الفصل الرابع والعشرون :ابن داود وربّ داود

الفصل الرابع والعشرون
ابن داود وربّ داود
22: 41- 46

في هذا الحدث، يسوع هو الذي يطرح السؤال، بعد أن سأله الفريسيون عن الجزية الواجب دفعها لقيصر، والصادوقيون حول القيامة. أما محاوروه فليسوا هم هم في الأناجيل الازائية الثلاثة. في مت، هم الفريسيون. في لو، هم كتبة جاؤوا يوافقون على الجواب الذي قدّمه يسوع إلى الصادوقيين. وفي مر توجّه يسوع بكلامه إلى جمع غير محدّد، جمع الذين يستمعون إليه بانشراح. قدّم الازائيون الثلاثة يسوع وهو يعرض براهينه في نقطة محدّدة على مثال المعلّمين، فدلّوا على أن صفته كمسيح لا تختلط مع البنوّة الداودية بل تسمو عليها. فإن يسوع هو ابن داود والرب كما يقول بولس الرسول في روم 1: 3-4: "في شأن ابنه (= ابن الله) في الجسد جاء من نسل داود، وفي الروح القدس ثبت أنه ابن الله في القدرة بقيامته من بين الأموات، ربنا يسوع المسيح"
بعد النظرة الاجماليّة، ندرس تفاصيل النصّ لنصل إلى الفكرة اللاهوتيّة والروحية.

1- نظرة إجماليّة إلى النصّ
حين نتوقّف عند تصميم مت وما فيه من تعليم، نفهم أنه توخّى من هذه الايات أن يضع حدًا لأسئلة يطرحها الخصوم على يسوع. فيسوع ينتقل من الدفاع إلى الهجوم، وهو الآن يسأل بحيث ما عاد أحد يتجرَّأ أن يسأله (آ 46 خاصة بمتّى، ق مر 12: 34؛ لو 20: 40). هذه الايات تهيِّئ الطريق لكلام يسوع القاسي ضد الفريسيين في ف 23. إذن، تبدو بنية هذا المقطع متماسكة. منذ دخول يسوع إلى أورشليم (21: 1-9) حتى الاعلان عن سقوط أورشليم (24: 1-3). ما زال ينمو التوتُّر بين يسوع ورؤساء الشعب. ويشدّد متّى بشكل متواصل على المسؤوليّة الرسميّة لشعبه ومدينته في شخص الفريسيين. ويجب أن نقرأ أيضًا هذه الآيات على أنها صدى لصراع كنيسة متّى مع سلطات المجمع في زمانه.
جعل بعضهم هذه المقطوعة بين نصوص مر التي غابت عنها الرنّة الحربية، فجاء مت وجعل فيها ما فيها من عنف وعدوانيّة. ولكن في هذه الحالة الخاصة قد يكون العكس هو الصحيح: احتفظ مت بتذكّر صراع لم يفهمه مر، فخفّف من حدّته.
أما المدلول العام لهذا الآيات فموضوع نقاش. وهناك ثلاث امكانيات رئيسية. الأولى: انتقد يسوع (وفي الوقت عينه روحن) النظرة اليهوديّة التي تجعل من المسيح ابن داود. ولكننا لا نرى بما تقوم هذه الروحنة. الثانية: تجاه مسيحانيّة داوديّة، جعل يسوع مسيحانيّة من طبيعة أخرى، يكون المسيح بحسبها ابن داود بل ابن الانسان (بحسب دانيال) أو ابن الله مثلاً. غير أن النصّ لا يتضمّن أية إشارة واضحة إلى هذين اللقبين. ثم إن مت يتحدّث في أماكن أخرى عن يسوع كابن داود (1: 1؛ 27:9؛ 15: 22؛ 20: 30، 31؛ 21: 9-15؛ 22: 45). الثالثة: يجعل يسوع هنا في إضمامة واحدة المسيحانيّة الداودية ومسيحانيّة ابن الانسان بحسب دانيال. ما يريد النصّ أن يقوله هو أن يسوع حقًا ابن داود ولكن في معنى فريد وحاسم كابن الانسان نفسه. ففي الأناجيل الازائيّة يدلّ يسوع على نفسه بلفظة ابن الانسان. وهكذا جمع يسوع في شخصه ما لم تستطع المسيحانيات اليهوديّة في أيامه أن تفعل: مسيح متحدّر من الملك داود ومسيح هو ابن الانسان، والديَّان السماوي والموجود منذ الأزل كما في دانيال وأخنوخ.
عندما نفهم هذه الايات بهذا الشكل، فهي تتّخذ مكانها في هذا السياق. وهكذا يكون المعنى العام كما يلي: ذاك الذي يواجه الآن شعبه ومدينته هو أكثر من ابن داود كما يتصوّره الفريسيون عادة (مز سليمان 17). فإن داود هذا هو ابن الانسان، ابن الله.

2- الدراسة التفصيلية
أ- البنية والمراجع
بعد مقدّمة إخباريّة (آ 41) سأل يسوع الفريسيين سؤالين (آ 42 أ). أجابوا كما توقّع في لفظتين: "ابن داود" (آ 42 ب). عندئذ طرح يسوع أيضًا سؤالين أورد معهما الكتاب المقدس (آ 43-45). وقالت الخاتمة الاخباريّة (آ 46) إن معارضيه ما استطاعوا أن يجيبوا على هذه الأسئلة، بل ما عاد أحد يتجاسر أن يسأل يسوع. هذا ما يختتم متتالية 23:21-46:22، وفيها طُرح على يسوع السؤال بعد السؤال. أما ما يقابل بشكل خاص هذه المقطوعة فهو 21: 28-32 (مثل الابنين). بدأ يسوع الجدال وطرح سؤالاً. قدّم خصومه الجواب المناسب.
فاختتم يسوع الجدال.
وهكذا تظهر هذه المقطوعة في تواز رائع:
مقدّمة (سألهم) آ 41
سؤالان من يسوع (ماذا... ابن من) آ 42 أب
جواب الخصوم (ابن داود) آ 42 ج
سؤالان من يسوع (كيف... كيف) آ 43- 45
خاتمة (لم يجسر) آ 46.
يفسّر مت 21: 41-46 على أنه إعادة صياغة مر 35:12-37. أما الاتفاقات مع لو 20: 41-44 ضد مر، فهي بسيطة وترتبط بنظرة كل انجيليّ.
ب- التأويل
ترك يسوع موقع الدفاع وأخذ موقع الهجوم. تميّزت أسئلته عن أسئلة الخصوم، فراحت إلى عمق الأمور، إلى الكرستولوجيا والتعرّف إلى يسوع المسيح. "ابن من هو"؟ أجاب الفريسيون: "ابن داود". هذا الجواب هو فقط نصف الحقيقة. والنصف الثاني الذي لم يقله المسيح، ولكنه يبدو واضحًا من الخبر: هو ابن الله.
صاغ مت مر 35:12-37 بطريقته الخاصة. (1) حوّل كلامًا (في مونولوغ) يتوجّه إلى الجموع حول رأي الكتبة، إلى حوار مدرسيّ بين يسوع والفريسيين. أما الشكل فهو: سؤال، جواب، سؤال. (2) حوّل سؤالي مر (12: 35، 37) وتأكيده (12: 36) إلى سؤالين وسؤالين. (3) جعل المخرج أسهل حين جعل يسوع يسأل: "ابن من هو"؟ و"كيف يسميه داود ربّه"؟ (4) زاد خاتمة جديدة هي آ 46.
كيف نفكّك مر 12: 35-37؛ قد تكون آ 35 أ تدوينيّة مثل آ 37 ب. فما وُجد في التقليد هو خبر صراع طرح فيه يسوع سؤالاً حول ابن داود. نشير هنا إلى (1) أن مز 110: 1 المذكور هنا بفم يسوع كان شعبيًا لدى المسيحيين الأولين. (2) أن النص يذكر وضع يسوع كالمسيح والرب والموجود منذ الأزل. (3) أن البرهان يستند إلى السبعينيّة واستعمالها للفظة "كيريوس" (الربّ). وهكذا اعتبر الشّراح أن دور الكنيسة كان كبيرًا في صياغة هذا الخبر الذي ينطلق من يسوع. وتحدّث آخرون عن أصل مسيحيّ متهوّد يعيش في محيط هلنستيّ لأن جماعة فلسطين التي ألّفت سلسلة نسب داوديّة ليسوع (1: 1ي) خافت من نظرة نسبيّة إلى ابن داود.
ونقول (1) إن كانت المسيحيّة الأولى أوردت مز 110: 1، فهي قد فعلت في خطّ يسوع الذي عرف كل المعرفة الكتب المقدسة. (2) إذ كان النصّ في وضعه الحالي يتحدّث عن يسوع كالمسيح والربّ (وهذا ما اكتشفه التلاميذ بعد القيامة) أما تكون هناك نظرة قبل فصحيّة ملتبسة حول المسيح؟ تحدّث عنها يسوع ولكنها لم تأخذ ملء مدلولها في قلب التلاميذ إلاّ بعد القيامة. (3) في العبريّة، ليس من التباس. قال يهوه (الرب الاله) لأدوناي (لسيدي الملك). أما في اليونانيّة فقد ترجمت كل من لفظة "يهوه" و"ادوناي" بـ "الربّ". وهكذا صار النصّ: "قال الرب لربي". وكان الالتباس. غير أن هذا الالتباس نجده أيضًا في الاراميّة مع "م ري" (ربي، سيدي). أما في ما يتعلّق بموقع النصّ في عالم مسيحيّ متهوّد يرتبط بالهلنستيّة، فنبدي ملاحظتين. الأولى، ليس لنا أن نتخيّل أن النظرة إلى ابن داود كانت فقط سؤالاً لمسيحيين متهوّدين من خارج فلسطين. الثانية، إن فهمنا هذا النصّ فهمًا صحيحًا، نرى أنه لا ينكر الكرستولوجيا الداودية، بل يفترض أنها حقيقة لا تناقش. والانشداد بين "ابن داود" و"الرب" هو انشداد خلاّق ولا يحاول أن يقلّل من قيمة لقب داود.
ماذا نقول في الأصل الرباني (نسبة إلى الرب يسوع) لهذا الحدث؟ هناك كلام يسوع. أما كيف فهم مز 110؟ فهذا ما لا يستطيع أحد أن يقوله. فالكنيسة أعادت قراءة الحدث على ضوء القيامة وفهمته في خطّ تعليم يسوع وحياته. وقد حاول الشرّاح أن يكتشفوا نيّة يسوع حين أورد مز 110. (1) أراد أن يبتعد عن مسيحانيّة سياسيّة ارتبطت بفكرة شعبيّة حول ابن داود. (2) رفض يسوع نسل المسيح الداودي لأنه اعتبر نفسه المسيح بل عرف أنه ليس من نسل داود. (3) أعاد يسوع تفسير مز 110: 1 على ضوء موضوع ابن الانسان. (4) أراد يسوع أن يبيّن أن مجد المسيح يتفوّق على مجد ابن داود. آراء عديدة.
ج- تفسير الايات (22: 41-46)
* "وفيما الفريسيون مجتمعون" (آ 41-42)
بدأ يسوع الجدال هنا كما في 16: 13 (سأل تلاميذه قائلاً) و21: 28 (مثل الابنين، ماذا ترون). هذه المقدّمة هي تدوينيّة (رج مز 2: 2). وهي تختلف بعض الشيء عن مر 12: 35 (وفيما يسوع يعلّم في الهيكل). "ماذا ترون في المسيح...". سؤالان سيتبعهما سؤالان آخران. وهكذا يفترق مت عن مر 12: 35: "كيف يقول الكتبة إن المسيح هو ابن داود"؟ جاء السؤال الأول: "ماذا ترون"؟ وكمّله السؤال الثاني: "المسيح، ابن من هو"؟ سؤال اصطلاحيّ ولكنه يوجّهنا إلى لقب آخر: ابن الله.
"قالوا له: ابن داود". ق يو 7: 24. لا نجد ما يقابل هذا الجواب في مر. مرّة أخرى اكتفى خصوم يسوع بقول ما هو بديهيّ، فما زادوا شيئًا عمّا يقول الناس. طرح يسوع لغزًا حول شخصه كما فعل مع التلاميذ في قيصريّة فيلبس. هل سيكون موقف الفريسيين مثل موقف التلاميذ الذين اكتشفوا في يسوع "المسيح ابن الله الحي"؟
* "قال لهم" (آ 43)
لا شيء يوازي هذا في مر، لأنه لم يكن أحد ليقطع على يسوع كلامه كما في مت. حيث أجاب الفريسيون: "ابن داود". "كيف يدعوه داود..."؟ ق مر 12: 36؛ 2 صم 23: 2 (قال داود: روح الرب يتكلّم فيّ")؛ أع 1: 16؛ 28: 25؛ 2 بط 1: 21. زاد مت "كيف"، فصار الكلام سؤالاً. وأقحم "إذن"، فدلّ على أنه يوافق على جواب الفريسيّين. أحلّ "دعا" محل "قال" (آ 45 ≠ مر 12: 37) وجعله بعد "الروح". اكتفى بلفظة "الروح" ولم يقل مثل مر "الروح القدس". ربط الكلمات الأخيرة في اليونانيّة ربطًا وثيقًا "دعا أباه الربّ". وهكذا وضح "اللغز" حول استعمال لفظة "الربّ".
"في الروح" أي بإلهام الروح. هكذا يُصبح مز 110 نبويًا فيصبح النصّ كتابًا ملهمًا. نعرف أن داود نبيّ في كتابات قمران (شرح المزامير 27: 10- 11 في المغارة 11): "ومجموع المزامير والأناشيد كان 4050. كل هذا قاله في نبوءة أعطيت له من قبل العليّ"؛ رج أع 2: 30 (كان نبيًا، في عظة بطرس)؛ يوسيفوس، العاديات (6/ 8: 2): "ترك الله شاول وانتقل إلى داود الذي حلّ عليه روح الله فبدأ يتنبَّأ".
* "قال الرب لربي" (آ 44-46)
جعل الانجيليّ الاعتراف المسيحيّ في فم داود. رج مز 110: 1 (حسب السبعينيّة). "موطئ" (هيبوكاتو لا هيبوبوديون). عاد النصّ إلى مز 8: 7 الذي يرد في 21: 16 مع ابن داود وله معنى مسيحاني في الترجوم.
إن مز 110 يعود إلى ما قبل المنفى (أقلّه في الانطلاقة الاولى، وإن أعيدت قراءته بعد المنفى). هو مزمور ملكي. يعد الملك الذي يملك في أورشليم بقدرة يهوه وسلطته، ويدوس الاعداء، ويقوم بالوظائف الكهنوتيّة. وفسرّت السبعينية هذا المواعيد فشملت الولادة من الله (أنت ابني) أو التبنّي (رج حوار مع تريفون ليوستينوس، 63). وأعطاه بعض اليهود في الزمن السابق للمسيح معنى مسيحانيًا (تلمود بابل. سنهدرين 38 ب بفم عقيبة؛ تك ربه 18: 23؛ عد ربه 18: 23؛ ترجوم مز 110)، واستعملته "وصيّة أيوب" (33) لكي تصوّر جلوس أيوب على عرش سماويّ. وطبِّق أيضًا على الحشمونيين. كما طبّق على ابراهيم وداود والمسيح في تعليم الرابينيين.
وورد مز 110 في المراجع المسيحيّة الأولى: مر 12: 36 وز؛ أع 2: 34- 35؛ اكلمنضوس الاولى 36: 5؛ رسالة برنابا 12: 10. وهناك تلميحات عديدة في مر 14: 52 وز؛ 16: 19؛ لو 69:22؛ أع 33:2؛ 5: 31، 7: 55-56؛ روم 8: 34؛ 1 كور 15: 25؛ أف 1: 20؛ 2: 6؛ كو 3: 1؛ عب 1: 3، 13؛ 8: 1؛ 10: 12-13؛ 1 بط 3: 22؛ رؤ 3: 21؛ اكلمنضوس الأولى 36: 5؛ بوليكربولس إلى أهل فيلبي 2: 1؛ رؤ بطرس 6؛ رؤ يعقوب 14: 30- 31. تذكر عادة صورة يسوع الذي هو عن يمين الله. ولكن تنوّعت الصورة فتحدَّثت عن إخضاع كل شيء لقدرة يسوع (1 كور 15: 25)، وعن مجد يسوع و"انتقاله" (مت 26: 64)، وعن مسيحانيّة ابن داود (مت 22: 41- 46)، وعن كهنوت يسوع (عب 8: 1).
* "فإن كان داود" (آ 45)
قد تكون نظرة الفريسيين إلى الانتظار المسيحاني (آ 42) شبيهة بفكرة الصادوقيين حول القيامة. قد تكون ضعيفة وبعيدة عن الواقع. جاءت هذه الاية في خط آ 43.
كيف
إذن داود الروح دعاه ربًا (43)
هنا يأتي الايراد الكتابي (آ 44)
إذن، إن دعاه داود الروح الرب،
كيف (45).
هذا البرهان يفترض أمرين. الأول: يقول التقليد اليهوديّ إن داود ألَّف مز 110. الثاني: المزمور 110 هو مزمور مسيحاني. يتبع هذا أن داود كتب عن "الربّ" (= الله) الذي يكلّم "ربّي" (= ملكي)، أي المسيح ابن داود (آ 42). نحن هنا في الظاهر أمام تناقض. كيف يستطيع الانسان أن يقف عن يمين الله ويقول إن الرب هو ابن داود؟ قد يستطيع الابن أن يدعو أباه "السيد" (كيريوس) (21: 29)، ولكن الأب لا يكلّم ابنه بهذا الشكل. وقد دلّ صمت الفريسيين أن لا حلّ عندهم للغز، وإن يكن الحلّ بسيطًا لدى القارئ المسيحيّ. إنه يجد الحلّ في يسوع. فإن يكن المسيح من نسل داود، فهو أيضًا ممجّد عن يمين الله ويملك كالرب (رج 26: 64). فابن داود (لا يُرفض اللقب ولا يخفّف مضمونه) ليس فقط ملكًا أرضيًا ولا مجرّد خلف لداود. بل نسلك ملكيّ، وسيتجاوز مصيره مصير هذا الملك. فيسوع هو، قبل الفصح، ابن الله. هو أعظم من داود ومن ابن داود (= سليمان، 12: 42).
أن يكون ابن داود هو "الربّ"، فكرة نجدها في مقاطع سابقة (9: 27-28؛ 15: 22؛ 20: 35- 31). فالذين هتفوا ليسوع أنه ابن داود قالوا أيضًا إنه الرب. أمّا ما نقرأ في روم 1: 3- 4 عن يسوع ابن داود في الولادة وابن الله بالقيامة (كيرلس الاسكندراني، شرح لوقا 137، اثناسيوس عن الاريوسيين 15 "13، 14")، فيجد نورًا في الجدالات الرابينيّة حول، ما يمكن أن نجده من تناقض في الكتب المقدّسة. حسب "مدوت" اسماعيل الثالث عشر نقرأ: "نصّان كتابيّان يوافق الواحد الآخر (= يعالجان الموضوع الواحد) قد يناقض (في الظاهر) الواحد الآخر، يظلاّن في مكانهما إلى أن يأتي نصّ ثالث ويحسم بينهما" (مكلتا خر 12: 5). وبعبارة أخرى يفسّر الواحد بحيث لا ينكر الآخر. في مت 22: 41-46 لا يقف النصّ في وجه الآخر، فينتظران نصًا ثالثًا. ولكن مبدأ رابي اسماعيل (التنسيق) يبقى معمولاً به. فالمزمور 110 وانتظار داود يلبثان في مكانهما. وستدلّ حياة يسوع كيف يكون يسوع ابن داود والربّ الممجّد (ربّ داود). على المستوى البشري، يسوع هو ابن داود. وعلى المستوى الالهي هو الربّ.
"فلم يستطع أحد أن يجيبه" (آ 46). هنا ينتهي الجدال مع خصوم متعلّمين. فبان جهلهم أمام سلطة يسوع التعليميّة. أما ف 23 فيتوجّه إلى الجموع وإلى التلاميذ. أما الموضوع فهو الكتبة والفريسيون الذين جلسوا على كرسي موسى.

3- قراءة لاهوتيّة
فشل الفريسيون حين طرحوا سؤالهم حول الجزية لقيصر (22: 15-22). وبعد جدال بين يسوع والصادوقيّين، هو مت يعيدهم إلى المسرح. فكأني بمتّى يقرأ من خلال هذا الانجيل صراعًا بين كنيسته ورؤساء المجمع في السنوات 80- 90. أما في هذا المقطع، فيسوع لا يهاجَم، بل هو يهاجم خصومه طارحًا سؤالاً صعبًا. هو لا يوجّه كلامه إلى الفريسيين لكي يعلّمهم، بل ليجعلهم في حيرة قد تصل بهم إلى طرح السؤال الحقيقيّ.
جاء كلام يسوع في سؤال، بل في أسئلة أربعة على طريقة المدارس الرابينيّة. سؤال أول يتبعه سؤال ثان يوضحه. لا يسأل يسوع الفريسيين حول ما يعرفونه عن المسيح. بل يتطلّع إلى جدّ المسيح، إلى داود. ففكرة المسيح ابن داود انتشرت انتشارًا واسعًا لدى يهود ذلك الزمان.
وفعلَ يسوع كما يفعل المعلّمون. انطلق من نصّ كتابي. انطلق من مز 110: 1 الذي نسبه إلى داود واعتبره ملهمًا. هو ما أنكر أن يكون يسوع المسيح ابن داود، ولكنّه توقّف عند تطبيق مز 110. أما المعنى فهو كالتالي: (= أي إن يسوع) هو حقًا ابن داود ولكن في معنى لا تتوقّعونه. فإن كان ابن داود كما تقولون، فكيف يتوجّه إليه داود على أنه الرب (كيريوس)؟ إذن، يجب أن يكون ابن داود هذا أكثر من "داودي" (من نسل داود) بسيط يعتلي العرش كما فعل الملك داود ألف سنة ق م.
لا جواب من قبل الخصوم. وهكذا يبقى المسيح شخصًا سريًا وأعظم ممّا تخيَّله الفريسيون. هم لا يفهمون ولا يعرفون على مثال نيقوديمس (3: 10) الذي جاء إلى يسوع ليلاً (ضدّ نور المسيح) ومضى ليلاً. عرف التلاميذ حقيقة أمر يسوع ابن داود بعد القيامة. ولكن الفريسيين رفضوا القيامة واعتبروا أن التلاميذ سرقوا الجسد ليلاً. لهذا لن يستطيعوا أن يفهموا أن يكون يسوع ابن داود وربّ داود.

خاتمة
إن 22: 41-46 يذكر تعليم يسوع حول المسيح، وهو ينهي قسمًا بدأ في 20: 29. بدأ هذا القسم في الجدال وانتهى في الصمت: "لم يجسر أحد البتّة أن يلقي عليه سؤالاً".
نجد هنا عددًا من الألقاب الكرستولوجيّة. يسوع هو ابن داود. ولكن القارئ يعرف أيضًا أنه ابن الله. هو المسيح وهو الربّ. ونتذكّر أن مز 110: 1 يرد في مت 26: 64 ليصوّر مجيء ابن الانسان كما في دا 7. أجل، السؤال الأساسيّ يدور حول هويّة يسوع. من هو بالنسبة إلى اليهود. انسان فقط؟ أم أكثر من انسان ولو كان هذا الانسان ابن داود؟ إنه ربّ داود.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM