افرام السرياني والرسالة الى أفسس
»بولس رسول يسوع المسيح بمشيئة اللّه، لأنّه أراد دخول الأمم، إلى القدّيسين والمؤمنين أي المعمَّدين الموعوظين. نعمة لكم وسلام من اللّه الآب والرب يسوع المسيح. لا بواسطة ربّنا يسوع المسيح. مبارك أبونا، أبو ربّنا، أبونا، لأنّه سُمّي بالنعمة، فدعانا إلى التبنّي. في الحقيقة، هو أبو ربّنا، لا بالتبنّي.
بالطبيعة لا بالنعمة. بهذا الذي قال هنا أبو ربّنا دلّ على التمييز بين الابن والبشر. فحيث قال أبو ربّنا دلّ أنّه يقول عن الابن. ولكن حيث كتب اله ربّنا بيّن أنّ الكلام هو عن الناسوت. باركنا لا ببركة الشريعة الأرضيّة، بل بكلّ بركة الروح، في السماوات، في المسيح. كما نظر مسبقًا في مشورته، فاختارنا إلى هذا قبل العالم لنكون قدّيسين بالمعموديّة، وأنقياء بالمحبّة، بلا شكّ، وليس فقط حسب برّ حياتنا.
نظر مسبقًا فاختارنا بواسطة أسرار الأنبياء، وجعلنا منذ ذلك الوقت في التبنّي، في المسيح، حسب رضى مشيئته ليصنع هذا فينا. لكي يتمجّد في الجميع، أي لكي يرتفع من الجميع مديحُ النعمة بواسطة ابنه، رحمةً بنا. به لنا هذا الفداء والرجاء اللذان أدركناهما بدمه. قبلنا غفران الخطايا لا بالنظر إلى أعمالنا، بل بحسب غنى نعمته التي فاضت فينا. أي اغتنينا في كلّ حكمة وعلم. بيّن لنا بالحكمة سرّ مشيئته. سبق وأخفى سرّ تدبيره الذي يجب أن يُكشَف. فيتحقّق في ملء الأزمنة كلُّ شيء، في السماوات وما في الأرض، فيه. أي النيّرات التي تجدّدت في عقلنا وفي فكرنا وشعّت، لأنّها خلائق لا آلهة. ويتوضّح لنا أنّ الأصنام التي على الأرض، هي صنع الأيدي لا خالقة. في التجديد تجدّدت لنا الصنائع، لا في ذاتها، بل في معرفة طبيعتها الحقيقيّة.
في هذه المشورة عينها دُعِينا واصطُفِينا فيه، لأنّ اللّه هيّأ الجميع لخدمة مرضاته، فيتمّ قصدُ مشيئة اللّه، لكي نكون أكثر من كلّ جيل سبقنا، في مدح مجده. نحن أي الذين رجوا المسيح من قبل. لأنّكم أنتم أيضًا سمعتم بواسطة يسوع كلمة الحقّ. فهو وعدُ الحياة، وبه تحوّلتم عن الأصنام كلّها، وآمنتم بالروح القدس الذي بُشّرتم به عبر المياه. وهذا الذي صُنع هو عربون ميراثكم الحقيقيّ، الذي قبلتموه في فداءٍ اقتنَيتموه، أي في الفداء الآتي، في جمع الأمم، في يوم مجيء ربّنا. لكي يكون هذا لمدح مجده، أي في مجد وحيه.
لذلك أيضًا، إذْ سمعتُ أنا بإيمانكم الذي في الربّ يسوع ومحبّتكم لخدّام ربّنا، ما توقّفتُ عن الشكر لأجلكم، وأذكركم دومًا في صلواتي، لكي يؤتيكم إله ربّنا يسوع المسيح، أبو المجد، روحَ الحكمة. فهو بابنه سبب هذه البركات التي رفضها اليوم الأمم الذين تلفّظوا بالتجديف بدل المديح. ليعطيكم أبو المجد روح العلم والوحي. أي لتعرفوه بواسطة وحي حكمة الروح.
وينير عيون قلبكم لتعلموا عظمة رجاء دعوتكم وما غنى مجد ميراثه الذي أعدّ لخدمة القدّيسين. وفوق هذا عظمة قوّته لكم المؤمنين أي في اهتدائكم وفي أعمال الروح الذي فيكم أنتم المؤمنين وهذه الأعمال تمّت بحسب قوّة سلطانه.
فهو الذي جعل المسيح ينتصر، وأحيا كلّ الاقطار، وأقام ابنه من بين الأموات. وهو الذي قلنا عنه من قبل إنّه إله ربّنا يسوع بسبب البشريّة. وقال أيضًا: أقامه من بين الأموات، وجعله يجلس عن يمينه في السماوات فوق كلّ رئاسة وسلطان. هذا ما قال عنه. وقال أيضًا بسبب البشريّة: أخضَعَ كلَّ شيء تحت قدميه، وجعله رأسًا فوق كلّ شيء وفوق الكنيسة التي هي جسده وملؤه الذي يكمل الجميع في كلّ شيء. وكما أخفى جسدنا فيه، صارت الكنيسة في النهاية، جسد جسده. هكذا اكتمل كلّ شيء بذاك الذي يُكمل كلَّ شيء.
وأنتم الذين كنتم في الماضي أمواتًا بخطايا سيرتكم حسب مشيئة رئيس قوّات الهواء، والروح لأنّه بلا شكّ رئيس فوق الهواء ليتقبّل منه شبه الشكل المنظور، وهو رئيسٌ فوق روح النجاسة. هو الذي سيطر على لاإيمان الأبناء، الذين ما أرادوا أن يؤمنوا بالإنجيل. ونحن أيضًا سرنا في رغبات بشريّتنا. صَنَعْنا لا مشيئةَ اللّه، بل مشيئةَ فكرنا وبشريّتنا وصرنا بالطبيعة أبناءَ الغضب مثل الآخرين الذين ثبتوا إلى اليوم في اللاإيمان. حصرنا الرسول كلّنا وهو أيضًا، لئلاّ يُحرم من النعمة التي تُمنح، لا للجميع، بل للذين يؤمنون ويعتمدون.
غير أنّ اللّه بسبب غناه الأكيد والمحبّة التي بها أحبّنا، رحمَنا وتحنّن علينا. وإذْ كنّا أمواتًا بخطايانا، أحيانا بالمعموديّة في المسيح، وخلّصَنا بنعمته. نحن خُلِّصنا مجانًا. وأقامنا معه بالوعد، قبل أن نسقط. وأجلسنا معه في السماوات. أي أكرمنا ومجّدنا في بشريّته التي أجلسها في السماوات. لكي يمنح في الأجيال الآتية، في قيامته، وفرَ غنى نعمته الذي كان بالمسيح من أجل جيلنا هذا. بنعمته دعيتم. بالإيمان دُعيتم. وهذا لَم يكن منكم ولا من أعمالكم، بل هو هبة من اللّه. لئلاّ يفتخر أحد بأعماله، بل بالنعمة التي هي رحمته. نحن صُنْعُه، خُلِقنا من جديد بربّنا يسوع المسيح في الأعمال الصالحة. فهو اختارنا من قبل وأعدّنا كي نسير فيها.
لذلك فأنتم تذكّروا أنكم كنتم من قبل أممًا، في البشريّة، لأنّكم صنعتم الأعمال البشريّة وكنتم تدعون غُلفًا (فتميّزتم) عن هؤلاء العبرانيّين المختونين. وكنتم أيضًا في ذلك الزمن بدون مسيح مع أنّكم خدمتم دعوة المسيح، وكنتم غرباء عن جماعة بيت إسرائيل، أي بعيدين عن ممارسة وصايا الشريعة. كنتم غرباء، لا عن الوعد، بل عن عهد الوعد. وما كان لكم رجاء آخر، لأنّكم جهلتم الوعد وسرتم في العالم بدون اللّه وما عرفتم الإله الحقّ.
أمّا الآن فصرتم للمسيح بإيمانكم. كنتم بعيدين عنه، فصرتم قريبين منه بدمه الذي تقبّلتموه. فهو سلامنا أي هو جعل السلام بين العبرانيّين والأمم. جعل الفئتين عهدًا واحدًا، وألغى في بشريّته حائط العداوة المتوسّط أي جَهالة الأصنام التي سيطرت على الجميع وما سمحت لعقل البشر أن ينتقل إلى السماوات. وأزال شريعة الوصايا الأرضيّة بفرائضه الروحيّة. ليكوّن الاثنين في ذاته، أي الأمم والعبرانيّين، في إنسانٍ واحدٍ جديد، صانعًا السلام.
وصالح الاثنين في جسد واحد، لأنّه قُتل عن الاثنين، وبصليبه قتل العداوة، أي أزال العداوة التي بيننا وبين اللّه وسحقها. وجاء فبشّركم بالسّلام. بشّر الأمم أي البعيدين، والعبرانيّين القريبين. لأنّ لنا به الدخول: أخجلونا وفصلونا عنهم بسبب شريعتهم. أمّا الآن، فصار لنا الدخول في روحٍ واحدٍ إلى أبي الكون. أي بالروح الذي تقبّلناه في المعموديّة. وهكذا لن يكون فيه من بعد يهوديّ وأُمَمِيّ. لأنّ المسيح هو الكلّ في الكلّ. إذن، لستم غرباء عن وعد العهد، ولستم بعيدين عن الميراث المعدِّ ليعطى لكم، بل أنتم مواطنو القدّيسين وأهل بيت اللّه. بُنيتم على أساس (أو كرازة) الأنبياء والرسل. ويسوع المسيح هو رأس الزاوية أي أكليلها وختمُ التعليم الروحيّ. وفيه يتثبّت كلّ بناء الكنيسة ويتكيّف وينمو في بناء هيكل مقدّس، على شبه الهيكل المقدّس في مسكن اللاهوت. فأنتم قد بُنيتم مع هذه الكنيسة لكي تكونوا مسكن اللاهوت بالروح القدس.