الفصل السادس: توجيهات من أجل الرسالة

الفصل السادس
توجيهات من أجل الرسالة
10: 9-16

يشكّل مت 10: 5-16 المقطوعة المركزية في الخطبة الرسولية. إنه يقدّم النواة الأولى كما نجدها في مر ولو.
فضّل مت أن يجمع في خطبة واحدة مراجع متعدّدة وصلت إلى يده. وهكذا حصل على شميلة متناسقة في "رفيق المرسل" الذي هو الخطبة الرسوليّة. كما أنه كشف عن هدفه اللاهوتي.
قال أحد الشرّاح: مزج مت أمورًا جاءته من مصادر متنوعّة: الرسالة في الجليل، المهمّات الرسوليّة في أرض الأمم. النظرة الاسكاتولوجيّة. ولا ننسَ أن النظرة الاسكاتولوجيّة كانت في أفق الرسالة في الجليل كما في أفق الرسالة وسط العالم الوثني. فالرسالة الجليليّة دخلت في وجهة أوسع هي إقامة ملكوت الله. وتداخلت المراحل المتعاقبة الواحدة في الاخرى، وكانت المرحلة المحليّة اعلانًا سريًا ورمزيًا للمرحلة الشاملة. وتطلّعت هاتان المرحلتان إلى المرحلة الأرضيّة للملكوت الاسكاتولوجي.
هذا يعني أن خطبة الرسالة في الجليل تحافظ على كل أهمّيتها من أجل الرسول اليوم. وهكذا نكتشف أن توصيات يسوع تتوجّه إلى تاريخنا وتجعلنا نكتشف رسالتنا.

1- إلى الخراف الضالة
هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع بعدما أوصاهم قائلاً: "لا تسلكوا طريقًا إلى الوثنيين، ولا تدخلوا مدينة للسامريين. بل انطلقوا بالحريّ إلى الخراف الضالة من بيت اسرائيل" (آ 5-6).
انحصرت رسالة الاثني عشر في حدود الجليل، الذي يحدّه من الشمال أراضي لبنان وسورية الوثنية، ومن الجنوب السامرة التي تعتبر نصف وثنية. تشبّهت هذه الرسالة برسالة يسوع نفسه الذي أرسل في البداية "إلى الخراف الضالة من آل اسرائيل" (15: 24؛ رج أع 3: 26؛ 13: 46؛ روم 1: 16؛ 2: 9-10). إن اهتمام المسيح "رئيس الرعاة" (1 بط 5: 4؛ رج عب 13: 20) بالخراف المتروكة، وهو اهتمام حرّك عمق أحشائه (9: 36)، نجده الآن لدى تلاميذه. فعلى أكتافهم وُضع ثقلُ الضيق الذي تحسّ به خراف تبحث عن راعيها.
سمّيت هذه الخراف: "ضالة". لا شكّ في أن اسرائيل الذي قابله التقليد البيبلي بقطيع من الخراف، لم ينقصه الرعاة يوماً. ولكن نقصَ هؤلاء الرعاة الغيرةُ والاندفاع. وهكذا صارت بعضُ الخراف "ضالة" (إر 50: 6)، ذهبت إلى سبي بابل بسبب خطيئة رؤساء الشعب.
وسيكون عمل الرسول خلاصًا يحمله إلى هذه الخراف. على مثال "ابن الانسان الذي جاء يطلب ما قد هلك" (لو 19: 10). أجل ينطلق المرسل لينتزع من أنياب الموت خرافًا هي فريسة الهلاك.
ألغى لو ومر القول الذي فيه منع يسوع رسله من أن يذهبوا ليعلنوا الانجيل في الارض الوثنيّة وفي المدن السامريّة. هذه الحاشيّة القديمة انطبقت فقط على الرسالة في الجليل. بعد قيامة الربّ، كانت وصيّة طلبت من الرسل أن يحملوا البشارة إلى العالم أجمع (28: 19). أما مر ولو اللذان دوّنا الانجيل لمؤمنين جاؤوا من العالم الوثني، فما احتاجوا إلى إيراد هذه المنع من الذهاب إلى خارج العالم اليهوديّ. غير أن مت احتفظ به من أجل قرّائه المسيحيين الآتين من العالم اليهودي، والذين كانوا فرحين حين سمعوا يسوع يؤكّد محبة الله لشعبه في العهد القديم.

2- ملكوت السماوات قريب
"إذن، اذهبوا وأعلنوا: ملكوت السماوات قريب. اشفوا المرضى، أقيموا الموتى، طهّروا البرص، اطردوا الشياطين. مجّاناً أخذتم، مجّانًا اعطوا" (آ 7- 8).
انطبعت آ 7-8 بنشاط متّى التدوينيّ. فالينبوع الأولانيّ الذي انطلق منه الانجيليّ، تمثّل في نصّ لو 10: 9 الذي نقرأه في رسالة السبعين تلميذاً: "اشفوا المرضى الذين فيها. وقولوا لهم: قد اقترب منكم ملكوت الله". قام مت ببعض اللمسات في مرجعه، ليُبرز المبدأ الذي ينير هذه المقطوعة: كما يكون يسوع كذلك يكون تلاميذه.
على خطى يسوع أعلن المرسلون أولاً بشرى الملكوت واجترحوا المعجزات (مت 23:4؛ 35:9). على خطى يسوع أعلن انجيل يسوع بالذات: "لقد اقترب ملكوت السماوات". وسلطة الرب التي اعلنتها المزامير الملوكية في الماضي فأنشدت: الرب ملك! لتفرح الارض (مز 97: 1)، هذه السلطة قد تثبّتت الآن بمجيء الأزمنة المسيحانية. قد اجتاحت السماءَ والأرض. وصارت قريبة جدًا من القلوب التي انفتحت على الانجيل. صارت في متناول الناس الذين توجّهوا إلى الله. وإذ اراد مت أن يُبرز تماهي تعليم المرسلين مع تعليم يسوع، ومع تعليم يوحنا الذي يمثّل الشريعة القديمة (كل الانبياء والشريعة تنبّأوا إلى يوحنا، 13:11)، جعل في فم يوحنا ويسوع والمرسلين الاعلان عينه: "اقترب ملكوت السماوات".
نقرأ في 3: 1-2: "في تلك الأيام ظهر يوحنا المعمدان يعظ في بريّة اليهوديّة ويقول: توبوا، فإن ملكوت السماوات قريب". وفي 4: 17: "ومنذئذ طفق يسوع يعظ ويقول: توبوا، فإن ملكوت السماوات قريب" وفي 10: 7: "إذن، إذهبوا فأعلنوا أن ملكوت الله قريب".
من الواضح أن مت الذي فسّر تفسيرًا صحيحًا وبإلهام الروح، فكرَ يسوع، قد قدّم شهادة المرسلين كاستعادة لتعليم يسوع، كامتداد له، وتوسيع عبر الكون والأجيال. هذا ما سُمّي "انجيل يسوع المسيح" (مر 1: 1). وإذ نتأمّل عمله العجيب الذي ما زالت الكنيسة منذ تأسيسها تتمّه من أجل خير البشريّة، هذه الكنيسة التي تعرف أن شفاء النفوس يجب أن يبدأ في الاعتناء بالأجساد، إذ نتأمل هذا العمل نحلم بكنيسة رسالات تكون كلها، في نظمها وأفرادها وفي كل عضوٍ من أعضائها، لا انعكاس حضارة من الحضارات، بل تجسيدًا حيًا للانجيل، وإعلانًا يتجدّد دومًا لهذا الواقع الذي هزّ العالم: "ملكوت السماوات قريب".
وعلى مثال يسوع، اجترح المرسلون المعجزات التي تعلن مجيء الملكوت وتؤكّده. فمثل يسوع شفوا المرضى (4: 23- 24؛ 9: 35). ومثله أقاموا الموتى (18:9-25). ومثله طهّروا البرص (8: 1-4). ومثله طردوا الشياطين (4: 24؛ 8: 16، 28-34؛ 9: 32-33).
في هذا النشاط العجائبي، لا يجب أن يظهر المرسلون كصانعي عجائب، بل كمعلنين للملكوت. فعجائب يسوع ليست في نظر مت استعراضاً غريباً يقدّمه الله للجموع فتدهش، وهكذا يقودها بضربة ساحر إلى الايمان. كلا. فالمعجزات هي دلالة حسّية على سلطان الله على الكون وإشارة إلى مسيحانية يسوع. لهذا، حين أجاب يسوع موفدي يوحنا المعمدان اللذين سألاه إن كان هو "الآتي"، اكتفى بأن يدلّهما على ما فعل: "العميان يبصرون، العرج يمشون، البرص يطهـرون، الصمّ يسمعون، الموتى يقومون، والمساكين يبشّرون" (11: 5).
إن هذه اللائحة من المعجزات التي تنشد وتهلِّلُ شكرًا، تعلن أن الآمال المسيحانيّة التي أعلنتها النبوءات المسيحانية بدأت تتحقق في يسوع وفي مرسليه: "حينئذ تنفتح عيون العميان، وآذان الصمّ تنفتح. حينئذ يقفز الأعرج كالغزال ولسان الاخرس يهتف من الفرح" (أش 35: 5-6).
رسل مت ليسوا أولئك الذين يجترحون المعجزات أولاً، بل الذين يبشّرون بالملكوت، وهذه البشارة هي مجانيّة. نال الرسل موهبتهم مجاناً من المسيح. لهذا عليهم أن يعطوا مجانًا. فالمجانيّة هي علامة من علامات الأزمنة المسيحانية (أش 1:55-2؛ رؤ 6:21؛ 17:22). إن توصية يسوع بالمجانية لها أهميتها، وهذا ما تدلّ عليه الحياة في الجماعة المسيحية الاولى (أع 8: 9 ي). كان تعليم الشريعة لدى الرابينيّين من دون أجر. فقال رابي صادوق (50-2) إن التوراة لا تُستعمل كمجرفة لجمع المال. وكانوا يسمحون بأجر طفيف لتعليم العناصر الأولى. تلك كانت المبادئ. أما في الممارسة، فقد كان المعلّمون الاتقياء يستفيدون من التوراة ليجمعوا المال الوفير. لهذا تكلّم يسوع عن الفريسيين "الذين يأكلون أموال الأرامل بعلّة تطويل صلواتهم" (مر 12: 40).

3- لا تقتنوا ذهبًا ولا فضة
مت 9:10-10 مر 8:6-9 لو 3:9 لو 10: 4-7
رسالة الاثني عشر رسالة الاثني عشر رسالة الاثني عشر رسالة السبعين
لا تقتنوا ذهبًا واوصاهم قائلاً وقال لهم:
ولا فضة بأن لا يحملوا لا تحملوا لا تحملوا كيسًا
ولا نحاسًا شيئًا في الطريق للطريق شيئًا ولا زادًا
في أكياسكم إلا عصا فقط لا عصا ولا حذاء
ولا زادًا فلا خبزًا ولا زادًا ولا زادًا ولا تسلّموا
في الطريق ولا نقودًا في ولا خبزًا على أحد
ولا ثوبين أكياسكم ولا فضة في الطريق
ولا حذاء بل احتذوا بنعال ولا يكون
ولا عصا ولا تلبسوا ثوبين. لكم ثوبان.
لأن الفاعل لأن الفاعل
يستحقّ يستحقّ
طعامه. أجره.
وانطلق المرسلون على خطى يسوع في فقر عظيم قريب من "العري". فاقتدوا بابن الانسان الذي لم يكن له موضع يسند اليه رأسه في تجواله الرسولي (8: 20). لا فضة لهم ولا مزود من أجل خبز في الطريق. هم لا يحملون حتى عصا المسافر التي قد تساعدهم على الدفاع عن أنفسهم. فإعلان الملكوت لا يتمّ بالسلاح وضرب العصي. وجعلهم متّى يسيرون حفاة، وترك لهم ثوباً واحدًا على أجسامهم مثل الشحّاذين الجائعين.
وبان مرسلو مر أفضل حظًا من مرسلي مت. فلهم الحقّ بأن يحملوا عصا، ويلبسوا حذاء. أتُرى مرقس خفّف من توصيات يسوع ليجعل تطبيقها ممكنًا في القريب العاجل؟ ربما. فمن الناحية الأدبية بدت تعابير مت ولو اقرب إلى الأصل من تعابير مر. ومهما يكن من أمر، فحين تأتي العبارة في شكل مفارقة، تكون قريبة من عبقريّة يسوع الذي يحبّ الصور اللافتة. ولكن يبقى أننا لا نأخذ هذه الصور على حرفيّتها. إنها تدلّ على تجرّد تام وفقر مطلق. وهذا ما تثبته ممارسة يسوع: هو الذي عاش في فقر تام، لم يرفض مساعدة النسوة اللواتي رافقنه (لو 8: 2-3)، وقدّمن له عون أموالهن. إذن تشدّد أقوال يسوع لا على حالة من الفقر وحسب، بل على روح الفقر.
إذ نقول هذا نزيد حالاً أن المسيح لم يكن يحتاج إلى ممارسة الفقر في الحياة العمليّة. فقد امتلك ملء الفقر، وهو الغنيّ، ليغني فقرنا (2 كور 8: 9). ومع ذلك، فقد عاش فقيرًا ومات عريانًا. ونقرأ القول المتّاويّ: "العامل يستحقّ طعامه". كنا ننتظر: "العامل يستحقّ أجره". على مثال ما في لو 10: 7. فالعامل العاديّ يستحقّ أكثر من طعامه. والأجر حقّ له. أما المرسل الانجيليّ كما يصوّره مت، فليس بعامل عادي. إنه يكتفي دوماً بطعامه، وهكذا يدل على تجرده التام.

4- دورة رسولية
مت 10: 11 مر 6: 10 لو 4:9
رسالة الاثني عشر رسالة الاثني عشر رسالة الاثني عشر
وأية مدينة أو قرية وقال لهم أيضًا
دخلتموها أي بيت وأي بيت
فاسألوا عمّن
هو خليق دخلتم دخلتم
بأن يقبلكم
وأقيموا هناك فأقيموا هناك فامكثوا فيه
إلى أن تنصرفوا. إلى أن تنصرفوا منه. إلى أن تنصرفوا.
تعبير خاص، ولكن الفكرة واضحة. فعلى المرسلين أن لا يركضوا من بيت إلى بيت ليطلبوا أفضل مسكن وأغنى مائدة. فكّر متّى في مرسلي عصره، فأرفق هذه التوصية بنصيحة تدلّ على الفطنة التي اختبرها في عمله الرعائي: "إسألوا عمنّ هو خليق". إذا كان المرسلون لا يتركون البيت الذي استقبلهم، فهم لا يدخلون ايضاً إلى أول بيت يجدونه. إذن، يستعلمون.
نلاحظ اللفظة التي تربط هذه الاقوال: "خليق"، "يستحقّ". فالفاعل يستحقّ طعامه (آ 10). اسألوا عمّن هو خليق (آ 11). إن كان ذلك البيت اهلاً (يستحقّ) (آ 11). ولكن إن لم يكن أهلاً (آ 13). هذه الطريقة الساميّة في التأليف هي متعة لأذن عبرية. ولكنها ثقيلة جداً في أذن يونانية. لهذا استغنى عنها لوقا.

5- السلام لهذا البيت
مت 10: 12-13 لو 10: 5-6
رسالة الاثني عثر رسالة السبعين
وحين تدخلون البيت وفي أي بيت تدخلون
قولوا أولاً
سلّموا عليه السلام لهذا البيت
فإن كان ذلك فإن كان هناك
البيت أهلاً ابن سلام
فليحلّ عليه يحل عليه
سلامكم سلامكم
وإن لم يكن وإلا
اهلاً
يعود سلامكم يعود
إليكم. إليكم.
هذه طريقة الشعب في فلسطين: يحيّون بعضهم بالسلام (لو 36:24؛ يو 20: 20- 21). وكانوا يردّون على هذه التحية بالتمنّي التالي: إذهب بسلام. الله معك. أما الشعب اليوناني فالسلام يكون مع "خايري" أي: إفرح، الفرح لك. حين قال مت: "سلموا"، اعتبر أن قرّاءه يعرفون الاستعمال الفلسطيني كما نجده في آ 13 (يحل سلامكم). أما لوقا ففكّر في قرّائه الآتين من العالم الوثني، فأوضح لهم التحية.: "السلام لهذا البيت". من الواضح أن هذه العبارة تلوّنت في الجماعة الأولى بلون مسيحاني. وكما كان يسوع، كذلك كان تلاميذه. فكرازة المرسلين هي صدى لكرازة يسوع، فيحقّقون نبوءة أشعيا حول المبشّرين بالخبر السعيد: "ما أجمل على الجبال قدمَي حامل الانجيل، ذاك الذي يعلن السلام ويحمل السعادة" (أو الخير).
عمل المرسل هو عمل سلام. إنه يقيم عهد سلام بين الله والبشر. لا شكّ في أن الرسول يعرف أن هذا السلام السامي الذي أعلنه الله وحقّقه المسيح على الصليب، لا نصل إليه إلاّ عبر التضحيات القاسية والتجرّد التام. هذه هي المسألة الحميمة في كل حرية بشرية وُضعت أمام المصلوب وأحسّت حتى أعماق الذات بالسيف الذي جاء يلقيه يسوع على الأرض (10: 34). والمرسل لا يستطيع أن يقدّم إلا ما أخذ، أي يسوع المسيح المصلوب "الذي صنع السلام بدم الصليب" (كو 1: 20)
إن القول في آ 13 يدلّ على لاهوت شعبيّ: فالسلام الذي يصدر من الله ويُعلن باسم المسيح، لا يمكن إلا أن يكون فاعلاً. فهو بالضرورة سيحلّ على أحد من الناس. إنه يشارك (بشكل من الاشكال) في فاعليّة كلمة الله التي لا ترجع إلى الله الذي أعلنها إلا بعد أن تُتمّ مهمّتها (أش 55: 10- 11). فإن كان البيت المضيف خليقًا بهذا السلام، استفاد منه. وإلاّ عاد السلام إلى المرسلين وحلّ عليهم.
إذن، ليس من عمل رسولي إلا ويحمل ثمارًا. إنه يحمل في ذاته ثقل النعمة وغنى البركة وشعاع السلام. هي ثمار "أسراريّة" تنبع من عمل رسول يسوع وتفيض عليه. فهو حين يعطي السلام الآتي من الله يغتني بنفسه من هذا السلام.

6- إن لم يقبلوكم
مت 10: 14 مر 6: 11 لو 8:9 لو 10: 10- 11
رسالة الاثني عشر رسالة الاثني عثر رسالة الاثني عشر رسالة التلاميذ السبعين
أي موضع وكل الذين وأية مدينة دخلتم
وإن لم تُقبلوا لا يقبلونكم فلا يقبلونكم ولم يقبلوكم
ولم يسمع ولا يسمعون
كلامكم لكم
فحين تخرجون فاخرجوا فحين تخرجون فاخرجوا
من البيت منه إلى الساحات
أو من تلك المدينة من تلك المدينة وقولوا
أنفضوا أنفضوا أنفضوا إننا ننفض
غبار الغبار العالق غبار حتى الغبار العالق
أرجلكم. بأرجلكم أرجلكم بأرجلنا
شهادة عليهم. شهادة عليهم. من مدينتكم
ولكن اعلموا جيدًا
أن ملكوت الله قريب.
فإن لاقت كرازة الرسل أبوابًا مغلقة وقلوبًا موصدة، لن يلحّوا أكثر من اللازم. فالملكوت لا يُعلن بالعنف. كما لا يُعلن بالحيلة التي هي عنف عقلانيّ. فالله يحترم كل الاحترام الحرّيات البشريّة التي خلقها على صورته. هو لا يريد عبيدًا، بل متطوّعين يأتون اليه بملء حريتهم. لهذا يكتفي المرسلون بأن يعلنوا شجبهم وعدم توافقهم، ويفعلون بذلك بطريقة معبّرة: ينفضون الغبار عن أرجلهم (أع 13: 51. هكذا فعل بولس وبرنابا). بهذا الطقس يدلّون على أنه لم يعد لهم أية علاقة بهذه المدن المتمرّدة، ويعاملونها كمدن وثنية.

7- كالخراف بين الذئاب
مت 10: 15-16 لو 10: 12؛ 10: 3
رسالة الاثني عشر رسالة السبعين
الحق
أقول لكم أقول لكم
إن أرض سدوم إن سدوم
وعمورة ستكون في ذلك اليوم تكون
يوم الدينونة
أهون مصيراً أهون
من تلك المدينة من تلك المدينة
انطلقوا!
هاءنذا أرسلكم ها أنذا أرسلكم
كالخراف كالحملان
بين الذئاب بين الذئاب.
كونوا حكماء
كالحيّات
وودعاء
كالحمام.
نجد آ 15 في 11: 24، في الويلات التي يتفوّه بها يسوع ضدّ كورزين وبيت صيدا اللتين رفضتا التوبة حين سمعتا قول يسوع. استعاد مت هذا النصّ في 11: 24، فشدّد مرة أخرى على تماثل رسالة الرسل مع رسالة يسوع. فالعقاب سيكون قاسيًا للذين يرفضون تعليم المعلّم، كما سيكون للذين يرفضون تعليم التلاميذ. هكذا يطبّق مت مسبقًا المبدأ الذي سيعطيه في نهاية الخطبة الرسولية: "من قبلكم فقد قبلني أنا" (10: 40). وقدّم هذا القول لو 16:10 حين قال: "من سمع منكم فقد سمع مني. ومن نبذكم فقد نبذني".
اعتبر التقليد البيبلي دمار سدوم وعمورة في النار والكبريت (تك 19) نمطاً من أنماط العقاب الالهي (رج تث 22:29؛ أش 1: 9؛ 19:13؛ إر 18:49؛ 40:50؛ عا 11:4؛ صف 6:2؛ حك 6:10-7؛ لو 29:17؛ روم 29:9؛ 2 بط 2: 6؛ يهو 7). ومع ذلك فقضاء الله سيكون أهون لهاتين المدينتين الملعونتين منه لمدن اسرائيل، لأن خطيئتها فظيعة بعد أن رفضت ما يحمله المرسلون إليها من تعليم.
أرسل يسوع أخصّاءه كالخراف بين الذئاب. الصورة معروفة في العالم البيبلي. فحسب مزامير سليمان (8: 28)، قديسو الله هم كحملان بريئين وسط أمم الأرض. وقابل المدراش اسرائيلَ بنعجة يحيط بها سبعون ذئبًا، تحيط بها أمم الأرض السبعون. في هذه النصوص، تدلّ الذئاب على الوثنيين. ولكن خطبة يسوع لا يمكن أن تشير إلى الوثنيين، لان المرسلين انطلقوا فقط إلى الخراف الضالة من بيت اسرائيل (10: 5-6). إذن، هناك ذئاب داخل رعية الله، وهم أولئك الذين يأتون بثياب الحملان (7: 15)، والذين التقى بهم بولس خلال عمله الرسوليّ (أع 20: 29).
بما أن التلاميذ هم خراف وسط الذئاب، فلينتظروا الاضطهاد من العالم. هذه الاضطهادات هي أمر طبيعيّ، كما هو طبيعيّ أن يحاول الذئب أن يفترس النعجة التي يجدها. لهذا، حين يكون التلاميذ مسلَّمين إلى مضطهديهم، وليس من يدافع عنهم (لا فضة ولا عصا)، عليهم أن يكونوا حكماء كالحيّات مع بقائهم ودعاء كالحمام يجمعون الفطنة إلى الوداعة والبساطة. لا تكون حكمتهم مداهنة ورياء، ولا تكون بساطتهم بلادة. فإن إعلان الملكوت يتمّ بواسطة عقل رشيد، لأن الحكمة الحقّة هي فضيلة انجيليّة.

خاتمة
تلك كانت توجيهات يسوع من أجل الرسالة. كأني بهذه الكلمات وصيّة يسوع لتلاميذه قبل أن يتركهم. أولاً، الفقر في وجهته الماديّة والنسكيّة وفي شكله الجذريّ، مع التشديد على الجهوزيّة الضروريّة من أجل كرازة بالملكوت سريعة، كرازة تصل إلى أهدافها. ثانيًا، التعامل مع الناس، لا الاغنياء ولا العظماء، بل أولئك المستعدّون لتقبّل كلمة الملكوت مهما كان مستواهم الاخلاقيّ والدينيّ. ثالثًا، يحملون إلى الجميع "السلام". تلك هي الهديّة التي ترافقهم في البيوت التي تستقبلهم، وتلك هي التي يحملها المرسلون اليوم. سلام الرب، كلمة الملكوت في عالم قد يستقبل رسل يسوع أو لا يستقبلهم. وفي أي حال، يعرف الرسول أن من قبله قبل المسيح الذي أرسله. لهذا يتقوّى بقوّة المسيح وينطلق وهو عارف أنه سيجد قلوبًا مغلقة وأبدانًا موصدة، وأنه قد يفرض عليه في النهاية أن يترك الغبار العالق برجليه. ولكن لا بأس. وابن الانسان هو الذي يأتي للقائنا، يعمل بيدنا وهو الذي وعدنا بأن يكون معنا حتى نهاية العالم.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM