محبة الله والقريب

محبة الله والقريب
12: 28- 34

أحب الرب، أحب القريب، ما من وصية أعظم من هاتين الوصيتين.
التوراة مكتبة كبيرة مؤلّفة من 46 كتاباً. فكيف نجد المهمّ فيها؟ أما المؤمنون فبحثوا عن الجوهر، عن اللبّ وتركوا ما تبقّى. والوصايا عددها 613 وصية، فيكف لا نضيع فيها. طلب وثني من رابي كبير أن يتلو له التوراة كلها وهو واقف على رجل واحدة! وأخضع معلم الناموس يسوع لعملية مشابهة. ولكن يسوع يعرف الكتب المقدسة. يعرف كيف يقرأها. فقرّب بين نص أخذه من سفر التئنية (6: 4: أحب الرب) وآخر من سفر اللاويين (19: 18: أحب قريبك).
جواب يسوع هو جواب نبيّ. فالأنبياء حاولوا على مدى تاريخ شعبهم أن يجعلوا المؤمنين تجاه متطلبّات الشريعة ويحذروهم من خطرين: الأول، تكاثر الفرائض الدقيقة: تصبح هدفاً في ذاتها فييأس الناس الوضعاء. الثاني، جعل شعائر العبادة تتفوق على الأمانة الملموسة في الحياة اليومية. كيف نحبّ الله ولا نحب القريب!
المحبة في اللغة البيبلية تعني أولاً إحترام التزام أخذه طرفان. نحن نحبّ حين نحترم الآخر، حين نقرّ بحقوقه دون أن ننسى واجباته.
ويتحدّث النص عن "كل قلبه". هذا يعني أن الحنان والتعلّق المتبادل والأمانة ترافق هذا الإحترام الأساسي.
كل واحد يعرف أنه ليس من السهل أن نتحقّق من محبّتنا لله. فالله طرف متكتمّ لا يتدخّل كالعاصفة في علاقاته مع شعبه. ولهذا فسّر الأنبياء كلام الله فقالوا إن محبة القريب تساعدنا أفضل مساعدة على التحقّق من محبّتنا لله. هذه هي أصالة وحي الكتاب المقدس الذي جمع جمعاً وثيقاً محبتنا لله ومحبتنا لقريب دخل هو أيضاً في العهد مع الله: "أحبّ قريبك كما تحبّ نفسك".
وكان يسوع في خط الأنبياء فجعل كرازتهم حاضرة الآن. لهذا دلّ العالم بالناموس على موافقته لكلام الرب فكالت له هذا المديح: "لست بعيداً عن الملكوت". إن الدخول في الملكوت (وتجاوز العالم اليهودي الرسمي) يظهر حين نعيد النظر في مفهوم القريب المحصور في شعب واحد، ونتطلع إلى ما يقوله إنجيل لوقا حيث قريب اليهودي هو عدوّه السامري.
بسّط يسوع الأمور، وأعاد الوحي إلى جذريته ومتطّلباته الحقيقية. إن الناس يبحثون اليوم عن محطّات وسط علامات عديدة لا قيمة لها في مجتمعاتنا. المحبّة كلمة ملموسة في الكتاب المقدس، وحب الله يصبح منظوراً حين ننتبه إلى القريب. الناس معجّلون وهم يحتاجون إلى أن يقول لهم يسوع البشارة في أقلّ وقت ممكن.
كلنا يعرف اللذة حين يقدّم هدية لشخص يُحبه فتكون مرسالاً لا حاجزاً يخفي عنا الآخر. ونعرف أمام الله أن نميّز بين الأرملة بدرهميها والعشّار الذي يدفع عشر دخله (لو 18: 12). ونحن لن نفهم التقدمة الحقة إلا إذا وضعنا خطواتنا في خطوات المسيح الذي يدخلنا في تقدمته. فنحن البشر لا نستطيع أن نحمل إلا ما أعطانا الله إيّاه. ولكننا نحوّله بواسطة الوزنات التي أعطانا الله إياها.
إن الهدية التي نحملها إلى التقدمة الإفخارستية، لا تستطيع أن تبقى غريبة عنا. إنها تلزمنا بكليّتنا، تجعل منا "مسيحاً" وتغمرنا بحبّ المسيح للآب وحبّه للبشرية حباً لا يتخيّله عقل. حينئذ تجتمع فينا الوصّيتان: أحبّ الرب الهك. أحبّ قريبك. حين نصبح مع المسيح جسداً واحداً، نصبح أفضل من كل التقدمات وكل الذبائح في الهيكل القديم. أجل، عرف معلّم الناموس أن محبة الله والقريب تفوق كل الذبائح والقرابين. فروح المسيح يدركنا في أعماق قلوبنا، يدركنا بكلّيتنا: القلب والعقل، والقوة والنفس والروح. وبمختصر الكلام ينفحنا الروح باندفاع من أجل الله ومن أجل خليقته.
لا يبقى لنا بعد هذا إلا أن ننمي فينا هذا الإندفاع. كيف ذلك؟ بالتأمل في الكائن المحبوب. في تذكّر خبر أعماله، في ترديد كلماته والهذيذ بها. بهذه الطريقة نضع موضع العمل وصية الله: إسمع. نبدأ بالسماع، بانتظار أن تدخل الوصية في قلوبنا وتتجسّد في حياتنا وأعمالنا.
إسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا واحد. هذه الصلاة تلاها يوسف ومريم. وتعلّمها يسوع، وكان يتلوها في كل يوم من أيام حياته. يبقى علينا أن نصمت ونسمع نداء الرب. يبقى علينا أن نفرغ ذاتنا لنغطي ذاتنا للقريب. يبقى علينا أن نختلي ونسهر على أعمالنا وتصرّفاتنا. فلا تكون حياتنا مجموعة من الأعمال وحسب. يجب أن تنبع من المحبة وتعود إلى ذلك الذي أحبّنا وبذل ذاته عنا

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM