يتضمّن هذا القسم ثلاثة فصول:
1- الحرب الأراميّة الافرائيميّة
2- أورشليم مدينة الله
3- ملك أورشليم وابن داود.
عاش النبيّ أشعيا في حقبة مضطربة جداً زعزعت الشرق الأدنى القديم. فيها برزت القوّةُ الأشوريّة، بعد أن كانت مصرُ مسيطرة حسب الأوقات. تارة تدخل إلى فلسطين ولبنان وسورية، وطوراً تتراجع داخل حدودها. أما الأشوريّون فاختلفوا عن الذين سبقوهم بقوّة سلاحهم، بسرعة هجومهم، بقساوة معاملتهم للسكّان ولا سيّما الأسرى بحيث لم يعُد للانسان من قيمة. تجاه هذا الوضع، خضع من خضع فألزِم الطاعة حتى في الأمور الدينيّة، فصار مذبح هيكل أورشليم كما يريده تغلت فلا سر الثالث. وهناك من ثارَ، فكانت نهايته الدمار. سنة 732 سقطت دمشق. سنة 722 سقطت السامرة عاصمة الافرائيميين، عاصمة مملكة افرايم أو مملكة اسرائيل. وثارت صيدا والتاريخ يخبرنا ما حصل لها من دمار. فسنة 677 ثار عبد يملكتي على اسرحدون الذي احتلّ المدينة وأعمل فيها السلبَ والنهب، وقطع رأس الملك، بل أراد إزالة صيدا من الوجود فسمّاها »كار اسرحدون« أي رصيف اسرحدون.
في هذا الوضع القلق تدخّل اشعيا وهو المقرّب من الملك والعارف بالأمور السياسيّة. عرف الأمور كما عرفها الآخرون، ولكنه نظر إليها لا كما ينظر الآخرون. فهو النبي. فهو حامل الكلمة. يرى الأمور بمنظار الله ويحكم عليها في ضوء كلام الله. فاكتشف وأراد أن يكشف للناس أن الربّ هو سيّد التاريخ. سيّد في شعبه وحاضر معه. سيّد على ملوك مُسحوا بالزيت فوجبت عليهم الأمانة لوصايا الله. سيّد على الأمم الوثنيّة. فسلطانه لا ينحصر في موضع محدّد ولا على شعب معيّن. سلطانه يعمّ الأرض كلها.