الفصل الثاني والعشرون: الصادوقيّون والقيامة

الفصل الثاني والعشرون
الصادوقيّون والقيامة
22: 23- 33

كان الصادوقيون يكتفون بما تقوله التوراة المكتوبة، ولاسيّما أسفار موسى الخمسة. وكانوا يظنّون أنهم لا يجدون شيئًا حول قيامة الموتى. أما الفريسيون فعارضوا الصادوقيين في هذا المجال. وقد بدا يسوعُ سائرًا في خطّهم. بدأ يسوع بمثَل وليمة العرس فعرّض بالفريسيين الذين اعتبروا نفوسهم أوّل المدعوّين. ولكنهم رفضوا الدعوة فحلّ محلّهم العشّارون والخطأة. وكان جدال حول الجزية التي تُدفع لقيصر: نصب له الفريسيون فخًا، فتجاوز يسوع فتاويهم وشدّد على أولويّة الله. عند ذاك جاء الصادوقيون فاستندوا إلى شريعة السلفيّة التي فيها يتزوّج الرجل أرملة أخيه (هي تتزوّج سلفها أي شقيق زوجها) ليؤمّن لأخيه المتوفيّ نسلاً. رفع يسوع الحديث إلى مستوى السماء، إلى مستوى الملائكة، حيث المخلّصون لا يزوّجون ولا يزوَّجون، بل يكونون مثل الملائكة.
سوف ندرس هذا الجدال حول القيامة (22: 23-33) بشكل إجمالي، قبل أن نعود إلى التفاصيل ونكتشف التعليم اللاهوتي والروحيّ الذي ملأ السامعين عجبًا وذهولاً.

1- قراءة إجماليّة
بعد السؤال- الفخّ الذي طرحه الفريسيّون على يسوع (22: 15-22)، ها هو سؤال الصادوقيين الذي توخّى الهدف الذي توخّاه الفريسيون من سؤالهم: أرادوا أن يحشروا يسوع في زاوية لا يستطيع أّن يخرج منها. وهكذا يستجلب بغض عدد من سامعيه في أي جواب يقدّمه.
عرف الصادوقيون أن يسوع يقف في خطّ الفريسيين ويؤمن بالقيامة. فحاولوا، بمثَل ملموس وغريب، أن يبيّنوا أن فكرة القيامة فكرة مضحكة وتتحدّى العقل. سؤالهم يشبه سؤال الذين يقولون اليوم: أين يضع الله جميع الموتى الذين سبقونا؟ هل من مكان لهم؟ والكون الواسع... ولكننا ننسى أننا لسنا على مستوى الجسد، بل على مستوى الروح.
كان باستطاعة يسوع أن يتخلّص من الجواب بطريقتين: إمّا ينكر القيامة نفسها فيقف في خطّ الصادوقيّين، وهكذا يلغي السؤال. لكنه في الوقت نفسه يجد خصومًا عديدين بين الفريسيين الذين يؤمنون بالقيامة. وإمّا يقبل بالقيامة فيقدّم جوابًا شعبيًا يستفيد من علم الفتاوى عند الفريسيين. ولكنه لم يأخذ بهذه الطريقة ولا بتلك. رفض الفكرة الشعبيّة وما فيها من حياة تدوم فتشبه حياة الانسان على الأرض. كما عارض الصادوقيين الذين ينكرون القيامة.
بدأ يسوع فأكّد قدرة الله على الحياة وعلى الموت. وأعلن أنه لا يؤمن بـ "قيامة" يتخيّلها الناس. بل يؤمن بالله الحيّ الذي يقيم الموتى ويحييهم. وهكذا جاء جوابه على مستوى الجواب الذي قدّمه في المقطوعة السابقة: جدّد في العمق الجدالات التعليميّة في أيامه، فذكّر بسلطة إله العهد القديم. أرادوا أن يجعلوه على مستوى شمعي وهلال، هذين المعلّمين في العالم اليهوديّ، فرفض أن يتوقّف عند الوجهة الماديّة وقال لسائليه: "لا تعرفون الكتب ولا قدرة الله". إن انتظار القيامة هو رجاء حيّ يرتبط "عضويًا" بالايمان بالله الحيّ.
نشير هنا إلى أن الفكر الدينيّ يركّز التأكيد على الحياة الأخرى أو على القيامة، حسب الأزمنة والأمكنة، وذلك في ثلاثة أفكار رئيسيّة: خلود النفس البشريّة. المجازاة بعد الموت من ثواب وعقاب. تسامي الله الخالق على الحياة والموت. هذه الأفكار الثلاثة وُجدت في فلسطين في زمن المسيح، وقد ارتبطت بأعمق ما في العهد القديم من تعليم.

2- الدراسة التفصيليّة
أ- البنية والمراجع
بين مقدّمة إخباريّة قصيرة (آ 23 أ) وخاتمة إخباريّة (آ 33)، نجد حوارًا مدرسيًا يشمل سؤال الصادوقيين (آ 23-28) وجواب يسوع (آ 29- 32). أما السؤال فيتألّف من ثلاثة أقسام: إيراد حول شريعة السلفيّة (آ 24). خبر المرأة والإخوة السبعة (آ 25-27). تطبيق شريعة السلفيّة إن كانت هناك قيامة للأموات (آ 28). وجاء جواب يسوع أيضًا في ثلاثة أقسام: توبيخ بلاغيّ: لم يفهم الصادوقيون الكتب ولا قدرة الله (آ 29). استحالة تطبيق شريعة السلفيّة على القيامة، لأن القديسين يكونون كالملائكة (آ 30). وبعد أن دافع يسوع عن موقفه، هاجم موقف خصومه، ففسّر آية من التوراة تتحدّث عن إله ابراهيم واسحاق ويعقوب (آ 31-32).
وعلى مستوى المراجع، نفهم أن هذه المقطوعة هي نسخة موجزة لما في مر 18:12-27. فالتقليد المرقسيّ واضح بالنسبة إلى مت كما إلى لو 20: 27- 40. أما الاتفاقات بين لو ومت ضدّ مر، فهي من قبيل الصدف.
ب- التأويل
كان هجوم الفريسيين على المستوى السياسيّ. وها هو هجوم الصادوقيّين على المستوى الديني. انقسمت الفئتان على مستوى القيامة ولكنهما اتحدتا على مستوى معارضة يسوع.
لم نجد في 22: 15-22 إيرادًا من الكتاب المقدس. أما هنا فالكتاب هو في قلب الجدال كما هو الأمر أيضًا في 22: 34-40، 41-46. أما النتيجة فإظهار توافق يسوع مع التوراة (في المعنى الحصري= الأسفار الخمسة) وتبيان فنِّه في تفسيرها.
حوّل مت مر 12: 18-27 في الأمور التالية. (1) زاد "في ذلك اليوم" في آ 23 (مر 12: 18). وهكذا ربط هذه المقطوعة بالمقطوعة السابقة. (2) حوّل حاشية مر حول انكار الصادوقيين للقيامة إلى خطاب مباشر (آ 23 ≠ 12: 18). (3) أدخل تحويلات أسلوبية في الايراد المأخوذ من تث 25: 5-7 (شدّد على التوازي وأخذ شيئًا من آيات أخرى) وأبعد التلميح إلى تك 38: 8 (آ 24). (4) تفرّد مت في القول "كان عندنا" بلسان الصادوقيين (آ 25 ≠ مر 12: 20). (5) في مر 12: 20-22، نقرأ عن الأخ الأول ثم عن الأم الثاني. وأوجز مر ما يتعلّق بالأخ الثالث، ثم قال قولاً عامًا عن السبعة كلهم. أما في مت، فجاءت التفاصيل بالنسبة إلى الأخ الأول. ثم قيل بإيجاز أن الآخرين فعلوا كذلك (مثل الأول) (آ 25-26). (6) جاءت مقدمة يسوع للايراد الكتابي في مر (في كتاب موسى والعليقة الملتهبة، خر 6:3) شخصيّة على مثال ما اعتاد مت أن يفعل (آ 31؛ مر 12: 26). (7) أنهى مر المقطع بكلام يسوع (12: 27: أنتم إذن على ضلال عظيم). ومت بخاتمة إخباريّة (آ 33: فلما سمع الجموع).
ج- التفسير (23:22-33)
أولاً: سؤال الصادوقيين (آ 23-28)
ونبدأ في آ 23-24. نجد هنا نقطتين. الأولى، سمّى الصادوقيّون يسوع "معلّم" ولكنهم في الواقع لا يطلبون تعليمه. ينقصهم الصدق ويسيطر عليهم الشرّ. الثانية، إن إنكار القيامة ليس نظريّة حول مستقبل بعيد. هو يعارض تعليم يسوع (16: 21؛ 17: 9) كما يعارض أساس الايمان المسيحيّ.
"وفي ذلك اليوم" (آ 23). بدأ مر 12: 18 أ: "وجاء إليه". وأنهى: "سألوه". إن هذه العبارة ليست اسكاتولوجيّة (كما قال البعض) (ق 13: 1 ≠ مر 4: 1)، بل تربط هذا المقطع بالمقطع السابق. كل ما كان يؤمن به الصادوقيون هو حياة "أشباح" في الشيول أو مثوى الأموات، كما في العهد القديم حتى القرن الثاني ق م. إن لفظة "انستاسيس" (القيامة) تظهر أربع مرات في مت 22: 23-33 (مرتين في مر 12: 18-29). هذا يفهمنا أننا أمام الموضوع الأساسيّ في هذا النصّ الانجيليّ.
"علّمنا موسى". قال مر: "كتب". "يا معلّم". رج 22: 15-16 (مع مديح: نعرف أنك صادق). "إن مات أحد من غير ولد...". هذه الآية تمزج التعليم حول شريعة السلفيّة (تث 25: 5) مع مثل ملموس (8:38، تامار). اختلف مت هنا عن مر. أوجز الفعل. ألغى "ترك امرأة"...
وجاء المثل بعد الوصيّة (آ 25) مع العادة الرابينيّة. مثل يطبّق الشريعة: رجل لم يكن له أولاد... وهكذا أراد الصادوقيّون أن يُبرزوا التعارض بين التوراة ورجاء القيامة... وراح مت يوجز نصّ مر. "لم يكن له عقب" (آ 26). وقال مر 12: 22 أ: "والسبعة لم يعقبوا نسلاً".
في آ 28، بدأت النتيجة تظهر: لا مكان لتعدّد الأزواج بالنسبة إلى امرأة واحدة. هذا يعني أن القيامة غريبة عن تعليم موسى والبنتاتوكس (أو: الأسفار الخمسة). نجد عبارة "في القيامة" التي نقرأها في آ 30؛ لو 14: 14؛ يو 24:11.
ثانيًا: جواب يسوع (آ 29-33)
اعتبر يسوع أن اعتراض خصومه يدلّ على جهل خاطئ ولاهوت رديء (1 كور 34:15). "أجاب يسوع وقال لهم" (آ 29). تلك طريقة مت في الكتابة، فتبدو العبارة بشكل قرار وردّة تتكرّر. "لا تعرفون الكتب ولا قدرة الله". جاء كلام مر بشكل سؤال. أما كلام مت فبشكل اتّهام وتأكيد. لا ترتبط "الكتب" مع آ 31-32 (سفر الخروج وغيره) و"قدرة الله" مع آ 30 (حبوروت. في عميده نقرأ: أنت يا رب جبّار. تُحيي الموتى). وهكذا سيعالج الانجيليّ الموضوعين في ترتيب معاكس. أنكر الصادوقيّون القيامة لأنهم تخيّلوا أن القيامة التي يعلنها الآخرون هي دنيويّة وأرضيّة. ولكن وجهتهم المادية التي تتحدّث عن نفوس تلبس الأجساد، ليست وجهة يسوع الذي يعلن أن الله قدير ويستطيع أن يحوّل القديسين.
بدأ يسوع يردّ على برهان الصادوقيين ضد القيامة (آ30). ثم انطلق من الكتاب لكي يبرهن عن القيامة (حك 2: 1-5؛ 1 اخنوخ 102: 6- 11؛ لو 15؛ تلمود بابل، سنهدرين 90 ب). قال تلمود بابل في بركوت 17 أ: "في العالم الآتي لا ولادة". وقال الانجيل: "لا يزوّجون ولا يزوَّجون". لا يتزوّج الرجال ولا تزوَّج النساء. "في القيامة"، أي في حالة القيامة. وينطلق البرهان من العامّ إلى الخاص. إن كان الشعب بشكل عام مثل الملائكة، فيكون الرباط الزواجي متساميًا، سماويًا، لأن الملائكة (الذين هم خالدون) يعيشون بدون زواج.
هناك من انطلق من أع 8:23 الذي يقول إن الصادوقيين ينكرون القيامة والملائكة. ولكن كيف ينكرون الملائكة وأسفار موسى مليئة بحضور الملائكة. وقد أخذ يسوع برهانه من توراة موسى، من خر 3: 6. نشير هنا إلى أن برهان يسوع هو اصطلاحيّ. فهناك نصوص عديدة تشبِّه البشر بالملائكة. مثلاً، 1 صم 29: 9؛ 2 صم 14: 17؛ 19: 27؛ اليوبيلات 30: 18؛ وصيّة أيوب 48: 3 (شخص يتكلّم لغة الملائكة). وتعلن أن مصير البشر مصير ملائكي (حك 5: 5: أبناء الله هم الملائكة). بما أن الملائكة يشبهون الكواكب (أو: النجوم). وأن خلود الكواكب دخل في الفكر اليهوديّ. كان من الطبيعي أن يقابل الانسان بالملاك. نقرأ في 2 با 51: 10: "ويكونون مثل الملائكة، ومساوين للكواكب".
لماذا لا يتزوّج الملائكة؟ لأنهم كلهم من الذكور. أسماؤهم: مخائيل، جبرائيل، رفائيل، أورئيل. ونقرأ في 1 كور 2:11-16 أن النساء جرّبن الملائكة. وقال كتاب اليوبيلات (15: 27) إن الملائكة خُلقوا مختونين. وفي تفسير تك 6: 2 (أبناء الله وبنات الناس)، الملائكة الأشرار هم الذين مارسوا الزواج، والأخيار هم الذين عاشوا العفّة (2 با 56: 14). في هذا الخطّ نفهم النداء إلى العفّة في الكنيسة. هنا نستطيع أن نذكر آباء الكنيسة مثل ثيودوريتس القورشيّ واوغريس البنطي وباباي ويعقوب السروجي واكلمنضوس الاسكندراني ويوحنا السلّمي وغيرهم.
وحين انتقل يسوع من الطريقة التي بها تتمّ القيامة، إلى واقع القيامة (آ 31)، ما أورد نصّ دا 12: 1-3 أو غيره من النصوص التي تقدّم البرهان على القيامة، بل أخذ نصًا من أسفار موسى الخمسة ليكون على المستوى الذي يقف عليه الصادوقيّون. "أمّا في ما يخصّ قيامة الموتى". ق 24: 36؛ 1 تس 5: 1. هنا أوجز مت نصّ مر (الذي قال: أما قرأتم في كتاب موسى في المقطع حول الكتاب). وأعطى صبغة شخصيّة لكلام يسوع: "قيل لكم" (أنتم) (رج 19: 8)، أنتم يا نسل ابراهيم واسحاق ويعقوب.
لا يقول النص: "كنت إله ابراهيم". بل: "أنا اليوم إله ابراهيم". إذن، الآباء أحياء لا أموات. وأشار الصادوقيون إلى العقم. ولكن الله تغلّب على العقم في الآباء. هذا يعني أنه يستطيع أن يُخرج الحياة من الموت. دخل الله في عهد مع الاباء، فكان محاميًا لهم. وهو حاضر فيهم.
وتأتي الخاتمة (آ 33) فتبُرز سلطة يسوع كالمعلّم، وتميّز الشعب من رؤسائه. "فلما سمع الجموع". هي آية دوّنها متّى فأنهت المقطوعة في شكل إخباريّ. أما مر 12: 37 فانتهى في تحذير من يسوع بسبب الضلال العظيم الذي يهدّد رؤساء الأمّة.

3- النظرة اللاهوتيّة والروحيّة
"وفي ذلك اليوم". هكذا بدا متّى معلّمًا، فما دلّ بهذه العبارة على تسلسل الأحداث في الزمن، بل في التعليم. فكل هذا القسم من الانجيل الذي يبدأ في 18:21، يشكّل خبرًا دراماتيكيًا واحدًا يورد آخر جدالات المعلّم مع رؤساء شعبه. وكما في 13: 1، تُبرز عبارة "في ذلك اليوم" أهميّة ما سوف يحدث.
من أين جاء اسم "الصادوقيين"؟ هم يرتبطون بصادوق الذي عيّنه سليمان عظيم الكهنة (1 مل 1: 32-40؛ رج حز 40: 46؛ سي 51: 12). منذ منتصف القرن الثاني ق م، دخل "أبناء صادوق" في صراع مع حزب الفريسيين من أجل أرفع الوظائف، ولا سيّما وظيفة رئيس الكهنة. لم يكن الصادوقيون قريبين من الشعب، شأنهم شأن الفريسيين، فخسروا الكثير من تأثيرهم. انتموا بشكل خاص إلى الكهنة الاشراف في أورشليم، فتعلّقوا بحرف الشريعة ورذلوا تقليد الرابينيين، التقليد الشفهيّ، كما رذلوا فكرة قيامة الأجساد (أع 4: 1؛ 23: 1). حسب الأناجيل، اتّحدوا مع الفريسيين لكي يهلكوا يسوع. نشير إلى أن قيافا، رئيس الكهنة، كان من الصادوقيين.
لا نتوقّف عند شريعة السلفيّة، وما فيها من جدال حول تفسير النصوص، بل عند طريقة مت في جعل النصّ قريبًا من القارئ: روى حادثة حصلت "بيننا". امرأة تزوّجت سبعة رجال. لمن تكون في القيامة؟ لماذا لا تكون للزوج الأول؟ ولكن لماذا لا تكون للسبعة معًا؟ وهكذا تبدو عبثيّة تعليم الفريسيين. وجاء جواب يسوع (كما في آ 21) بشكل حرب وهجوم: ترك الأسئلة الرابينيّة السخيفة، وذكر قدرة الله الحيّ. ولكن يُطرح سؤال: كيف يكون التذكير بقدرة الله جوابًا على سؤال الصادوقيين، وما هي علاقة هذه القدرة (آ 29) وطبيعة القائمين (من الموت) الملائكيّة (آ 30)، والواقع الذي يقول إن الله هو إله الأحياء (آ 32)؟
أجل ضلال الفربسيين المميت هو واحد: جهل الكتب المقدسة وبالتالي جهل قدرة الله. فهذه القدرة لا تستطيع فقط أن تقيم الموتى (ضد ما ينكره الصادوقيون)، بل تستطيع أيضًا أن تقيمهم بحيث يتبخّر سؤال خصوم يسوع. فليست قدرة تعيد ما دمّره الموتى إلى ما كان عليه أو تحصي جثث الموتى، بل تخلق الأشخاص فتمنحهم واقعًا جسديًا، واقعًا شخصيًا جديدًا. نحن نجد هذا التعليم في 1 كور 15 وإن كان السياق مختلفًا كل الاختلاف. استعمل مت لفظة "قدرة" في المفرد، وهي تدلّ في الجمع على المعجزات في الأناجيل الازائيّة. فقدرة القيامة هذه تظهر منذ الآن في مهمّة يسوع التاريخيّة، في حياته العلنيّة.
في القيامة، هذا لا يعني يوم القيامة الذي يسبق الدينونة الأخيرة، بل يعني الملكوت الذي يتميّز بمشاركة المؤمنين لله في سعادته. يشير هذا النصّ إلى زوال العلاقات الزواجيّة وإلى عدم جدوى الانجاب بعد الوصول إلى الحياة الأبديّة. وهو لا يعلّم أن القائمين يكونون في السماء، بل يكونون كالملائكة الذين هم الآن في السماء. وإذ أراد المسيح أن يقدّم التعليم حول القيامة، لم يورد هذا النصّ أو ذاك من الكتاب المقدس، بل نصًا أساسيًا من سفر الخروج (حسب السبعينيّة) حول إله اسرائيل والتاريخ. فالقيامة لا تتأسّس على قرابة جوهريّة بين الله والبشر، ولا على انتصار جلياني لله، ننتظره في المستقبل، بل على تدخّل الله في التاريخ، في حياة أناس من الماضي قد ماتوا: ابراهيم، اسحاق، يعقوب. وتأتي آ 32 ب فتوجز فكرة خر 3: 6 وتفسّرها: الانتماء إلى إله اسرائيل الحيّ هو البلوغ إلى الحياة الكاملة والنهائيّة. فهذا الاله لا يريد أن يكون إله موتى ينتظرون النهاية ولا يخدمونه إلاّ فترة محدّدة من وجودهم على الأرض. ولا إله أناس قاموا ولكنهم ما زالوا غرقى في تشعّبات الزواج اليهوديّ.
لقد ربط يسوع ربطًا وثيقًا معرفة الاله الحقيقيّ ويقين الحياة الابديّة! امتلك إلهًا يعمل بتساميه في التاريخ، لا إلهًا ينتظر عبادة الانسان لكي يفعل، فرفع كل اتحاد للانسان مع الله إلى مستوى الحياة الابديّة. وهكذا يبدو أن خر 3: 6 قد رُبط في المسيحيّة الأولى لا بفكرة عامة عن الاختيار أو قدرة الله الخلاّقة. بل بفكرة الانتصار على الموت (أع 3؛ 13؛ 7: 32).

خاتمة
توسّعت جبهة معارضة يسوع في أورشليم بعد أن دخل الصادوقيون. ولكن يسوع سيعلّم أن إله المسيحيين هو إله ابراهيم واسحاق ويعقوب، إله الأحياء، لا الموتى. وبما أن القديسين سيكونون كالملائكة في القيامة، فهذا يعني أن مت تطلّع إلى المستقبل الاسكاتولوجي، لا إلى فردوس أرضيّ على ما تقوله بعض الشيع. تطلّع إلى عالم متسامٍ تزول فيه كل حدود بين السماء والأرض.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM