسبنا على خطايانا ولم تحسب حساباً لرحمتك، فما أشقانا
وإن قرَّرت أن تعاملنا بحسب قداستك التي أغظناها، فلن يفلت أحد من يديك
وأن كنت لا تديننا بالرحمة، فلا يستطيع إنسان أن يبلغ نعمتك
فنحن بشر خطأة، ولا نقدر أن نقول إننا نخدمك بالكمال
أنت يا من يخاف من حضرتك الملائكةُ القدّيسون، فكيف تريدنا نحن أن نثق بذواتنا.

لا إنسان باراً خارجاً عنك، لأن بك يتبرّر كلُ إنسان
لا إنسان صالحاً بعيداً عنك، لأننا بصلاحك وحنانك نجد دالّة أمامك
لا الرسل ولا الإنجيليون، لا الآباء ولا الأنبياء يقولون: نحن بلا خطيئة
لا الملائكة والعروش، لا القوّات والسلاطين تقول: نحن بلا خطيئة
وحدك بارّ يا ألله، وحدك لم تصل إليك الخطيئة.

ولكننا على صورتك يا رب، ولكننا أبناؤك يا ألله
ولأننا محبوبون منك، فلا نستحي بضعفنا أمام الذي يحبّنا
نحن لا نتبجّح بخطايانا، ولكننا لا ننكرها أمامك، أيها الإله الرحوم
أنت يا من جئت للخطأة لا للأبرار، للمرضى لا للأصحّاء
أنت يا من نفرح بخاطئ واحد يتوب توبة صادقة
وتفضّله على تسعة وتسعين يعتبرون نفوسهم أبراراً ولا يحتاجون إلى توبة.

العدوّ يضطهدني يا رب ويدكّ إلى الأرض حياتي
يُسكنني في الظلمات كما الأموات من قديم
فتعيا روحي فيّ ويُقفر قلبي في داخلي
أتذكّرُ الأيام القديمة، فألهج بكل أعمالك، وأتامل في ما صنعت يداك
بسطتُ يديّ إليك، ونفسي أمامك كأرض يابسة.

حالتي يا رب تدعو إلى القلق بعد أن اضطهدني العدوّ وكاد يسحقني
لا مخرج لي إلا الموت بعد أن مرّغ في التراب رأسي
ضاعت قواي، توقّف قلبي عن الحركة، وأعيت روحي فيّ
صنعتُ الخطيئة فصرتُ عبداً للخطيئة، تركتُ الخطية تلج حياتي فقتلتني الخطيئة.

ولكن لي رجاء فيك، وماضيّ معك مليء بالخير والعزاء
ولكن لي رجاء فيك عندما أتذكّر ما فعلت لشعبي من الخير
أنت فعلت وأنت ستفعل، لأنك لا تستطيع أن تنكر ماضيك
فأنت الصديق فكيف تتخلّى عن أصدقائك.
أنت بدأت وأنت تكمّل، فكيف تهدم ما بنيت، وتقلع ما غرست.
أنت ترضى عنا، ولهذا نتّكل على ذراعك القديرة وحضورك النيرّ.

لهذا الجأ إليك يا رب كأرض عطشى يابسة شقّقها الجفاف
وأصرخ إليك وأدعوك، فلا تتصامم عني
إليك ظمئت نفسي فكن ماءها، إليك تاق جسدي فكن حياته
نفس جائعة، وأنت تشبعها. قلبي مريض، وأنت تشفيه
أنا أرض بلا ماء، أرض لا زهر فيها ولا ثمر،
ونفسي بدون نعمتك لا جمال فيها ولا بهاء
أعطني أن أعرفك وأختبرك وأحمل ثماراً ترضي عظمتك.

أسرع إلى معونتي يا رب، فروحي كلّت في داخلي
لا تحجب وجهك عني فأكون كالهابطين في الجبّ
إمنحني كل صباح رحمتك فأنا عليك توكّلت
عرفني أي طريق أسلك فإليك أرفع نفسي.

الصباح ساعة البركة والعطاء، وأنا أدعوك في وقت الصباح
الصباح وقت التهليل لك، الصباح وقت الرضى والحياة
فطوبى لمن تقرّبه منك في الصباح، فتسكنه ديارك وتشبعه من خيراتك.
أسرع إليّ يا رب وأجبني، أسرع لأنني لا أستطيع بعدُ أن أتحمّل
فإن أنت أخفيت وجهك عني وما رضيت، لم يعد لي من أمل في الحياة
لهذا أبكّر إليك، وأدعوك في الصباح، وأتأهّب لأن أدخل هيكلك وأنتظر
لهذا أبدأ نهاري بالصلاة لك، فأشاهد وجهك، وأشبع من صورتك، وأرى خلاصك.

أنقذني يا رب من أعدائي، فأنا بك احتميت
علّمني فأعمل بما يرضيك لأنك أنت إلهي
روحك الصالح يهديني في السبيل السوي
أحيني إكراماً لاسمك، وأخرجني من الضيق بعدلك.

نجوتُ، تحررتُ، خلصتُ يا رب، بعد أن غفرتَ لي خطاياي
فساعدني لئلا أعود إلى الشر، وعلّمني أن أعمل بما يرضيك
إذا أردتُ أن لا تتكاثر عليّ الحواجز من جديد، إذا أردتُ أن لا تكون نهايتي شراً من الماضي
فعلّي أن أدفع الثمن لأحصل على نعمتك يا رب.

أنت هدايتي وحياتي، أنت خالقي ومخلّصي
أنت تعلّمني وتهديني، وتُخرج من الضيق نفسي
كنت تنير الطريق لشعبك بالغمام والسحاب، فسار شعبك في الطريق القويم
وأنت تنير طريقي اليوم بأنوار شريعتك وإنجيلك، وتسيرّني في نورك.

هذه هي صلاتي إليك يا رب في وقت الصباح
انفصلت عنك فما عدتُ أهلاً لأن تدخل بيتي
صلاتي تريد أن تكون رجوعاً إليك وأنت تنادينا: إرجعوا إليّ فارجع إليكم
صلاتي تودّ أن تكون نداء: لتكن مشيئتك فيّ وفي جميع إخوتي البشر.

تريدنا لك شعباً جديداً يخدمك بشفاه بارة
تريدنا لك جماعة مقدّسة لا يهمّها إلا أن تعمل إرادتك
تريدنا مع أنك عارف بضعفنا وخبث نوايانا
فاجمع إرادتنا مع إرادة يسوع الذي أعلن في بدء حياته أنه آت ليصنع مشيئتك
وانظر إلينا كأبناء لك مع الابن الوحيد الذي جاء ليعطي حياته من أجلنا
وأعطنا أن ننتصر بصليبه الذي به حمل الحياة إلى العالم
فأنت إله مبارك وممجّد مع ابنك وروحك القدوس من الآن وإلى أبد الآبدين

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM