الفصل السابع: تسمية يسوع

الفصل السابع
تسمية يسوع
1: 18- 25

يتضمّن مت 1 وحدتين متميزيتن. الأولى: بداية المسيح ابن داود، ابن ابراهيم (آ 1- 16). الثانية (آ 18- 25): رسالة يوسف، مهمّته في هذا المخطط الجديد. وبين الوحدتين، آية تختتم وحدة وتبدأ أخرى. أبرزت الوحدة الأولى بداية يسوع التاريخيّة كشخص ينتظره الشعب اليهودي، كالمسيح الآتي. ودلّت الثانية كيف أن لهذا الشخص وجوداً خاصاً ملموساً. هو يسوع الذي تسلّم يوسف مهمة إعطائه اسماً وبالتالي إدخاله في مسيرة التاريخ.
في الوحدة الأولى أعطى مت نظرته اللاهوتيّة إلى تسلسل الأجيال. وهو في هذه الوحدة التي ندرس الآن (آ 18- 25) يتابع هذه النظرة. لن يحلّل المسائل السيكولوجية لدى يوسف ومريم. بل يكتشف دور يوسف ورسالته، لا من الوجهة البشريّة، بل من وجهة الله.

1- نظرة عامة
يرى أعضاء الجماعة المسيحية الأولى أن يسوع الناصري، ومصلوب يوم الجمعة العظيمة، وذاك الذي تراءى حياً بعد موته بثلاثة أيام، يرون أنه حقاً النبي، ومختار الله، وابن داود، وذلك الآتي. ففي نظر هؤلاء المسيحيين الجدد، كل ملء الحياة والبركة الذي ينعمون به الآن، قد تضمّنه مسبقاً ودلّ عليه اسم يسوع أي الله يخلّص. يسوع التي أمرت مريم (لو 1: 31) ويوسف (مت 1: 21) بأن يعطياه هذا الاسم عند ولادته.
والطفل الذي نتحدّث عنه لا يأتي إلى العالم استجابة لإرادة بشرية، أو إرضاء لرغبة زوجة أو زوج. إنه يأتي نتيجة مبادرة سميا هي إرادة الله.
حين توجّه بولس الرسول إلى الجماعات اليهوديّة في الشتات، ولا سيما إلى جماعة رومة، قدّم نفسه على أنه "عبد المسيح يسوع، ابن الله، الذي خرج من نسل داود بحسب الجسد (بحسب اللحم والدم) وأقيم ابن الله بقدرة حسب روح القداسة بقيامته من بين الأموات" (روم 1: 3- 5). لا شك في أدن روم سابقة لتدوين الفصول الأولى في مت. ولكن بولس عرف الشيء الكثير عن الحبل البتولي بيسوع. وهو يتوقّف عند المعطى البيبلي التقليدي كما عرفه قرّاؤه انطلاقاً من أسفار صموئيل والملوك والمزامير.
ولا ننسى نظرة بولس إلى أن حرية الله المتسامية ومبادرته التي لا جدال فيها، هما بعيدان جداً عن مقولاتنا. كما أن طرقه بعيدة عن طرقنا. قال يوحنا المعمدان في هذا الخطّ: "لا تقولوا في قلوبكم: إنّ أبانا هو ابراهيم. فأنا أقول لكم: إن الله يستطيع أن يخرج من هذه الحجارة أبناء لابراهيم" (لو 3: 6).
لا شك في أن الشعب العبراني عرف على مدّ تاريخه الطويل ولادات كان قد يئِس الأهلُ من حدوثها. عرف أحداث حبل عجيب. ولكن الرب لم يعمل لشعبه معجزة كتلك النعمة. لم يمنح شعبه نعمة شبيهة بتلك المعجزة التي بها أدخل ابنه الحبيب في سلالة بشريّة هي سلالة داود. وقيامة العظام اليابسة في حزقيال، أو خلق نسل ابراهيمي من حجارة البرية، يبقيان شيئاً بسيطاً بالنسبة إلى هذه المعجزة العظيمة: ولادة يسوع بالجسد في ملء الزمان.
إن الرب قد ألزم نفسه بقسَم. حلف لداود قال: "من ثمرة أحشائك أعطيك نسلاً أبدياً" (مز 132: 11). لماذا لا يعود إلى ملوك يهوذا ورجولتهم المثمرة؟ هل استُبعدوا بشكل نهائي وزال اعتبارهم بعد أن عبد الكثير منهم الأوثان؟ ولماذا أدخل الله ابنه في ميراث داود وذرّيته دون أن يستعمل زرع الملك النبي؟
هذا ما أقرّه الله. بفضل التجرّد والطاعة والقبول الإرادي لدى ابن داود الحقيقي (مت 1: 21- 25)، صار ابنه الوحيد ابن البشر لأنه ابن امرأة (غل 4: 4). كل هذه الاعتبارات تساعدنا على فهم النصّ فلا نحمّله أكثر مما يحمل، بل نكتشف فيه فكر الانجيلي وهدفه من هذه المقطوعة التي تشكل جزءاً من انجيل الطفولة.

2- لا تخف أن تأخذ امرأتك
إن نصّ مت يتضمّن جملة تشكّل مفتاح النصّ كله. "يا يوسف ابن داود. إذن، لا تخف من أن تأخذ زوجتك (امرأتك) إلى بيتك. فلا شك (غار في اليونانيّة) في أن المولود منها هو عمل الروح القدس. غير أنها (دي في اليونانية) ستلد ابناً وأنت تسمّيه يسوع".
إن الأداتين "لا شك"، و"غير أن" تقدّمان تعارضاً حقيقياً بين شقَّي الجملة اللذين يكوّنان بلاغ الملاك. من جهة (لا شك في أن) مريم حبلت من الروح القدس. ومن جهة ثمانية، يعود الحق إلى يوسف أن يعطي الطفل اسماً. غير أن التعارض بين شقَّي الجملة لا يعني أننا نجد بلاغين مختلفين: من جهة، إعلان الحبل البتولي. ومن جهة ثانية، الكشف ليوسف عن الدور الذي يبقى دوره، ثم الطابع العجيب واللاعادي في الحبل المشار إليه. نحن هنا أمام بلاغ واحد: إن ابن داود (يوسف) سيأخذ إلى بيته أم المخلّص، لا بسبب الحبل البتولي، بل رغم هذا الحبل.
وتكون ذروة المقطع لا في الكشف ليوسف عن الحبل البتولي، بل عن استمرارية ممارسة حق الأبوّة الشرعيّة التي عليه أن يمارسها رغم تحفّظه وصراحته ولطفه. هذا التفسير معقول جداً من الوجهة الغراماطيقية.


3- مهمّة يوسف
حبلت مريم من الروح القدس. هذا ما قاله مت في آ 18، والإشارة إلى الحديث تميل بالكاتب الملهم إلى أن يستخرج منه كل ما يستطيع الآن بحيث لا يعود إليه. ثم إن هذه الإشارة تعني عند مت أن القارىء يعرف ما يعرفه أشخاص الخبر. وهكذا، حين يجعل الملاك يتكلَّم، فهو ينبّهنا مسبقاً إلى أن مريم قد حبلت من الروح القدس. ولكن المسيح لا يمكن أن يكون إلا "ابن داود". فبين جميع الألقاب المسيحانية، توقّف اسرائيل مطوّلاً عند هذا اللقب: لا شكّ في أن هناك ظروفاً سياسية (يحمل الخلاص المادي إلى شعبه). ولكن هناك أيضاً تعلّقاً عميقاً ومثالياً بهذا المسيح لدى شعب صغير ومضطهد. فيسوع نفسه فضّل لقباً سرياً وايحائياً هو لقب ابن الإنسان. ولكن حين أراد مت أن يضع عنوان نسب يسوع في رأس انجيله، احتفظ بهذا اللقب المعتبر، لقب "ابن داود". فيبقى له أن يعلّمنا كيف وعى يوسف الدور الذي به احتفظت العناية له، ليواصل حتى النهاية سلالة المسيح الداودية.
في نظر لو، ذروة الوضع قبل ولادة يسوع، هي الحبل البتولي الذي تنعم به هذه الأم. ولكننا نربط به ربطاً وثيقاً حدث الزيارة. فمريم آمنت. وتحقّق كل شيء كما آمنت. فالعذراء، ابنة صهيون، سيولد منها الملك المسيحاني المقبل. أنه داود المثالي، الذي تنبّأ عنه النبي أشعيا (ف 9، 11).
أما في نظر مت، فالذروة هي قبول يوسف لهذا الوضع: إنه النقطة الأخيرة في نسب يسوع ابن داود، ابن ابراهيم.
في الحالتين تعود المبادرة إلى الله وحده. ولكن بما أن يوسف لم يكن له دور في النعمة التي حصلت عليها مريم، فلا يحقّ له أن يُدخل بطريقة شرعيّة في ميراث داود وسلالته طفلاً ليس له هو يوسف، حقّ عليه. ولكن بعد تدخّل الملاك، لن يكون له فقط تدخّل خاص بالنسبة إلى يسوع كما يفعل كل أب حقيقي. بل إن قبوله هو الذي يعطي المواعيد كامل معناها.

4- تفسير الآباء
ليس من خبر يتحدّث عن ظنّ شعر به يوسف تجاه خطيبته التي قد تكون "خانته" (لا سمح الله). ولا من خبر يتحدّث عن تنبيه صريح أوصلته مريم بعد البشارة إلى ذلك الذي يجب أن يكون عارفاً بالأمور قبل أي إنسان آخر. أيكون ذهاب مريم المفاجىء إلى نسيبتها قد دفع الشرّاح إلى التحدّث عن إهمال خطير لمسؤوليتها تجاه يوسف؟ هناك ولا شك ضياع على مستوى التفسير حين نتحدّث عن ظنّ يوسف بنقاوة مريم. لهذا جاء إليه الملاك!!
ولكن، إذا كان من الواجب أن نترك "الظنّ بالزنى"، فلا يجب أن نتوقّف عند الأمور السيكولوجية في مجمل من الظروف ترتبط بوضع العائلة في ذلك العالم الشرقي القديم. مهما يكن من أمر، نستطيع القول بتنبيه "خفي" من قبل مريم إلى خطيبها، وإن كان هذا التنبيه لا يدخل في نظرة مت. فالقرار الواضح الذي اتخذه يوسف بأن يترك عروسه حرّة قد يجد جذوره في مبادرة مريم. من يعلم؟ فالإيمان يمكن أن يكون جريئاً بقدر لا يتصوّره عقل إنسان.

5- نبوءة أشعيا
إن كل هذا الخبر عن البشارة ليوسف ينغمس في مناخ نبويّ يستلهم أشعيا (ف 7، 9، 11) وإرميا (23) وميخا (ف 4، 5).
كانت مريم أول من اندهش حين سمعت الملاك يعلن لها كما في أش 9: 5- 6: "إن الطفل الذي وُعدت به هو ذلك الذي نال السلطان على كتفيه. وسيُدعى ابن الله العلي، المشير العجيب، الله القوي، الأب الأزلي، أمير السلام. يمتدّ سلامه في سلطان أبدي من أجل عرش داود، ومملكته في الحق والعدل من الآن وإلى الأبد". استعلمت مريم.
كيف يبدو سؤال مريم؟ إذا كان يجب عليّ أن أعتبر نفسي منذ الآن (في معنى نبوي، في ملء النبوءة) كتلك التي أعلنها أشعيا لآحاز (أش 7: 4)، كيف يمكن أن يكون كل هذا؟ كيف يتأمّن نسل المسيح الداودي بحسب الجسد؟ لا شك في أني مخطوبة لرجل من نسل داود، ولكني عزمت على أن أبقى بتولاً وعذراء.
تساءل الشرّاح: هل عرف لو خبر مت، وهل تأثّر به؟ لا شكّ في أن مختلف الجماعات المسيحيّة التي قرأت النصّين دمجت في تقليد واحد وجهتين تتعلّقان بذات الحدث الواحد. وإن إيراد أش 7: 14 كما نجده في مت يعطي كلمات مريم وجهة واضحة تثبت مشروعها بعيش البتوليّة في الزواج. فكأني بها قد وعت منذ البشارة أنه يطلب منها أن تكون معاً الأم والبتول. في هذا الخطّ سار قسم من التقليد الكنسي ولا سيّما اللاتيني منه. وهكذا أعطيت الأولوية لمريم على يوسف.

6- برارة يوسف
لا يعارض التقليد أن يكون يوسف، الفاعل الوحيد في هذا الخبر، قد عرف بالحبل البتولي. هذا ما تشير إليه آ 18 على ما يبدو. "وُجدت حبلى من الروح القدس". وقد أعلن ايرونيموس أن مريم فتحت قلبها لخطيبها في كل ما يتعلّق بعلاقتهما في المستقبل.
وكان يوسف باراً. لا لأنه مارس الشريعة المتعلّقة بالطلاق في حال الزنى. لو أراد أن يمارسها لكان طالب برجم خطيبته. ولم يكن باراً لأنه دلّ على تساهل (ولمَ التساهل؟)، ولا لأنه كان عادلاً بالنسبة إلى فتاة بريئة. كان باراً حين رفض أن يحسب نفسه والد الولد الإلهي. تراجع يوسف، لأنه لا يستحقّ الاقتراب من الله، لا يستحقّ أن يحمل سر الله. وبالنسبة إلى مريم، تراجع لأنه لم يرد أن يكشف السرّ المتعلّق بها. ترجع برارته إلى اهتمامه بأن يكون حسب إرادة الله ومخطّطه. ولما سمع الصوت السماوي، لم يعد يجادل. وما إن نهض من نومه حتى فعل كما أمره ملاك الرب.
لا شكّ في أن بعض الآباء مثل يوستينوس وامبروسيوس واوغسطينس ويوحنا فم الذهب قد فسّروا "شكّ يوسف" على أنه ظنّ خطير بنقاوة مريم. وسوف يعزّي يوحنا فم الذهب، الأزواج الذين خانتهم نساؤهم، فيعطيهم مثل يوسف الذي دلّ على خضوعه وطاعته رغم الصعوبة التي مرّ فيها. هنا نفهم كلام الآباء على ضوء الهجوم اليهودي العنيف على مريم العذراء. لهذا أراد الآباء أن يدافعوا أولاً عن نقاوة مريم. ولكن يجب أن لا ننسى التشديد على برارة يوسف، أي على حياته بحسب إرادة الله، على خوفه بأن يكون والد الطفل الإلهي. تصرّف يوسف كما تصرّف سمعان بطرس بعد الصيد العجيب. أحسّ بخطيئته فأعلن ليسوع: "إبتعد عني يا رب، فإني رجل خاطىء" (لو 5: 8). هذا هو موقف يوسف قرب يسوع ومريم. هو لا يستحقّ، ولهذا "عزم على تخليتها سراً".

7- تقارب مع محنة ابراهيم
وكان تقارب بين محنة يوسف وتجربة ابراهيم. في تاريخ الشعب العبراني، حين يدعو الله شخصاً إلى دعوة فريدة، فهو لا يبقى في صمته، بل يكلّمه. هذا ما حدث لموسى وجدعون وشمشون وصموئيل وشاول وداود وأشعيا وإرميا. وُضع البرنامج، أملي إملاء مع علامات تدلّ على مسيرته رغم مقاومات البشر.
هنا يجب أن نقرأ النصّ الكتابي بطريقة "معاكسة". لا نقل إن الله جرّب ابراهيم، بل إن تجربة ابراهيم نبعت من نظرته الناقصة إلى عظمة الله. قد يكون ابراهيم قال لله: أرى أن هدد وبعل يطلبان ذبائح بشرية. أما تشبههما أنت؟ أما أستطيع أن أكرمك كما يكرّم الوثنيّون آلهتهم؟ ولكن الله لا يرضَ عن تصرّف ابراهيم. أمسك يده، وفي الوقت عينه هنأه على أن مخافة الله هي في قلبه.
ونستطيع أن نقول الشيء عينه عن يوسف. توجّه إلى الرب وقال له: هل حقاً مريم حبلى من الروح القدس وبدون أية مشاركة من رجل؟ إذن، كيف تتحقّق مواعيدك؟ أما حلفت لداود بأن ولداً يولد من أحشائه؟ هل يكون هذا الولد ابن داود مثلي أنا؟
وجاء جواب الله فوضع الأمور في نصابها بالنسبة إلى ابراهيم كما بالنسبة إلى يوسف: هو الإله الحقيقي. هو الإله الأمين لمواعيده. ولكنه يحقّقها بطريقة لا يتصوّرها العقل البشري.

خاتمة
عرف يوسف أن يحترم مقاصد الله الخفيّة. هو لما يفهم في الحال. ولكنه وضع يده بيد الله وسار في ظلام السرّ العجيب الذي يكتشف بداية تحقيق مواعيد الله. سار مسيرة الإيمان، شأنه شأن الآباء الذين تتكلم عنهم الرسالة إلى العبرانيين. سار مسيرة الإيمان مثل مريم التي هنأتها أليصابات على إيمانها. قالت مريم: ها أنا خادمة الرب، فليكن لي كقولك. وسارت إلى نسيبتها أليصابات بحسب البلاغ الإلهي. وسمع يوسف ونفّذ أوامر الله. أخذ امرأته. وعاش معها دون أن يعرفها. عاش في حياة من البتولية. دون علاقات زوجية. ولما ولدت الطفل الإلهي سمّاه يسوع. وهكذا قبِل أن يتسلّم هذه المسؤولية الخطيرة التي تجعله مربيّ ابن الله.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM