متّى الإنجيلي

متّى الإنجيلي
9: 9- 13

رآه يسوع فقال له: إتبعني. فقام وتبعه.
لا نعرف الشيء الكثير عن هذا الرجل. فصاحب الإنجيل الأوّل يتحدّث عن شخص اسمه متّى. دعاه يسوع: "إتبعني"، فقام وتبعه (9: 9). هل يتحدّث متّى عن نفسه؟ ويروي مرقس ولوقا الخبر عينه، فيسميّان المدعوّ "لاوي".
إذا كان متّى هو لاوي، كما يقول التقليد، نكون أمام اسمين، واحد يهودي والآخر يوناني. ومتّى هو عشّار، جابي ضرائب لحساب الرومان. إذن يعتبره اليهود "مُباعاً" للعدو وخائناً لشعبه. إنه يتعامل مع الغريب، ولهذا لا يحترمه الناس. وفي الواقع، عاشر يسوع هذه الفئة من الناس، فكانت ردّات الفعل قاسية ضدّه من قبل الفريسيّين. وهذا أمر مهمّ بالنسبة إلى متّى الذي خَبر في شخصه كيف لم يفهمه أهله ورذلوه، وكيف استقبله يسوع وعامله بروح التسامح والمحبّة.

1- تبدُّل في الاستمرارية
كل هذا طبعَ في العمق شخص متّى الذي أحسّ في الصميم بموقف يسوع تجاه الصغار والمرذولين من الشعب.
كان متّى موظفاً، ولهذا تحلّت كتابته بالمنهجية والترتيب. ووضعُه السياسي الملتبث لم يمنعه من أن يكون يهودياً صالحاً. فهناك يهود عديدون، بل أشراف، تكيَّفوا أفضل تكيّف مع الاحتلال الروماني. ومهما يكن من أمر، فطريقته في التعبير هي الطريقة اليهودية، سواء في أسلوب الكتابة أو في مضمون الإنجيل.
يعود متّى أقله 130 مرة إلى أسفار العهد القديم التي يعرفها عن ظهر قلبه. ولا شكّ في أنه يوجّه كلامه إلى مسيحيّين جاؤوا من العالم اليهودي، وهو يسعى ليفسّر لقرّائه أن يسوع كان في الوقت نفسه أميناً للعالم اليهودي ومنفتحاً على الغرباء ونداءات الاستغاثة عندهم.
كان هدف متّى أن يُفهم قراءه أن الوثنيّين يستطيعون هم أيضاً أن يفهموا تعليم يسوع، وبالتالي أن يقبلوا بجوهر التراث الديني الذي عرفه الشعب المختار.
دوّن متّى إنجيله حوالي سنة 80 في أنطاكية بسورية. وكان المسيحيون قد انفصلوا عن ممارسات المجمع واستقلّوا عن العالم اليهودي الرسمي. ولهذا عادوا إلى التقليد الصحيح وطالبوا بالإرث الديني الذي في التوراة على أنه يخصّهم أيضاً. تألّفت جماعة أنطاكية أساساً من يهود هربوا من الاضطهادات الأولى التي حصلت في أورشليم، وأخذت تستقبل الوثنيّين.
في هذه الظروف، كان لا بدّ لمتى أن يفسّر لليهود أن هذا الاستقبال لا يتعارض مع تعليم يسوع ولا مع معتقداتهم الخاصة. وهكذا أخرج الإنجيلي الأول من كنزه كل جديد وقديم (13: 52). الجديد أوّلاً، لأن الإنجيل هو النباً الجديد. ولكننا لا نقدّر الجديد إلاّ على ضوء القديم.
إعتبر متّى أن الإنسان يمكنه أن يكون كاتباً (يهودياً) ومسيحياً معاً (23: 34). هذا ما لم يتخيّله مرقس يوماً وهو الذي جعل من الكتبة الأعداء الوحيدين ليسوع التاريخي. أما أعداء يسوع في نظر متى، فهم الفريسيون الذين أعادوا تكوين جماعتهم بعد كارثة سنة 70 (دمّر الهيكل والمدينة)، وكانوا أول العاملين على طرد المسيحيّين من المجامع. فمتّى هو مفسّر وكاتب، وهو لا يرى الكنيسة بدون هذه الوظيفة الهامة في كل جماعة.

2- ماذا قال يسوع؟
حدّدت جماعة انطاكية لمتّى سؤالاً يُجيب عليه: "ماذا قالت يسوع"؟ إذن، لا بدّ من تدوين هذه الكلمات النفيسة التي تلفّظ بها المعلّم، والتي قد تتشوّه حين تردّدها الشفاه. ولا بدّ من التأكيد بأن هذه الأقوال لا تسيء إلى الإيمان اليهودي.
أجاب متّى على السؤال الذي طُرح عليه، فقدّم أقوال يسوع في خمس خطب. تنتهي كل خطبة بالعبارة التالية: "ولمّا أتمّ يسوع هذا الكلام" (7: 28؛ 11: 1؛ 13: 53؛ 19: 1؛ 26: 1). وإليك هذه الخطب الخمس. الأولى (ف 5- 7): خطبة الجبل. الثانية (ف 10): خطبة الإرسال. الثالثة (ف 13): خطبة الأمثال. الرابعة (ف 18): حياة الجماعة. الخامسة (ف 24- 25): خطبة النهايات.

3- كنيسة الصغار
تكشف هذه الخطب أهمّ مواضيع القديس متّى: الشريعة، الملكوت، الكلمة، الكنيسة، نهاية الأزمنة. أو: البرّ (العمل بمشيئة الله)، الاقتراب، التعليم، التلاميذ، التتميم. وكل هذا يقود إلى تجميع المؤمنين في كنيسة.
تفرّد متّى فاستعمل كلمة كنيسة. ولكن هناك كلمات أخرى استعملها يسوع. منها: ملكوت السماوات الذي هو تجميع المؤمنين اليوم وتجميعهم النهائي حول ابن الإنسان (أي: الإنسان الذي وصل إلى كماله). غير أن إنجيل متّى هو قبل كل شيء إنجيل المساكين: فهو يتحدَّث مراراً عن الصغار وأصغر الصغار والفقراء والأولاد والعمّال والعبيد. هذا ما يدفعنا إلى القول إن جماعة انطاكية تألّفت من أناس وضعاء، وإن تسمية الصغار ستعني عنده الأخ والتلميذ. فيسوع يجعل نفسه بين الصغار: "ما فعلتموه مع أحد اخوتي هؤلاء الصغار معي فعلتموه".
هذه نظرة سريعة إلى متّى وإنجيله، علّها تساعدنا في قراءتنا وتأمّلنا

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM