الفصل الحادي عشر: الزواج والطلاق والبتوليِّة

الفصل الحادي عشر
الزواج والطلاق والبتوليِّة
19: 1-15

نقرأ في هذا الفصل كلامًا يندّد فيه يسوع بالطلاق فيعيدنا إلى الابتداء. ويفهمنا معنى الزواج الحقيقيّ. في هذا الإطار يدخل موضوعُ البتوليّة الذي هو ارتباط و"زواج" من نوع آخر على ما يقول بولس في 1 كور. عاد الزواج إلى كرامته الأول كما خرج من يد الخالق، فوجّهنا إلى عالم الملكوت حيث لا يزوّجون ولا يتزوّجون، بل يكونون كالملائكة في السماء. وننهي هذا الفصل بثلاث آيات ترينا يسوع مع الأطفال الذين لا يطلبون شيئًا سوى بركة. وهم سينالونها حين يضع يسوع يديه عليهم.

1- نظرة عامة
نتوقّف عند مقطعين: الزواج والطلاق (آ 1-12). يسوع والاطفال (آ 13- 15).
أ- الزواج والطلاق
مع ف 19، نبدأ الطريق إلى أورشليم. مع ف 19 تبدأ "محاكمة" الملكوت بانتظار محاكمة يسوع في ف 26-27 والحكم عليه بالموت. ويبدأ ف 19 بآية (آ 1) نجدها مع اختلافات واضحة في نهاية الخطب الاربعة الأخرى: "ولما فرغ يسوع من هذا الكلام، انتقل من الجليل". رج 29:7: "ولما فرغ يسوع من خطابه، بُهتت الجموع من تعليمه" (رج 11: 1؛ 53:13؛ 26: 1).
يُشرف على هذا القسم الاخباريّ (يقابل خطبة ف 18. فيكون امتدادًا لها) وجهتان متكاملتان تتيحان لنا أن نفهم وحدته: من جهة، اقترب يسوع من أورشليم ليتألّم فيها. واحتدّت الخلافات بينه وبين رؤساء شعبه. ومن جهة ثانية، تركّز التعليم للتلاميذ على انتظار الآخرة والسهر الضروريّ والدينونة الأخيرة (25: 31-46). وهكذا نكون قد دخلنا في المرحلة التالية. فلن نفهم عددًا من المقاطع الفهم الحقيقيّ، مع المرمى الذي أراده الانجيلي، إلاّ إذا وضعناها في هذه البنية الأدبيّة الأساسيّة.
هذا هو وضم 19: 1-12 حيث نجد (كما في ف 18، تقابل آ 9 ما في 29:5-30) قولاً من العظة على الجبل (آ 9؛ رج 5: 32 حول الطلاق)، يرد في سياق هجوميّ فيأخذ اتجاهًا مختلفًا. تتألّف آ 1-12 هذه من مقدمة اخبارية وتعليميّة (آ 1)، ومن قسمين متميّزين كل التمييز: آ 2-9 حول الطلاق؟ آ 10-12 حول الخصيان والعفّة، حول البتوليّة. لا نمزج هذين القسمين. ولا نعتبر أننا أمام تدرجّ في التفكير كأن يسوع تكلّم عن الطلاق، ثم عن الزواج، وأخيرًا عن البتوليّة. لسنا هنا في مجال تفضيل الزواج على البتوليّة ولا البتوليّة على الزواج في حياة الفرد. على ما قال بولس: "فليسلك كل واحد على ما قسم له الربّ" (1 كور 7: 17).
سنلاحظ بشكل عابر الاختلافات الواضحة بين مت ومر. ونتذكّر أن لو لا يورد نصًا موازيًا لهذا النصّ. ولكنه احتفظ بالكلمة المركزيّة في النصّ: "كل من طلّق امرأته وتزوّج أخرى فقد زنى، ومن تزوّج امرأة طلّقها زوجُها فقد زنى" (لو 16: 18؛ رج مت 19: 9؛ 32:5؛ مر 10: 11- 12).
ب- يسوع يبارك الأطفال
هنا نلتقي مع مر 13:10-16 ولو 18: 15-17. هذه القطعة هي غير ما نقرأ في 18: 1-5، 6-9. فالهدف يختلف بين مقطع آخر. في ف 18، يطلب يسوع منّا أن نصير مثل الأطفال، وأن لا نشككهم. أما في ف 19، فالنصّ يبرز (كما في 19: 1-12) صراع يسوع مع الذين يحيطون به: تعجّبوا حين رأوا يسوع يتوقّف، يتقبّل الأطفال ويباركهم. قال مر 15:10: "من لا يقبل ملكوت الله مثل طفل فلا يدخله". ألغى مت هذه الآية المرقسيّة، فبدا نصّه متماسكًا. مزج مر مواضيع المقطوعتين حول الأطفال. أما مت ففصل بين مقطوعة وأخرى. وصوّر الانجيلي الأول فعلة يسوع الأخيرة ومباركته للأطفال على الطريقة الفلسطينيّة والرابينيّة. ولكن هذا لا يعني أن النصّ الذي يقدّمه هو أولاني بالنسبة إلى الازائيين الآخرين.
سوى نرى يسوع مرارًا، خلال صعوده إلى أورشليم ليتألّم هناك، يتوقّف في الطريق، فيقترب من الوضعاء والمرضى (29:20-34). وهذا ما كان يُدهش الجموع والتلاميذ. فمسيرته إلى أورشليم بما فيها من رصانة ومهابة، لا تبعده عن "الصغار". إنه لا ينغلق على نفسه في عزلة من يتألّم فيرفض كل اتصال بالآخرين في كبرياء متعالية. فهو يرى الاولاد، يرى الأطفال. يتوقّف معهم ويباركهم.

2- الدراسة التفصيليّة
أ- ترتيب مت 19: 1-39:23
إن مت 19: 1-23: 39 يستعيد مر 10: 1-12: 40 بشكل واسع. وإليك لوحة متوازية:
مت مر
الزواج والطلاق 19: 1- 9 10: 1- 12
الخصيان 19: 10- 12 -
الأطفال 19: 13- 15 10: 13-16
الغنى والجزاء الذي ينتظرنا 19: 16-30 10: 17- 31
العمّال في الكرم 20: 1-16 -
الانباء بالآلام 20: 17-19 10: 32-34
ابنا زبدى 20: 20-28 10: 35- 45
شفاء الاعمى 29:20-34 46:10-52
الدخول إلى أورشليم 21: 1- 11 11: 1- 11
الهيكل 12:21-17 11: 15-19
لعن التينة 18:21- 21 11: 12-14،
20- 26
سلطة يسوع 21: 23- 27 11: 27-33
الابنان 21: 28-32 -
الكرّامون 33:21-46 12: 1-12
وليمة العرس 22: 1- 14 -
الجزية لقيصر 22: 15-22 12: 13-17
القيامة 22: 23-33 12: 18-27
أعظم الوصايا 22: 34- 40 12: 28- 34
ابن داود 22: 41-46 12: 35-37
تحذير للكتبة والفريسيين 23: 10- 12 رج 12: 37-39
سبع ويلات 23: 13-33 رج 12: 40
بكاء على أورشليم 23: 34-39 -
هناك بعض الاختلافات الرئيسيّة التي تبعد مت عن مرقس: إقحام النصّ حول الخصيان (19: 10-12)، إضافة ثلاثة أمثلة (20: 1-16؛ 18:21- 22؛ 22: 1-14)، وحدة حدث التينة الملعونة (21: 18-22)، ربط الويلات مع البكاء على أورشليم (ف 23).
إن خمسة أقسام مت، تنقسم إلى أجزاء. وهذا القسم ينقسم إلى أربعة أجزاء، وكل جزء يختلف عن الآخر. الجزء الأول (19: 1-28:20) يتميّز بقلّة الأعمال (ليس هناك من معجزات، وليس من أعمال مثيرة). لا نجد فيه تحديدًا جغرافيًا ولا حركة (بعد 19: 1، نجد حاشية جغرافيّة واحدة: وفيما كان يسوع صاعدًا إلى أورشليم، 17:20). وشدّد هذا الجزء على الواجبات البيتيّة: الزواج والطلاق، البتوليّة، الأولاد، المال، الخدمة. فإذا وضعنا جانبًا الانباء بالآلام (17:20-19)، نكون قريبين ممّا في كو 18:3-14 الذي يتحدّث عن الأزواج والأرامل، عن الآباء والبنين، عن العبيد والعمل والأسياد (رج سي 7: 18-36؛ طو 3:4- 14؛ أف 5: 21-9:6). نجد هنا مجموعة من أقوال يسوع: الطلاق أمر سيِّئ. الأطفال يكرّمون. الغنى عائق أمام الفضيلة. العظمة الحقيقيّة تقوم بخدمة الله والقريب.
والمواد في 20: 29- 21: 23، تختلف عمّا في المتتالية السابقة. نترك وراءنا المستوى الاسكاتولوجيّ مع أوامر على مستوى السلوك المسيحيّ، ونلتقي بابن داود الملك الذي يدلّ أورشليم على سلطته النبويّة. ماذا نجد في هذا الجزء الثاني؟ (1) معجزات (20: 29-34؛ 21: 14-22) (2) أعمال مثيرة (21: 1-13). (3) الحركة والخصائص الجغرافيّة (20: 19؛ 21: 1، 12، 18). (4) تشديد على عاصمة اسرائيل لا على الكنيسة.
مع 23:21-22: 46 (رج ف 12) تتبدّل أيضًا طبيعة المواد. لا معجزات ولا أعمال نبويّة، لا حركة ولا إشارة جغرافيّة خاصة. هناك تشديد على التعليم (كما في 1:19 ي، لا كما في 29:20 ي). غير أن هذا التعليم يبدو في حوارات جداليّة وفي أمثال. وتبدأ هذه المتتالية وتنتهي بالشكل عينه: سؤال تحدٍّ لا جواب له (21: 23-27: بأي سلطان؛ 22: 41-46: داود). وبين البداية والنهاية، هناك ثلاثة أمثال (21: 28-32، 33-46؛ 22: 1- 14) تليها ثلاثة أسئلة تُطرح على يسوع من قبل ثلاث فئات مختلفة. الفريسيون والهيرودسيون (22: 15-22). الصادوقيون (22: 23-33). الفريسيون وعلماء الشريعة (34:22-40).
ونستطيع أن نقدّم الرسمة كما يلي:
- طرح رؤساء الكهنة والشيوخ سؤالاً عن يسوع لم يجد جوابًا: سؤال أول لا جواب له.
- مثل الابنين
- مثل الكرّامين
- مثل وليمة العرس- هكذا نكون أمام ثلاثة أمثال.
- سؤال حول الجزية لقيصر
- سؤال حول القيامة
- سؤال حول الوصيّة العظمى- أعطي لكل سؤال جواب.
- طرح يسوع على الفريسيين سؤالاً. لا جواب.
في 23: 1-39، ما عاد مت يتبع مر: إن انتقاد الفريسيين في مر 12: 38- 40، كان مناسبة لسبعة ويلات ضد الكتبة والفريسيين (23: 1-36) ورثاء لأورشليم (23: 37-39). وهكذا نستطيع أن نقسم 19: 1-23: 39 إلى أربعة أجزاء أو أربع متتاليات.
أ- 19: 1-28:20: تعليمات على مستوى البيت والعائلة: الزواج والطلاق، البتولية، الأولاد، الغنى، الخدمة.
ب- 20: 29- 21: 22: معجزات وفعلات نبويّة يقوم بها المسيح ابن داود في أورشليم وفي الهيكل، وفي جوار أورشليم (شفاء، الدخول، ما حدث في الهيكل، أشفية، لعنة التينة).
ج- 21: 23-22: 46: لقاء عدائي مع رؤساء اليهود (حوارات وأمثال، أسئلة وأجوبة).
د- 23: 1-39: ويل للكتبة والفريسيين. رثاء على أورشليم.
عندما ننظر إلى هذا القسم في انجيل متّى كله، نكتشف معنى عميقًا. فالقسم الاخباري (13: 53-17: 28) الثالث ذكّرنا بتأسيس الجماعة الجديدة. وجاءت الخطبة الرابعة (18: 1-35) فأعطت هذه الجماعة تعليمات خاصة. وتواصل التعليمُ في الجزء الأول من القسم الاخباري الرابع (19: 1-20: 28). بعد ذلك، يبقى الدخول إلى أورشليم. ومع أن اسرائيل بمجمله رفض المسيح، ينبغي على يسوع أن يلحّ على العاصمة ويرسل إليها النداء. لهذا، في 20: 29- 21: 22، أجرى يسوع المعجزات فأظهر سلطانه ودلّ بخفر على أنه ملك أورشليم. كل هذا يطلب من العاصمة أن تتّخذ قرارها.
أما طبيعة القرار الذي اتخذته المدينة المقدسة فيظهر في جدالات ترد في 21: 23 ي، حيث قوّاد أورشليم وممثّلوها يجرّبون يسوع ويسألونه. انفتح يسوع عليهم فرذلوه. فتبع ذلك الويلات والرثاء (ف 23): فرذلُ المسيح يعني رذل الله من أورشليم. وهكذا نستطيع أن نوجز 29:20-39 كنداء (29:20- 21: 22)، وجواب (21: 23- 22: 46)، ونتيجة (23: 1-39). وهكذا نجد هنا ما وجدناه في 23:4-18: 35. كان 23:4- 10: 42 نداء إلى اسرائيل. و11: 1-53:13، جواب يسوع (وشرح يسوع لهذا الجواب). و13: 54- 53:18: نتيجة سقوط اسرائيل. ولكن الاختلاف الأكبر يبقى أنه في 23:4 ي، نحن مع يسوع وعالم اليهود في الجليل. وفي 20: 29 ي، مع يسوع وعالم اليهود في أورشليم.
ب- الزواج والطلاق والبتوليّة (19: 1- 12)
أولاً: البنية
تبدأ هذه المقطوعة بإجمالة قصيرة (آ 1-2) وتمتدّ في حوار مطوَّل (آ 3- 12). ويتوزعّ هذا الحوار على ثلاثة أقسام: حول الطلاق (آ 3-6). اعتراض (آ 7-9). البتوليّة (آ 1-12). وفي كل مرة يجيب يسوع على الاعتراض أو السؤال. وهكذا يبدو النصّ كما في الرسمة التالية:
آ 3- جرّبوه فقالوا الفريسيون
آ 4- فأجاب قائلاً يسوع
آ 7- قالوا له الفريسيون
آ 8- فقال لهم يسوع
آ 10- فقالوا له التلاميذ
آ 11- فقال لهم يسوع.
ثانيًا: المراجع
في إطار نظريّة المرجعين، عاد مت إلى مر: إن 19: 1-2 هو إعادة صياغة لما في مر 10: 10. أما 3:19-9، فيتعلّق بما في مر 2:10-12. و19: 10- 12 هو تقليد مستقلّ، وقد يكون جزءًا من المتّاويّات.
هناك من اعتبر أن مت 3:19-10 قد دوّن في إطار الصراع بين هلال وشمعي حول الطلاق. "هل يحلّ الطلاق لأيّة علّة"؟ إذن، هناك طلاق. فما هي الشروط المطلوبة لكي يتمّ الطلاق، بالتشديد أم بالتسهيل، بطريقة شمعي أم بطريقة هلال؟ أما في مر، فالسؤال المطروح: هل يسمح بالطلاق أم لا؟ وكان الجواب كلاّ. وهكذا نستطيع القول إننا أمام مرجع واحد، وقد أخذ منه كل من متّى ومرقس. واحد في الخط المسيحيّ المتأثّر بالتعاليم اليهوديّة، وآخر في الخط المسيحيّ المتحرّر في خط بولس الرسول.
هنا نسوق الملاحظات التالية: (1) إذا وضعنا جانبًا القاطعة في آ 9 (إلا في حالة الزنى) لا تعارض بين تعليم يسوع وتث 24: 1. فالفريسيون يوردون تث 24: 1 على أنها تعارض تعليم يسوع ويسوع نفسه الذي أورد تك 1:17؛ 24:2. (2) ساعة تحدّثت آ 3 ب عن مخرج للطلاق، ألغت آ 4-6 هذا الموضع لكي تتحدّث عن شرعيّة الطلاق (3) إذا كانت عبارة "لأية علّة" في آ 3 ب تدخل في جدال بين هلال وشمعي، فكيف يقول النصّ إن الفريسيين جرّبوا يسوع. (4) إن آ 10-12 تتحدّث عن البتوليّة. فما هي علاقتها مع التعليم الذي نجده في آ 4-9؟ وهكذا نكون أمام تقليدين مختلفين.
ثالثًا: التأويل
الكلمات المفاتيح تشير إلى المواضيع. "ابوليوو" (طلّق، آ 3، 7، 8، 19). "غيني" (امرأة، آ 3، 5، 8، 9) في آ 3- 15. و"اونوخوس" (خصي، ثلاث مرات في آ 12). و"أونوخيزو" (خصى، مرتين في آ 12) في آ 10- 12. كان قد عولج موضوع الطلاق في 5: 31-32. ولكن أعلن يسوع ما أعلن ولم يعط شرحًا وتوضيحًا. أما موضوع البتوليّة فما ظهر من قبل. هذا مع العلم أن يوسف حفظ نفسه فلم يعرف مريم (1: 24-25). وأن كلام الرب الذي فيه يفرّق الانسان عن أبيه قد ذُكر في 10: 34-35. في 10: 34- 35، يتغرّب الانسان عن العائلة، في 19: 10-12 يهجر العائلة. كما نشير إلى أن يوحنا المعمدان ويسوع عاشا البتوليّة. كان يوحنا متنسكًا. وفي 13: 53-58، حين ذُكرت عائلة يسوع، لم يُذكر إلاّ أبوه وأمه وأبناء عمه (أي: اخوته).
تميّز مت 9: 1-12 عن مر في أمور عديدة. (1) "علّمهم" (أي الجموع) صارت "شفاهم". (2) لم يعد السؤال: هل سمح يسوع بالطلاق؟ بل: هل يسمح به "لأيّة علّة"؟ (3) يبدأ إيراد العهد القديم بعبارة "أما قرأتم" (آ 4). ثم: "وأنه قال" (آ 5) (4) طرح الفريسيون سؤالين لا سؤالاً واحدًا. وكانت النتيجة جوابين من يسوع لخصومه وصار تث 24 اعتراضًا فريسيًا. كل هذا تمّ بإقحام مواد من مر 10: 10-5 بين مرقس 10: 9 و 10: 10. (5) زيدت الحاشية على منع الطلاق (آ 9؛ 5: 32). (6) ألغي سؤال التلاميذ من مر، بحيث لم يعد تعليم يسوع موجَّهًا إلى الذين في الداخل (أي إلى المسيحيين)، بل إلى الفريسيين أيضًا. (7) الشق الثاني في القول الختامي حول الطلاق (آ 9)، لا يتبع مر 10: 12، بل شابه 32:5 (رج لو 16: 18). (8) تفرّد مت في ذكر القول حول الخصيان.
رابعًا: إجمالة سريعة (19: 1- 2)
ترك يسوع الجليل. ولن نعود نراه هناك، إلاّ بعد القيامة (7:28، 16). كانت رسالة يسوع قد بدأت قي الجليل في 4: 12، وها هي تنتهي الآن. وقد بدأت رحلة يسوع إلى المدينة المقدّسة (من هنا يتبع مت مر بأمانة على المستوى الكرونولوجيّ وعلى المستوى الجغرافيّ).
"وحصل أنه لما فرغ" (آ 1). ق 28:7؛ 11: 1... "انتقل من الجليل...". ق 53:13؛ يو 10: 40-42. يرتبط مت بما في مر 10: 1. لم تذكر اليهوديّة ولا عبر الاردن منذ ف 3-4. أي خلال الرسالة الجليليّة. وهما يُذكران الآن. فالمواضع التي كان فيها يسوع في البداية (2: 3؛ 3: 1؛ 4: 25)، تظهر الآن. يفترض القارئ أن يسوع ذهب من الجليل إلى اليهوديّة عبر بيرية وهذا ما يتماسك مع 10: 5: لقد تحاشى يسوع السامرة. وهذا يتناسق أيضًا مع 4: 25 حيث "عبر الاردن" يعني "بيرية".
"فتبعته جموع غفيرة" (آ 2). جملة مميّزة عند متّى (رج 24:4، 25؛ 8: 1؛ 12: 15؛ 14: 14؛ 15: 35). "وشفاهم". أي "شفى المرضى بينهم". وقد يكون مت رفض التوضيح مشدّدًا على أن كل واحد يحتاج إلى الشفاء: على مستوى الجسد أو على مستوى النفس. وقال: "إكاي" أي هناك. عبارة ملتبسة قد تعني "اليهودية" أو "بيرية".
خامسًا: الحوار (3:19- 12)
انتهت خطبة كبيرة (18: 1-35). غير أن هذا لا يعني أننا نترك خطبة يسوع هنا. إن آ 1-2 قالتا لنا ما فعله يسوع. ولكن من آ 3 حتى آ 28، انحصر العنصر الاخباري، وعاد النصّ إلى ما قاله يسوع.
* التقليد التاريخيّ
إن التقليد التاريخيّ لما في آ 3-12 هو موضوع جدال. (1) في البداية هناك خبر صراع في مر 10: 2-9. ووحدته معقولة جدًا. غير أن بعض الشرّاح جعلوا موقعه في ما بعد الفصح والقيامة. ورد النصّ من السبعينيّة وهذا ما لا يرضاه الفريسيون الذين سألوا: هل يحل الطلاق؟ وقال آخرون إن البرهان لا يرتبط بالسبعينيّة، وإن الفريسيين سألوا يسوع عن رأيه في هذا الجدال. أما نحن فنتخيّل بصعوبة أن يكون يسوع، ومحيطه هو ما هو، ومحيطه يعتبر أن الطلاق مسموح به في التوراة، أن يكون قد قدّم حكمًا في هذا الجدال بشكل اعلان "فظ"، دون أي برهان أو عودة إلى مسألة تث 24: 1. لهذا السبب، ولأن العودة إلى تك وإلى البدايات تتماسك مع النظرة الاسكاتولوجيّة، لا نستبعد إمكانيّة تقول بأن مر 10: 2-9 يعكس جدالاً تاريخيًا آنيًا. (2) إذا كان التقليد قد ظهر في فلسطين، فقد نُقل إلى اليونانيّة، وذُكر النص المشابه من السبعينيّة. (3) إن مرقس (أو مرجعه) زاد على 10: 2-9 القول العام الذي نقرأه في آ 11-12 بواسطة آ10 (سأل التلاميذ في البيت). عادت آ 11 إلى يسوع (رج آ 9). أما آ 12 فهي قد وُلدت في محيط لا يهوديّ. وما نقرأه في آ 1 هو مرقسيّ. (4) وفي النهاية، أدخل الانجيليّ بعض التعديلات.
* سؤال وجواب (آ 3- 6)
"ودنا إليه الفريسيون" (آ 3). نحن هنا أمام الفريسيين الذين سبق وتكلّمنا عنهم. هم يجرّبون يسوع، يدفعونه إلى معارضة التوراة (آ 7). "هل يحلّ للرجل"؟ الرجل وحده (لا المرأة) يحقّ له أن يطلب الطلاق. ما هو تفسير يسوع لما في تث 24: 1 (لأية علّة)؟ بدا متّى هنا قريبًا من عالم الجدال اليهوديّ في أيّامه. اعتبرت مدرستا هلال وشمعي أن الشريعة تسمح بالطلاق، ولكنهما اختلفتا حوله السبب الذي يسمح بالطلاق. هل يقبل يسوع بموقف هلال المنفتح أو موقف شمعي المتشدّد؟
عاد يسوع بمعارضيه مباشرة إلى تك 1: 27، فأجاب على سؤالهم حول الطلاق مشدّدًا على إحادية الزواج (رجل واحد وامرأة واحدة، المونوغاميّة). "خلقهما ذكرًا وأنثى" (آ 4). رج مر 10: 6؛ تك 1: 27= 5: 2 (حسب السبعينيّة). "أما قرأتم"؟ بلى قرأ الفريسيون (رج 12: 5). ولكن سؤال يسوع يدعوهم إلى أن يفهموا من جديد ما تعني هذه الآية الكتابيّة. رجل واحد وامرأة واحدة. ظنّوا أنه سيتعدّى الشريعة ويدمّرها، فإذا هو يثبّتها، يتمّمها، ويعلّمها.
وتابع يسوع، فأورد نصًا آخر من الكتاب. تك 2: 24 الذي هو ضدّ تعدّد الزوجات وضدّ الطلاق. فأمرُ الخالق هو مرّة أخرى الموجِّه نحو النظام الأخلاقيّ. "قال" (آ 6). أي: قال الخالق. ويسوع يورد كلامه. "يترك الرجل أباه وأمّه". ق يوبيلات 3: 7؛ أف 5: 31. إن لفظة "الاثنين" التي سقطت من النصّ العبري الماسوريّ، موجودة في السبعينيّة (اليونانيّة) ومفترضة في الشعبيّة (اللاتينيّة) والبنتاتوكس السامري، والترجوم السامري والبسيطة (السريانيّة) وعدد من التراجيم (يوناتان المزعوم، نيوفيتي، الاجزاء). نقرأ في ملا 2: 16: أنا (الله) أبغض الطلاق"
* اعتراض وجواب (آ 7- 9)
واعترض الفريسيون: إن يسوع يناقض موسى. قال لهم يسوع: "لقساوة قلوبكم". جاء مر 10: 3-4 مختلفًا عن مت. شدّد الانجيل الأول على معارضة الفريسيين. لا على يسوع المربّي: هم ما أجابوا على سؤال يسوع، بل راحوا في معارضتهم. وجاء جواب يسوع لا بإيراد الكتاب، بل بتفسير تث 24: 1، وإيضاح السبب الذي لأجله سمح الله لموسى بالطلاق. قالت مر 10: 5: "كتب لكم هذه الوصيّة". أما مت فقال: أذنَ، سمح. فموسى لا يوصي بالطلاق، بل يسمح به بسبب قساوة القلوب.
ليست النقطة الرئيسيّة أن نقول إن تعليم تك هو من الله، وتعليم تث هو من موسى. ولكن، أن نقول إن تعليمات تث 24: 1 جاءت تنازلاً تجاه قساوة القلوب التي هي كالحجر على المستوى الخلقيّ والدينيّ. ما أراد يسوع أن يمرّ قرب تث 24: 1 وكأنه يريد أن يتخلّص من هذا النصّ، بل أن يلفت الانتباه إلى أمر هام جدًا مال الفريسيون إلى تجاهله. وهو التمييز بوضوح بين عنصرين في شريعة العهد القديم: من جهة هناك إرادة الله بشكل مطلق، إرادته ذاتها التي لا تتأثّر بالخطيئة البشريّة. ومن جهة ثانية، تلك العناصر التي تُؤخذ في عين الاعتبار، خطيئة البشر، والتي لا تدلّ على كمال الله ولا على إرادته المطلقة بل على إرادته التي تتجاوب مع ظروف تأتي بها خطيئة البشر. ويسوع الذي امتلك تبّاعه قلبًا من لحم لا قلبًا من حجر (حز 26:36)، يطلب التوافق مع إرادة الله كما عُبّر عنها منذ الابتداء. فالنهاية تشبه البداية. ومجيء الملكوت هو بداية إعادة الفردوس، ووحدة الخلق مع الفداء، والتحقيق النهائي لمشروع الله منذ الابتداء.
هناك موازاة بين مت 19 وتث 17: 14-20 (شريعة الملك). أخذ هذا المقطع بالملكيّة وأعلن لها فرائض الله. هي نظام غير كامل اختاره اسرائيل لا الله (قض 8: 22-23؛ 1 صم 8: 4-22). وهنا أيضًا بدت التوراة وكأنها مساومة وتنازل من قبل الله تجاه البشر.
كيف صار تث 24: 1 تنازلاً من قبل الله لقساوة قلب البشر؟ هناك واقعان. الأول، مع أن الطلاق اعتبر هبة في عدد من نصوص العهد القديم (لا 7:21، 14؛ 13:22؛ عد 9:30؛ تث 29:22: حالة لا يُسمح فيها بالطلاق؛ عز 10؛ نح 13)، ففي نصوص أخرى يعتبر الطلاق خطأ (لا 18:18؛ تث 24: 4؛ ملا 2: 16). ثم إن لا 7:21؛ حز 44: 22 يمنعان الكهنة من الزواج بمطلّقة. وهذا ما يدلّ على أن الطلاق على نقيض القداسة. الثاني، سمح العهد القديم بالطلاق، وما أوصى به. وهو يأمر به فقط في تث 24: 1-4: طلّقها زوجها فهو لا يستطيع أن يستعيدها. وهكذا صحّح يسوع مقال الفريسيين. لم يأمر موسى، لم يوص بالطلاق، بل سمح لقساوة قلوبكم. وهكذا نكون أمام موقع يكون فيه شرّان فنختار الشرّ الأقلّ.
"ولكن في البدء، لم يكن الأمر كذلك". قال مر 6:10: "منذ بدء الخلق جعلهم ذكرًا وأنثى". إن فكرة أولويّة في الزمن، تدلّ على أولويّة إرادة الله كما نقرأها في الأناجيل. نجد شيئًا مماثلاً في غل 3: 15-20. قال بولس إن الوعد لابراهيم هو أساسيّ أكثر من الشريعة التي جاءت فيما بعد. سواء دلّ هذا البرهان على معرفة بولس لتقليد يسوع، أو كان مجرّد مصادفة، فنحن نجد في العهد القديم موازاة من هذا النوع. فالتاريخ الاشتراعي أخضع العهد مع داود لعهد سبقه هو العهد مع موسى.
"وإني أقول لكم" (آ 9). عبارة احتفاليّة أقوى ممّا في مر 10: 11 الذي يقول: "وقال لهم". رج مت 32:5: "ولكن أقول لكم أن". "من طلّق امرأته...". هذا ما قاله مر 10: 11 ما عدا "إلاّ في حالة الزنى" (بورنايا). يبدو أن مرقس ولوقا أبعدا حالة الزنى من البرهان. كان الطلاق مفروضًا بعد الزنى في الجماعات اليهوديّة. أما هنا فهو تنازل. نشير إلى أن راعي هرماس (الوصايا 4: 1) ويوستينوس (الدفاع الثاني 2) وترتليانس (ضد مرقيون) قد علّموا أن الانفصال بين الزوجين يتبع الزنى.
وتبقى المسألة: هل يُسمح بالزواج للزوج البريء؟ هنا تختلف الكنائس. نشير إلى أن ترتليانس (في أواخر حياته) واكلمنضوس الاسكندراني وغيرهما منعا الزواج. أما في العالم اليهودي، فمن نال الطلاق سُمح له بذات الفعل بالزوال.
إن مت 9:19 يشجب تعدّد الزوجات بشكل غير مباشر. فلو سُمح بأن يكون للرجل امرأتان، فلا مشكلة إن كانت الأولى قد طلّقت حسب الشريعة. فالانسان يقدر أن يأخذ زوجة ثانية. وهناك خمسة نصوص ليسوع تمنع الطلاق: 1 كور 7: 10- 11؛ لو 16: 18 (المعين)؛ مر 10: 11- 12؛ مت 5: 31-32؛ 19: 9. من مت 5: 32 مع عبارة "ما خلا كلمة الزنى" (منع صرف المرأة وزواجها ثانية)، عبر 1 كور 7: 10- 11 (منع الطلاق بواسطة المرأة مع نظرة إلى الوضع التشريعيّ في العالم الهلنستي) و1 كور 7: 12-16 (ما عدا الزواج المختلط)، ولو 16: 18 ومر 10: 11- 12 (منع الزواج ثانية للزوجين) إلى مت 5: 32 و 9: 19 (إلاّ في حالة الزنى). غير أن مت 5: 32 ليس نقطة الانطلاق، لأنه دمجٌ بين مر والمعين. فأصل التقليد يبدأ في 5: 32 أ (يستعيد المعين) أو يضم لو 16: 18 ومر 10: 11: كل من طلّق امرأته وتزوّج غيرها زنى (رج 1 كور 7: 11) فتحوّل التعليم في خطين يمنع المرأة من أن تطلّق زوجها وأن تتزوّج غيره (1 كور 7: 10؛ مر 10: 12، مقابل لو 16: 18؛ مت 32:5؛ 19: 9). هذا من جهة. ومن جهة ثانية يُمنع الزواج من مطلّق (لو 18:16؛ مت 5: 32 ب، مقابل 1 كور 7: 10؛ مر 10: 11-12). وأخيرًا زيد شواذان على القاعدة: هذا لا يغطّي الزواج المختلط (1 كور 7: 10- 11). كما لا يغطّي الزنى (5: 32؛ 19: 9). يعود التنظيم ضد الطلاق إلى يسوع. وهذا التنظيم جذريّ كما في مرقس والمعين وبولس. ويدلّ تاريخ التقليد أن الكنيسة أحسّت دومًا بالحاجة إلى توضيح هذا الأمر.
* اعتراض التلاميذ وجواب يسوع (آ 10- 12)
اختفى الفريسيون بعد أن انتفت الفائدة من جوابهم. وحلّ محلّ عدائهم، تعجّبُ التلاميذ. "إن كانت هذه حال الرجل مع امرأته" (آ 10). كلام تدويني. لم يكن متوقعًا. واعتراضهم لا يشرّفهم. تصرّفوا هنا كما سوف يتصرّفون حين يزجرون الأطفال (19: 13). وكما سيفعلون في حدث الشاب الغني فيقولون: "من يستطيع إذن أن يخلص" (19: 25). هم لم يفهموا. مجّد يسوع الزواج وسوف يمجّد البتوليّة. غير أن التلاميذ احتفظوا بنظرة إلى الزواج والطلاق قريبة ممّا في سي 6:25-16، واعتبروا أن الاحتفاظ بامرأة واحدة أمر ثقيل. استنتجوا ما استنتجه فلاسفة الرومان واليونان والاسيانيّون: "أولى بالانسان أن لا يتزوّج".
"فقال لهم" (يسوع) (آ 11). "ليس الجميع يفهمون هذا الكلام". هل تعود اللفظة (الكلام) إلى آ 3-9 أو إلى آ 9 (تعليم يسوع عن الطلاق)، أو إلى آ 10 (ما استخلصه التلاميذ من تعليم يسوع)؟ أو هل هي استباق لما سيقوله في آ 12 عن الخصيان؟
إن العودة إلى آ 3-9 أو آ 9 غير معقولة. فهذا ما يجعل آ 12 تتوجّه إلى الذين انفصلوا عن نسائهم وفرضوا عليهنّ أن يعشن في العزلة. ولكن (1) آ 9 لا تمنع امكانية الزواج أيضًا إذا كان الزنى سبب الطلاق. (2) هذا التفسير يعود إلى اكلمنضوس الاسكندرانيّ (الموشّيات 3: 49- 50). ولكن التقليد الآبائي يعتبر أن آ 12 قد قيلت عن البتوليّة لا عن الزواج ثانية. (3) عادت آ 12 إلى يسوع فدافعت عن حياة البتوليّة التي عاشها. (4) إن موهبة البتوليّة أمر شاذ، لا يقبل بها كل انسان. أما تعليم يسوع عن الطلاق فهو للجميع. (5) هل نجد أمرًا بعدم الزواج أم نحن أمام مجرّد توصية؟ وهكذا يعود "الكلام" إلى آ 12.
ويأتي القول عن الخصيان، فيدلّ على مثال يميّز التقليد الحكميّ. نحن هنا أمام ثلاثة أنواع من الخصيان. النوعان الأولان أمر معروف في المجتمع القديم، ويهدفان إلى ابراز النوع الثالث حيث يصون الانسان نفسه بكامل حرّيته من أجل الملكوت. فهذا الأخير هو من الخصيان، لا بسبب ضعف في الطبيعة، ولا بسبب ما فعل به الناس. هو ما تزوّج. ليس لأنه لا يستطيع أن يأخذ امرأة، بل لأنه لا يريد. فالواجب الذي وضعه أمامه ملكوتُ الله، حرّره من واجبات الزواج. في القرن الثاني كان حديث عن البتولين والبتولات، واعتبرت البتوليّة أسمى من الزواج، حتى في أيام بولس الرسول.
نستطيع أن نقابل هذا الكلام مع موقف بولس في 1 كور 7 و9. عرف الرسول أنه يحقّ له، شأنه شأن سائر الرسل وإخوة الرب وكيفا، أن ترافقه امرأة (9: 5). ولكنه لم يفعل، لم يلجأ إلى هذا الحقّ، لأنه اعتبر ذلك عائقًا في طريق الانجيل (9: 12). وهكذا اعتقد بولس أنه من الأفضل أن لا يتزوّج ساعة كان باستطاعته أن يتّخذ امرأة، ساعة كان يحقّ له أن يفعل. ترك قلق الحياة الزوجيّة ومسؤولياتها. هل عرف بولس القول حول الخصيان؟ كلا، على ما يبدو. ولكن لاشكّ في التشابه بين وجهة بولس ومت 9: 12.
سادسًا: يسوع والأطفال (13:19- 15)
وتقدّم الأطفال (الأولاد الصغار). فوضع يسوع يديه عليهم، وصلّى من أجلهم. نشير هنا إلى أن وضع اليد هو عمل ليتورجيّ. لم يرضَ التلاميذ عن هذا العمل. لا نعرف لماذا فعلوا ما فعلوا. ولكن خطأهم أعطى يسوع المناسبة لكي يوضح عمله.
الفعل اليوناني يعني "قدّم" (عن أولاد صغار) أو "حمل" (عن أطفال). في مر 10: 13، يُحمل الأولاد. ليسوا الفاعل بل المفعول. "يُحملون". يحملهم الآخرون. زجر التلاميذ الناس، فزجرهم يسوع، فجاء كلامه في أمر، ومنع، وشرح. دعوا الأولاد. لا تمنعوهم. فلمثل هؤلاء ملكوت السماوات.
وجسَّد يسوع كلامه في العمل (آ 15). "وضع يديه عليهم". نقرأ في انجيل توما (22) ما يلي: "رأى يسوع أطفالاً يُرضَعون. فقال لتلاميذه: هؤلاء الأولاد الذين يُرضعون هم مثل أولئك الذين في الملكوت. فقالوا له: أنكون أطفالاً لكي ندخل إلى الملكوت؟ فقال لهم يسوع: حين تصنعون الداخل والخارج... عند ذاك تدخلون إلى الملكوت" (رج الرسالة الاقليمية الثانية 12: 2؛ إنجيل المصريين في اكلمنضوس الاسكندرانيّ، الموشّيات 3/ 13: 92). نحن هنا أمام توسعّ ينطلق من الأناجيل الازائيّة.

3- النظرة اللاهوتيّة والروحيّة
أ- النظرة اللاهوتيّة
وانتقل مت من فعل إلى فعل، وجعل يسوع ينتقل إلى الجليل مع معطية طوبوغرافيّة غامضة (هناك). نستطيع أدق نفهم 19: 1 على الشكل التالي: حسب الانباءات بالآلام، ترك يسوع وتلاميذه الجليل لكي يعبروا (ماتايرو) (رج 13: 53) إلى اليهوديّة، لهذا، لم يمروا في السامرة، بل اجتازوا الاردن ووصلوا إلى منطقة اليهوديّة في شرقي الاردن، ثم اجتازدوا الاردن مرة ثانية (كما فعل يشوع) ليصعدوا إلى أورشليم.
وتأتي عبارة مقولبة (آ 2) كما في 12: 15. عند مر، يسوع يعلّم. أما هنا فيسوع يشفي. ففي النظرة الانجيليّة، يدلّ نشاطا يسوع هذان على سلطته المسيحانيّة. نشاطان عجيبان لأنهما يدلاّن على هويّة يسوع، ولهذا سيبدأ الصدام سريعًا مع الفريسيين.
في مر، سأل الفريسيون يسوع: هل يستطيع الانسان أن يطلّق امرأته؟ في مت، جاء سؤالهم موافقًا للجدالات اليهوديّة في ذلك العصر: هل يحق للرجل أن يطلّق امرأته لأجل كل علّة؟ كيف نفسّر تث 24: 1؛ حوالى سنة 135، علّم رابي عقيبة أنه يكفي الرجل أن يرى امرأة أجمل من زوجته ليطلّق زوجته. ولكن العلماء لم يكونوا كلهم من هذا الرأي. ويروي يوسيفوس بإيجاز: "ما رضيت في ذلك الوقت عن سلوك زوجتي فطلقتها. وكانت قد ولدت لي ثلاثة أولاد مات منهم اثنان". طلاق لا تُستشار فيه المرأة كما هو الأمر في عاداتنا التي أضاعت معنى الزواج. أما الفريسيون فأرادوا أن يوقعوا يسوع في فخّهم (بايرازاين، جرّب، أوقع في الفخ)، مبعدين عنه عددًا من المتعاطفين معه.
كانت الجدالات التقليديّة تطلب إرادة الله بدقّة. أما يسوع فعلّمنا كيف نكتشف هذه الارادة في الكتب المقدّسة. بدأ كعادته، فكشف لخصومه سطحيّة السؤال الذي يطرحونه عليه. ليس هو رابي أفضل من سائر الرابينيين، ولا عالمًا أعلم من سائر العلماء. هو يحدّد موقعه في خطّ الأنبياء الكبار في العهد القديم. وما أبرز يسوع قدَم نظام الزواج، بل أولوية قصد الله الخالق (على مستوى الواقع). وتضمّن الاستشهاد الكتابي مقطعين حسب نصّ السبعينيّة. في الأول، نجد آخر كلمات تك 1: 27، التي يسبقها ذكر الخالق (كتيسوس، رج كو 1: 10). في الثاني نجد تك 2: 24 مع بعض التحوّلات.
ماذا اكتشف يسوع في الخبر التوراتي؟ عناصر تشدّد على عدم انحلال الرباط الزوجيّ. بما أن الله صنعهم ذكرًا وأنثى، فالرجل والمرأة يتعلّقان الواحد بالآخر. هما يستطيعان بل يتوجّب عليهما ذلك طاعة لارادة الله المكتوبة في اختلافاتهما الطبيعيّة. لم يهيّأ الرجل والمرأة لكي يصيرا جسدًا واحدًا. هم منذ الآن جسد واحد. من يوحّدهما؟ الله. لا إرادة البشر أكان الأهل أو القبول المتبادل. لا الشريعة التي تبقى خارجيّة وبدون روح إن لم ينعشها الله.
وبدا متّى معلّمًا، فأدخل هنا فريضة تث 24: 1 حول رسالة الطلاق كاعتراض كتابي قدّمه الفريسيون ليسوع. نلاحظ هنا أسلوبًا معروفًا. لم يجعل يسوع تجاه هذا الاعتراض البيبلي سلطة فرديّة أو روحيّة. بل استند هو أيضًا إلى الكتاب المقدس يفهمه في معناه الأساسيّ. دلّ على أنه مفسّر بارع حين أظهر مستوى الأهميّة لمختلف النصوص البيبليّة. انطلق من فريضة تث التي قد تكون مفيدة، والتي لا يرفض في المبدأ تطبيقها الدارج، فوصل إلى مخطّط الله الخالق المسجَّل في سفر التكوين.
أشار يسوع إلى قساوة القلب (سكليروكرديا) التي نقرأها في اليونانيّة البيبليّة ثم في المسيحيّة (تث 16:10؛ إر 4: 4؛ سي 6: 10)، والتي تعني عصيان الانسان وعناده أمام الله وأوامره. في مر 16: 14 ترافق "قساوةَ القلب"، رفضُ الانسان بأن يؤمن (أبستيا). ففي بشريّة متمرّدة على وصايا الخالق، قد يكون للفريضة الموسويّة بعضُ النفع، ولاسيّما في ما يخصّ المرأة التي هي الكائن الأضعف. ولكن لا نمزج بين هذه الفريضة المحدودة في مدلولها، وقصد الله تجاه الرجل والمرأة. ما يريده الله هو أن يظلاّ متّحدين، أن لا يفترقا.
مع آ 9 نصل إلى قول يسوع الذي أرادت المقطوعة أن تطبعه في العقول. وقد لعب دورًا كبيرًا في التقليد الشفهي. لأننا نجده مع اختلافات ملحوظة في مر 10: 11؛ مت 5: 32؛ لو 18:16. أما الصعوبة فتعود إلى القاطعة في نصّ متّى: إلاّ في حالة الزنى أو الزواج اللاشرعيّ. كيف نفسّر قول يسوع هنا؟
* إذا قرأناه خارج سياقه، نستطيع أن نفهم أن الرجل يستطيع أن يطلّق امرأته ويتزوج أخرى في حال الزنى. ولكن الشرّاح تخلّوا اليوم عن هذا التفسير لأنه يصطدم بسياق مت العام، الذي يفرض عدم انحلال الزواج بشكل مطلق، كما يعارض نصّ مر ولو.
* وظنّ بعض الشرّاح أن مت قدّم تخفيفًا لقول يسوع كما نجده في مر ولو، وحتى في مت 19: 6 ب: يسمح بالطلاق في حالة زنى المرأة، ولا يسمح بالزواج مرّة ثانية.
* مهما كان الأمر لا يُسمح بالطلاق (آ 6 ب). ولكن في حال زنى المرأة يعتبر الرباط الزوجي وكأنه قد انقطع. لسنا أمام طلاق، بل ملاحظة لواقع استجدّ. ما هي النتائج التي نستخلصها من هذه الانقطاع الواقعي؟ هنا تختلف الآراء. هناك من يعتبر القطيعة ناجزة فيكون الطلاق والزواج من امرأة ثانية. تلك كانت ممارسة معروفة في العالم اليهوديّ، في زمن يسوع. وهناك من يعتبر أن الله لا يرضى عن هذا الانفصال وأنه غير مؤسّس في الواقع. عند ذاك لا طلاق وكل زواج آخر يصبح مستحيلاً.
هناك موقف يقول بالطلاق دون الزواج. ولكن يُطرح السؤال: هنل هناك فعل أم لا؟ فإن انقطع الزواج بالزنى، يجب أن يُسمح بالزواج. ولكن الأمور ليست بهذه البساطة.
* ويطرح السؤال حول معنى "بورنايا" (أع 15: 20). فقد تعني زواجًا تحرّمه فرائض اللاويين. منع المسيح المتّاوي مثل هذه الطلاقات ليقف بوجه عصره الذي سمح بالطلاق للمرتدين الجدد.
أما الخلاصة فنجدها في آ 6 ب: استبعاد كل طلاق وانفصال. وإن آ 9 لا تقدّم تخفيفًا، بل تقوّي سلطة الشريعة ضدّ أقوال الرابينيين. "ما جمعه الله لا يفرّقه الانسان".
وتأتي آ 10-12 الخاصة بمتّى فتبرز تعليم يسوع حول دعوة أخرى غير الدعوة إلى الزواج. هي الدعوة إلى العفّة والبتوليّة. لاشكّ في أن الزواج كان واجبًا دينيًا في العالم اليهوديّ في زمن المسيح (ما عدا بعض الشواذات) وهذا ما شدّد عليه يسوع. وفُتحت نافذة جديدة في خطّ الأسفار الحكميّة التي اعتبرت أن الزواج العقيم قد يكون له ثمر.
أعلن يسوع عدم انحلال الزواج. أبدى الرسل استغرابهم. اعترضوا ضدّ هذه القسوة التي تجعل وضع الرجل لا يُحتمل. فأجاب يسوع هنا كما في مواضع أخرى (13: 10-13) أن التلاميذ وحدهم يستطيعون أن يتقبّلوا هذا التعليم ويعملوا به. ليس الزواج الأمين معطية طبيعيّة. هو يحتاج إلى نعمة من الله. وكذلك العفّة والبتوليّة. وهنا تأتي الاية (آ 12) حول الخصيان مع التشديد على أولئك الذين خصوا نفوسهم، كرّسوا ذواتهم في البتوليّة من أجل ملكوت الله حيث لا يزوّجون ولا يتزوّجون.
ونصل في نهاية هذه القراءة اللاهوتيّة إلى مشهد صغير فيه يضع يسوع يديه على الأطفال، فيباركهم. اعتاد الناس أن يقدّموا الأطفال (8:2- 21؛ 11: 16؛ 14: 21؛ 18: 2) للمعلّمين ليباركوهم (كما نفعل اليوم أيضًا) دون أية فكرة سحر. رفض التلاميذ هذا الوضع. "زجروا" الناس (فعل قويّ كما في 16: 22؛ 18:17؛ 20: 31). هل هو الحسد؟ هل هي حركة عابرة تدلّ على عدم الصبر؟ بل نحن أمام لافهم لرسالة يسوع. وهذا ما تدلّ عليه آ 14.
ما اكتفى يسوع بأن يتوقّف، بأن يوبّخ التلاميذ (قال مرقس: اغتاظ)، بل جعل من فعلته تعليمًا تجاه كل الذين يتشّبهون بالأطفال. هي فكرة عامة ومحيّرة لسامعي يسوع، وأبعد من تلك التي قرأناها في 3:18. لسنا فقط أمام نداء لنصير مثل أطفال، بل أمام إعلان ووعد ملكي للذين هم كالأطفال: ملكوت الله لهم. فالعبارة والفكرة تذكّراننا بالتطويبات (رج 5: 3).
"لا تمنعوهم" (كولواين). هو فعل نجده في النصوص الازائيّة الثلاثة. وقد يكون لعب دورًا هامًا في ليتورجية المعموديّة في الكنيسة الأولى (أع 8: 36؛ 10: 47 11: 7؛ رج مت 3: 14 مع "ديا"). وقد استعمل هذا النصّ باكرًا (كما قال ترتليانس في "العماد" 18) في الجدال حول عماد الأطفال. وهكذا نكون مع هذا النصّ في العادات العماديّة في القرن الأول المسيحي.
طلبوا منه أن يضع يديه عليهم، ففعل. هذا لا يعني أنهم كانوا مرضى، بل أن يسوع يهتمّ بالصغار حتى في الساعات الحرجة من حياته. هؤلاء الأطفال يتعاملون مع يسوع كالأولاد مع والديهم والتلاميذ مع معلّميهم.
ب- النظرة الروحيّة
نتوقّف هنا بشكل خاص عندما يقوله العهد الجديد حول العفّة والبتوليّة. فنصّ مت هذا الذي درسناه، يترافق مع 1 كور 7 و 9. فيقدّمان لنا عناصر سوف يستفيد منها التقليد الكنسي على مرّ العصور ليُسند ما يعيشه المؤمنون في أيامنا.
* تبدو البتوليّة امكانية مسيحيّة عجائبيّة في نظر يسوع وفي نظر بولس. ويشهد رسوله الأمم أن هناك أناسًا عاشوها، مع أنه كان باستطاعتهم أن يختاروا الزواج فترافقهم "أخت" في رحلاتهم الرسوليّة.
* تترافق البتوليّة دومًا مع الزواج. فما نقرأ في مت 19: 12 و1 كور 7: 25-35، نجده في سياق يتحدّث بالدرجة الأولى عن الزواج. هذا يعني في الفكر المسيحي والممارسة، أن الواحد لا يمكن أن ينفصل عن الآخر. لا نتحدّث عن البتوليّة دون الزواج، ولا عن الزواج دون البتوليّة. إذا كان للزواج قيمة كبيرة في الحياة المسيحيّة، فالبتوليّة تبدو أيضًا كقيمة أخرى تتوافق مع الجديد الانجيليّ.
* حين نضع البتوليّة تجاه الزواج، فنحن لا نتوقّف عند ثنائيّة انتروبولوجيّة (معارضة بين الروح والمادّة)، ولا عند بواعث نسكيّة (حرب ضدّ الجسد وشهواته من أجل السيطرة على الذات)، بل على اعتقاد يقول إن الزواج ليس الشكل الأخير للحياة المسيحيّة. إن شكل هذا العالم يزول. ففي السماء لا يزوّجون ولا يزوَّجون. فتجاه هذه النظرة الاسكاتولوجيّة تتّخذ البتوليّة معناها، وفي هذا المناصب تمارَس.
* تُطرح البتوليّةُ في مت 19: 12 و1 كور 7: 25-35 كنعمة وموهبة ينالها بعض الناس فقط. وهم يأخذون بها "من أجل الملكوت"، بفرح يشبه ذاك الذي وجد كنزًا في حقل، أو اكتشف درّة ثمينة (13: 44-45). هكذا يفلت الانسان من هموم الساعة الأخيرة، يتحرّر من كل همّ، فيركّز حياته كلها على خدمة الله والآخرين (1 كور 7: 32- 35).
* إن الصورة القاسية عن الانسان الذي "يخصي" نفسه، تدلّ على الطابع العنيف والمؤلم الذي ترتديه الدعوة إلى البتوليّة. فملكوت الله يؤخذ عنوة. وهكذا البتوليّة. أما البتول فيبدو "شجرة يابسة" (أش 56: 3) تجاه القاعدة العامّة في الحياة البشريّة. يبدو عائشًا على هامش المجتمع كما كان الخصيان في المجتمع القديم. ونصوص لوقا التي تفرض التخلّي عن الزوجة لمن يريد أن يسير في خطى يسوع، تدلّ على أن القرار الذي نتّخذه لعيش البتوليّة، يؤلمنا ويمزّقنا.

خاتمة
نسوق في هذه الخاتمة الملاحظات التالية:
1- رفض المرقيونيون والمتعفّفون والاوستاتيون الزواج، فاعتبرتهم الكنيسة الكبرى هراطقة. واعتبر الجسم المسيحي أن الزواج عهد بين شخصين وبين الله، أنه سرّ. وأعطيت البتوليّة مكانة سامية منذ راعي هرماس وأوغسطينس ومجمع ترنتو... وقرأ ايرونيموس مت 19: 10-12 على أن يسوع يحبّ البتولين على الآخرين. واعتبر أن البتوليّة أفضل من الزواج. لأن تلك كانت حال آدم قبل السقطة. وجعل ميتوديوس كل كرامة للبتوليّة. ولكن لا ننسى أن الزواج هو جزء من النظام الطبيعيّ. هذا النظام يأتي من عند الله ولو جاء النظام الاسكاتولوجيّ. خلق الله الرجل والمرأة ليكونا جسدًا واحدًا، وقد جمعهما في الزواج. وهو يدعو أيضًا البعض لكي يعيشوا البتوليّة، لا لأن المرأة شرّ، ولا لأن حياة مشتركة بين الذكور (أو: الإناث) مفيدة، ولا بسبب تعبّد لـ "الطهارة"! فالاله الواحد يقف على مسافة واحدة بين المتزوّج واللامتزوّج. والانسان هو الذي يختار: "كل واحد له من الله موهبة خاصة. فللواحد هذه (الزواج) وللآخر تلك" (البتوليّة) (1 كور 7: 7).
2- حسب 22: 30 (في القيامة لا يزوِّجون ولا يتزوَّجون)، الحياة في الدهر الآتي تكون مثل حياة الملائكة، حيث لن يعود من مكان للزواج. وهكذا يقدّم مت فكرتين. الأولى، البتوليّة هي حياة ملائكيّة (قبريانس في البتوليّة، افرام في الفردوس، امبروسيوس في تحريض على الزواج). والثانية، إن البتوليّة تحقّق في هذه الحياة مجد العالم الآتي. هنا يتبع متّى انجيل مرقس الذي قد يكون تبع تقليدًا سابقًا لمرقس.
3- نلاحظ أننا مع ف 19 في إطار الحياة العائلية مع الزواج والطلاق والبتوليّة والأولاد والمال والخدمة. وهكذا بين نهاية عمل يسوع في الجليل والصراع الأخير في أورشليم، قدّم لنا يسوع تعليمًا في الحياة العائليّة والاجتماعيّة يتوازى مع 6: 1-7: 12. وتوقّف بشكل خاص عند الأولاد حيث يعطى الملكوت لأمثالهم. لهذا نقتدي بهم وننتظر كل شيء من الآب السماوي كالأبناء الأحباء.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM