المقدمة

إشعيا آلمة تعني: الرّبّ یخلّص. ومعنى هذه الكلمة یلخّص مضمون هذا الكتاب. فالرّبّ هو إله الخلاص. ولكن الخلاص الّذي یحمله الرّبّ هو غير ما ینتظر البشر. لهذا یـبدو تعليم هذا الكتاب مدهشاً. أما فصوله الستة والستون فتنقسم إلى ثلاثة أقسام، وتقابل ثلاث حقبات من تاریخ شعب االله. القسم الأول: (ف1-39 (یرجع بنا إلى السنوات 407-070 برجالها وأحداثها. صار إشعيا حامل آلمة االله في أورشليم، في زمن مليئ بالخطر بسبب التوتر العام. آانت مصر الدولة العظمى في انحطاط؛ أما أشور فازدادت قوتها وهددت المنطقة آلها. ونورد التواریخ التالية: حوالى سنة 347 ،یوم آان أحاز ملكاً في أورشليم، تحالفت عليه مملكة آرام (عاصمتها دمشق) ومملكة أفرایم (أي اسرائيل وعاصمتها السامرة) لتجبراه على الدخول معهما في حلف یقف بوجه مملكة أشور. هذا ما نسميه الحرب الآرامية الأفرایمية. سنة 272-217 آانت نهایة مملكة الشمال، إذ سقطت عاصمتها السامرة على ید الأشوریـين الّذین سَبوا أهلها وأحلّوا محلّهم أناساً أغراباً. سنة 170 وفي أیام الملك حزقيا حاصر الأشوریون أورشليم ومزّقوا مملكة یهوذا. ولم تنجُ أورشليم إلاَّ بسبب الوباء الّذي حلّ بالجيش الأشوري، هذه المؤامرة على الملك الأشوري، الّتي أجبرته على الرجوع إلى بلاده. في خلال هذه المدة، بدا إشعيا المناضل الّذي لا یلين مزوداً بقوة االله، وبدا تعليمه وآأنه یسير عكس التيار الجاري فيقول: إن التهدید الأشوري هو بمثابة تدخل االله ضد شعبه الخائن. یحتجّ على الطبقة الحاآمة الّتي تهتم بالترتيـبات السياسية، الّتي تخالف الحق والعدل في المجتمع. ویهاجم إشعيا الممارسات الدینية الّتي یحتمي وراءها الّذین یستغلون المساآين، ویقف ضد مظاهر العظمة وحياة الترف في مجتمع آثر فقراؤه. ولكن حين یقل الخطر نرى النبـي یقف ليزیل الخوف من القلوب، ویشجع الحكّام ویحثّهم على الدفاع عن الأرض. في هذه الظروف آلها، یدعو إشعيا الناس إلى الإیمان ویقول لهم إن لم یكن فيهم إیمان فلن یكونوا في أمان. وهو یدعوهم إلى الثقة بمواعيد االله وبالوصایا الّتي أعطاها لشعبه، مشدداً على الإیمان الّذي یثمر أعمالاً في الحياة الاجتماعية والسياسية، آما في حياة الإنسان الخاصة. یتألف هذا القسم من مجموعات تعاليم، ضمت بعضها إلى بعض بحسب مواضيعها لا بحسب تواریخها. نقرأ في ف1 :2-12؛ 28-33 تعاليم تـتعلق بمملكة یهوذا ومملكة إسرائيل أو أفرایم. ونقرأ في ف13-39 أخباراً نجدها أیضاً في آتاب الملوك، وهي تـتعلق بحزقيا الملك. القسم الثاني: (ف40-55 (یُسمّى أیضاً آتاب تعزیة اسرائيل لأنه یـبدأ بهذه الكلمات: عزوا، عزوا شعبـي. أما الوضع في هذا القسم فيختلف عنه في القسم الأول: حلّ البابليون محلّ الأشوریـين آقوة تهدد أمن المنطقة، فاستولوا على أورشليم سنة 875ق. م. وسَبوا السكان إلى جهات بابل. وتساءل المسبـيون: أیكون دمار المدینة نتيجة انتصار آلهة بابل على إله إسرائيل؟ وعاش المنفيون بعيداً من الأرض الّتي أعطاها الرّبّ لهم. محرومين من الهيكل حيث یلتقون الرّبّ. عاشوا واليأس یسيطر عليهم، فتيقنوا أن االله تخلّى عنهم لأنهم تخلوا عنه. فكتب النبـي إشعيا إلى هؤلاء الناس اليائسين یقول لهم: االله یرسل الملك آورش ليخلّص شعبه. وسترون تحریراً جدیداً یذآرآم بالخروج من مصر ویعيدآم إلى أرض الموعد. بما أن االله خالق العالم، فهو یقدر أن ینبـئ بهذه الأحداث ویحققها. أما آلهة الأمة المنتصرة فما هي بشيء. وأدخل النبـي إشعيا في تعليم التعزیة هذا، أربعة أناشيد تشير إلى شخص سري هو عبد یهوه، عبد الرّبّ (42 : .(12 :53-13 :52 ،9-4 :50 ،6-1 :49 ،4-1 یرى فيه آتاب العهد الجدید رمزاً ليسوع المسيح (رج أع8 :30-35 .( القسم الثالث: (ف56-66 (یعود بنا إلى ما بعد الرجوع من السبـي. ففي سنة 385ق. م. أصدر آورش الملك الفارسي قراراً، یسمح بموجبه للمسبـيين بأن یعودوا إلى مدینتهم ویعيدوا بناء هيكلهم. واختار بعض المنفيـين طریق العودة. ولكنهم حين وصلوا أورشليم وجدوا حياة صعبة یحيط بها البؤس. وجدوا مدینة مهدومة وأرضاً تملّكها الّذین لم یذهبوا إلى السبـي، وشعباً قليلاً من المؤمنين، وحالة مادیة فقيرة. آما انهم وجدوا الظلم الاجتماعي الّذي شجبه الأنبـياء یعود تدریجياً، وعبادة الأصنام تنمو تمشياً مع المحيط الوثني. فجاء النبـي إشعيا وقدم نفسه آرسول روح الرّبّ، ليحمل البشارة السارة إلى المساآين أو ليهتم باليائسين (61 : 1 .(وحين یأتي یسوع سيجد في آلمات النبـي برنامجاً یتممه بنفسه (لو 4 :16-21 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM