الفصل الحادي عشر
إيشوعداد المروزيّ وبداية سفر يشوع
تضمّن القسم الثاني من البيبليا السريانيّة "ب ي ت. م و ت ب ا" أو كتاب المجالس. تحت هذه التسمية، يجعل السريان الكتب المقدّسة التي تشكّل الأسفار التاريخيّة والأسفار الحكميّة. في هذه المجموعة، فسَّر إيشوعداد عشرة أسفار هي: يشوع، القضاة، صموئيل، الملوك، الأمثال، ابن سيراخ، الجامعة، نشيد الأناشيد، راعوت، أيّوب. وضُمَّ إلى تفسير الجامعة 12 آية من سفر الحكمة بحسب السريانيّة العواميديّة. هناك مخطوطان يحتويان نصّ إيشوعداد هذا: السريانيّ رقم 10، من بطريركيّة أورشليم اليونانيّة (يعود إلى سنة 1380). ثمّ المخطوط الشرقيّ 4524 من المتحف البريطانيّ (القرن 17 أو 18).
نتذكّر أنّ إيشوعداد كان نسطوريًّا من القرن التاسع. ترك تفسير العهدين القديم والجديد. وقد نُشرت تفاسيره كلّها. وها نحن نقدّم هنا مقطعًا من تفسير سفر يشوع. على أن نترك مقطعًا آخر نضمّه إلى شرح سفر القضاة.
تفسير المجالس لإيشوعداد المروزيّ
تفسير يشوع بن نون
وأيضًا بعون نعمة الله وقدرته، أكتب تفسير "مجالس" القدّيس إيشوعداد. وأوّلاً، كتاب يشوع بن نون. قوّتي يا ربّ، برحمتك. آمين وآمين.
أوّلاً يجب أن نقول: لماذا نقل الله إسرائيل إلى أرض كنعان؟ ولماذا إلى هذه الأرض، لا إلى مكان آخر؟ ولماذا بيد يشوع بن نون؟
فنقول: لأنّه اختار هذا الشعب، ليعرّف بواسطته، جميع الناطقين، عظمتَه وقدرته وحكمته، بواسطة أعمال جبّارة صنعها من أجلهم. وليُعرَف أيضًا من أين وممّن يظهر المسيح فادي الجميع، في النهاية. عرف تعلّق هذا الشعب بحبّ الشياطين، فكان من الضروريّ أن يسكن وحده فلا يختلط مع الشعوب عابدة الأوثان. لئلاّ يتعلّم ضلالهم.
في هذه الأرض أسكنهم، لا في مكان آخر. أوّلاً، لكي يثبّت المواعيد تجاه إبراهيم وإسحق ويعقوب: "لزرعكم أعطي الأرض هذه" (تك 12: 7؛ 15: 18). ثانيًا، بسبب غنى الأرض وكثرة خيراتها. ثالثًا، لأنّها واقعة في وسط الشعوب، وكلُّ الشعوب تحيط بها" (مز 118: 101) كما قيل. هذا ما أفاد التدبير الأوّل والآخر. رابعًا، بسبب تقليد التيوفور، حاملي الثمار، أورشليم هي منتصف العالم، مع أنّ آخرين يقولون: بابل. فإن أُسكِنوا في مكان آخر، ينبع أيضًا السؤال عينه.
ولكن هنا يتوهّم أناس: هذا جور عظيم أن يُطرََد السكّان ويُدخَل الغرباء. فنقول "حاشا أن يكون جورٌ أو ظالم لدى الصالح" (مت 19: 17)، الذي يعلّم الآخرين أن يكونوا رحماء. وتشهد على نعمته ورحمته، الخطايا الكثيرة المشتركة والفرديّة، الخفيّة والظاهرة التي نصنع صباحًا ومساء: بسببها نستحقّ أن نزول ونبيد. وبنعمته الأزليّة، يطيل علينا روحه ويتطلّع إلى إصلاحنا. ولكن بما أنّه ليس صالحًا فقط، بل أيضًا عادل، فقد حمل في نعمته شرّ أبناء هذه الأرض وإثمهم. فقد امتلأت كيلةُ خطيئتهم وكملت ذنوب الأموريّين التي قال لإبراهيم: ما كملت بعدُ (تك 15: 16)، وجُرِّدت كلّيًّا بقيّة الفضيلة وزرعها منهم، وجب بالتالي أن يجازوا بكيلة واسعة ويُحَكَم عليهم. أوّلاً، لئلاّ يضيفوا خطايا على خطايا. ثانيًا، فئلاّ يؤثموا الآخرين ويضرّوهم، ثالثًا، لئلاّ يُتَّهم الله لدى الجاهلين أنّه محبّ للشرّ ومبغض للخير. فكما بالنسبة إلى فرعون المستبدّ، ما كان الله جائرًا معه، بل وقاحتُه أغرقته، هكذا أيضًا الكنعانيّون. ما تقوّى عليهم بالإكراه. بل شرُّهم دفعهم للحرب مع بني إسرائيل. وليس الكنعانيّون وحدهم، بل شعوب كثيرة نالت عقابًا بيد بني إسرائيل. وُضعوا وسط الشعوب الضالّة مثل عصا ضاربة ليعاقبوهم وينالوا عقابًا حين يخطأون. وشهد الكتاب الذي قال: "هذه هي الشعوب التي تركها الربّ ليجرِّبَ بها إسرائيل (قض 3: 1). وفي مكان (آخر): "يكونون لك أوتادًا في أصداعكم وصنانير في عيونكم" (قض: 55؛ يش 27: 13).
بيد يشوع بن نون أدخلهم، لا بيد آخر، لأنّ أرض الموعد صورة ملكوت السماء. فإلى ملكوت السماء أدخلنا يسوع المسيح. فكان ضروريًّا وواجبًا أن يُدخل يشوع بن نون الشعب إلى فلسطين، لكي تشبه الصورة رئيس الصورة، لا بالأعمال وحدها، بل أيضًا بالأسماء. ففي كلّ ما حدث لإسرائيل اللحميّ يوكا (أو حرف الباء) أو خطّ حملا إشارة أحداث إسرائيل الروحيّ، والآتية. ويشهد مسرعًا الرسول السماويّ: "أريد أن تعرفوا، يا إخوة، أنّ آباءنا كلَّهم تحت (الغمام) (1 كور 10: 1) ويأتي المقطع. لهذا تصوّرُ مصرُ الخطيئة، وخروج الشعب، خروجنا من الخطيئة، وعبور البحر، عمادنا، والمنّ العلويّ والشراب الذي من النطران، جسد ربّنا ودمه لغفران ذنوبنا. عماليق هو شبه الشيطان. عمود النور، نعمة الروح والمعرفة المستنيرة. الأربعون سنة في البرّيّة، سرّ حرب ربّنا مع الثلاّب. وأربعون يومًا تجسّس فيها يشوع، لا تدلّ فقط على أربعين سنة في البرّيّة، بل أربعين يومًا من قيامة ربِّنا إلى صعوده، بالقياس. ودخول الشعب إلى فلسطين بيد يشوع، يصوِّر دخولنا إلى فلسطين العليا، بواسطة يسوع باكورتنا. وبولس شرح أيضًا أرض الموعد على أنّها راحة علويّة. قال: "الذي دخل في راحته استراح هو أيضًا من أعماله..." (عب 4: 10). وأيضًا: "نجتهد إذن للدخول إلى هذه الراحة" (آ 11).
ولئلاّ يطول كلامنا، نقترب من تفسير الكلمات الصعبة. هذا الكتاب كتبه يشوع بن نون، بعد أن استراح من حروبه. وهكذا بدأ:
1: 1: "وبعد أن مات موسى عبدُ الربّ". بواسطة حرف الواو الذي أضاف، بيّن أنّ هذا الكتاب عضوٌ من السابق، تثنية الاشتراع. هذا الكتاب جسمٌ واحد من خمسة أسفار الشريعة، بمختلف أقسامها. وفي الوقت عينه، ما أهمل شيئًا، في الوسط، بين هذا وتثنية الاشتراع، مفيدًا للمعرفة، إلاّ وكتبه.
1: 2: "ثمّ، اعبر الأردنّ...". الأردنّ نهرٌ تجري مياهُه من ينبوعين. واحد يُدعى "يور". والآخر، دنان (نجمع الاثنين فيكون لنا الأردنّ). وبعد ذاك تختلط مياههما في واحد. الواحد يبعد عن الآخر. ومياههما متميّزة. يخرج من الأرض، أي من مدينة تُدعى الآن بانياس. في القديم، دُعيَت لوز. أخذها بنو دان ودعوها دان على اسم أبيهم. ويسير في أرض الشعب ويصبّ مياهه في بحيرة سدوم.
1: 4: "في مغارب الشمس يكون تخُمكم، وحتّى نهر الفرات". ما ورث بنو إسرائيل كلَّ هذا، بل ربّما قيل بسبب خبرهم الذي طار في الشعوب. أو بسبب أمان كثير ملك في أيّام داود وسليمان. أو وُهب لهم كما من قبل الله، وبسبب خطيئتهم وإهمالهم خسروه وحُرموا منه.
1: 11: "أعدّوا لكم زادًا". حتّى الآن، نزل المنّ لهم. وقريبًا يُؤخذ منهم فاحتاجوا بالضرورة، إعداد الزاد.
2: 1ي: تأخّر الجواسيس خمسة أيّام في الذهاب والمجيء. وبعد ذلك عبروا الأردنّ، كما يعرّف الخبر. بالحيلة دخلوا إلى زانية، ليضلّوا بالظواهر وكأنّهم دخلوا ليتمّوا رغبة الجسد. ولكن حصل عكس ذلك: عُرفوا أنّهم جواسيس. جليٌّ بأن الله ترك الأمور أن تكون هكذا، لكي تتجلّى لهم مساعدته. فالأعداء الذين عرفوا أنّهم جواسيس، ما استفادوا هكذا من معرفتهم.
2: 18: ليست بهذه البساطة أمروا بأن تعلّق خيطًا قرمزيًّا واحدًا. أوّلاً، لو وضعوا شيئًا كبيرًا، قد يسأل الناظرون: لماذا وُضع. وربّما بسبب هكذا يُؤخذ من هناك وحين يأتون، تكون كلّ الترتيبات دجّالة. فخيط صغير يُحفظ لا يبعت الشكّ لماذا وُضع. والعادة تكون إعطاء فهم الخفايا بواسطة علامات منظورة. عرّفوا (= الجواسيس) بالقرمزيّ كما يلي: مثل هذا اللون، سيُراق هكذا دم واحد منّا، يكذّب العهد الذي من عند الله.