تقديم

تقديم

ونتابع نتفسير إنجيل متّى، هذا الانجيل الذي سمّي الانجيل الكنسيّ. فهو يذكر "الكنيسة" مرتين. وهو الذي اعتادت أن تقرأه الكنيسة أكثر ممّا تقرأ من أناجيل. هذا الانجيل الذي يرينا كيف يرسل الربّ جماعته. تلمذوا. عمّدوا. علّموا. يرسلها فيغيب عنها في الجسد، ولكنه يبقى معها في حضور لا تحدّه بعد اليوم مقولات الزمان والمكان والبعد والقرب.
إنجيل أدخلنا أول ما أدخلنا في سرّ يسوع منذ الطفولة حتى العماد والتجربة في البرية. في سرّ يسوع الذي عاشه الرسل يومًا بعد يوم في العظمة والضعف، في المجد والهوان، في اتصال مع الآب وحياة في وسط البشر. هذا السرّ نكتشف ذوقه في الآلام والموت والقيامة. لم يفهمه التلاميذ إلاّ على ضوء الفصح والقيامة. ونحن ندخل فيه بناء على شهادة انطلقت من الذين رأوه وسمعوه ولمسوه، فوصلت إلينا اليوم، وسوف تصل إلى آخر إنسان حتى نهاية التاريخ.
من بدايات الملكوت في الجزء الأول، حاولنا أن ندخل إلى سرّ الملكوت في الجزء الثاني. وها قد وصلنا إلى الجزء الثالث بعنوان: الجماعة وملكوت الله. ويتوزعّ هذا الجزء على مرحلتين: الحياة في جماعة الملكوت. الطريق إلى أورشليم، الطريق إلى الملكوت. أجل، كانت حياة يسوع العلنيّة إعدادًا لهذا الملكوت، وهو قد بدأ يتجلّى حقًا مع ظهور القائم من الموت وإرسال التلاميذ. حين اختارهم وأعطاهم توجيهاته في "خطبة الرسالة" (ف 10)، لم ينطلقوا هم، بل انطلق هو. سيقول لنا لوقا إنه كان عليهم أن ينتظروا قوّة من العلاء، أن ينتظروا الروح القدس.
أمّا في متّى، فهم ينتظرون الارسال الأخير المرتبط بالقيامة، ينتظرون الربّ الممجّد الذي نال بقيامته كل سلطان في السماء وعلى الأرض.
فإلى قراءة الجزء الثالث من تفسير متّى ندعو القارئ. ندعوه إلى أن يبدأ فيقرأ النصّ مرّة، بل مرّتين وثلاثًا لكي تتغلغل كلمةُ الله في أعماقه. بعد ذلك، يقرأ الحواشي في الكتاب المقدس، ويعود إلى التفسير الذي نقدّمه. ليست القضيّة قضية سرعة للانتهاء من الكتاب. بل علينا أن نسير مع يسوع على مهل. أو بالأحرى نجلس عند قدميه، كالتلميذ لدى معلّمه، فنطلب منه أن يكون لنا ذاك الذي يرافقنا، ويمشي مشيتنا وينير خطانا ويشدّد إرادتنا. بهذه الطريقة لن يعود الانجيل كلامًا نقرأه ونحفظه ونردّده وحسب. بل يصبح كلامًا نفهمه، نلج إلى أعماقه، ندخله في حياتنا. هنيئًا لنا إن سمعنا وعلّمنا. هنيئًا لنا إن عملنا وعلّمنا. فالانجيل الذي حمله يسوع قد دوّنته جماعة متّى بكل أفرادها. يبقى على كل واحد منا أن يكون انجيلاً حيًا. يبقى على كل جماعة أن تكون على مثال الجماعة الرسولية فتكتب بحياتها وتعليمها انجيلاً وبشرى تصل إلى الشعوب الجالسة في الظلمة وإلى المقيمين في بقعة الموت. عندئذ يشرق نور المسيح كما يتجلّى في كنيسة لا تقوى عليها أبواب الجحيم.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM