مقدمة

مقدمة

وُلد هذا الكتاب من حاجة ماسّة لدى الشبيبة: كتب التفسير صعبة وطويلة. أعطونا كتابة سهلة وقصيرة تغذّي يومنا أو أقلّه أسبوعنا. لهذا قدّمنا للمؤمنين سلسلة "القراءة الربيّة".
عبارة القراءة الربيّة لم تُولَد اليوم. فقد وردت أول ما وردت عند أوريجانس ابن الاسكندرية (في مصر) وقيصرية (على شاطئ فلسطين). رأى أننا نحتاج الى قراءة الكتاب المقدس قراءة مفيدة، أننا نحتاج إلى الانتباه والممارسة. قال: "علينا أن نعود كل يوم من جديد إلى ينبوع الكتاب المقدّس"، وهذا ليس بممكن بمجهودنا الخاصّ. لهذا يجب علينا أن نطلبه في الصلاة "لأنه من الضروري جداً أن نصلّي لنستطيع فهم الأمور الإلهيّة". واختتم اوريجانس قوله: بهذه الطريقة نتوصّل إلى اختبار ما نرجو وما به نتأمّل.
القراءة الربيّة، هي قراءة الكتاب المقدس نقوم بها برفقة الرب يسوع. هو رافق التلميذين على طريق عمّاوس، وهو لا يزال يرافقنا ويشرح لنا الكتاب فتضطرم قلوبنا لسماعه.
القراءة الربيّة هي قراة الكتب المقدسة يقوم بها المسيحيّون ليغذّوا إيمانهم ورجاءهم ومحبتهم. القراءة الربيّة قديمة قِدَم الكنيسة التي تحيا هي نفسها من كلمة الله، وترتبط بهذه الكلمة كما ترتبط المياه الجارية بالينبوع.
القراءة الربيّة هي قراءة كلام الله في الإيمان والصلاة. القراءة الربيّة تستند إلى الإيمان بيسوع، لا إلى مجهودنا الفكري وتفسيرنا النظري: الروح القدس يعلّمكم كل شيء ويذكّركم بكل ما قلته لكم، ويرشدكم إلى الحق كلّه. فالعهد الجديد مثلاً هو نتيجة قراءة المسيحيّين الأوّلين للعهد القديم على ضوء الحدث الجديد الذي هو يسوع المسيح. إنطَلقوا من اهتماماتهم الخاصة، وقرأوها على ضوء الوحي الجديد، على ضوء قيامة يسوع الحي اليوم وسط جماعته، فكانت لنا أسفار العهد الجديد من الأناجيل حتى سفر الرؤيا.
وسار المؤمنون في كل العصور على خطى الكنيسة الأولى. وتابعت القراءة الربيّة مسيرتها فبدت كالعمود الفقري في كل حياة دينية. ولكن جاء وقت تخلّى فيه المؤمنون عن قراءة الكتاب المقدس ونسوا أنه يقود إلى التأمل والصلاة والمشاهدة، فصارت حياتهم الروحية فقيرة. لقد تركوا ينبوع الماء الحي واتّبعوا عبادات وطرائق صلاة لم تستلهم الكتاب المقدس، بل جعلت الصلاة مسألة تجارية: نصلي إلى الله فيعطينا. ولكن الله هو العطاء الدائم ولا يحتاج أن نصلّي لكي يعطينا. فهو يعرف حاجاتنا. الصلاة هي انفتاح على الله، هي انفتاح على كلمة الله.
وهكذا عاد المؤمنون إلى قراءة الكتاب المقدّس، يستلهمونه من أجل صلاتهم وعباداتهم. يسمعونه، يتأمّلون فيه، وينظّمون حياتهم على نوره.
من أجل هؤلاء نقدّم هذه التأمّلات في إنجيل متّى. اخترنا بعض النصوص ولم نقدّمها كلّها. فمن شاء التوسّع والاستزادة عاد إلى كتب التفسير. قدّمنا التأمّل وما قدّمنا نص الإنجيل، لأن الترجمات عديدة ولكل ترجمته.
أما كيف يتمّ التأمّل؟ كيف تتمّ هذه القراءة الربيّة؟ نبدأ بقراءة النصّ الإنجيلي مرة أولى على مهل وبصوت عالٍ إذا أمكن، لترى العين، وتسمع الأذن وتتلفّظ الشفتان. نتوقّف عند عبارات استرعت انتباهنا.
ثم نعود إلى قراءة النص ثانية. هنا نستعين بالشروح والتفاسير. وننهي تأمّلنا بموقف عملي يتجسّد في أقواك وأعمالنا، بل في كل حياتنا.
هذا هو الكتاب الأول في سلسلة "القراءة الربيّة". فإن لاقى الرواج الذي نتأمّله، أتبعناه بكتب أخرى. المهمّ لا أن ندرس الكتاب المقدس دراسة علميّة. المهم أن تفيدنا الدراسة العلمية وغيرها لكي يصبح كلام الله مصباحاً لخطانا ونوراً لسبيلنا.
وكل هدفنا بعد ان انتهينا من هذا الكتاب أن نختفي وتختفي الكلمات التي كتبناها، لنترك الضيف الإلهي يكلّم كل واحد منّا في أعماق قلبه. فهو يريد أن يدخل فيتعشّى معنا ونتعشّى معه. فيا لسعادتنا إن عرفنا أن نصمت على مثال صموئيل ونقول له: تكلَّم يا رب، فإن عبدك يسمع

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM