يسوع والسبت

يسوع والسبت
5: 9- 18

أبي يعمل في كل حين، أنا أعمل مثله.
ما يورد الإنجيلي في هذا المقطع، ليس واقعاً معزولاً. فيسوع لم يشفِ مريضاً واحداً يوم السبت. بل هو أعتاد أن يفعل ذلك. فهذا يدل على موقف يسوع المميّز بالنسبة إلى السبت. إنه يوم تمجيد الله، فلماذا نمتنع عن فعل الخير فيه؟
يفترض الكاتب أن القرّاء يعرفون كل المعرفة إلى أي حدّ كان السبت مقدّساً لدى اليهود. وحين نتحدّث عن فرائض السبت، نفكّر بإفراط علم الفتاوى في العالم اليهودي المتأخّر. مثلاً، عدّد المعلّمون 39 نوعاً من الأعمال الممنوعة يوم السبت. وكرّست المشناة (مجموعة الشرائع) مقالين كاملين لشريعة السبت.
وهناك نصوص العهد القديم التي تربط فريضة السبت بوصيّة صدرت عن الله نفسه، فتدلّ على قدسيّة هذه الشريعة. نقرأ في خر 20: 8- 11: "أذكر يوم السبت لتقدّسه (لتكرّسه للرب)... اليوم السابع هو سبت (يوم راحة) للرب إلهك. ونقرأ الشيء عينه في تث 5: 12- 15. في هذا اليوم يرتاح البهائم، والخدم يستعيدون أنفاسهم (خر 23: 12). وحتى في زمن. الفلاحة والحصاد، يجب المحافظة على شريعة السبت (خر 34: 21). وحين كلّم الرب موسى عن السبت قال له: "من ينجّسه يُقتل قتلاً".
ولا ننسى بصورة خاصة الفصل الأول من سفر التكوين. خلق الله الكون في ستّة أيام واستراح في اليوم السابع، لكي يعلّم الإنسان أن يفعل مثله. "وفي اليوم السابع أكمل الله كل العمل الذي عمله. وبارك الرب اليوم السابع وقدّسه لأنه فيه استراح من جميع عمله" (تك 2: 2- 3).
حين نتأمل في هذه الخلفية التاريخية، نفهم بأي جدّية حدّثنا يوحنا عن يسوع الذي يتجاوز شريعة السبت بشكل صريح. فيسوع لم يكتفِ بأن يسمح للمريض الذي شفي، بأن يقوم يوم السبت بعمل هام من أجل حياته. بل هو أمره أن يفعل شيئاً آخر يمكن أن يتأخّر إلى يوم آخر. بما أنه شُفي، عليه أن يحمل فراشه ويذهب إلى بيته. فممارسة الراحة السبتية لا تجبر ذاك الذي شُفي من خطاياه أكثر من ذاك الذي شفاه، أي يسوع: فيسوع يشبه أباه في عمله، وأبوه يعمل دائماً.
شدّد اللاهوت (والفلسفة) اليهودي على أن الله يعمل دائماً حتى بعد خلق العالم. فقد كتب أحد يهود الشتات، في الإسكندرية، في القرن الثاني ق م: "فالله العامل لا يرتاح أبداً. كما أن النار تحرق والثلج يبرّد، فالله يفعل". ولهذا، لا ينتقد اليهود يسوع لأنه قال إن الله يعمل دائماً، حتى الآن (آ 17). بل هم ينتقدون قوله بأنه فوق السبت.
إن صورة المسيح التي سترتسم في خطبة 5: 19- 47، لا تجعلنا في عالم المُثُل والتجريدات. فيسوع سيؤكّد فيما بعد أنه لا يعمل إلاّ بحسب مشيئة الآب (5: 19، 30). ويدلّ المقطع الذي ندرس على هذه الوحدة الحميمة مع الآب، وهذا الهم المشترك من أجل خلاص العالم (3: 16: هكذا أحبّ الله العالم حتى وهب ابنه).
فهمَ اليهود بطريقة صحيحة وبطريقة خاطئة كلام يسوع القائل بأنه متحدّ إتحاداً حميمًا بالآب (آ 18). إن فسرّنا الخاتمة على أنها تعني أن اليهود ينسبون خطأ إلى يسوع إعتبار نفسه مساويًا لله، ننسى أن يوحنا يعلن منذ الآية الأولى في المطلع (1: 1- 18) أن جوهر الله يخصّ الابن كما يخصّ الآب (رج 10: 30، 33). هذا من جهة. ومن جهة ثانية، إن لاحظنا في آ 18 أن اليهود فهموا جيّداً أن يسوع يعتبر نفسه مساويًا للآب، ننسى أن يسوع لم يعد نفسه "مساوًيا" لله في المعنى الهليني. أي أنه يتجاوز مستوى البشر الوسط بالقدرة والكمال والقوة الروحية. أي أنه صار شبيهًا بالآلهة. صار نصف إله. هذا خطأ فادح. فيسوع لا يزاحم الإله الواحد الوحيد الذي عبده إسرائيل. بل هو يعمل معه وهو أبوه. لهذا فهو مساوٍ له.
في آ 17، يؤكّد يسوع وحدته مع الآب، ولا سيّما في نشاطه يوم السبت. ونجد الشيء عينه عند الإزائيين: ففي بعض الحالات، جعل يسوع لنفسه فوق فريضة السبت. نقرأ مثلاً في مر 2: 27 عن الرسل الذين أخذوا يقتلعون السنابل يوم السبت. قال يسوع: "السبت صُنع للإنسان، لا الإنسان للسبت، بحيث إن ابن الإنسان سيّد السبت أيضًا".
وإذا قرأنا مر 3: 4؛ لو 13: 15- 16، نجد أن يسوع لا يتورّع من جعل شريعة المحبة فوق الشرائع العبادية المقدّسة في الميثاق القديم. إذا أخذنا بعين الإعتبار عقلية المؤمنين تجاه هذه الشرائع العبادية. إذا عرفنا أن الكتابات القديمة صوّرت يسوع على أنه "البار" كما يقول العهد القديم، سنرى في عمل يسوع قبل القيامة موضوع تقليد إجتماعي في الأزمنة القديمة، وبحسب هذا التقليد جعل يسوع نفسه فوق السبت.
ماذا نكتشف عند هذا المخلّع الذي شفي؟
- إنه فضل الطاعة ليسوع لا لشريعة السبت: "الذي شفاني قال لي: إحمل فراشك وامشِ".
- لا يعرف من هو يسوع. ومع ذلك يذهب إلى الهيكل لكي يمجّد الله ويشكره.
- إلتقى في الهيكل بيسوع. وهكذا حلّ يسوع محلّ الهيكل. ودعا يسوع المخلّع بأن لا يخطأ بعد اليوم. تفاجئنا الملاحظة وكأن يسوع يربط بين الخطيئة والمرض. يجب بالأحرى أن نفهم كلمة يسوع كعلامة على أن الشفاء كان في الوقت عينه غفران خطايا.
نلاحظ أن كلمة "شفي، تعافى" تعود سبع مرات في الخبر (7 هو عدد الكمال). هذا يعنى أننا أمام خلاص تام: شُفي المخلّع في نفسه وجسده، فدُعي الآن لأن يعيش نعمة الخلاص عيشاً تاماً.
- حين عرف المخلّع مخلّصه، ذهب وأخبر اليهود. هل ذهب يشي بيسوع؟ كلا. فالذي يهم الإنجيلي هو أن سلطة يسوع وشخصيته قد وصل صداهما إلى اليهود. إن هذا الرجل الذي شفى، صار شاهداً ليسوع، وهذا ما يهيّئنا للمتتالية التابعة.
لقد بدأت محاكمة يسوع. ويسوع، باسم هويته الإلهية، سيدين متّهميه ويحكم عليهم

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM