رضيت يا ربّ

رضيت يا ربّ

أعلن خادم المعبد: "أسمع ما يتكلّم به الله الربّ" (آ 9). وأوصل كلمة الله التي هي كلمة سلام (آ 10). ومن قال "سلام" قال مسامحة وغفراناً. وهذه المسامحة تجد علامة عنها في الاستقبال الذي يحتفظ به الله لشعبه. كانت الأرض أول ضحيّة الغضب الإلهي بعد سقطة الإنسان، وهي أول من ينعم ببركة الله فيزول الجفاف والقحط. وإذ تستعيد الأرض الحياة، فهي تدلّ على الشعب الذي يعرف أرضه المقدّسة بعد الحياة في المنفى.
يزيل الرب الخطيئة، يرسلها إلى البعيد، لأنها تسمّم العلاقات بينه وبين شعبه. هو يستر الزلاّت، بل يرميها في أعماق البحار حيث موطن الشرّ. هكذا ينتصر الله، هكذا ينتصر حبّه. وهذا الحبّ الذي تغلّب على غضبه، جعله يعود عن نار غضبه، يطفىء نار غضبه.
ويطلب الشعب من الربّ أن يعود إليه، أو بالأحرى أن يعيده إليه. فالغفران يفترض عودة المؤمن إلى الله، وعودة الله إلى المؤمن. فبدون حياة حميمة في الحبّ، لا يستطيع الشعب أن يحيا. والرب وحده هو الذي يخلّصه.
أصغى الربّ إلى صلاة شعبه وعزم على إعادة السلام بينه وبين الشعب. فاقترب من أخصّائه، من الذين يخافونه. واقترابُه اقترابُ خلاص، فيغمر الأرض مجدُ الله. إن مجد الربّ يلج كل شيء ويحوّله، وإذ يدخل الأرض يعطيها الخصب والغنى.

بعد الضربة القاضية التي حلّت بشعبك
بعد أن دُمّرت مدينة أورشليم، وسُلب الهيكل وأحرق
بعد أن سقطت مدينتك، أورشليم القدس،
بعد أن زال الهيكل مركز حضورك وسط شعبك
تساءل الشعب، ونحن نتساءل عندما يحلّ الخراب بنا ويفسد العدوّ أرضنا.

هل طردت يا رب شعبك من أرض وعدته بها؟
هل تركت الأعداء يعيثون خراباً في بلاد هي ميراث منك؟
كيف سمحت للعدوّ والغريب أن يدوس الأرض المقدّسة
كيف قبلت أن يأخذ المحتلّ صفوة السكان إلى المنفى؟
هل تخلّيت عن شعبك، وهل نسيت محبّتك لهم؟

أنظر إلى شعبك يا رب.
يئس البعض وتركوا ديانة آبائهم وعبدوا آلهة الأمم الظافرة
ترك بعضهم الأرض المقدسة، وفضّلوا أن يعيشوا أغراباً
تركوا بلادهم وراحوا حيثما كان لئلا يُذلّوا في أرض الله
أما الذين بقوا فطُلب منهم أن يأكلوا ويشربوا فقط ويدفعوا الجزية ويتعبّدوا للحاكم
متى تزول حالة الضياع واليأس والخمول والغضب،
متى تتبدّل الأمور ويعود شعبك إلى أرضك المقدّسة؟

رضيتَ يا رب عن أرضك
رددتَ سبيَ يعقوب
رفعت عن شعبك آثامهم
وسترت جميع خطاياهم
تأسّفت على غيظك كله
ورجعت عن شدّة غضبك.

أرضُك يا رب، هي أرض كنعان وفيها أورشليم القدس
أرض كنعان أرضك لأنها تقدّست بظهورك على ابراهيم واسحق ويعقوب
تقدّست بعمل الكهنة والملوك والأنبياء
وأرضك مقدّسة بصورة خاصة، لأن يسوع المسيح ابنك الوحيد، وُلد وعاش فيها، وزرع تعليمه واجترح معجزاته وقضى فيها حياته.

ولكن هذه الأرض تنجّست بفعل خطايا البشر
لهذا اجتاح العدو البلاد، وهجّر السكان من بيوتهم، وجلاهم إلى أرض غريبة
أبناء يعقوب، أبي الآباء، الذين اجتمعوا حول اسمك، يهوه،
أبناء يعقوب الذين قالوا: الربّ هو الإله ولا نعبد سواه
هؤلاء الأبناء لم يسيروا على خطى آبائهم في الطاعة لوصاياك والعمل بأحكامك
فأرسلتهم إلى المنفى علّهم يرتدّون ويرجعون إليك.

ولكنّك أيها الربّ أولاً وأخيراً إله الصفح والغفران
غضبك فترة أما رحمتك فإلى الأبد
تعاقب إلى جيل أو جبلين، ولكنك تبارك إلى أجيال عديدة
بعد أن غضبت على أرضك، رضيت عنها وعن الساكنين فيها
بعد أن أرسلت شعبك إلى المنفى، ها أنت ترفع عن شعبك آثامهم
ها أنت تغفر خطاياهم وتسترها لئلا تثير غضبك
وبعد أن غضِبتَ واشتدّ غضبك، ها أنت ترجع عن غضبك،
أنت ترجع إلى شعبك كالأم ترجع إلى أولادها مهما فعلوا.

أرجعنا إليك يا ألله مخلّصنا
واصرف غضبك عنا، ردّ كدرك عنا
أإلى الأبد تغضب علينا؟
أإلى جيل وجيل تطيل غضبك، تُبقي غضبك؟
ألا تعود تخلّصنا، تحيينا، فيفرح شعبك بك؟
أرنا يا رب رحمتك وهب لنا خلاصك.

رجع الشعب إلى أرضه، فيبقى له أن يعود إليك أيها الرب الإله
خطىء في الماضي وابتعد عنك، فأبعدته عن الأرض المقدّسة
أما الآن وقد رجع إلى الأرض المقدسة، فهو يريد أن يرجع عن خطيئته،
يريد أن يرجع إليك يا أرحم الراحمين.
ولكننا ضعفاء، لذلك نصرخ إليك: أرجعنا يا ألله وخلّصنا.

غضبتَ علبنا قي الماضي، أما زال غضبك بعد؟
سبّبنا لك الكدر والهمّ، أترك كدرك وهمّك، تطلّع إلينا وابتسم لنا بسمة الرضى
كنا بعيدين فأرجعتنا، ها نحن أموات ألا تحيينا
كنا في الحزن والبكاء، هب لنا من عندك الفرح
كنّا في الشقاء والتعاسة، هب لنا الراحة والطمأنينة.

نحن لك، نحن عدنا إليك في أرضك، ولا نطلب إلا رحمتك وخلاصك
أرنا رحمتك ببركة من العلاء: مطراً يروي أرضنا وغلّة تشبع شعبنا
هب لنا خلاصك، ونجّنا من الشعوب التي تريد بنا شراً
أعطيتنا في الماضي فلا تمنع عنا عطاياك اليوم
رحمتنا يوم كنا خطأة، فلا تمنع عنا رحمتك بعد أن عدنا إليك.

إسمعوا ما يتكلّم به الله
الربّ يتكلّم بالسلام لشعبه ولأتقيائه
ليرجعوا إليه بلا تكاسل
خلاصه قريب ممن يخافونه
ومجده يسكن في أرضنا.

رفعنا إليك نحن شعبك صلاتنا، فأجبتنا يا رب من علياء سمائك
تكلّمنا وأفرغنا ما في قلبنا من أمل ورجاء، ثم سكتنا، فتكلّمت أنت أيها الرب، وعندما تقول تفعل.
جاء صوت الكاهن يكلّمنا باسمك ويقول: اسمعوا.
أنت يا رب تتكلّم في الصمت، يبقى علينا أن نسمع
أنت لا تريدنا أن نكثر الكلام كالوثنيين، لأنك تعرف حاجات قلبنا
وها نحن نسمع ما تكلّمت به أيها الرب الإله
وها نحن المؤمنين نعدّ قلوبنا لنفهم ما تقول ونحفظه في قلوبنا ونمارسه في حياتنا.

يقول لنا الكاهن باسمك: يا أيها الذين يتّقون الرب اصغوا إليه،
يا أيها الراجعون إلى الرب أنصتوا.
وتُكلّمنا يا رب فتقول لنا كلمة السلام وما تحمل معها من سعادة وخير وبركة
وتعدنا بالسلام الذي يحمل المحبّة وينفي الغضب.
وتكلّمنا بالسلام الذي يعيد العلاقة إلى ما كانت عليه بيننا وبينك.
سلامك إلى البشر، سلامك في القلوب، سلامك على الأرض
وتعدنا بالخلاص نحن خائفيك، نحن خائفي اسمك، الخائفين أن نغيظك بخطايانا
كنا في الضيق فخلّصتنا، هدّدنا الجوع فخلّصتنا، من المرض والموت خلّصتنا
أرسل إلينا من ينجينا من بؤسنا الحاضر وتعالَ خلّصنا.

وتعِدُنا فنعرف أن بك يسكن المجد أرضنا
فالمجد هو حضورك، هو أنت بالذات
حين جاء العدو، فكنتَ وكأنك تركت الأرض
ولما ذهبنا إلى المنفى في البعيد رافقتنا
لأنه حيث يكون شعب الله هناك تكون يا الله.

ها قد عاد شعبك نعاد مجدك إلى الأرض، عدت إلينا أيها الإله المجيد
عاد شعبك فعدت تسكن أرضنا وتغمرها ببركتك
رَجَعَ شعبك إلى أرضه فعدت تقدّس أرضنا بحضورك
فيا لسعادتنا وسرورنا.

الرحمة والأمان تلاقيا، والعدل والسلام تعانقا
الأمان من الأرض ينبت، والعدل من السماء يظهر
الرب يهب الخير، وأرضنا تعطي غلالها
العدل يسير أمامه، ويمهّد سبيلاً لخطواته.

قبل أن تحضر يا رب، كان الشقاء، كان اليأس
قبل أن تتكلّم يا رب، لم يكن من أمل في قلب الشعب
ولكنك حاضر الآن، ولكنك تتكلّم لشعبك وأتقيائك الراجعين إليك
ولهذا ستتبدّل الأمور، ستعود السعادة إلى قلوبنا، والأمل إلى حياتنا.

كانت أيام الهجرة أيام غضب، فصارت أيامُ الرجوع أيام رحمة
بعد الحرب عمّ البلاد الأمان، بعد الظلم حلّ العدلُ والسلام
يا لسعادتنا، نحن شعبك، يوم تمتلىء الأرض عدلاً وسلاماً.
غضبت يا رب، فانغلقت السماوات، وانحبس المطر، وحلّ الجفاف
رضيت يا رب، ففاضت خيراتك وجرت أمطارك، وأعطت الأرض غلالها.

أنت يا رب ملك يهمّك أمر شعبك وسعادةُ رعيتك
أنت يا رب يهمّك أول ما يهمّك أن يحلّ الأمان الحقيقيّ في كل مكان
حضورك يكفينا، ورحمتك الفاعلة أكبر سند لنا
أنت يا من لا تنسى شعبك المسكين الذي يفتخر بمخافتك والتعبّد لك.

نصلّي إليك يا ربّ فنتذكّر الماضي وما فعلته لشعبك
فننتظر بالرجاء خلاصاً نهائياً سيتمّ في نهاية الأزمنة
نعيش في الزمن الحاضر متكلين على ما فعلته أيها الرب الأمين لمواعيده
ونتطلّع إلى ما ستفعله وسيكون جميلاً جداً بحيث لا يخطر على قلب إنسان.

ونتذكّر يا رب النعم التي جاءتنا بالمسيح
بموته وقيامته وصعوده كان لنا الخلاص وافتداء نفوسنا
ولكننا نتعرّف إلى آلام الكنائس المسيحيّة المضطّهدة في العالم فنتألّم،
فإن تألم عضو تألمت معه سائر الأعضاء.
نحسّ بالألم يحزّ في قلوبنا ويضيق علينا،
ولكن لا ننسى أن ضيق هذا الزمان لا يوازي المجد المعدّ لنا.
ونتطلّع إلى المستقبل عارفين أننا نعيش منذ الآن سرَّ الفداء
نعيش بين فداء أول تمّ يوم الجمعة العظيمة في عهد بيلاطس البنطي،
وبين فداء ثانٍ سيتمّ عندما يأتي يسوع بمجد عظيم

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM