الفصل الثالث عشر: مثل العذارى العشر

 

الفصل الثالث عشر

مثل العذارى العشر
25: 1-13

يحتلّ هذا المثل مكانة هامّة في مجمل الخطبة الاسكاتولوجيّة المتّاويّة (24: 4-25: 46).فيستعيد موضوع السيّد الذي يتأخّر مجيئه، ليحرّض التلاميذ أيضًا على السهر. أما الفكرة التي تُشرف على هذا المقطع (أي بعد 24: 42)، فهي أن السهر ضروريّ جدًا لا سيّما وأننا لا نعرف الساعة التي فيها يعود السيّد.فنلاحظ بالنسبة إلى القسم الأول من الخطبة الاسكاتولوجيّة (24: 4-41)، خطبة نهاية العالم، أنّ جهل الساعة هوجهل مطلق: لقد اختفت كل الاختفاء العلامات التي تدلّ على هذه النهاية.لهذا، تبدّل المنظار الاسكاتولوجي تبدّلاً عميقًا: في 24: 4- 41، كنّا أمام تحذير من البلبلة والضلال الجليانيّ (تظلم الشمس...)، يدعونا إلى موقف سلبيّ يحصرنا في إطار خاصّ. أما منذ 24: 45-51 فقد توضّح معنى هذا السهر.نحن نسهر حين نُتمّ بأمانة المهمّة التي تسلّمناها. بعد هذا، ما هو مرمى مثل العذارى؟ هنا تتّخذ التفاسير اتجاهين رئيسيين: الوجهة الروحيّة للسهر الذي يشير إليه الزيت (الايمان، التقوى.الشهادة المسيحيّة، الأعمال).أو: إذا أردنا أن نكون مستعدّين للساعة الحاسمة التي فيها يأتي العريس، للساعة التي فيها نسمع ((الصراخ))، نتحرّك حالاً.فإن تأخّرنا بقينا خارجًا. أما الاستعداد فهو زادٌ كاف من الزيت يكون في تتميم مشيئة الله (25: 14-30) وفي خدمة الاخوة الصغار الذين تماهى ابن الانسان معهم (25: 31-46).

1 - البنية والتأويل

أ - بنية المثل
((أما ذلك اليوم وتلك الساعة، فلا يعلمهما أحد، ولا ملائكة السماوات، ولا الابن إلاّ الآب وحده))(24: 36).إن هذا الاعلان حول جهل النهاية هو أساسُ قسم كبيرفي انجيل متّى نستطيع أن نسمّيه السهر: فعلى الانسان أن يكون مستعدًا لما يمكن أن يحدث في أي وقت. في هذا الاطار يأتي مثَل العبد الحكيم والعبد الشّرير (24: 45-51)، مثل العذارى الحكيمات والعذارى الجاهلات(25: 1-13)، مثل الوزنات (25: 14-30). تتطرّق هذه الأمثلة الثلاثة إلى تأخّر مجيء الرب، إلى الاستعداد من أجل النهاية، إلى الجزاء الذي ينتظرنا عندما يأتي ابن الانسان في مجده.
بعد أن رافق مت مر في الخطبة الاسكاتولوجيّة، تركه في مثل العذارى العشر. غير أننا نجد ما يوازي بعض الشيء هذا المثل في لو 12: 35-38 (لتكن أحقاؤكم مشدودة وسرجكم موقدة، وكونوا كرجال ينتظرون سيّدهم عند عودته من العرس، ليفتحوا له حالما يوافي ويقرع) وفي 13: 25 (حين ينهض ربّ البيت ويوصد الباب، تقيمون أنتم في الخارج. تقرعون الباب وتقولون: يا رب افتح لنا. فيجيبكم: لا أعرف من أين أنتم).هناك من قال إن مت عرف هذين النصّين في المعين، ثم دوّن المثل في إطار لاهوت كنيسته: سمات متّاويّة، تشابه مع 7: 21-، 27مواضيع محبّبة إلى مت. ولكن يبدو أن هناك تقليدًا قبل متاويًّا أخذ منه الانجيل الأول. فهناك كلمات لا توجد أبدًا في أماكن أخرى عند متّى (لمباس، سراج آ 3، 5، 7- 8، الايون، زيت، آ 3، 4، 8، اغايون، قارورة، آ 4، نستازو، نعس، آ 5، كراوغي، صياح، آ 6، اركيو، كفى، آ 9).ثم إننا نتردّد عندما نجد تبديلاً ساعة يستعيد مت تقاليد أخرى دون أن يقوم فيها بتحوّلات جذريّة.

ب - التأويل
يُقسم خبر العذارى أربعة أقسام. مقدّمة تفتح أمامنا المسرح (آ 1-5).إشارة زمنيّة (نصف الليل، آ 6) تسبق القسم الاخباريّ الذي هو قلب المثل (آ 6-10).إشارة إخباريّة ثانية (وبعدئذ آ 11) تدلّ على نهاية قصيرة ومأساويّة (آ 11-12): لا أعرفكن.وكل هذا يتبعه تحريض (آ 13) يستعيد الموضوع الرئيسيّ الذي قرأناه في 24: 27-51. في القسم الأول ننتظر العريس. في الثاني يأتي العريس. في الثالث نعرف ماذا حصل بعد وصول العريس.
إن نصّ مت هو استعارة (وإن لم تنطبق كل التفاصيل) عن مجيء المسيح، العريس السماويّ. وتدلّ العذارى العشر على الجماعة المسيحيّة التي تنتظر (لا الرؤساء فقط، ولا مجموعة محدّدة، الرقم عشرة هو عدد أصابع اليدين وهو يدلّ على الملء).وتأخّر العريس (آ 5) هو الزمن الذي يسبق. ومجيئه الفجائي (آ 6) هوحصول المجيء غير المنتظر.ورفض العذارى الجاهلات (آ 11) يدلّ على الدينونة الأخيرة.
نجد في المثل وتطبيقه ثلاثة دروس. الأول نجده في تصرّف العريس.الثاني في تصرّف العذارى الحكيمات. والثالث في تصرّف العذارى الجاهلات. تأخّر العريس ثم أتى في وقت لم يتوقّعه أحد. وهكذا نعرف أن ما من أحد يعرف الساعة التي فيها يأتي ابن الانسان. والعذارى الحكيمات اللواتي يمثّلن التلاميذ الأمناء، هنّ رمز عن الحكمة التي تحمل إلى المؤمنين الجزاء الاسكاتولوجي. والعذارى الجاهلات اللواتي يمثّلن التلاميذ الذين خانوا الأمانة، هنّ رمز إلى الذين سقطوا فاستحقّوا العقاب في نهاية الأزمنة.
هناك أمثال رابينيّة قريبة من هذا المثل.قال رابي يوحنا بن زكاي: إن يوم التوبة قبل الموت ((يشبه ملكًا دعا عبيده إلى وليمة لم يحدّد موعدها. أما الحكماء فتهيّأوا (تزيّنوا) ووقفوا عند باب القصر لأنهم قالوا: هل يجب أن يغيب أحد عن القصر الملكي؟ أما الجهّال فذهبوا إلى عملهم قائلين: هل يمكن أن يكون هناك وليمة بدون استعدادات؟وفجأة أعلن الملك رغبته إلى عبيده: دخل الحكماء بزينتهم، أما الجهال فدخلوا مع أوساخهم.فرح الملك بالحكماء وغضب على الجهّال.وأعطى أوامره: الذين تزيّنوا من أجل الوليمة يدخلون ويأكلون ويشربون. أما الذين لم يتزينوا من أجل الوليمة، فليقفوا وينتظروا)) (برايتا السبت 153أ). هذا يعني أن الاستعداد موضوع معروف.ولكن تطلّع الرابينيون إلى الموت والاستعداد له، أما الانجيل فإلى الدينونة.

2 - عشر عذارى (13: 1)
ونبدأ التفسير فنقرأ الآية الأولى: ((حينئذ يشبّه ملكوت السماوات بعشر عذارى أخذن مصابيحهنّ وخرجن للقاء العريس)).
الأساس الآراميّ واضح في هذه الآية التي لا تريد أن تقول إن ملكوت السماوات يشبّه بعشر عذارى... بل يشبّه ملكوت الساوات بعرس فيه أخذت عشر عذارى.هذا المثل لا يستنفد كل التعليم عن الملكوت، بل هويقدّم سمة من سمات هذا الملكوت من خلال خبر العذارى العشر.
لا نعرف معرفة تامة كيف كانت تتمّ الأعراس في فلسطين في زمن المسيح. أما المعطيات التي جُمعت، فهي تعود إلى زمن متأخّر. وقد تكون العادات مختلفة بين زمن وآخر، ، بين قرية وأخرى. أما يسوع فحصر الصورة في أقلّ ما يمكن من الكلام: لم يتوقّف عند تفصيل الطقوس والعادات التي كانت معروفة لدى سامعيه. فذكر فقط ما يحتاج إليه من أجل بناء المثل: موكب العرس.
نستطيع أن نفترض أن العروس تنتظر في بيتها مع رفيقاتها. وأن العريس يأتي ويطلبها لكي يقودها إلى دارها الجديدة حيث توجد ((قاعة العرس)) (آ 10).لا شكّ في أن الجوهر هو هنا. ولكن ينقص الخبر ما يعطي الأعراس في الشرق ألوانها: الرقص، صراخ الفرح، الأناشيد، السرج، امتداح جمال العروس، أوصاف العريس.ينقص مناخ العيد الذي يرافق الاحتفال بالحب البشريّ كما يصوّره نشيد الأناشيد.ولكن مت صنع كعادته، فترك كل هذه الألوان وأخذ بأسلوب ارتهابي: فموكب العرس يشبه طواف الكهنة في احتفال دينيّ أكثر من هيجان الأعراس.ومع ذلك، فجماعة المفديّين مدعوّة إلى فرح يشبه الفرح الذي يرافق كل عرس على ما يقول رؤ 19: 9: ((طوبى (هنيئًا) للمدعوين إلى وليمة عرس الحمل)).
ويُطرح السؤال: هل نحن أمام عذارى (بتولات) أم صبايا؟ إن الصبايا العشر في المثل هنّ رفيقات العروس وصديقاتها. بما أنهنّ لم يتزوجنّ بعدُ سُمّين ((عذارى))(برتانوس)، دون أن يكون هناك في الأصل معنى دينيّ معيّن. لهذا ُيطرح السؤال: أما يجب إذن أن نتكلّم عن عشر صبايا، لا عن عشر عذارى (أو: بتولات)؟غير أن المسألة هي أكثر تشعبًا ممّا تبدو للوهلة الأولى. وهكذا يرتبط كل شيء بالمستوى التدوينيّ الذي نحدّد في داخله المثل.
لا شكّ في أن يسوع تحدّث عن رفيقات العروس، ولكن لفظة ((صبايا)) لا تجعلنا أمناء كل الأمانة لنصّ متّى.لماذا؟ فبين كلمات يسوع والتدوين النهائيّ لانجيل متّى اليونانيّ (حوالي سنة 90)، مرّت حقبة تمتدّ على 50 سنة ونيّف، تأمّلت فيها الجماعة المسيحيّة بأقوال الرب، فأغنتها بخبرة حياتها، وتوسّعت فيها بعد أن اكتشفت معاني جديدة لم تخطر على بالها من قبل. وكذا نقول عن عريس المثل.لقد صار المسيحَ يسوع نفسه الذي هو، بالنسبة إلى الجماعة، ((الربّ)) (كيريوس) القائم من الموت. وفي الخطّ عينه صارت ((الصبايا)) اللواتي يرافقن العريس أولى ((المكرّسات)) في الكنائس اللواتي يتميّزن بأعمال الرحمة (يرمز إليها الزيت) والصلاة والصوم، منتظرات مجيء الرب في كل منتصف ليل يعشنه.
كان يسوع قد أوصى بالعزوبة من أجل الملكوت في قول قاس ومليء بالأسرار (19: 12).وحقّقت الجماعة في بعض من أعضائها هذه المواهبيّة الخاصة بالأزمنة المسيحانيّة.ففي كورنتوس وُُجدت مجموعة من المؤمنين سمّيت ((العذارى)).وقد أرسل إليهنّ بولس سنة 57 تعليمات خاصة بوضعهنّ(1كور 7: 25ي). لهذا، أحسّ هؤلاء المؤمنون أن هذا المثل يتوجّه إليهم بصورة خاصة ويدعوهم إلى لقاء الرب على مثال هؤلاء العذارى.
ومن جهة أخرى، فالمجيء الذين كانوا ينتظرونه قريبًا، كان يدعوهم بإلحاح إلى التجرّد والكفر بالذات. فالزمن يشبه سفينة داخلة إلى المرفأ بعد سفر طويل.هي تطوي الشراع لتأمن العواصف وتصل إلى الشاطئ. وهذا هو موقف العذارى على شواطئ الملكوت الأبديّ. لهذا كان واجب التجرّد من هموم كثيرة تُحجّر القلب، والتخلّي عن كل شيء كما يتخلّى الانسان عن ثوب عتيق. في هذا قال بولس الرسول: ((إن الزمان قصير (طوى شراعه). فالذين لهم نساء، يكونون بلا نساء)) (1كور 7: 29).
ولكن هل يعني هذا أن مثل العذارى العشر لا يعني إلاّ اللواتي كنّ يعشن في البتوليّة؟ كلا ثم كلا. فالكنيسة كلها هي في نظر الرسول ((عذراء عفيفة مخطوبة للمسيح)) (2كور 11: 3). فالعذارى يحققنّ بشكل منظور النعمة الخفيّة التي نجدها في عذراء العذارى، في الكنيسة. لا شكّ في أن العذارى هنّ في مقدّمة الجماعة.ينتظرن المسيح الآتي، ويسرن نحو الملكوت. ولكنهن لا يمثّلن الكنيسة وحدهنّ، بل يدللن عليها بشكل عميق. إذن، يتوجّه مثل العذارى العشر إلى الكنيسة كلها التي تسمع نداء الانتظار في فم الرب، وتلّبي هذا النداء في حياتها اليوميّة.
3 - عذارى حكيمات وعذارى جاهلات (13: 2-4)
خمس عذارى هنّ ((جاهلات)) (موراي) وكأنهن لا يعرفن الله على مثال الجاهل الذي أنكر وجود الله (مز 14: 1؛ 53: 2: قال الجاهل في قلبه: ليس إله).وخمس عذارى هنّ ((حكيمات)) (فرونيموي) مع العلم أن رأس الحكمة مخافة الله.هذا يعني أنهنّ يعشن في مخافة الله. هناك من يقول: عذارى مجنونات وفطنات.وهناك من قابل بين المرأة ((القديرة)) وتلك التي تتميّز بخفّة عقلها وقلّة إدراكها.وهكذا كانت محاولات التفسير للإحاطة بمعنى هاتين الكلمتين.
تُستعمل الصفة ((فرونيموس)) عن شخص صاحب لبّ (عكس من لا لبّ له)، مع العلم أن اللبّ (أو: القلب) هومركز العقل والفهم.فالحكيم في انجيل متّى هو الذي بنى بيته على الصخر حين سمع كلام يسوع ووضعه موضع العمل (7: 24).والحكيم أيضًا هو الخادم الأمين الحكيم الذي تبع تعليمات سيّده فوزّع الطعام على أهل البيت في الوقت المناسب (مت 24: 45= لو12: 42؛رج مت 10: 16، كونوا حكماء كالحيات؛ لو16: 8 ومثل الوكيل الحكيم؛رج روم 11: 25؛ 12: 16؛ 1كور 4: 10؛ 10: 15؛ 2كور 11: 19). لسنا فقط أمام حكمة بشريّة محضة، بل أمام فهم جزئيّ لسرّ الله. وهكذا كانت العذارى أكثر من صبايا ذكيّات يعرفن كيف يتدبرنّ الأمور.بل هنّ يمتلكن انفتاح القلب على الملكوت الذي إليه يدعوهنّ يسوع.
وفي العالم البيبليّ أيضًا إن الصفة ((موروس)) (الجاهل الذي لا عقل له، لا لبّ له) تدلّ على البليد الذي لا يفهم.كما تدلّ على الشرّير الذي يصل به الجنون إلى مقاومة شريعة الله (تث32: 6؛ أش 32: 6؛جا10: 12؛ أم 10: 31-32). الذي يقول: ليس إله. عندما ترد هذه اللفظة فهي توازي الشرّير والكافر. تفرّد متّى بين الانجيليين، واستعمل هذه الصفة ((جاهل)) في معنى أخلاقيّ: هي تدلّ على من بنى بيته على الرمل، أي ذاك الذي سمع أقوال يسوع ولم يعمل بموجبها (7: 24). كما تدلّ على الكتبة والفريسيين المرائين الذين أعلن يسوع الـ ((ويل لهم)) سبع مرات (مت 23: 17). ولفظة ((جاهل)) هي من القوّة بحيث إن من دعا أخاه((جاهل)) يستحقّ نار جهنّم.وحين وصف متّى العذارى بـ ((الجاهلات))، رسم الصورة في خطوطها الكبرى لكي يفهمها الجميع. هذه الصبايا الجاهلات هن رفيقات الملحدين والمجانين الذين ((يتكلّمون بالضلال على الرب)) (أش 32: 6).ولكن بماذا يقوم جهلهنّ؟
لم يأخذن معهنّ زيتًا.سرج صغيرة مصنوعة بالطين. يجب أن تُملأ على الدوام لئلاّ تنطفئ. ولكن لماذا أخذن هذه السرج الصغيرة وكأننا في جنازة لا في عرس؟ هناك من أراد أن يحوّل هذه السرج إلى مشاعل ترسل أنوارها إلى البعيد. ولكن المثل لا يتوخّى أن يصوّر لنا مشهد عرس في فلسطين، بل أن يقدّم لنا عبرة اسكاتولوجيّة، منطلقًا من خبر سراج يُضاء بالزيت. وكانت خمس عذارى. نسين أن يأخذن زيتًا. هذا غير معقول. ولكنّنا بالأحرى أمام عذارى جاهلات. والمثل لا يتكلّم عن قلة انتباه وسهو عندهنّ، بل عن موقف روحيّ فيه الكثير من الرفض والانغلاق على نداء الله.كيف يستطعن بعد ذاك أن يكنّ نور العالم.

4 - وإذ أبطأ العريس (13: 5)
ونصل إلى أمر غير معقول: نامت العذارى. هل نسين واجبهنّ من أجل العرس؟ أما جميلة نشيد الأناشيد فقد ظلّت سهرانة. بل ذهبت طوال الليل تبحث عن حبّها رغم تهجّمات الحرّاس. جالت في المدينة كلها وقلبُها يذوب من الانتظار. ما عادت تصبر على غياب حبيبها إلى أن استقبلته عند الصباح (نش 3: 1؛ 5: 2-5). أما صبايا المثل فنمن.
وتأخّر العريس. امتدّ الليل وهو ما جاء بعد. أن تتأخّر العروس بعض الشيء قد يدخل في عقول الناس أن أهلها لا يريدون أن يتخلّوا عنها لتعلّقهم بها. ولكن العريس هو الذي تأخّر. فهل يُعقل هذا؟ قال بعض الشّراح إن الكلام عن العريس زيد فيما بعد ليشير إلى التفسير الاستعاري: تأخّرُ العريس هو تأخّر يسوع المسيح في مجيئه، يسوع الذي هو عريس الجماعة المسيحانيّة.
في السياق الحاليّ للخطبة الاسكاتولوجيّة الذي فيه حدّد مت موقع المثل، تبرز هذه السمة بشكل لافت. كان المثل السابق قد وضع أمامنا على ((المسرح)) عبدين. الأول حكيم أمين. والثاني شرّير خبيث. اعتبر العبد الشّرير أن المعلّم أبطأ. ((قال في قلبه: إن سيدي مبطئ)) (24: 48). إنه في الواقع يردّد ما ردّدته الجماعة المسيحيّة الأولى التي خاب أملها وهي التي انتظرت طويلاً عودة يسوع. ولكن هذا الكلام وُضع في فم العبد الشرير، لأنه يدلّ على قلّة إيمان وعدم سهر عند المسيحيّين. مثل هذا الموقف يتعارض مع ما يقوله الروح في عب 10: 37: ((إنه يأتي ولا يُبطئ)).
هذا ما أراد متّى أن يقوله في هذا المثل. هو لم يؤكّد أن الرب تأخّر حقًا، بل إن العذارى تصرّفن، كأنه يتأخَّر، ففعلن مثل ذاك العبد الشرير الخبيث.

5 - في منتصف الليل (25: 6-7)
وصل العريس في منتصف الليل. نلاحظ هنا أن العهد الجديد يشدّد مرارًا على الليل في النصوص التي تتحدّث عن المجيء الثاني (لو 12: 39-40 =مت 24: 43-44؛ لو 12: 20؛ مر 13: 35-36). وهذا التقليد المتعلّق بمجيء الربّ في الليل، يبدو قديمًا جدًا بحيث يعود بلا شكّ إلى الوثائق التي سبقت الأناجيل الإزائيّة. ونحن نجده في 1تس 5: 2 التي دوّنت سنة 50 تقريبًا. ((تعرفون أن الرب يأتي في الليل كاللصّ)).
هذه النصوص هي صدى رجاء عبّر عنه الترجوم الفلسطينيّ الذي جعل التحرير الذي يقوم به المسيح في المستقبل، في الليلة الفصحيّة التي صارت محور تاريخ العالم. فـ ((نشيد الليالي الأربع)) ينشد الليلة التي فيها مزّق الله الظلمة، وخلق العالم (الليلة الاولى)، والليلة التي فيها قدّم ابراهيم ابنه على مذبح المحرقات (الليلة الثانية)، وليلة الفصح التي فيها خرج الشعب من مصر (الليلة الثالثة)، والليلة الرابعة التي هي الليلة الاسكاتولوجيّة.
وحين ثبّت متّى أنظارنا على عودة العريس في منتصف الليل، أشار أمام سامعيه المأخوذين بالحديث، إلى تلك الليلة، ليلة الفصح الابديّ التي سيخلقها الله في نهاية الأزمنة. هي ليلة مجد يقيم فيها سماوات جديدة وأرضًا جديدة. هي ليلة الحنان التي انفتحت في الماضي على ابراهيم حين كان يذبح ابنه. هي ليلة القدر التي فيها خلّص الله شعبه، ابنه البكر، من عبودية مصر، بيد قويّة وذراع ممدودة. وهكذا صار مثل العذارى العشر بمناخه الاسكاتولوجيّ، مثلاً فصحيًا. يدلّ على موت المسيح وقيامته. على غيبته وعودته.
والصراخ الذي مزّق فجأة تلك الليلة، جعل الشرّاح يتساءلون. منهم من قال: هذا الصراخ في الليل يعطي المشهد بُعدًا دراماتيكيًا. فقد اعتادوا أن يشيروا إلى مجيء العريس. إن الموسيقى وأناشيد الطرب التي تُسمع من بعيد، تدلّ على أن الموكب يقترب شيئًا فشيئًا. إذن، ليس هناك من مفاجأة لا يتوقّعها أحد. أما في هذا المثل، فالصراخ يفاجئ الجميع؟ لهذا فكّر آخرون بـ((الصراخ الاسكاتولوجي))، أي بذاك الذي يعلن اجتياح ملكوت الله للعالم، وإقامة هذا الملكوت بشكل نهائيّ في نهاية الأزمنة: هذا ما يوافق صراخ الملاك (رؤ 14: 15) الذي يعلن حصاد الأمم (كما يحصد القمح) وقطافها (كما يُقطف العنب). الذي يعلن دينونة بابل الزانية العظـيمة (رؤ 18: 2). الذي يدعو إلى ((وليمة الله الكبيرة)) (رؤ 19: 17).
ونستطيع أن نفكّر أيضًا (بشكل بسيط لا يعقّد الأمور) بأن يسوع يروي خبره بالطريقة التي يريد. قد أشار بهذه اللفظة إلى فجاءة مجيئه الثاني. وسيعود هذا الموضوع مرارًا في هذا القسم من انجيل متّى: يأتي ابن الانسان في ساعة لا تتوقّعونها (مت 24: 44). هو يفاجئ النائمين كما فاجأ الطوفان معاصري نوح (24: 37-39 = لو 17: 26-27). يشرق بلمعانه كالبرق. ((فمثلما أن البرق ينبثق من المشرق ويلمع حتى المغرب، كذلك يكون مجيء ابن الانسان)) (24: 27 = لو 17: 24).

6 - مصابيحنا تنطفئ (25: 8-10ب)
إذا قرأنا المثل بشكل حرفيّ، نلاحظ أن هناك عددًا من السمات لا تبدو معقولة: عذارى نمن. عريس يتأخّر في منتصف الليل. وهنا أيضًا نقرأ ما يحرّك التساؤل عند القارئ. فمن خلال خبر عرس، يعطينا يسوع تعليمًا فيه الكثير من الجديّة.
ما إن بدأ أهل العريس يستيقظون من نومهم، حتى شعرت العذارى الجاهلات (وأخيرًا!) أن لا زيت في مصابيحنّ. ضعن. وما عدن يعرفن ما يعملن. لماذا لا يرافقن العروس مع اللواتي ظلّت مصابيحنّ مضاءة؟ وهل طريق الموكب طويلة جدًا بحيث احتاجت هذه الجاهلات زيتًا إضافيًا؟ في أي حال، ذهبن إلى الحكيمات: ((أعطيننا من زيتكن)).
ورُفض الطلب. هذا ما يجب أن ننتظر من المثل دون أن نتساءل عن إحساس الحكيمات تجاه أخياتهنّ، عن عاطفة المحبّة الأخويّة التي يجب أن تحركهنّ. لماذا لم تقسم الحكيمات ما يمتلكن من زيت مع الجاهلات؟ بل أعطين نصيحة تخلو من أية حكمة: ((بل اذهبن إلى الباعة وابتعن لكنّ)). وكيف يذهبن في منتصف الليل؟ وأين هم الباعة؟ الباعة هم هنا ينتظرون الزبائن والليلة ليلة عيد. ولكن هل وجدن الزيت المطلوب عند الباعة؟ وهل يُشترى مثل هذا الزيت أم هو عطيّة مجانيّة نستثمرها في حياتنا كما فعل صاحب الوزنات الخمس. وسواء اشترين الزيت أم لم يشترين، فقد دخل الجميع إلى العرس واغلق الباب. وهذا الباب يبدو كأنه باب سجن. وهنا لن نتساءل: كيف أغلق الباب بوجه المدعوّين، مع أن بعض المتأخّرين قد يأتون بين حين وآخر.
بعض التأخّر! ولكنه كان السبب في مأساة عميقة. فالعريس الذي وجب عليه أن يهتمّ بعروسه، وقف عند الباب، كالحارس على باب الملكوت. وحده لاحظ هؤلاء العذارى المتأخّرات. لم يستقبلهنّ، بل طردهنّ. تأخّرن! ولكنه هو تأخّر قبلهن. فلو وصل في الوقت المحدّد (ولكن من يحدّد هذا الوقت)، لا في نصف الليل، لكانت العذارى الجاهلات قد دخلن معه كما دخل الآخرون. لا أعرفكنّ. هو يتعامل معهنّ كالقاضي في نهاية الأزمنة.
وهكذا يتّضح لنا أننا لسنا أمام خبر عرس في فلسطين، بل أمام خبر يكشف لنا الله وتعامله مع البشر، وعلى مثال ما في نشيد الأناشيد الذي هو قبل كل شيء حبّ الله لشعبه، وحبّه لكل واحد منّا بعد أن صار عروس ذاك العريس الذي يطلبنا حتى في الليل، أو لا يطلبنا إلاّ في الليل، في منتصف الليل.
لقد رأت الجماعة المسيحيّة الأولى في هذا العريس القريب، الله نفسه. لا شكّ في أن لا أحد يطبّق على الله حرفيًا سمات هذا العريس. بل إن المثل يعلّمنا أن ملكوت الله يشبه هذا الخبر: فالله هو سيّد الزمن. إنه يستطيع أن يصل في الساعة التي يشاء. ومجيئه الذي يدلّ على هجمة الابديّة في الزمن، يفاجئنا. بل يعني أن الانسان يحبّ أن ينام، أن يكون من أهل الظلمة والليل لا من أهل النور والنهار. والله قد نبّهنا: كونوا مستعدين. كونوا ساهرين.
لا يريد المثل أن يشدّد على تأخّر الله، وإن كان العريس قد أبطأ مجيئه. بل قال لنا إن العريس يأتي بلا شكّ، ولكننا نجهل ساعة مجيئه. لهذا نكون مستعدّين الآن، في الساعة الحاضرة. فإن كنا غائبين ضاع كل شيء. كانت العذارى الحكيمات مستعدات ساعة جاء الرب. وقد جهلن ساعة وصول العريس، شأنّهن شأن الجاهلات. غير أنهن لم يجهلن أنه يصل فجأة. كنّ مستعدّات. دخل العريس فدخلن حالاً وراءه. هنّ مستعدات مهما كلّف الثمن. لهذا السبب رفضن كل تأخير مع الجاهلات. وفي أي حال، العذراء الحكيمة هي التي لا تسمح أبدًا بأن ينطفئ مصباحها. فكيف تستطيع بعد ذلك أن تنير الطريق لأولئك السائرين وراء العريس؟ أما العذارى الجاهلات فانطفأت مصابيحهنّ. صرن ظلمة وما عدن نورًا. فكيف يُسمح لهنّ أن يسرن في موكب العريس الذي هو نور العالم؟

7 - أغلق الباب (25: 10 ج-12)
كان بإمكان مثَل العذارى أن ينتهي هنا بعد أن ذكر دخول المستعدّات إلى الوليمة. ولكن مت ربط بهذا المثل مقطوعة صغيرة نستطيع أن نسمّيها مثل الباب المغلق. يبدو أن هذه المقطوعة لم تنتم في الأصل إلى مثل العذارى. ولكن مت أراد كعادته أن يوضح تعليم يسوع ويتوسّع فيه كما فعل في مثل وليمة العرس.
إذا كان هذا المثل الانجيلي ككلّ خاصًا بمتّى، إلاّ أننا ما نجد في آ 11-12 يقابل لو 13: 24-25. فالقول حول الباب الضيّق في لو صار في مت قولاً حول الباب المغلق. في لو كما في مت يهتف الهاتفون: ((يا رب افتح لنا)). وفي كلا الحالين يرفض الرب الطلب ويقول إنه لا ((يعرف)) هؤلاء الآتين في وقت متأخّر.
تطرّق لو 13: 24-25 إلى رذل اليهود الذين لم يؤمنوا بيسوع، وإلى قبول الوثنيين للخلاص الذي عُرض أولاً على بني اسرائيل. كثيرون من أولئك يأتون من المشرق والمغرب ويشاركون في الوليمة المسيحانيّة في ملكوت الله. فاليهود الذين كانوا أولين صاروا آخرين. والوثنيون الذين كانوا آخرين صاروا أوّلين (لو 13: 28-30).
وهكذا نجد هنا أحد المواضيع الرسوليّة المحبّبة إلى قلب لوقا. أما مثَّل الابنُ الأصغر العالَم الوثني الذي عاد إلى البيت الوالدي، الذي دخل الملكوت من بابه الواسع فكان له العجل المسمّن بينما لم يحصل الابن الأكبر (الذي يمثّل العالم اليهوديّ) على جدي يتنعّم به مع أصحابه (لو 15: 11-32)؟
وإذا عدنا إلى مت، نجد بعض الاختلاف. فالتمييز يتمّ في الكنيسة. لا بين اليهود والوثنيين، بل بين الأشرار والصالحين داخل الجماعة الواحدة. ففي داخل عيلة ابراهيم، وفي كل جماعة مسيحيّة، نجد العذارى الحكيمات والعذارى الجاهلات.
فكّر كثيرون أن الكنيسة تشبه سفينة عظيمة (مثل سفينة نوح) مملوءة بالمؤمنين. هي تسير على بحر عالم غير مؤمن، فتصطاد من هنا وهناك بعضًا من الوثنيين. فصرخ متّى: تنبّهوا. خذوا حذركم. فالشرّ قد يكون في داخل السفينة. فقد يهلك ((أبناء الملكوت)) (مت 8: 12). إن هم أهملوا الاستعداد لمجيء المسيح، استُبعدوا من قاعة العرس. لا يكفي أن يكون الانسان مسيحيًا (كالعذارى العشر اللواتي كنّ في الأصل مدعوات كلهن إلى العرس) لكي يدخل بشكل آليّ إلى قاعة العرس. بل قد يبقى في الخارج ويسمع صوت العريس يقول: ((لا أعرفكن)). لهذا يلحّ علينا الانجيل بأن نستعدّ بكل حياتنا لعودة الرب. هو آت ولا يبطئ، وإن جهلنا ساعة مجيئه.
لا شكّ في أن حكم الاستبعاد قد يبدو قاسيًا. ولكن هؤلاء المدعوّين الذين أهملوا أن يأخذوا ((زيت)) السهر، قد أعدّوا هلاكهم بأيديهم. ونحن نجد نصًا آخر في مت يلقي الضوء على 25: 11-12. فقد أراد يسوع أن يعطي سامعيه مقياسًا يتيح لهم أن يحكموا على نفوسهم، على استعداداتهم، فلا يظلّوا يضلّون أنفسهم. قال لهم في عظة الجبل: ((ليس كل من يقول لي: يا رب، يا رب، يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يعمل بإرادة أبي الذي في السماوات. كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب، يا رب. ألم نكن باسمك قد تنبّأنا؟ وباسمك قد أخرجنا الشياطين؟ وباسمك صنعنا عجائب كثيرة؟ فحينئذ أعلن لهم أني ما عرفتكم قطّ. أبعدوا عني يا فاعلي الأثم)) (7: 21-23).
فالتلاميذ الذين أضاعوا حسَّ الايمان، توسّلوا، شأنهم شأن العذارى الجاهلات: ((يا ربّ، يا رب)). ومثلهنّ رُذلوا. فيسوع لا يعرفهم. هذا النصّ يلقي ضوءًا جديدًا على مثل العذارى العشر. لا يكفي أن نتوسّل ونلجّ في الطلب، بل يجب أن نتمّ مشيئة الآب. وهكذا ذكّرنا يسوع هنا بأهميّة العمل لندلّ على صحة ما وعدنا به الربّ. والعمل الذي يجب أن نقوم به هو ذلك الذي به نطيع الآب السماوي ونتمّ مشيئته. فمن امتلأ مصباحه زيتًا، دلّ على أنه أرضى الله. وهكذا نفهم أن رضى الله لا يُشرى ولا يباع. ولهذا لن ينفع زيت للعذارى الجاهلات، سواء أخذنه من الحكيمات، أو اشترينه لدى الباعة. زيتهنّ هو حياتهنّ بكل ما فيها. يا ليتهنّ قدّمنها للعريس كالعشّار الآتي إلى الهيكل فعاد إلى بيته مبرّرًا.

8 - اسهروا (24: 13)
جاء هذا القول الأخير لكي يشدّد أيضًا على تعليم المثل. فإلى جماعة مسيحيّة منقسمة حول رجاء بعودة يسوع، وحزن أمام التأخير الحاصل، أفهمنا متّ أن هذا الانتظار ليس زمنًا فارغًا (نكتف فيه أيدينا ولا نفعل شيئًا) لا يتقدّم فيه تاريخ الخلاص. بل زمن استعداد تنفحه حرارةُ الايمان. الرب سيعود. هذا أكيد. إذن، نسهر يومًا بعد يوم، وساعة بعد ساعة، لأننا لا نعرف ((اليوم ولا الساعة)).
في الواقع، هذا النداء إلى السهر هو خاتمة جعلها مت هنا بعد أن أخذها من مثَل رب البيت الذي يسهر لئلاّ يسرق له أحدٌ بيته (24: 42؛ رج مر 13: 35). في هذا النصّ يبدو قول يسوع ((لا تعرفون اليوم ولا الساعة)) في موقعه. أما في مثل العذارى، فهو لا يدخل فيه كما في إطاره. فالمثل لا يدعو بشكل مباشر إلى السهر (فالعذارى الحكيمات نعسن ونمن أيضًا)، بل إلى أن نحمل زيتًا يجعلنا مستعدين ساعة يأتي الربّ.
غير أن مت يحبّ هذه التحريضات التي تتكرّر هنا أو هناك، فتوجّه نداء أخيرًا إلى المؤمنين وتعطيهم ((درسًا)) مفيدًا (كما في المدراش في العالم اليهودي). ففي الأقوال المعمّمة التي تُزاد على نهاية الأمثال، نجد الوعّاظ المسيحيين والمعلّمين الذين يفسِّرون كلام الرب. وحين نتوقّف عند هذه النهاية نرى هذا الاتجاه في جعل الأمثال في متناول الجماعة: كانوا يستخرجون منها معنى عامًا من أجل تعليم دينيّ أو أخلاقيّ ينطبق على كل واحد منا.
خاتمة
في كل هذا الحزء الأخير (آ 10ج-13)، اختفت صورة العريس شبه اختفاء كامل، وحلّت محلها صورة المسيح يسوع. فصار المثل استعارة. فالذي ندعوه بلقب المسيح القائم من الموت ((يا رب، يا رب)). والذي يعلن القول الصارم ((الحقّ أقول لكم إني لا أعرفكم))، ليس العريس في يوم أعراسه، بل المسيح بسوع الذي يتكلّم بقوّة في الدينونة الاسكاتولوجيّة.
لا شكّ في أن قول الاستبعاد يحتفظ دومًا بطابعه السريّ، لأننا لا نستطيع بعقلنا البشري أن نفهم أبدًا أن يرذل الله خلائقه الخاصّة. ولكن العذارى اللواتي رُذلن هنّ الجاهلات اللواتي رَذلن الله. إن المثل هو علامة الدينونة التي يحقّقها الانسان في نفسه عبر تصرّفه: العذارى الجاهلات استبعدن نفوسهنّ بنفوسهنّ.
في سفر الرؤيا، صورة المصباح المنطفئ هي علامة اللعنة الكبيرة التي تنصبّ على بابل العظيمة ((مسكن الشياطين)) (18: 2) التي تُلقى في أتون النار والكبريت (آ 21-23).
أما العذارى الحكيمات اللواتي ذهبن للقاء العريس مع السهر المفعم بالمحبّة، فقد صارت الدينونة لهنّ لقاء الحبيب مع حبيبه. واستعارة المسيح الذي هو عريس الجماعة المسيحانيّة، يُلقي شعاعًا من الحنان على مثل العذارى العشر. لا شكّ في أن يسوع لا يظهر هنا كعريس الكنيسة. ولكن هذا الموضوع كان معروفًا في الكنيسة الأولى. وتصرّفه يدلّ بما فيه الكفاية على صفته التي أنشدها نشيد الأناشيد. وهو عندما يستقبل العذارى الحكيمات في قاعة العرس ((يحب كنيسته ويقدّمها لنفسه عروسًا لا كلف فيها ولا غضن ولا شيء مثل ذلك، بل مقدّسة ولا عيب فيها)) (أف 5: 25-27).


 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM