الفصل الرابع: المعاني اللاهوتية في انجيل متى

الفصل الرابع
المعاني اللاهوتية
في انجيل متى

كل كاتب يعبرّ عن هدفه في بداية كتابه أو نهايته. فالانجيل الثاني أعطانا تصميمه منذ الآية الأولى: "انجيل يسوع المسيح وابن الله". هذا ما أراد أن يبيّنه لنا. والانجيل الثالث شرح في مقدّمة على مثال ما في الكتّاب الأقدمين، لماذا دوّن انجيله الذي هو في النهاية انجيل حنان الله. أما يوحنا فأعطانا في الخاتمة السبب الذي لأجله كتب انجيله: "لكي تؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، وإذا آمنتم نلتم باسمه الحياة". أما متّى فيدلّنا على هدفه بوضوح حين يسمعنا آخر كلمات القائم من الموت للأحد عشر (28: 16- 20). في هذا "البيان" نميّز الموضوع الرئيسيّ الذي هو المسيح. ثم الموضوع الآخر الذي هو الكنيسة، اسرائيل الحقيقيّ (21: 43). فكل الأمم مدعوّة لتكون تلاميذ يسوغ بالمعمودية وبالارتباط بتعاليم يسوع الناصريّ. ولكن قبل ذلك، نرسم النظرة المتاويّة إلى تاريخ البشر، إلى تاريخ ملكوت السماوات.

1- ملكوت السماوات
لقد دشّن مت مقولة لاهوتية هي "الملكوت". ففي معنى مطلق وصلت به الأمور إلى أن يتكلّم عن "كلمة الملكوت" أو عن "أسرار الملكوت". بعد هذا ستعود اللفظة في انجيله إحدى وخمسين مرة (14 في مر، 34 في لو). واحتفظ بعبارة "ملكوت السماوات" التي قد تعود إلى يسوع نفسه، ولكنها زالت سريعاً من اللغة المسيحيّة. الحديث هو عن ملكوت الله. والله الذي يُقيم في السماوات يسود على الأرض.
إن عبارة "ملكوت السماوات" قد حلّ محلّها الكنيسة، الحياة الأبديّة، السماء. لهذا لا نستطيع بسهولة أن نحيط بمعناها. فلفظة ملكوت (في الأراميّة: ملكوتا) تدلّ على سلطة يمارسها الملك. وتدلّ على سلطانه كما يعترفون ويقبلون به. وتدلّ على مدّة ملكه. والملكوت هو أيضاً المنطقة التي عليها يمارس سلطانه. فحول هذين القطبين، الزماني والمكانيّ، يدور مدلول ملكوت السماوات. أما التفاسير فتحاول أن توازن بطرق مختلفة بين هذين العنصرين.
أ- الملكوت واقع مقبل وواقع حاضر
يرى عدد من الشرّاح أن لاهوت العهد القديم وتعليم الرابانيين، هما المحيط الذي فيه وُلدت عبارة "ملكوت السماوات". وهي تضمّ واقعين يميزهما اليهود تمييزاً تاماً: الحياة المقبلة أو ملكوت الله، والوقع الحاضر الذي دشّنه المسيح (الملك المسيحاني).
إن ملكوت الآب (13: 43: يضيء الصديقون كالشمس في ملكوت أبيهم؛ 25: 34: رثوا الملك؛ 26: 29: اشربه معكم جديداً في ملكوت أبي)، والسياق الاسكاتولوجي لبعض الأقوال الإنجيليّة (7: 21: من يعمل إرادة أبي يدخل ملكوت السماوات)، والعلاقة الوثيقة مع ماضي اسرائيل (8: 11- 12: يأتون من المشرق ويتكئون في ملكوت السماوات مع ابراهيم واسحق ويعقوب)، كل هذا يدعونا إلى أن نتحدّث عن ملكوت السماوات على أنه الملكوت المقبل، ونبقى في هذا المعنى حتى حين يرافق الفعل العبارة فيجعلنا في تحرك مكانيّ.
نقرأ مثلاً 5: 3، 10، 19: "طوبى للمساكين بالروح فإن لهم ملكوت السماوات... طوبى للمضطهدين من أجل البرّ فإن لهم ملكوت السماوات... من يعلم ويعلّم يدعى عظيماً في ملكوت السماوات". الملكوت هو ملكوت الله، وهو يُعطى لنا. في 8: 11- 12، يبدو الملكوت مكاناً يتّكىء فيه المدعوّون إلى الوليمة السماويّة. وهكذا نكون في إطار يهوديّ حيث يجتمع المختارون حول الآباء ابراهيم واسحق ويعقوب. أما الآخرون فيُستبعدون.
ونقرأ في 5: 20 عبارة "ملكوت السماوات" مع فعل "دخل". "إن لم يزد برّكم على ما للكتبة والفريسيين فلن تدخلوا ملكوت السماوات". أجل، ما يطلب منّا هو أمانة جديدة لنكون على مستوى هذا الملكوت الذي هو واقع يرتبط بالآخرة. وفي 7: 21، نعرف أن الذي يعمل إرادة الآب "يدخل ملكوت السماوات"، وكأنه ملك يرثه. وفي 18: 3 نعرف أنه يجب أن نصير مثل الأطفال، أن نقبل أن نرتبط بالله ارتباطاً حميماً كالطفل بوالديه، لكي ندخل ملكوت السماوات. وفي 19: 23- 24 نفهم أن الدخول إلى ملكوت السماوات صعب على الأغنياء.
تلك هي النصوص التي فيها يسير الانسان إلى الملكوت كما إلى وليمة يشارك فيها، أو ميراث يرثه كما يرث "الأرض" (5: 4)، أو عطيّة "يضع يده" عليها فتصبح ملكاً له أو هي تمتلكه. وهناك نصوص تتحدّث عن الملكوت الذي يأتي إلينا. هذا ما سميناه "ملك الله المسيحاني". أجل، هذا المُلك يأتي إلينا في يسوع.
هناك ثلاث مراحل لهذا الملكوت. الأولى، الملكوت الذي جاء إلينا بواسطة يسوع المسيح. "توبوا، فقد اقترب ملكوت السماوات". لقد تدشّن في شخص يسوع ونشاطه، وسوف يظهر قريباً في عظمته. المرحلة الثانية، الملكوت يمتدّ على الأرض بواسطة الكنيسة، وذلك بعد القيامة. وفي المرحلة الثالثة، نكون أمام الملكوت الاسكاتولوجيّ. لهذا نرفض قول القائلين إن يسوع لم يتكلّم إلا عن الملكوت المقبل أو الملكوت الاسكاتولوجيّ. كما نرفض الذين يقولون بأن يسوع تكلّم فقط عن الملكوت الحاضر، عن الملكوت كما تحقّق في الكنيسة وفي العالم. يجب أن نقول إن الملكوت قد جاء (في الماضي) وها هو يأتي الآن (في الحاضر). جاء في الماضي في المسيح. ويأتي في الكنيسة. ولكنه لا يصل إلى كماله إلاّ في المستقبل، في نهاية الأزمنة. ولهذا، فنحن الذين نلناه، ما زلنا ننتظره.
قد نميّز بين الحاضر والمستقبل، ولكن هذا التمييز لا يحيط كل الإحاطة بالمعطيات المتاويّة. لا شكّ في أن الملكوت يتسجّل في خط الزمن، ويعرف القَبل والبَعد. ولكن يجب أن نعلم أن طبيعة هذا التاريخ لا تحدّده مسيرته الأرضيّة، بقدر ما تُحدده بدايته ونهايته اللتان هما من السماء. فيسوع جاء من الآب إلى العالم، وهو يترك العالم لكي يعود إلى الآب. هذه هي حال الملكوت في أصله وهدفه الأخير. من أجل هذا، حين نتحدّث عن الملكوت نميّز بين السماء والأرض. فالملكوت السماويّ يتجسّد على الأرض على مثال ابن الله، ولا يجد كماله إلا في السماوات.
ب- الملكوت واقع سماويّ وواقع أرضّي
أبرز بعضُ الشرّاح الوسطَ الجليانيّ الذي به ترتبط عبارة "ملكوت السماوات". وهذا الوسط يمثّله دانيال والأسفار المنحولة وكتابات العالم اليهوديّ المعاصر للمسيح. فالطابع الحاضر والمقبل للملكوت يبقى حاضراً، غير أن أصله السماويّ (ملكوت السماوات هو ملكوت إله السماوات) يحدّد طبيعته: إنه موجود في السماء ويتحقّق على الأرض في الصورة وبشكل استباق، ثم يتمّ في السماء.. وهذا التاريخ لعلاقة الله مع البشريّة يجد بلا شك انطلاقته في شعب الله، ولكنه يتمّ في يسوع المسيح حسب نبوءة أشعيا الثاني.
وإليك كيف يبدو هذا التاريخ عند مت: ملكوت السماوات هو قريب جداً. هو على وشك الوصول، إنه هنا. حاضر هنا. قال يوحنا المعمدان: "توبوا، فإن ملكوت السماوات قريب" (3: 2). ومثله قال يسوع المسيح (4: 17). وعلى خطاه سيعلن التلاميذ أن "ملكوت الله قريب" (10: 7). وفي الواقع، طردُ الشياطين هو علامة على أن ملك الله قد جاء الآن. هذا ما قاله يسوع للفريسيّين الذين سمّوه بعل زبول، رئيس الشياطين. "وأما إن كنت بروح الله أخرج الشياطين، فذلك أن ملكوت الله قد بلغ إليكم" (12: 28، حرفياً: جاء إليكم على غفلة). انتهى حكم الشيطان وابتدأ حكم يسوع، كما ينتصر قائد حربيّ فجأة فيبدّل كل المقاييس.
إذن، يجب أن نتَّخذ قرارنا حين نسمع يسوع يعلن بشرى الملكوت. هكذا بدأ يسوع حياته العلنيّة بعد تجاربه: "كان يعلّم في مجامعهم (مجامع اليهود) ويبشّر بانجيل الملكوت" (4: 23: عبارة خاصة بمتّى وهي تدلّ على أن هذا الملكوت قد وصل. أو على أن الانجيل قد وصل). وردت هذه العبارة قبل عظة الجبل، وجاءت بعد المعجزات العشر (9: 35)، فضمّت أقوال يسوع إلى أعماله ودلّت على سلطانه في هذا الملكوت الجديد الذي جاء يعلنه (رج 10: 7: الملكوت يمتدّ مع الرسل حين يبشرون بالانجيل).
من يستطيع أن يدخل إلى هذا الملكوت؟ هناك أناس لا يحتاجون إلى مجهود كبير: المساكين. لهم الملكوت. المضطهدون من أجل البرّ. لهم الملكوت (5: 3، 10). وعلى الجميع أن يكونوا مثل أطفال (18: 1، 3، 4؛ 19: 14) ليدخلوا إلى الملكوت. أن يمارسوا وصايا الناموس (5: 19: من يتعدّى واحدة من هذه الوصايا،... يُدعى الأصغر في الملكوت) حتى أصغرها. أن يزيد برّهم على برّ الكتبة والفريسيين (7: 21). أن يعملوا بحزم وعزم لأن ملكوت الله يُغتصب اغتصاباً، والمغتصبون يأخذونه عنوة (11: 12). هذا يعني الدخول في الباب الضيّق والطريق الصاعدة. هذا يعني عنف الأبرار الذين يضحّون بكل شيء ويتغلّبون على نفوسهم من أجل الملكوت. كما يحاربون كل ما يمنعهم من الوصول إلى هذا الملكوت مستعملين بشكل خاص سلاح الروح. قد يكون الخصومُ الغيورين الذين يريدون أن يفرضوا الملكوت بقوّة السلاح. وقد يكونون القوى الشيطانيّة التي تحاول أن تحتفظ بسلطانها على العالم وعلى الأبرار أنفسهم. لهذا نحتاج إلى الحزم، بل إلى العنف ولو كلّفنا ذلك حياتنا.
ملكوت الله يَفرض علينا أيضاً إن نكون كالخصيان (19: 12)، أن نصون أنفسنا. أن نمتنع حتّى عن الزواج وإيلاد البنين، لكي نعيش السماء على الأرض، ونرمز في حياتنا اليوميّة إلى ملكوت السماوات. ويفرض علينا الملكوت تجرّداً تاماً من ممتلكاتنا، لا من ذاتنا فقط. فالغنيّ الذي تعلّق بأمواله، يعسر عليه أن يدخل إلى ملكوت السماوات. "إنه لأسهل أن يدخل جمل في ثقب الابرة من أن يدخل غنيّ في ملكوت السماوات" (19: 23- 24). بُهت التلاميذ من هذا الكلام الذي يتعارض وعقليّتهم ونظرتهم إلى الأمور. ولكن يسوع أحالنا إلى قدرة الله، وكل شيء ممكن لها (آ 25- 26).
فما هو هذا الواقع الذي أعلنه يسوع بهذا الشكل؟ قرّر الله أن يدعو جميع البشر إلى كرمه (20: 1): فالعشارون والزناة يسبقون الفريسيين إلى الملكوت الذي أعلنه يوحنا المعمدان (21: 31). إذن، هذا الملكوت (أو جماعة المؤمنين العائدين إلى الله بتوبة صادقة) يحقّق ملك الله. والذين يغلقون ملكوت السماوات أمام الذين يريدون أن يدخلوا (23: 13)، يُنزع منهم هذا الملكوت الذي انتظروه بحرارة (21: 43). والذين يعتبرون أنهم حتماً أبناء الملكوت، سيُطردون منه (8: 12). أما تلاميذ يسوع فهم الأبناء الحقيقيّون في هذا الملكوت (13: 38: هم الزرع الجيّد الذي زرعه يسوع).
فلهم أعطيت، كُشفت أسرار ملكوت السماوات (13: 11). وهذا الملكوت هو ينبوع فرح لمن اكتشفه صدفة مخفياً في حقل، أو بعد بحث طويل (13: 44، 45). إنه وضيع مثل حبّة الخردل التي تصير شجرة كبيرة (13: 31- 33). فيه يمتزج القمح والزؤان (13: 24- 30، 36- 43)، الأشرار والأخيار (22: 41) حين يتمّ كل شيء (16: 27؛ 24: 34؛ 25: 31). حينئذ يصبغ ملكوت الابن ملكوت الآب (25: 34؛ 26: 29؛ رج 13: 43).
وهذا الملكوت ليس أرضياً وحسب (18: 1- 4؛ 25: 21). غير أنه يتّخذ شكلاً على الأرض. وفيه يلعب الرسل دوراً هاماً فيعلنون انجيل الملكوت، لا في حدود اسرائيل فقط (10: 23) بل في العالم كله مع أممه جميعها (24: 14؛ 26: 13؛ 28: 19). وحين يجلس ابن الانسان على عرشه منذ مجيئه الأول (16: 28)، يجلس معه تلاميذه ويدينون الأسباط الاثني عشر في اسرائيل الجديد (19: 28). ويكون بطرس ماسكاً المفاتيح، يربط فلا يحلّ أحد، ويحلّ فلا يربط أحد (16: 19).
إذن، يدلّ ملكوت السماوات على واقع ديناميكي. هو ينزل من السماء وينكشف على هذه الأرض للتلاميذ، ويتجسّد شيئاً فشيئاً في واقع أرضّي هو اسرائيل الجديد، هو الكنيسة. غير أن هذه الكنيسة لا تتمّ هذا الملك قبل نهاية الأزمنة. لهذا فهي تطلب ولا تتوانى: "ليأتِ ملكوتك" (6: 10) يا ربّ.

2- الواقع الكنسيّ
حين تحدثنا عن الملكوت أشرنا مراراً إلى الكنيسة التي فيها يتحقّق الملكوت بشكل جزئي بانتظار أن يجد كماله في نهاية الأزمنة. هذه الكنيسة هي حاضرة في مت حضوراً لا نجده في سائر الأناجيل.
يذكر متّى الكنيسة مرتين (16: 18؛ 18: 17). لقد كرّسها دم العهد الجديد. ولكنها ليست بعدُ ملكوت الآب في كماله. إنها تضمّ أولئك الذين وُعدوا بالخلاص، وإن لم يتحقّق بعد هذا الخلاص بالنسبة إليهم (25: 34). أولئك الذين يمارس ابن الإنسان سيادته عليهم. أولئك الذين يحملون ثمار ملكوت الله (21: 43)، وينتظرون من الملك أن يجازيهم بحسب أعمالهم (25: 31- 32).
وإذا عدنا إلى الخطب الخمس نفهم أنها تصوّر الحياة في الكنيسة التي جمعها المسيح (10: 1) وأسّسها (16: 18) وأرسلها (28: 19- 20). في الخطبة الأولى نتعرّف إلى روح الجماعة، إلى ما سمّي دستور الحياة المسيحيّة الذي فيه جمعت الكنيسة الرسوليّة كلامَ يسوع بما فيه من تعبير وبلاغة.
وقبل الخطبة الثانية يختار يسوع اثني عشر رسولاً وينقل إليهم سلطانه على الأرواح النجسة وعلى الأمراض. كما يعطيهم توصياته التي هي قاعدة العمل للمرسل المسيحيّ. لا شك في أن الكنيسة لم تصبح بعد رسوليّة وجامعة كما ستُصبح في ما بعد. هي ستتوجّه فقط إلى الشعب اليهوديّ وتتحاشى السامريين والوثنيين. كان عليها أن تبدأ مع الخراف الضالّة في إسرائيل، ولكنها ستفهم بعد القيامة أنها مرسلة إلى جميع الأمم (28: 19). أجل، هو الرب القائم من الموت والحاضر في جماعته يرسل تلاميذه، وما زال يرسلهم ولن يزال حتى انقضاء الدهر.
ويعطينا متّى في خطبة الامثال صورة عن هذه الكنيسة التي تسمع كلمة يسوع، فتبدو كالأرض التي تتقبل حبّة القمح فتعطي ثلاثين وستين ومئة. في هذه الكنيسة، وُجد القمح والزؤان معاً، الأبرار والأشرار. هذه الكنيسة هي حقل الرب، والشبكة التي تجمع من كل جنس. أما الخطبة الرابعة (ف 18) فتتوجّه إلى الجماعة المسيحيّة، إلى الكنيسة، فتعلّمها الاهتمام بالصغار والبحث عن النعجة الضالة، والصلاة المشتركة. والمغفرة التي نمارسها 70 مرة سبع مرات. هكذا تبدو الخدمة الرعاويّة في كنيسة يسوع: كلهم مدعوّون إليها. كلهم خطأة، وكلهم نالوا نعمة الغفران. كلهم سينعمون برحمة الله. وكلّهم مسؤولون عن هؤلاء "الصغار" الذين يجب أن لا نشككهم وإلا استحقّقنا أن يوضع في عنقنا رحى الحمار ويُلقى بنا في البحر.
مسيرة الكنيسة في إنجيل متّى مسيرة طويلة. بدأت مع ابراهيم (1: 1). وها هو يسوع يحقّق الوعد الذي وُعد به ابراهيم. في الكتاب المقدّس وعد الله شعبه بان يرافقه هو بنفسه أو يرافقه الانبياء. بعد اليوم، صارت قدرته في متناول الجميع وامتدت إلى كل أزمنة التاريخ البشري حتى انقضاء العالم. فالمسيح الذي أتمه لم يعد خاضعاً للزمان والمكان: أما الذين هم له فقد أرسلوا في هذا الزمان وفي هذا المكان.
إن الكنيسة في نظر متّى تُبنى حين تحيا من يسوع وتعلن يسوع. حين تجمع كل أمم العالم وتغطّسهم بالمعمودية في موته وقيامته، لتجعلهم يشاركون في حياة الآب والروح. الكنيسة حاضرة بحضور المسيح ربّها في وسطها. وهي ستظلّ تعمل وتصلّي حتى تكتشف وجه معلّمها البشريّ والإلهيّ. وهي تمتدّ في انشداد حيث ينمو فيها الرجاء بأن تجتمع إليه في ملكوت الآب الذي تقدّم عنه الأفخارستيا صورة مسبقة.
بعد هذا تبدو الكنيسة كجماعة "التلاميذ" حيث تتمّ الشهادة لحضور يسوع الحاليّ في العالم. هي تضمّ الزمان والمكان لأنها تربط الأرض بالسماء في هذا المكان وفي هذا الآن من التاريخ البشريّ. إذن، ليست هي إسرائيل الحقيقيّ إلا بقدر ما تمّحى أمام شخص يسوع الذي يحرّكها، بقدر ما تشهد بأمانة أن إسرائيل قد بلغ كماله لا في جماعة أرضيّة، بل في يسوع المسيح والربّ. الكنيسة هي حضور الملكوت المتناميّ بشكل متواصل وفي العالم كله.
كانت مهمّة إسرائيل أن تدلّ على مجيء المسيح، ابن داود، وأن تفتح الطريق لتجسّد الابن في يسوع الناصريّ. وهذه المهمة تتواصل في الكنيسة، ما دام هذا المجيء وهذا التجسّد لما يدركا ملء اتساعهما في التاريخ (10: 23). ستتواصل حتى انقضاء الدهر (28: 20). أجل، تلك هي دعوة الكنيسة، ومخطّط الخلاص واحد منذ آدم حتى آخر انسان على الأرض، مع قمّة في شخص يسوع الذي تجسّد في ملء الزمن (غل 4: 4).
وبما أن ملكوت السموات الذي أعطي لنا في المسيح ما زال ينمو في جسد البشريّة، فعلى الكنيسة أن تمزج يوماً بعد يوم خمير القائم من الموت بالعجين البشري إلى أن يختمر كله (13: 33). وهكذا يتحقَّق الملكوت الذي تدلّ عليه، في كل إنسان، نعمةُ الآب السماويّ، كما تمّ في يسوع الناصريّ.
لا يجعل متّى من الكنيسة، من الجماعة المسيحيّة، مثالاً من القداسة. هو يعرف أن فيها الخطأة والأبرار. لهذا يدعو متّى قرّاءه للارتداد معاً إلى الربّ الحيّ، ليصيروا مثل الأطفال (18: 3- 4)، لكي يدخلوا ملكوت السموات الذي ما زال فيه يقترب إليهم. ويقودهم لكي يكشتفوا من جديد تواضع كنيسة قلّ إيمانها فتتقبّل في وجه عالم يعارضها التأكيد بأن يسوع هو معها كما وعد تلاميذه على الجبل بعد القيامة: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (28: 20).

3- شخص المسيح
أ- يسوع في الجماعة
الإنجيل الأول يعكس حياة الجماعة المسيحيّة. فنكتشف فيه اهتمامات الكنيسة. ونحن في هذه الكنيسة، كنيسة متّى وكنيستنا، سوف نتعرّف إلى وجه المسيح. فالكنيسة في نظر متّى هي جماعة تلاميذ يسوع حيث القائم من الموت حاضر يعطيها سلطانه على العالم أجمع. وتأكيد يسوع في 26: 64: "بعد الآن سترون ابن الإنسان جالساً عن يمين القدرة (الله القدير) وآتياً على سحاب السماء"، يُدشّن زمن مجيء الربّ الممجّد وسط البشر.
فخطب المعلم وأعماله وهو الذي أرسل تلاميذه في مهمّة شبيهة بمهمّته، تتجذّر في حياته الأرضيّة (26: 32؛ 28: 7). غير أن متّى يُخفف بعض الوجهات البشرية لدى يسوع، لكي يبرز قدرته وسموّ سلطانه (4: 23؛ 8: 24؛ 15: 30). فالربّ بحضوره الناشط وسط أحبّائه، يحقّق أول نبوءة أوردها الإنجيل. "يسمّى عمانوئيل الذي تفسيره إلهنا معنا" (1: 23).
وحين أعلن بطرس إيمانه أكّد: "أنت المسيح ابن الله الحيّ". (16: 16). حينئذٍ تقبّل يسوع هذا الإعلان على أنه وحي قدّمه الآب لتلميذه (16: 17). واللقبان اللذان أعطيا ليسوع في هذا الإعلان الإيماني، يوافقان ما طلبه يسوع نفسه في 16: 13: إن رسالته كابن الإنسان تقوم بتأسيس الجماعة المسيحيّة.
ب- يسوع والكتب المقدّسة
عندما نقرأ مت نتوقّف مراراً عند كلام الكاتب: هكذا تمّ القول النبويّ. وهكذا يبدأ أيراد واضح من الكتاب المقدّس. هذه الحواشي التي ترتبط بالنصّ، ليست أراء شخصية من الكاتب، ولا محطّات عمّا حدث (رج 11: 20). بل هي بالأحرى إدراج أحداث الزمن الماضي في مخطّط الله. هي الكنيسة الحيّة تفكرّ، كما يقول سفر الأعمال، على ضوء الوحي الذي وصل إلى الآباء. هذا التوقّف عن السرد في الخبر يتوخّى تبرير الأحداث الواردة، على المستوى الدفاعيّ وضد الآراء اليهوديّة الجارية.
يسوع نفسه قد مارس هذا الأسلوب، فأورد بشكل صريح كلام الكتاب عن يوحنا السابق. "هاءنذا أرسل ملاكي أمام وجهك، فهو يهيّىء لك الطريق قدّامك" (11: 10= لو 7: 27). واستعاد مر 1: 2 هذا الاستشهاد عينه بينما اكتفى مت ولو بأن يذكرا في بداية الإنجيل أش 40 (3: 3 وز: صوت صارخ في البريّة). وأورد يسوع أيضاً نصّ أشعيا ضدّ الوجه الفرّيسي لليهود. "حسناً تنبَّأ أشعيا عنكم، إذ قال: هذا الشعب يكرّمني بشفتيه وأما قلوبهم فبعيدة عني جداً..." (15: 7- 9= مر 7: 6- 7). ويعود مثل الزارع إلى أش 6: 8- 10 ليذكر عمى اليهود. في هذا المقطع الأخير، تفرّد مت فأورد النصَّ بوضوح. ونقول الشيء عينه عن النصوص التالية التي تدلّ على هدف صريح من قبله.
فيسوع وُلد من عذراء (1: 22- 23: ها إن العذراء تحبل وتلد). ووُلد في بيت لحم (2: 5- 6) كما قال ميخا. هرب إلى مصر (2: 15)، وفي هذه المناسبة قُتل أطفال بيت لحم (2: 17- 18). وعاش في الناصرة (2: 23) ليتمّ الكتاب. فالكتاب المقدّس يبرّر هذه الطفولة العجيبة، كما يبرّر تصرّف يسوع.
لماذا أقام يسوع في كفرناحوم ولم يُقم في أورشليم؟ هذا ما يقول الكتاب: "ليتمّ ما قيل بأشعيا النبي القائل: أرض زبولون وأرض نفتالي على طريق البحر..." (4: 14- 16). لماذا شفى يسوع المرضى واهتمّ بأصحاب العلل؟ ليتمّ فيه ما قال أشعيا النبيّ: "إنه أخذ عاهاتنا وحمل أوجاعنا" (8: 17). وهكذا صار يسوعُ عبدَ الله المتألم كما أشار إليه أش 53: 4. لا، ليس يسوع ذلك الديّان القاسي الذي يضع الفأس على أصل الشجرة، ويحرق التبن بنار لا تطفأ (3: 10- 12)، كما قال يوحنا المعمدان. إنه ذلك الذي "لا يسمع أحد صوته في الساحات العامة. لا يكسر القصبة المرضوضة ولا يطفىء الفتيلة المدخّنة" (أش 42: 1- 4؛ مت 12: 17- 21). لماذا قدّم يسوع تعليمه بأمثال؟ نجد الجواب في أش 6: 8- 10: "سماعاً تسمعون ولا تفهمون" (مت 13: 35).
لقد دخل يسوع إلى أورشليم دخولاً وديعاً متواضعاً (21: 4- 5). "وكان هذا ليتمّ ما قيل بالنبيّ القائل: قولوا لابنة صهيون: هوذا ملكك يأتيك وديعاً، راكباً على جحش، على جحش ابن اتان" (زك 9: 9). وأوقف في بستان الزيتون كلصّ (26: 54). قال يسوع: "فكيف إذن تتمّ الكتب"؟ لماذا المقاومة إذا كانت هذه مشيئة الله كما تعبّر عنها الكتب المقدّسة؟ وقال متّى في نهاية كلامه: "وإنما كان هذا كله لتتمّ كتب الأنبياء. عندئذٍ تركه التلاميذ كلهم وهربوا" (آ 56). وتألم المسيحيّون الأولون أن يُباع ربّهم بثلاثين من الفضة (27: 9- 10). فجاء الجواب: "فتمّ عندئذٍ قول إرميا النبيّ القائل: وأخذوا الثلاثين من الفضة، ثمن المثمّن الذي ثمّنه بنو إسرائيل ودفعوها عن حقل الفخاريّ، على نحو ما أمرني الرب" (إر 32: 7- 9؛ زك 11: 12- 13). امتزج في هذا القول نصوص عديدة (إر 18: 2- 3؛ 19: 1- 2). المهمّ هو ما تقوله الكتب بشكل إجماليّ بعد أن قرأ فيها يسوع مشيئة الآب. فهو حين يخضع للكتب إنما يخضع للربّ الذي أوحى بهذه الكتب ودوّن فيها مخطّطه.
بما أن يسوع هو المسيح الذي أنبأت به الكتب المقدّسة، فقد ضلّ معاصروه حين رفضوا تعليمه. لقد كان ضلالهم كبيراً حول الشخصيّة الحقيقيّة للمسيح المنتظر. وهكذا استضاءت حياة يسوع بالإيمان بالكتب المقدّسة. فلم تعد واقعاً غطس في الماضي وظلّ فيه فما عاد يقول لنا شيئاً. مسيرة يسوع هي اليوم لقارىء مت ذروة تاريخ قصد الله. وهي ما زالت تنادينا.
ج- ألقاب يسوع
اهتمّ مت اهتماماً خاصاً بلقبين أعطيا ليسوع مع مدلولهما التام الكامل. هو يسوع المسيح. هو ابن داود.
فيسوع المسيح هذا قد أورد مت نسبَه في بداية الانجيل: "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم" (1: 1). كما ذكره في أول تعليم عن مصير ابن الانسان على يسوع الذي يُدعى المسيح.
ويسوع هو أيضاً ابن داود. احتفظ مر ولو مرتين بهذا اللقب بمناسبة الحديث عن أعمى أريحا (مت 20: 30- 31 وز) والجدال حول ابن داود (مر 12: 35= لو 20: 41؛ رج مت 22: 42). أما مت فرأى في يسوع ابنَ داود (1: 1) الذي استقبله يوسف وتبنّاه (1: 20). مثل أعمى أريحا، فعل أعميا كفرناحوم (9: 27)، وفعلت الكنعانية (15: 32). توسّلوا إلى ابن داود يطلبون الرحمة. وفي 12: 23 تساءلت الجموع: "أفلا يكون هذا ابن داود"؟ والجواب سيكون نعم بلا شكّ. وهذه الجموع ستهتف له ساعة دخوله إلى أورشليم (21: 9- 15): "هوشعنا لابن داود".
وهناك ألقاب أخرى قد نعود إليها في ما بعد. يسوع هو ربّ الجماعة وإلهها. أمامه يسجد طالبو النعم. يسوع هو معلّم الجماعة. إنه يُعلن بشرى ملكوت السماوات لا في الماضي وحسب، بل ما زال يعلنها في جماعة متّى وفي جماعاتنا. يسوع هو ابن الله كما أعلنه الآب في العماد، ودلّ هو بنفسه على هويته في تلك المناجاة مع أبيه: لا يعرف أحد الآب إلا الابن.
ومن خلال الأحداث عن ألقاب يسوع المسيح وابن داود، وجّه الانجيل الأول بإيمانه الحيّ تقديم الأحداث. لا شك في أننا نجد في مت كما في سائر الأناجيل أن يسوع يدهش الناس، يسحرهم، يجتذبهم إليه. أو يتركهم لا مبالين، أو يشكّكهم بتصرّفاته. غير أن الانجيل الأول يتأمّل في شخص يسوع لا بعيون معاصريه وحسب، بل بعيون الإيمان. بدا مر متحفّظاً حول تسمية يسوع "ابن الله". أما مت فسمّاه كذلك مرات عديدة. في العماد (هذا هو ابني الحبيب، 3: 17). في فم المجنونين اللذين صاحا ما لنا ولك يا ابن الله (8: 29)، في حدث التجلّي (17: 5)، خلال المحاكمة في فم رئيس الكهنة: "أستحلفك أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله" (26: 63). وعلى الصليب على شفتَي قائد المئة: "في الحقيقة كان هذا ابن الله" (مت 27: 54؛ في لو 23: 47: كان هذا الرجل باراً). في كل هذا بدا مت موازياً لمرقس.
ونجد لقب ابن الله في النصوص التالية التي لا نجدها في مر. بعد العودة من مصر. نقرأ في 2: 15: "ليتمّ ما قال الرب بالنبي القائل: من مصر دعوت ابني". في مشهد التجربة: "إن كنت ابن الله" (4: 3، 6= لو 4: 3، 9). وبعد أن مشى يسوع على المياه فدلّ على قدرته على عناصر الطبيعة كما على قوى الشّر، "سجد له الذين كانوا في السفينة قائلين: أنت حقاً ابن الله" (14: 33). في قيصرية فيلبس قال مر 8: 30: "أنت المسيح". أما مت 16: 16 فأورد فعل اعتراف كامل في فم بطرس: "أنت المسيح ابن الله الحيّ". وجعل مت عبارة "ابن الله" في فم المجدّفين على يسوع على الصليب: "إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب" (27: 40). وقالوا: "إنه قد قال: أنا ابن الله! فلينقذه الله إن كان راضياً عنه (27: 43). غير أننا نلاحظ أن مت لا يبقي على تسمية ابن الله في فم الشياطين. نقرأ في مر 3: 11: "والأرواح النجسة حينما نظروه خرّوا له وصرخوا قائلين: إنك أنت ابن الله" (ق لو 4: 41. ولكن لا شيء من ذلك في مت). وفي مر 5: 7 صرخ "لجيون" بصوت عالٍ: "ما لي ولك يا يسوع ابن الله العليّ". هنا يقول مت 8: 29 "يا ابن الله" ولو 8: 28: "يا ابن الله العليّ".
د- وجه يسوع
ركّز مت اهتمامه على الاعتراف المسيحيّ بيسوع على أنه "ابن الله". لهذا سنجد بعض الإشارات السيكولوجيّة غائبة من نصّه بسبب أسلوبه الاهتيابي الذي يبدو مثل ليتورجيا يهاب فيها الانسان أن ينظر وجه الله.
نتوقّف هنا عند عواطف يسوع، عند كرامته ومهابته.
أولاً: عواطف يسوع
أورد مت مراراً تذكّرات عن شفقة يسوع وحنانه. بعد أن جال جولته الرسوليّة في المدن والقرى... "رأى الجموع فتحنّن عليهم لأنهم كانوا منهوكين، منطرحين مثل غنم لا راعي لها" (9: 36). وفي 14: 14 رأى الجموع التي تبعته جائعة إلى الخبز، بل إلى أكثر من الخبز: "تحنّن عليهم وشفى مرضاهم". وبعد ذلك أطعمهم حتى شبعوا (آ 20). وحين كثّر الأرغفة السبعة، فعل ما فعل بدافع الشفقة. قال لتلاميذه: "إني مشفق على هذا الجمع، فإنهم معي منذ ثلاثة أيام وليس لهم ما يأكلون" (15: 32). ونرى حنان يسوع تجاه الأعميين اللذين طلبا أن تنفتح أعينهما (20: 34).
ومع الحنان نجد القوّة مع بعض العنف لا سيّما أمام الفريسيين والكتبة المرائين (23: 1 ي). سيكون قاسياً جداً معهم فيسقيهم "القادة العميان" ويشبّههم بـ "القبور المكلّسة". هنا لا نجد في مت ولا شك ما نجده عند مر من مظاهر "الغضب" (مر 1: 41) أو الاحتداد (آ 43) أو العاطفة التي دفعته إلى احتضان الأطفال (9: 36) وإظهار المحبة للشاب الغني (10: 21). ونرى يسوع في مت يطرح أسئلة عاديّة تظهره في الخارج وكأنه "لا يعرف". قال في حدث تسكين العاصفة: "لمَ أنتم خائفون، يا قليلي الإيمان" (8: 26)؟ وقال لبطرس الخائف من الغرق: "لمَ ارتبت" (31:14)؟
ثانياً: كرامة يسوع ومهابته
حين نقرأ مت نجد أن يسوع يتمتّع بمهابة عميقة بحيث لا يتجاسر الناس أن يقتربوا منه. إنه ابن الله. وباسم هذه المهابة، نرى الانجيل يخفّف بعض المرات من القساوة التي نجدها عند مر. لما جاء يسوع إلى الناصرة قال مر 6: 5: لم يستطع أن يفعل معجزة واحدة. أما مت 13: 58 فقال: لم يصنع معجزات كثيرة. في مر، قال الشاب ليسوع: أيها المعلّم الصالح... فأجابه يسوع: "لم تدعوني صالحاً" ليس من صالح إلا الله وحده" (10: 17- 18). أما مت 19: 17 فقال: "لم تسألني عمّا هو صالح. إنما الصالح واحد".
ونستطيع أن نتوقّف عند ما قاله مت 13: 55 ومر 6: 3 عن أقارب يسوع، وما قاله مت 15: 33 ومر 8: 4 قبل تكثير الأرغفة... كل هذا يدلّ على أن متّى يقف في خطّ الأسفار التاريخيّة في التوراة، فيقدّم لنا صورة بهيجة عن وجه يسوع. فيه الكثير من عالم البشر وفيه الأكثر من مهابة السماء.

خاتمة
تلك هي بعض المعاني اللاهوتيّة في انجيل متى: ملكوت الله، الكنيسة، يسوع المسيح. أشرنا إليها بطريقة عاجلة وأوردنا النصوص التي تسندها، ولكننا لا نكتفي بهذا القدر. فسيكون لنا رجوع في ما بعد إلى هذه المواضيع نتوسّع فيها كي نكتشف الغنى الذي يزخر به الانجيل الأول. على كل حال، سيكون تفسير النصوص مناسبة لكي نتعمّق في ما ترك لنا متّى من تعاليم، وهكذا يستطيع كل واحد بدوره أن يكوّن لنفسه نظرة لاهوتيّة شاملة عن كلام يسوع وحياته أعماله. ولكن هل نكتفي بأن نعرف ونتعلم؟ كلا. بل نحاول أن نعمل وإلاّ كنا "صغاراً" في ملكوت السماوات.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM