مخلّع كفرناحوم

مخلّع كفرناحوم
2: 1- 12

مجدّوا الله وقالوا: "ما رأينا مثل هذا في حياتنا".
انطلق معلّمو الشريعة من عمل يسوع، ليضعوا نقاط استفهام على هذا العمل. ولكن يسوع لم يهتمّ، فبدأ يعظهم بكلام الله. ونحن نحترم الناس إحتراماً زائداً فنتكلّم أقل ما يمكن عن حضور الله، عن حضور الملكوت. أما يسوع فلا يتصرّف هكذا. فهو مع إحترامه للإنسان يوضح الأمور منذ البداية.
ماذا كان يعظ يسوع؟ لا يقول لنا مرقس ما الذي قاله يسوع. فكلمة يسوع هي شخصه بالذات. تكلّم عن كيانه. إنه الكلمة، ويكفي أن يتكلّم لكي يكون الله حاضراً.
جاء المخلّع يحمله أربعة رجال. لماذا أربعة؟ هناك تفسيران. الأول: أنهم يمثّلون التلاميذ الأربعة الذين دعاهم يسوع. إذن، هؤلاء الأربعة يمثِّلون التلاميذ الذين يحملون الناس إلى يسوع ليشفيهم. والتفسير الثاني: الرقم 4 يدل على المسكونة بأقطارها الأربعة. إذن، يمثل هذا المخلّع العالم كله الآتي إلى يسوع. وحمله الأربعة، لأنه لا يستطيع أن يخلّص نفسه بنفسه. لهذا يحتاج إلى يسوع، يحتاج إلى تلاميذ يسوع.
رأى يسوع إيمانهم. لا يقول الإنجيلي: رأى يسوع ما فعلوا. أرادوا أن يوصلو المخلع إلى يسوع. حملوه بيدهم، وحملوه أيضاً بأيمانهم. وتغلّبوا على الصعاب، وكأن الشعب الواقف على الباب حاجز بين الناس ويسوع. الناس الذين كانوا على الباب جاؤوا لينظروا. هم سيتعجبوّن فقط. متى سينطلقون في مسيرة الإيمان؟ عليهم أن يتبعوا يسوع حتى النهاية، حتى الآلام والموت والقيامة.
جاؤوا إليه بمخلّع، بمريض يطلب شرفاء الجسد... وبدا يسوع وكأنه ينسى مرض الجسد. قال للمخلّع: "مغفورة لك خطاياك". هناك في العقلية البيبلية، وفي عقلية عدد كبير منا، علاقة بين الخطيئة والعاهة الجسدية (أية مصيبة كانت). في يو 9 رأى التلاميذ رجلاً أعمى منذ مولده. سألوا يسوع: من أخطأ، هو أم والداه؟ لماذا وُلد أعمى؟ سؤال خاطىء؟ أجاب يسوع: لا هو أخطأ ولا والداه. حيث عاهة أو مرض، هناك علامة عن واقع غير صالح. نحن نعيش في عالمٍ يعرف الشرّ. والمرض والألم يذكّراننا بذلك. أجل، ليس الشر فقط شيئاً خارجياً يصل إلى الجسد. هناك علاقة بين "شر" الجسد وشرّ عميق هو الشرّ الأدبي، شّر الحرية. أراد يسوع أن يبيّن ذلك، فدخل إلى قلب هذا المخلّع، وأراد أن يحرّره من الداخل قبل أن يشفي مرضه الجسدي.
هناك علاقة عامة بين الخطيئة والألم بكل أشكاله، ولكن ليس من علاقة ضرورية بين هذا المرض وتلك الخطيئة. بين ألم أتحمّله وخطيئة قد أكون أقترفتها. مثل. هذه النظرة تجعل من الله رجلاً قاسياً "يراقب" الناس ويعاقبهم على هذا الأرض عن كل ما يفعلون. لا، فالله أب محبّ وحنون، وهو يعرف أن يطيل باله علينا حتى نعود إليه. قد تكون هناك أمراض مرتبطة بتصرّفنا المخطىء (السكر والعربدة) أو مرتبطة بوالدينا (عاهة جسدية بسبب الوراثة). ولكن الرب هو معنا ليساعدنا على الخلاص من كل شر جسدي أو نفسي. إنّه الإله الذي يحرّر كما نقرأ في برنامجه في الناصرة: "لأنادي للأسرى بالحرية، وللعميان بعودة البصر إليهم" (لو 4: 18).
غفر يسوع خطايا المخلّع، فتذمر الكتبة. يسوع هو أكثر من طبيب يشفي الجسد. إنه يشفي القلب. وسيكون شفاء الجسد (الذي يُرى) علامة عن شفاء القلب، عن غفران الخطايا (وهذا لا يُرى).
الخطيئة أمر مهمّ جداً. فالخطيئة لا تكون إلا تجاه الله. الخطيئة هي إغاظة لإله عقد عهداً مع البشر. لا أستطيع أن أخطأ إلا تجاه شخص يحبّني. والخطيئة هي رفض لهذا الحب. بما أن هناك علاقة محبة بين الله والإنسان، أستطيع بخطيئتي أن أقطع علاقة المحبّة هذه.
بما أن الخطيئة هي معارضة لله ولحبّه، فالله وحده هو الذي يغفر لي. لأن كل خطيئة، حتى التي تجرح المحبة الأخوية، تغيظ في النهاية الله.
قال يسوع للمخلّع: مغفورة لك خطاياك أو غُفرت لك خطاياك. صفة المجهول تدلّ على الله. ومع ذلك، أحسّ الكتبة أن يسوع لا يُشبه الأنبياء، في إعلانه غفران الخطايا. إنه أعظم من نبي. ومع ذلك، لا يفرض يسوع نفسه. لم يقل: أنا أغفر لك. لم يُرد أن يُعرَف الآن على أنه يملك سلطان الحلّ من الخطايا. هو لا يقول، ولكنه يدعو الحاضرين لكي يذهبوا أبعد من ذلك ويكتشفوا في يسوع ذاك الذي يغفر الخطايا... وإن كان الله وحده يغفر الخطايا، فليكتشف الحاضرون أن مهمّة هذا "النبيّ" هي مهمّة إلهية. وقد يكون هو الله بالذات جاء إلى أرضنا.
ما هو إيماننا بيسوع؟ هو النبي؟ هو صانع العجائب؟ هو غافر الخطايا وبالتالي هو الله. هو لا يجدّف. ولو جدّف، لا سمح الله، واعتبر نفسه ابن الله وهو ليس كذلك، لما استطاع أن يجترح المعجزة. جدّف الكتبة على الروح القدس ورفضوا الحقيقة الآتية من عند الرب. ونحن هل نعرف أن نكتشف حضور الله في حياة العالم، في حياة الذين حولنا؟

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM