سلامي أعطيكم

سلامي أعطيكم
14: 23- 29

سلاماً أترك لكم. فلا تضطرب قلوبكم ولا تفزع.
يرى يسوع أن الحبّ والطاعة لا ينفصلان. ويظهر الحبّ في الأمانة لكلمة يسوع. وساعة إنطلاق يسوع القريب إلى أبيه، نتجنّب الغياب بالأمانة التي هي الطريق الوحيدة التي تدلّ على حضور الآب والابن.
وترنّ أولى كلمات آ 25، كنهاية مقطع موسيقي. "قلت لكم هذا". لقد فتح يسوع الطريق لمن يخلفه. للروح القدس الذي يعمّق التعليم الذي أعطاه يسوع خلال مهمته على الأرض (7: 16، 28؛ 8: 28)، ويمنع النسيان والاهمال.
إن الآب الذي أرسل يسوع، سيرُسل باسم يسوع الروح. هذا المقطع يبرّر وجود وشكل إنجيل يوحنا الذي فيه يتعمّق ويتأوّن حاضر يسوع. وعمل الروح وحده يفسرّ لنا النظرة المتجلّية التي وجّهها يوحنا إلى يسوع. مثل هذه النظرة كانت مستحيلة قبل قيامة يسوع وإرسال الروح.
تنتهي خطب الوداع عادة بالتحيّة والسلام. وهنا يهب يسوع السلام. فالسلام في اللغة البيبلية يعني الخلاص الاسكاتولوجي (في نهاية الزمن، أش 52: 7). هذا ما يقدَّم لنا مع مجيء يسوع، وخصوصاً في وقت قيامته (لو 24: 26). هنا يقدّم يسوع لتلاميذه سلام نهاية الأزمنة، من أجل مدى التاريخ كلّه مهما كانت المحن (16: 33). وذهاب يسوع لا يجب أن يولّد الخوف ولا الاضطراب. بل عليهم بالأحرى أن يفرحوا لعودة الابن إلى الآب، وأن يؤمنوا أن الروح سيتابع بينهم حضوره المهدىء والمنير.
وحين شدّد يسوع أن الآب أعظم منه، أراد أن يفهمنا أن الرسول لا يمكن أن يكون أعظم ممّن أرسله (13: 16). الآب هو أكبر لأن كل شيء يأتي منه وكل شيء يعود إليه. وبصورة خاصة إرسال الابن وتمجيده. سيستغلّ المتفلسفون هذه العبارة ليدلّوا على أن الابن أدنى من الآب وغير مساوٍ له. لن يتثبّت إيمان التلاميذ إلاّ حين "يتمّ كل هذا". بعد الموت والقيامة والعودة إلى الآب، سيعين الروح التلاميذ على العودة إلى سر التجسّد والتعمّق فيه. وهذا التعمّق سيدوم طويلاً في الكنيسة. فالكتب المقدسة تنمو مع الذين يقرأونها.
قال يسوع: "أنا ذاهب إلى الآب". سيدخل في مجد أبيه كأول أبناء الله المشتّتين الذين جاء يجمعهم في الوحدة والسلام. وصعوده سيكون علامة على أن فيه، على أن في بشريتنا كلّها المدعوّة الى الله، قد تمجّد جسد شبيه بأجسادنا. تروحن، عاش بحياة الله بالذات. وهكذا تيقّن التلاميذ أننا سنتحوّل نحن أيضاً مع أجسادنا في قيامة تشبه قيامة يسوع.
ولكن رجاء دخولنا يوماً في حياة الله، لا ينسينا حياتنا اليومية. فيسوع انضمّ إلى أبيه في المجد مع جسده البشري، جسده الذي قد يكون "تشوّه" بعمل النجارة، جسده الذي انطبع بجراح الآلام. وتقدّم أمام أبيه بيدين مليئتين من كل العمل البشري. ورجاؤنا بأن ننضمّ إليه ترافقنا رغبة بأن لا نتقدّم بأيدٍ فارغة، بقلب فارغ. هذا يعني أنّنا لم نفهم الإنجيل إذ كنا لا نرى أن البشرية والعالم هما بين أيدينا كالوزنات في المثل الإنجيلي وأن السيّد ينتظر أن نردّهما إليه محوّلين، منقّين، مجمّلين، كاملين.
لا نستطيع أن نكون لا مبالين مع أي شيء يلامس البشرية، لأن كل شيء يتّخذ قيمة جديدة حين تستعيده البشرية المجدّدة للمسيح الذي سيكون كلاً في الكل. فإيماننا ليس ديانة تهرّب وانسحاب في سلام مصطنع. إيماننا يؤكّد لنا قيمة العالم العظيمة وكرامة البشرية والسلام الذي وعدنا بها المسيح. سلامه هو سلام لنعمل في احترام من أجل كل ما يكوّن الانسان، كل ما ينميه نفساً وجسداً. وسلام المسيح هو سلام نبنيه لنا وللآخرين. هذا ليس بالسهل. ولكن الرب يسوع وعد بالسعادة لصانعي السلام: إنهم في الحقيقة أبناء الله.
سلامي أعطيكم، سلامي أتركه لكم... يا رب، نطلب سلامك من أجل كنيستك المنتشرة في الأرض كلها. لتجعل الرجاء يلد وسط الاضطرابات والقلق. نطلب السلام من أجل الشعوب التي تمزّقها الحروب. لتشرق عليها شمس العدالة والأخوة. نطلب السلام من أجل رجال ونساء وأولاد يعرفون الجوع والألم. ساعدهم أن لا ينسوا أنك إله قريب من الألم والمتألمين

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM