على عود بعشرة أوتار أرفع عيني إلى الجبال

121
أرفع عيني إلى الجبال

مزمور من مزامير "المراقي" أو الصعود إلى أورشليم، ثم صعود درجات الهيكل. ننتقل فيه من التشكيّ إلى المباركة مارين في التأكيد على الثقة بالله. وفي قلب هذا المزمور وما يسبقه ويليه نجد ذكراً لأورشليم. في مز 120، يصعد المرتل إليها، وقلبه قلق من شرّ العالم المحيط به. ويبقى في تشكيه وحنينه إلى السلام. أما في مز 122 فيتوضّح كل شيء حين يصل الحجّاج أمام أسوار أورشليم.
مع مز 121، يتوضّح الأفق. لقد سلّم المرتّل مصيره إلى الله، وأكّد أمام المشكّكين أن مثل هذا التسليم كله "ربح". ويرينا النصّ مسافراً ينتظر حماية الله في طريقه. فالله يمنع رجليه من الزلل، ويسهر عليه في خروجه ودخوله، ويحميه من ضربات الشمس والقمر.
انتهى الحجّ بأعياده وعباداته وذبائحه. ولا بدّ من العودة. حينئذٍ تتقاسم قلب الحجّاج عواطف متضاربة: فرح الساعات التي لا تُنسى وفيها عاشوا المراحل الكبرى في تاريخ الخلاص. وحزن لأننا سنترك أورشليم. ولكن في الواقع، لا مجال للحزن. لأنه لا تعارض بين حياة العبادة في أورشليم والحياة الدنيويّة في آخر زاوية من زوايا فلسطين. ففي الهيكل حملنا معنا همومَ الحياة اليوميّة. وفي العالم نحمل نفحة اللقاء مع الربّ خلال الاحتفال بالعيد في الهيكل.
لا مجال للحزن. بل هناك القلق من الطريق وما فيه من أخطار: جبال ووديان وعرة. لصوص يختفون هناك. فمن أين يأتي العون للحجّاج؟ من يحفظهم من كل هذه الأخطار؟ لا الآلهة التي اعتُبرت ساكنة في هذه الجبال، بل الربّ الإله وحده. منه يأتي عوني، وهو القدير، وهو الذي صنع السماوات والأرض. هو الذي صنع الجبال، فلماذا يخافها المؤمن؟
وإذ يسمع الكاهن اعتراف الإيمان هذا، يبارك المؤمن ويقدّم له مواعيد الربّ: الله يسهّل طرقك. حارسك لا ينام. بل يكون لك ظلاً في النهار من الشمس فيعفيك من ضرباتها... والقمر أيضاً لا يؤذي، فلماذا يخاف المؤمنون وهم خارجون من الاحتفالي بشعائر العبادة؟ لقد أخذوا القوّة والعون، فليسيروا على بركات الله.

أنشدك أيها الربّ الإله، فأنت المحامي الوحيد عن شعبك
أنشدك يا من تحيطنا بعنايتك وتحفظنا بيمينك
أنشدك يا عيناً ساهرة لا تنعس ولا تنام
أنشدك يا قلباً محباً لا يعرف حدوداً للعطاء.

نحن نسير نحوك إلى العيد، ولهذا ننتظر منك أن تسير معنا وتفرحنا بحضورك
نحن نحجّ إلى ديارك، ولهذا نحتاج إليك في رفقة الدرب
حبّك يرافقنا، ولهذا نشكرك ونحمدك
يدك تقودنا، فلا نخاف الأخطار مهما تكاثرت في الطريق

أعطنا إيماناً كبيراً بك، يا من تأتي إلى لقائنا فنحسّ بالأمان
أعطنا ثقة ثابتة بك، رغم كل الظواهر التي تدلّ على الأخطار
الناس يخافون، أما نحن فلا نخاف بعد أن توكّلنا عليك
الناس يتراجعون، أما نحن فلا نتراجع
لأننا نعرف أنك تنتظرنا في النهاية،
لأننا نعرف أنك ترافقنا منذ البداية إلى النهاية.

أرفع عينيّ إلى الجبال، فمن أين يأتي عوني؟
عوني من عند الربّ خالق السماوات والأرض.

ونبدأ يا ربّ مسيرتنا إليك، وننظر إلى الجبال
الجبال عالية، تقف حاجزاً بيننا وبينك
الجبال صعبة، فكيف نتسلّقها لكي نصل إليك
الجبال مرتفعة، وهي تحجب عن عيوننا جبلك المقدس.

لهذا نرفع إليك عيوننا، يا من أنت أرفع من الجبال
ونرفع إليك صلاتنا التي تتعدّى جميع الحواجز لتصل إليك
ونقدّم لك قلوبنا فترتفع بها إلى مقامك المقدس
ونطلب منك إيماناً عميقاً لنتجاوز ظواهر العالم ونكتشفك حتى وراء الغيوم.

إلى الجبال نرفع عيوننا، وندعوك أيها الربّ القدير
نحسّ بضعفنا، فندعوك: قوّنا
نشعر أننا عاجزون، فنصرخ إليك: هُبَّ لمساعدتنا
وحين يضعف إيماننا نهتف: من أين يأتينا العون بعد أن ضاع كل عون؟

نرفع عيوننا إلى جبلك المقدّس، إلى أورشليم مقرّ سكناك
نحن بعيدون عنك، ولذلك تكتئب نفوسنا ونتذكّرك
نحن بعيدون وتتوق قلوبنا إليك، بعد أن كدنا ننساك من مضايقة العدو
نحن بعيدون، ونحسّك بعيداً، فيعيّرنا المعيّر: أين إلهكم؟
ولكننا نجيب في تلك الساعة: إلهنا في السماء، كل ما شاء صنع.

من أين يأتي عوني، إلاّ منك يا ربّ السماء والأرض
فإياك ننتظر يا ربّ، يا ترسنا ومجنّنا، يا من تفرح به قلوبنا، يا من على اسمه توكّلنا
وبك نحتمي ونعتزّ، يا من لا يتزعزع، ولا نخشى أحداً وإن انقلبت الأرض.

فيا شعب الله، اتكلوا على الله فهو ينصرنا
ويا كهنة الله، اتكلوا على الله فهو يحمينا
ويا أيها المتقون للربّ، اتكلوا على الله فهو يحفظنا ويحوطنا بعنايته
فقد ذكرَنا وباركَنا وزادَ أعدادنا لنسبّح اسمه ونباركه مدى الدهر.

من أين يأتي عوني إلاّ منك يا ربّ، يا صانع السماوات والأرض
ففي بؤسي تطلعت، وفي اضطرابي قلت: كل إنسان كاذب وإن وعدَ بالخلاص
وفهمتُ أن لا خير في الاتكال على البشر، فقرّرت أن أعتصم بك وأدعوك في ضيقي.

عليك توكّل آباؤنا، عليك توكّلوا ونجوا، ونحن أيضاً نتوكّل مثلهم
إليك صرخوا يا صانع السماوات والأرض، فتغلّبوا على الضيق، وواجهوا الصعاب
وإليك نصف يا رب، يا سيّد التاريخ وموجّه المصائر
يا إلهاً عظيماً وملكاً قديراً.

بيدك أعماق البحر، ولك قمم الجبال
لك البحر وأنت صنعته، لك اليبس ويدك جبلته
أنت عظيم وجدير بالتسبيح، ورهيب فوق جميع الآلهة
أنت تحفظ الحق وتجري الحكم، وترزق الجياع وتحلّ القيود
فكيف نتّكل نحن على العظماء ولا خلاص عندهم
وكيف نستند إلى ابن آدم الذي تخرج منه روحه فيعود إلى ترابه؟
لا يدع قدمك تزل لأن حارسك لا ينام
حارس إسرائيل لا ينام. حارس إسرائيل لا ينعس.
الربّ حارس لك، الربّ ظلّ عن يمينك
فلا تؤذيك شمس النهار ولا يؤذيك القمر في الليل.

أنت حارسي يا ربّ، وأنت راعيّ، تقودني في سبل البر وتسقيني مياه الراحة
أنت حارسي يا ربّ تنعش نفسي، ولا تسلّم إلى الزلل قدمي
أنت. حارسنا يا ربّ، وباطلاً يفعل حرّاس مدينتنا
أنت بانينا يا ربّ، وباطلاً يبني البناؤون مدينتنا
وأنت حامينا من الشرير والمتكبر ورجل العنف،
أنت تحميني من الذين أخفوا لي فخاً لتعثر خطواتي.

أنت تحرسنا كما يحرس الراعي قطيعه، وتحمينا من الذئاب الخاطفة
فإذا أردنا حارساً لا ينام، لا نلتجىء إلاّ إليك
ولكنك تنام أن نام إيماننا، وتسهر إن سهر إيماننا ولم ينعس
وحين نحسبك بعيداً فأنت قريب منا، وحين نحسبك غائباً فأنت حاضر معنا.

وعدت ابراهيم أنك تكون ترساً له، أنك تكون معه
ووعدت يعقوب: أنا معك وأحفظك حيث تذهب، وأردّك إلى هنا سالماً
وكنت مع شعبك تحميه بالسحاب خلال النهار فلا تؤذيه الشمس
وتضيء عليه في الليل فلا تعثر رجله بحجر في تلك البرية الشاسعة
وها أنت تحمينا نحن السائرين على طريقك، المتوجّهين إليك.

أنت تقف عن يميني، فلا أتزعزع
أنت تقف عن يميني، فتمنع العدو أن يصيبني بسهامه
أنت تقف عن يميني، فتخلصني وتجعل أعدائي تحت قدمي.

يدك قوية، وذراعك مقتدرة، وهي تصنع العجائب
تمسكنا بيدك فلا نخشى أهوال الليل ولا أخطار النهار
الشمس في النهار لا نخاف منها، حتى لو ألّهها الأقدمون
والقمر في الليل صار خادماً لنا، وما عاد أداة لقوى الشرّ التي تحاربنا.

يحرسك الرب من كل سوء. يحرس الربّ نفسك
يحرسك في رواحك ومجيئك من الآن والى الأبد.

أنت تحرس يا ربّ نفوسنا، أنت تحرس أجسادنا
أنت تحرس كياننا كله، تحرسنا من كل سوء
أنت تحفظنا وتنقذنا من أيدي الأشرار
فالشكر لك يا ربّ والحمد لك.

نحن في سترك وحماك، فطوبى لنا
إن رحنا أو جئنا، إن ذهبنا أو رجعنا، فقلبك يسهر علينا وعينك ترافقنا
تحمينا كالدجاجة تحمي فراخها، وكالنسر يظلّل صغاره بريشه
نأتي إلى بيتك كاليمامة، فنجد عندك الأمان من كل خطر
ندخل إلى هيكلك ونتعلّق بمذبحك، فيكون لنا مذبحك الملجأ من العدو
نقف بقربك، فنرى الألوف، ولكننا ننتظر صامتين فنعاين خلاصك
فما أعظمك يا ربّ في أعمالك، وما أطيبك في حمايتك!

نحن يا ربّ نحجّ إليك، ونسير في طريق صعبة تحيط بها الأخطار من كل جانب
نتطلّع إلى طريق سهلة، ونودّ أن تكون قصيرة، فنجد الراحة سريعاً
ولكنك تدعونا أنت، يا خالق السماء والأرض، أن نرفع عيوننا إليك وحدك
ولكنك تدعونا لأن نلتمس العون منك، لا من الآلهة ولا من البشر.

ونرفع عيوننا لا إلى جبل التجربة، بل إلى الجبل الذي يأتي منه خلاصنا
نرفع عيوننا إلى الأعالي الخفية، حيث أنت جالس يا ربّ المجد
ونضع خطواتنا في الطريق الضيّق الذي يوصل إلى الملكوت
ولا نسير وحدنا، بل مع شعبك كله، بل مع كنيستك التي هي امتداد عملك على الأرض.

وحين نصل إليك، تستضيفنا بمحبتك، وتدخلنا في حياتك الحميمة
ندخل دارك، فتعطينا خيرات لم ترها عين ولم تسمع بها أذن
ندخل دارك، فتحيطنا بعنايتك، وتظلّلنا بحضورك، وتنيرنا بأنوارك
وها نحن الآن ودارك، وها نحن مدعوون إلى وليمتك
فهيّىء قلوبنا لكي تستقبلك وتنفتح لك.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM