آمنوا ولم يروا

آمنوا ولم يروا
20: 24- 31

دوّنت هذه الآيات لتؤمنوا بأن يسوع هو المسيح إبن الله.
يعيش التلاميذ في الخوف. أغلقوا الأبواب. في هذا المحيط المقفل ظهر يسوع. تحرّر من نواميس الطبيعة وممّا يعرقل حياة الإنسان اليومية. قام، وهو يستطيع أن يكون حاضراً بطريقة لا يعرفها البشر.
مجيئه هو ينبوع سلام. قال: سلام لكم. هي عطية الخلاص الحقة، عطية الفرح والسلام. ودلّت آثار الصلب في يديْ يسوع وجنبه على تواصل بين الذي صُلب والذي قام. امّحى الخوف، ودخل التلاميذ في الفرح، واستعدوا للرسالة التي سيكلّفهم بها يسوع. "كما أرسلني". هذه الأداة (كما) هي مقابلة بين إرسال الآب ليسوع وارسال يسوع للتلاميذ. وهي أيضاً أساس وتجذّر. وأرسل التلاميذ. صُنعوا رسلاً، ليكون عملهم إمتداداً لعمل يسوع. كما نفخ الله روح حياته على آدم (تك 2: 7)، كذلك فعل يسوع الذي جعله الله رباً: نفخ على التلاميذ فأعطاهم قوة الروح.
مثل الله، مثل يسوع مرسل الله، سيعملون. سيغفرون الخطايا. سينقّون الناس من الخطيئة بقدرة موت يسوع. والروح يربطهم بالله رباطاً وثيقاً جداً، بحيث إنهم حين يغفرون للناس أو لا يغفرون، هو الله يغفر الخطايا أو يبقيها.
وغياب توما أتاح للراوي بأن يدخل المشهد اللاحق. توما ذاك الذي دعا أصحابه لمرافقة يسوع إلى الموت (11: 26)، ها هو يتراجع عن اللحاق بهم في إيمانهم بيسوع الحي. إن لا إيمان توما يتيح للإنجيلي أن يصل إلى هدفين إثنين: أولاً، أشار إلى اثر الجراح فشدّد على التواصل والتماسك بين يسوع المصلوب ويسوع الممجّد. فالإرتفاع على الصليب يشكّل الوحي السامي لحبّ الآب وتمجيد الإبن. ثانياً، إن إيمان توما اللامؤمن يتجاوز إيمان التلاميذ. فهو يعطي ليسوع أعظم لقب في الإنجيل كله: "ربي وإلهي". هناك ألقاب عديدة أُعطيت ليسوع (خصوصاً يو 1). ولكن مع هذا اللقب نصل إلى ذروة لم تتجاوزها التحديدات العقائدية اللاحقة. فبين "الكلمة الذي كان الله" في البداية (1: 1) والإعتراف بأن يسوع هو "الرب والإله"، كل شيء قد قيل. وهذا ما يدلّ على أن الذي يشهد لهذه الحقيقة يمكن أن يكون ذاك الذي لم يُرِدْ أن يؤمن بشهادة الرسل.
والتطويبة الأخيرة تشكّل خاتمة الإنجيل كله واستعادة لموضوع رئيسي عرفه العالم اليهودي: بين رأى وآمن. بين شاهد وسمع. بين دلّ وتكلّم. الكلمة الثانية تدلّ على الوضع الطبيعي والمثالي للمؤمن. حتى الذين رأوا، آمنوا فساروا إلى أبعد ممّا رأوا. ومنذ صار الكلمة جسداً، لم يترك الرسل ينظرون إلى الجسد، مع العلم أن عليهم أن يروا في هذا الجسد "الله متجلّياً في المجد". طوبانا، نحن الذين تقبّلنا الإنجيل، إذا اتحدنا بالمسيح بواسطة شهادة الرسل.
وفي آ 30- 31 (الخاتمة) يعلن يوحنا أنه اختار ولم يروِ كل الوقائع المتعلّقة بيسوع. ثم حدّد هدفه: تشديد التلاميذ في إيمانهم بيسوع كالمسيح الذي وعدت به الكتب، وكإبن الله. وهكذا ينالون الحياة به إن آمنوا.
إن الرؤية العظيمة التي تفتتح سفر الرؤيا ترينا يسوع كالأول والآخر، الحي إلى الدهور، الممسك بمفاتيح الحياة والموت. هذا ما يلخّص كل الكرازة المسيحية الأولى: "يسوع المصلوب هو حيّ وهو يعطي الحياة". وجواب تلاميذ يسوع على هذا الإعلان الإحتفالي لا يمكنه أن يكون إلا نداء توما: ربي وإلهي". هذا هو مفتاح إيماننا وقلبُه.
حين أعلن بطرس وبولس وسائر الوعّاظ الأوّلين أن يسوع هو رب، دلّوا أنه منذ قيامته مشاركٌ ملء المشاركة في حياة الله أبيه. وأنه يقدّم لجميع البشر الذين يؤمنون به بأن يشاركوه في هذه الحياة الإلهية. معه نسير كلّنا إلى ملء الله.
كيف يكون هذا؟ نحن نشبه نيقوديمس أمام إتساع مخطط الله، ولا نستطيع إلاّ أن نتلعثم. إن المسيح القائم من الموت صار محوَر الكون كله. إلى هذه النقطة (الياء) تتوجّه كل البشرية الحاضرة والماضية والمقبلة. إليها تتوجه كل القوى الحاضرة في تطوّر الكون. كلنا سنتجلّى ونجتمع مع المسيح بقوة الحياة والحبّ.
ورجاء خلاص شامل يجدّد نظرتنا إلى الأشياء العظيمة والجميلة التي تحيط بنا: كرامة الحب الزواجي، العائلة والأولاد، الصداقة والأمانة والشجاعة لدى البشر، جميع البشر، إمكانية الإختراع والنموّ العلمي والتقني، جمال البحر والجبال...
كل هذا هو عطية الله لنا. عطية هي أيضاً طريق نحو ملء حياة الله. إذا كان المسيح هو ربّ البشرية، ربّ الطبيعة، ربّ الكون كله، فنحن مدعوون للدفاع عن البشرية، عن الطبيعة، عن الكون. وهكذا نستطيع أن ننشد منذ الآن: "لك الكرامة والمجد إلى دهر الدهور. آمين".

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM