إحمدوا الربّ لأنه صالح

إحمدوا الربّ لأنه صالح

فُسّر هذا المزمور كنشيد شكر لله الذي خلّص شعبه من المنفى. وقُرىء في ليلة عيد الفصح وصباحه، فاعتُبر هؤلاء المخلّصون مشابهين لأولئك الذين نجوا من عبوديّة مصر. هذا على مستوى الجماعة. وعلى مستوى الأفراد، أنشد المؤمنون خلاصاً تمّ للمسافرين في الصحراء (آ 4- 9)، للأسرى والمسجونين (آ 10- 16)، للمرضى المشرفين على الموت (آ 17- 22)، للذين يهدّدهم البحر بالغرق (آ 23- 32).
ويروي كل من هؤلاء المخلَّصين ما حصل له. الفئة الأولى والفئة الثانية تتحدّثان عن الوضع الذي مرّ فيه الطالب وما دفعه لكي يأتي إلى الهيكل: لحمد الربّ على رحمته وعلى عجائبه لبني البشر. وتتحدّث الفئة الثالثة عن ذبيحة ترافق الترنيم (آ 22). أما الفئة الرابعة فتتحدّث عن الحاضرين: جماعة الشعب ومجلس الشيوخ. وهكذا، بعد أن فعل الربّ ما فعل مع هذه الفئات الأربع، تتكوّن الجماعة بعد أن تشتّتت في عوالم المنفى.
في اللوحة الأولى، نجد أناساً ضاعوا في الصحراء. يضيّق عليهم الجوع والعطش. طلبوا مدينة مأهولة. وهذه المدينة هي أورشليم محطّ أحلام المنفيّين. في اللوحة الثانية نجد السجناء العائشين في الظلمة، الذين تحطّمهم المحنة، فما عادوا ينتظرون مساعدة من أحد. وفي اللوحة الثالثة، كان المرض الذي ينبع من الخطيئة. وفي الرابعة، نجد المياه التي قد تبتلع الشعب كما فعلت بالمسكونة في أيّام نوح.
ويأتي عمل الله في هذه الحالات، فيدلّ على حبّه ورحمته. ذهب يطلب أحبّاءه في أقاصي الأرض. حطّم قيود السجون، حمل الشفاء إلى المرضى، قاد المؤمنين في الطريق القويم، جعل البرية تزهر... تدخّل الله فأعاد الحياة إلى الشعب بعد أن وصلت به الأمور إلى حافة الموت. فلم يبقَ لهم إلاّ أن يحمدوه على رحمته وعلى عجائبه لبني البشر.

نحن في عيد، شعبك في عيد
جئنا إلى بيتك نحتفل بالعيد، نقدّم لك مديحنا والشكران
يلتقينا الكاهن على الباب: إحمدوا الرب لأنه صالح
فنجيبه: لأن إلى الأبد رحمته.

جئنا إليك يا رب من كل مكان، وباسم الناس في العالم
جئناك من المشرق والمغرب والشمال والجنوب
نشكر لك الفداء العظيم الذي تمّمته للبشريّة جمعاء
نشكر لك الخلاص الذي حصل لكل منا في زمن الشدّة والضيق.

أعمالك يا رب عظيمة، وعجائبك تفوق كل إدراك
فلا يقف بوجهك أمر عسير
تُحوّل القفر إلى مرج أخضر، وتُجري المياه في الصحاري
كل هذا من أجل شعبك ومحبّيك لترفعهم من بؤسهم وشقائهم.
تجعل الأنهار قفراً ومجاري المياه جفافاً
فيمرّ شعبك كما على الأرض اليابسة من أجل اللقاء بك وسماع كلمتك.

إلى هذا اللقاء نأتيك اليوم ونهتف:
إحمدوا الرب لأنه صالح، لأن إلى الأبد رحمته
ونردد ولا نملّ: أشكروا الرب على رحمته وعجائبه
قولوا ما أعظم الرب وهلّلوا له.

احمدوا الرب لأنه صالح، لأن إلى الأبد رحمته
ليقل ذلك أولئك الذين افتداهم، افتداهم الرب من يد الضيق
وجمعهم من كل البلدان، من المشرق والمغرب والشمال والجنوب.

دعوتَنا إلى الحمد، وها نحن نحمدك
أحسنتَ إلينا أيها الكريم وغمرتنا بأفضالك
فالحمد لك يا رب، الحمد لك.

عرفتنا يا رب، عرفتنا بأسمائنا من أحشاء أمهاتنا
حملتنا بيدك كالعصفور يحمل صغاره
فصارت حياتنا معك رغداً ونعيماً بعد الضيق الذي كنّا فيه
عرفنا فيك المخلّص والفادي، ولهذا جئنا نقرّ بأفضالك
نعترف بك، نعلن فخرنا أننا من شعبك، ونمدح اسمك مدى الدهر
فالحمد لك يا رب، والشكر لك.

أحمدك أيها الإله الرحوم، يا من تشفق وتتعطّف وتغفر
أعترف لك أيها الإله المحبّ، وقلبك كقلب الأم يحنو على البشر
أشكرك أبها الإله الأمين الذي تعد وتفي، بل تُلزم نفسك بشعبك رغم خطاياه
أنت تفعل لأنك ترحم وتحب، وفي الضيق لا يمكنك إلا أن تتدخّل.
هل تنسى أم ابنها وثمرة رحمها وحشاها، فكيف أنت تنسانا؟

رحمتك كثيرة يا رب، ولهذا أسمح لنفسي فأدخل بيتك أنا الخاطئ
رحمتك عظيمة يا رب، بل هي أعظم من السماء وأرفع من الغيوم
رحمتك صالحة يا رب، إلتفت إلّي واستجب لي فأنا في ضيق
رحمتك طيّبة فيها لذّة وحلاوة، فأنا أفرح بها وأرنّم برحمتك من الغداة.

أنت الرحمة يا رب، أنت الحبّ يا رب
هذا هو فعل إيماننا بك، هذا هو التعبير عن الرجاء الذي فينا
ترحمنا فتربطنا بك، وتدعونا لنكون رحماء، وتحبّنا فتجمعنا إليك لتعلّمنا المحبة
الحمد لك أيها الإله الرحيم، الشكر لك أيها الرب الحنون والمحبّ للبشر.

إحمدوا الرب على رحمته وعلى عجائبه بيني ابشر.
إرفعوه في جماعة الشعب، وهلّلوا له في مجلس شيوخكم.

أنت يا رب ترحم التائهين، فتهديهم طريقاً مستقيماً فلا يضلّون
أنت يا رب تسمع صراخ الجائعين والعطاش، فتنقذهم من سوء حالهم
أنت يا رب تنظر إلى الأسرى يعانون القيود، فتقطع لهم قبودهم
أنت يا رب تنصت إلى العائشين في السجون، فتخرجهم من الظلام وظلّ الموت.

يا صديق المرضى والمتألمّين، أشفق عليهم واشفهم
يا رفيق المسافرين، أبعد عنهم المخاطر، نجّهم من المهالك
يا سفينة السلام ومرفأ الأمان، سكّن الزوبعة، أسكت أمواج البحر
فنحمدك على رحمتك، ونعظّم اسمك على أعمالك العجيبة.

كيف نسكت عمّا سمعنا ورأينا؟ لو سكتنا كنا شهوداً كذبة!
كيف لا نعظّم اسمك بين شعبنا والعظماء بيننا؟
من يستحي بك أمام الناس تستحي به أنت أمام ملائكتك القدّيسين
كيف لا نهتف لك أمام السماء والأرض ونفرح بأعمالك مع الأبرار؟
كيف لا نردّد آياتك أمام الذين ينتظرون خلاصك ويلتمسون وجهك؟
الحمد لك يا ألله والمجد لك!

يجعل الأنهار قفراً، ومجاري المياه جفافاً.
والتربة الخصبة ملحاً لشر المقيمين بها.
يجعل القفر مرجاً أخضر، والأرض القاحلة مجاري مياه،
فيسكن هناك الجياع ويقيمون لهم مدينة سكنى.
يزرعون حقولاً ويغرسون كروماً، فتثمر لهم غلالاً.
يباركهم فيكثرون جداً ولا يقلّل بهائمهم.

أنت أيها الرب القدير، أنت يا صانع العجائب المذهلة
رحمتك تعرف المغفرة، ولكنها تعاقب ساعة نستحقّ العقاب
أنت تجعل النهر قفراً، ومجرى المياه جفافاً،
ولكنّك تجعل التربة الخصبة ملحاً بسبب شرورنا وخطايانا
تعاقب ذنوب الآباء لأنك إله غيور، ولا ترضى أن يميل قلب شعبك عنك
ولكنك الإله الذي يرحم فتمتدّ رحمته إلى الألوف ممن يحبونك ويحفظون وصاياك.

كلمتك الأخيرة ليست للعقاب بل للمجازاة الخيرّة،
أعمالك في النهاية تؤول إلى الخير، أنت يا من تخرج من الشرّ خيراً.
أنت يا من تشرق شمسك على الأشرار، كيف تعامل الأبرار؟
أنت يا من تسكب غيثك على الخطأة، ألا تشفق على الصدّيقين؟
ألا تراهم، ألا تسمع صراخهم؟

معك يُصبح القفر مرجاً، وأرضُ الشوك والعوسج جنة وفردوساً
معك تجري المياه في الأرض القاحلة، وتنقلب وادي الجفاف بركاً تتجمّع فيها المياه
حيث البرية تبني القرى وتشعل النار، وحيث لا ناس ولا بهائم تبني مدينة للسكن.

تُبارك أبناءك فيكثرون جداً، تُبارك بهائمهم فما تسعهم أورشليم للسكن فيها
يَزرع شعبُك فينمو زرعه، يغرس كروماً فتكثر غلاله
فما أعظم عطاياك يا رب، وما أكرم وجهك يا إله الجود!

حين يقلوّن وينحنون ذلاً من شدة المساءة والحسرة
يصبّ الهوان على أسيادهم، ويقودهم في تيه بلا طريق.
يرفع البؤساء من عنائهم، ويكثر عشائرهم كقطعان الغنم.
فينظر المستقيمون ويفرحون، ويسدّ كل جائر فمه.
من كان حكيماً يراعي هذا، ويتبينّ مراحم الرب.

ولكن الواقع يا رب غير ما انتظرنا، وما نراه يظلّ دوماً دون آمالنا
أنت أمرت الأرض أن تنبت عشباً وتخرج شجراً مثمراً، ولكننا لا نملك إلا القليل
أنت أمرت الحيوان أن يَكثر وينمو ويملأ الأرض، ولكن انتظارنا خاب
أنت خلقت الأنسان وجعلته سيداً ومتسلّطاً، فإذا هو ذليل من الشدّة التي تحلّ به
أنت منحت الناس عطاياك ولكن المساكين يجوعون، وأبناء شعبك لا تصل إليهم وفرة عطاياك
كيف ترضى بذلك، أين عيناك لا تريان، وأذناك لا تسمعان؟

الآن تقوم يا رب، بعد أن شاهدتَ اغتصاب المساكين، وسمعت تنهّد البائسين
تبعد عنهم الظلم، تصبّ هوانك على ظالميهم، وتتركهم يتيهون مثل قايين
هم أبغضوا وما أحبّوا فصاروا قاتلين، فلهذا كان مصيرهم مصير قايين.
ابتعدوا عنك يا ألله وساروا في طريق الموت.

الآن تقوم يا رب، فتفعل يُدك في شعبك كما في الطبيعة
تبارك المساكين فينجون، تمدّ ذراعك فترفعهم من الشقاء
كان البؤساء غرباء أذلاّء في كل مكان، فأعدتهم إلى أرضهم، بل رفعتهم فوق العظماء المتكبرّين
أشبعتهم خيراً، ورددت الأغنياء فارغي الأيدي، خائبين
فعاد الفرح إلى محبّيك، ورأوا فيك الإله العادل القويّ الذي ينحني على المساكين.

ونحن ننظر إلى أعمالك يا رب، فتأخذنا الدهشة والعجب
أعمالك عظيمة في الكون، وعجائبك متنوّعة عند بني البشر
نراقب، نعبر، لنرى أن الكلمة الأخيرة لك يا إله الرحمة
ننظر إلى ما تصير إليه الأمور ونتبيّن تدبيرك ونفهم أعمالك
من أجل كل هذا، نطلب منك الحكمة.

أعطنا الحكمة الحقّة التي بها نتعرّف إلى أعمالك الماضية فنعترف بك
أعطنا الحكمة الحقّة التي بها نرى حضورك الفاعل فينا اليوم فنحمدك ونمدحك
أعطنا الحكمة الحقة التي بها نرجو كل خير لنا في المستقبل
أعطنا الحكمة الحقّة التي تبيّن لنا أنك الرحوم والمحب
ولتدفعنا هذه الحكمة إلى الهتاف والنشيد:
إحمدوا الرب لأنه صالح، لأن إلى الأبد رحمته

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM