تيودوريتس القورشي والرسالة إلى أفسس
نبذة عن تيودوريتس
وُلد تيودوريتس في أنطاكية سنة 393، وتربى في الأديرة. انتُخب سنة 423 أسقفًا على قورش، وهي مدينة صغيرة، قريبة من أنطاكية، فساس أبرشيته بحكمة وغيرة خلال خمس وثلاثين سنة.
هذا الذي كان آخر اللاهوتيّين الكبار في أنطاكية، ترك، علىما قال هو نفسه، خمسة وثلاثين مؤلَّفًا. عرف الأدب اليونانيّ منذ هوميرُس وصولاً إلى أفلوطين وبورفيريوس، كما عرف اللغات العديدة، فضلاً عن السريانية لغته، فاشتهر بسعة علمه في كلّ مجالات المعرفة.
كتاباته في تفسير الكتاب المقدس واسعة، وهي تعطي صورة دقيقة عن مدرسة أنطاكية. هو يقدّم ملاحظات دقيقة وفي محلّها، فيبتعد عن حُبّ تيودورس، أسقف المصيصة، للحرف، دون أن يرتمي في أسلوب الاستعارة، كما أخذت به مدرسة الإسكندريّة. فسّر عدداً من الكتب البيبليّة، وترك مقالات بشكل سؤال وجواب في ما يخصّ الأسفار الخمسة، وأسفار يشوع والقضاة وراعوت.
فسّر الكثير في العهد القديم، ولكن لم يصل إلينا من العهد الجديد سوى تفسير رسائل القديس بولس الأربع عشرة. أيكون بعد أن أنهى العهد القديم عاد إلى العهد الجديد، فما استطاع أن يكمل ؟ ربما. وها نحن نقدم تفسيره للرسالة إلى أفسس.
بين الذين سبق لهم وشرحوا الرسول الإلهي، ظنّ بعضهم أنّ الإنجيليّ يوحنّا كان أول من نقل إلى الأفسسيّين بلاغ الخلاص. أمّا بعضهم فأعلنوا أنّ آخرين قاموا بالعمل، بحيث لم يكن الرسول الإلهي رأى الأفسسيّين حين كتب لهم هذه الرسالة. نجد أن خبر أعمال الرسل لا يعلمنا شيئًا عن هذا الرأي وذاك. إذن، نعرف بشكل أوضح الحقيقة إن تذكرنا هذا الخبر. من الواضح أنّ مدينة أفسس لم تكن بعدُ نعمَت، في ذلك الوقت، ببلاغ الخلاص، لأنّ الرسول الإلهيّ ما كان ليتخلّى عن المؤمنين ليسعى إلى مجمع اليهود. بالتالي، ليس يوحنّا الإلهيّ أوّل من حمل إليهم بلاغ الخلاص، بل بولس المعلّم، كما علّمنا ذلك بوضوح خبر سفر الأعمال.
2-1:15-16: »كذلك، ما إن سمعت بإيمانكم بالرب يسوع، وبمحبتكم لجميع الإخوة القدّيسين، حتّى أخذت أشكر الله بلا انقطاع لأجلكم وأذكركم في صلواتي«.
إنطلق بعضهم من هذا المقطع ليفترضوا أنّ الرسول الإلهيّ كتب رسالته قبل أن يراهم. ولكن، وجب عليهم أن يلاحظوا أنه حين كتب أيضًا للكورنثيين، وبعد أن قال هذه الأمور المحزنة، كتب في رسالته : »يا إخوتي، أخبرني عنكم أهل خَلوَة، أنّ بينكم شقاقات« (1 كور 1:11).
3-3:1-4: »لذلك أنا بولس... كيف كشف لي سرّ تدبيره بوحي كما كتبتُ إليكم بإيجاز من قبل«.
فعبارة : »كما كتبت لكم من قبل« لا تعني، كما ظنّ بعضهم، أنّه كتب رسالة ثانية. فهو تكلّم عن شخصه قائلاً : »كما كتبتْ لكم«، بل عن »السرّ«. فإليكم ما قال: »حسب الوحي، كُشف لي السرّ، كما كتبت لكم بإيجاز من قبل«، أعني السرّ الذي عنه أكتب لكم الآن. فهذا ما عالجه منذ مطلع الرسالة إلى هذا المقطع. وعنه سوف يتكلّم في الآيات اللاحقة.
4-5:14: »لذلك قيل : إنهض أيّها النائم، وقم من بين الأموات، فيضيء لك المسيح«.
يجب أن نعرف أنّنا أمام شهادة من الكتاب. فهذا ما لا نجده في أيّ موضع من الكتب المقدّسة. قال بعض الشرّاح إن أناسًا نالوا نعمة الروح دوّنوا مزامير، وإنّ الرسول الإلهيّ جعلنا نفهم هذا في رسالته إلى الكورنثيين : »كلّ واحد عنده مزمور« (1 كور 14:26).