الفصل الأول
مدخل إلى الرسالة
إلى تيطس
الرسالة إلى تيطس هي الثالثة بين الرسائل الرعائيّة، كما في لائحة أسفار العهد الجديد. أرسلت إلى تيطس الذي اعتبره التقليد أسقف كريت، الجزيرة اليونانيّة الكبرى في البحر المتوسط، فدعاه إلى تنظيم الجماعة، وإلى إعلان الايمان، وإلى الحذر من المقاومين الآتين من العالم اليهودي مع مجادلاتهم السخيفة ومناقشاتهم حول الشريعة.
1- الرسائل الرعائيّة
منذ بداية القرن الثامن عشر، اعتاد الشرّاح في أوروبا أن يُسمّوا تي، 1تم، 2تم، رسائل رعائيّة. هي أولاً رسائل، لأنها تبدأ كما تبدأ كل رسالة: اسم المرسل: بولس. اسم من تُرسل إليه الرسالة: تيطس، تيموتاوس. وهي رسائل لأنها تنتهي حسب الأسلوب الرسائليّ بالسلامات والتحيّة الأخيرة، وذلك قبل الأخبار الذي أرسلها بولس إلى تلميذيه في أفسس وكريت. وهي رعائيّة لأنها تهتمّ بعمل الرعاية، تهتمّ بالجماعات التي بُشّرت عن يد الرسل أو تلاميذهم، فأرسلت إليها التعليمات الضروريّة من أجل استمرار هذا التجمّع الذي صار مؤسّسة وسُمّي كنيسة. غاب الرسل أو ماتوا، كما قال بولس في 2تم 4: 6- 8: ساعة رحيلي اقتربت. بل قد يكون رحل، بعد أن مات شهيد إيمانه سنة 67، على ما يقول التقليد.
بدا الموضوع الرئيسيّ في تي، 1تم، بنيةَ الكنيسة والنظام فيها، والكلام فيهما عن تسمية المسؤولين في هذه "المؤسّسة"، المسؤولين عن الجماعة المسيحيّة. فنسمّيهم "الرعاة": شمامسة، شيوخ (كهنة أو قسس)، أساقفة. إذا كانت رمزيّة العهد الجديد تتحدّث عن المرسل على أنه "صيّاد سمك" (لو 5: 1- 11)، فالذي يقود ويغذّي أولئك الذين جمعهم المرسل، هو الراعي. والجماعة تسمّى "الرعيّة". وبما أن تي، 1تم، 2تم، تتحدّث عن الرعيّة والاهتمام بها، فقد سُمّيت "رسائل رعائيّة".
رسائل ثلاث ترتبط الواحدة بالأخرى، وقد جاءت الواحدة قريبة من أختها على مستوى الأسلوب وعلى مستوى المناخ. فنستطيع أن نستنتج استنتاجًا منطقيًا يعتبر أن شخصًا كتب الثلاثة. أو أن من كتب واحدة تأثّر في كتابته بمن سبقه. ونحن في هذا المجال، نرفض أن نعالج هذه الرسائل كمجموعة واحدة. فإن 2تم تبدو قريبة جدًا من بولس. دُوّنت في نهاية حياته، أو حالاً بعد موته. ويمكن أن نقابل بين تي و1تم، وإن كانت هذه متأخّرة عن تلك. وهكذا يقول بعضهم إن كان كاتب 2تم قريب جدًا من الأسلوب البولسيّ، إلاّ أن تي، 1تم، تبدوان وكأن كاتبًا واحدًا دوّنهما. فهما تستعملان المفردات عينها. ومع ذلك، تبقى فوارق بين تي و1تم، لا تبدو على مستوى الفوارق بين 2تم من جهة و1تم، تي، من جهة ثانية.
أما الفنّ الأدبيّ في الرسائل الرعائيّة الثلاث، فيختلف بين رسالة وأخرى. فهناك من يقابل تي، 1تم مع "الديداكيه" (100-120) أو تعليم الرسل. هذا الكتاب القديم هو موجز كنسيّ يتضمّن تنبيهات من المعلّمين الكذبة وأنبياء الضلال. مثل هذا الموجز نجده أيضًا في "الدستور الرسوليّ" (بداية القرن الثالث، يتوجّه إلى جماعة من المهتدين من الوثنية، في سورية). فإن كان هناك بعض تقارب، فالتباعد باق لأن "الرعائيّة" لا تعطي توجيهات مفصّلة حول الطريقة التي بها يترتّب الجسم الكنسيّ كما هو حاضر في المجتمع. فإن 2تم لا تتحدّث عن تنظيم الكنيسة. وكلام تي في هذا المجال، جاء موجزًا. ولكن الأمر يختلف مع 1تم. واعتبر بعضهم، من الوجهة التقنيّة، أن 1تم تمثّل بلاغة تشاوريّة، إرشاديّة. أما 2تم فتحمل بلاغة البراهين والنموذج الذي يقدّم للراعي ولأبناء الرعيّة. ولاحظ آخرون أهميّة الارشاد بأسلوب يحثّ فيه الرسول تلميذه، كما لاحظوا شكلاً أدبيًا قريبًا من الرسائل السقراطيّة أو السقراطيّة المزعومة. بدت 2تم بشكل وصيّة يودّع فيها بولس تلميذه وتضمّنت أيضًا عناصر تقرّبها من رسائل السجن، فل، فلم، كو، أف.
وتبقى مشكلة ترتيب الرسائل الرعائيّة الثلاث، في لائحة أسفار العهد الجديد. وُضعت 1تم أولاً لأنها أطول الثلاث، وتي أخيرًا لأنها أقصرها. وجُعلت 2تم بين الاثنين. ولكن هذا لا يفيدنا في شيء. فإن كانت هذه الرسائل قد ارتبطت باسم مستعار، فيجب أن نكون متحفّظين بالنسبة إلى حكم يتأسّس على المضمون، لأن بعض التفاصيل قد لا تكون تاريخيّة. فبحسب ما وصل إلينا، يبدو الوضع الكنسيّ الذي تصوّره لنا تي، أقلّ ثباتًا وأقلّ تفصيلاً من ذاك الذي نجده في 1تم. وبما أن هذه الرسائل تعتبر موجّهة إلى أكثر من موضع (1تم، 2تم إلى أفسس؛ تي إلى كريت)، فإن الكنائس المزروعة في حوض البحر المتوسط لم تصل كلها إلى ذات المرحلة من التطوّر. ومع ذلك، فنموّ كنسيّ متشابه لا يقول لنا بدقة أية رسالة دُوّنت قبل أختها.
بدا موت بولس قريبًا في 2تم: فإن هو كتب الثلاث، فمن المنطق أن نقول إن 2تم كانت الأخيرة. غير أن 2تم لا تعرف مشاكل البنية الكنسيّة التي تعرفها 1تم، تي، لهذا، يبدو من المعقول أن 2تم كانت الأولى، وقد يكون دوّنها بولس أو شخص قريب منه. وبعد موت الرسول بوقت قصير أو طويل، انبرى كاتب نجهل اسمه فدوّن 1تم، تي، مقلّدًا أسلوب 2تم، فعالج مسائل البنية الكنسيّة بعد أن صارت ملحّة. وفي أيّ حال، نجد في تي أن الكاتب لم يتوسّع كثيرًا في الكلام عن بنية الكنيسة، وذلك عكس 1تم حيث جاء الكلام مستفيضًا. وأخيرًا توقّفت 2تم عند شخص بولس الذي أحسّ بنهايته قد أتت، وأنه سيراق دمه على مذبح الرب، على مثال معلّمه على الصليب.
2- خلفيّة الرسالة إلى تيطس
توجّهت تي إلى تيطس، وهو رجل هداه بولس إلى المسيح (1: 4) فكان مساعدًا هامًا لبولس في رسالته. وحين ترك بولس أنطاكية للمدافعة عن انجيله (2تم 2: 8) مع شيوخ أورشليم، أخذه معه (غل 2: 1- 3). وحين قُبل تيطس، وهو الآتي من الأمم الوثنيّة، كعضو في الجماعة، دون أن يُختن، برّر هذا القبولُ موقف بولس: "ما أجبروا رفيقي تيطس، وهو يونانيّ، على الاختتان" (غل 2: 3). لا يُذكر تيطس في سفر الأعمال، ولكنه يُذكر 13 مرّة في عدد من أسفار العهد الجديد: عمل مع بولس في أفسس، خلال الرحلة الرسوليّة الثالثة، ومن هناك أرسله الرسول إلى كورنتس ليساعد في عمل الكنيسة.
هنا نعود إلى 2كور 2: 12- 13 فنفهم أن بولس أمل في أن يجد تيطس في ترواس ويتلقّى منه أخبارًا عن كنيسة الكورنثيّين. ولكن تيطس لم يصل إلى ترواس، بل سار في الطريق المعاكسة، وهكذا لم يلتقِ الرسول وتلميذه. عندئذ قلق بولس بسبب الأخبار التي وصلت إليه من كورنتوس، فحضر إلى مكدونية، وربّما إلى مدينة فيلبّي. هنا نشير إلى تقدير بولس لتيطس "أخي"، حين سلّمه جمع التبرّعات في كورنتوس من أجل المسيحّيين الفقراء في أورشليم (2كور 8: 6)، وحين اختاره ليحمل رسالته هذه إلى المؤمنين في كورنتوس (2كور 8: 16-17).
وفي 2كور 7: 5- 6، يذكر بولس كيف أن أمله خاب لأنه لم يلتقِ تيطس. وإذ لم يعرف الراحة، قرّر الذهاب إلى مكدونية. ولما وصل إليها، وجد عزاء كبيرًا لما وصل تيطس وحمل إليه الأخبار التي كان ينتظر أن يسمعها، حول الوضع في كورنتوس. فبولس استُقبل استقبالاً رائعًا في المدينة، وأخبر بولس بشوق الكورنثيين وغيرتهم لأجله، وحزنهم العميق الذي عبّروا فيه تجاه ما أساؤوا إليه. وهكذا انتقل الرسول، بفضل تيطس، من الحزن إلى الفرح.
جاء تيطس إلى مجمع أورشليم، وهو غير المختون، فدلّ به بولس على أن الوثني يمكن أن يكون مسيحيًا حقيقيًا، دون أن يمرّ في الختان. وكما كان تيموتاوس مثال المختونين في الكنائس التي أسّسها بولس، كذلك كان تيطس مثال اللامختونين. وسيفعل بنجاح تام في كورنتوس. حمل الرسالة المكتوبة في الدموع من أفسس إلى كورنتوس، وتابع مهمّته فكانت المصالحة تامة بين الرسول والمدينة التي بشّرها سنة ونصف السنة.
حسب تي، جاء بولس إلى كريت مع تيطس، وترك تلميذه هناك لعدّة أسباب، ولا سيّما لكي يعيّن شيوخًا في كل جماعة مسيحيّة (1: 5). لا يُقال لنا أين كان بولس حين دوّن هذه الرسالة، وإن يكن شاطئ آسية الصغرى (أفسس) واليونان (مكدونية أو أخائية) موضعين مناسبين لنيّته بأن يقضي الشتاء في نيكوبولسيس، التي هي على ما يبدو مدينة في غرب اليونان (3: 12). ذُكر أربعة أشخاص في 3: 12- 13، منهم اثنان (ارتيماس، زيناس) نجهل عنهما كل شيء. وهناك تيخيكس (من آسية الصغرى). رافق بولس حين انطلق من كورنتوس إلى أورشليم (أع 20: 4- 5) عبر مكدونية وترواس، حيث مضى مارًا في أفسس. ويُذكر تيخيكس أيضًا كحامل كو (4: 7- 9) وأف (6: 21- 22)، وهما رسالتان كُتبتا في إطار السجن. وأبلوس الذي مرّ في أسفاره، في كريت، يُذكر للمرة الأخيرة في أفسس حين راد بولس أن يرسله إلى كورنتوس (1كور 16: 12). هذه التفاصيل تجعلنا نميل إلى منطقة أفسس كموضع حقيقيّ أو مفترض أرسل منه بولس الرسالة إلى تيطس. وإذا كان تأليف "الرعائيّة" يتضمّن ترتيبًا كرونولوجيًا، فقد يكون بولس دوّن 1تم بعد أن ترك أفسس متوجّهًا إلى مكدونية (1: 3).
في مسيرة بولس التي رواها أع أو الرسائل البولسيّة (ما عدا "الرعائيّة")، لا شيء يوافق التفاصيل الواردة أعلاه. حسب هذه المراجع، فالزيارة الوحيدة التي قام بها بولس إلى كريت، تقع خلال رحلة السجن، سنة 61، إلى رومة. توقّفت السفينة في "الموانئ الصالحة" (أع 27: 8). وتروي روم 15: 19 أن بولس جاء إلى اليركون سنة 58، ثم قضى الشتاء في كورنتوس. إن مجمل الشرّاح الذين يرون أن بولس هو كاتب تي، أو يقبلون التفاصيل التي نجدها في تي، يتحدّثون عن رحلة رسوليّة جديدة بعد أن تحرّر الرسول من سجن رومة كما يرويه سفر الأعمال (28: 30)، وذلك سنة 61-63. يكون قد رجع إلى الشرق، إلى كريت، وأفسس، ونيكوبوليس. ودخلت 2تم في هذه النظريّة فجعلت هذه الرحلة الرسوليّة الأخيرة تنتهي في رومة حيث قُبض على الرسول سنة 65-67 ونُفذ فيه حكم الاعدام.
3- تحليل الرسالة
بعد عبارة الفاتحة، تتوزّع تي في ثلاثة مواضيع: بنية الكنيسة. التعليم الكاذب. العلاقات في الجماعة، في ارتباطها بالايمان.
أ- عبارة الفاتحة (1: 1- 4)
هي طويلة، وهي تشبه روم التي توجّهت إلى جماعة لم يزرها بولس. هل يُعقل أن يقدّم بولس نفسه، بمثل هذا الكلام، إلى تلميذ يعرفه منذ سنوات؟ يجيب عددٌ من الشرّاح بالنفي، ويستنتجون أن بولس لم يدوّن تي. اعتبروا أن في تي 1: 1- 4 مقدّمة إلى الرسائل الرعائيّة الثلاث التي دُوّنت باسم مستعار. واعتبر آخرون أن بولس أراد أن يُسند تيطس في هذه المهمّة الصعبة التي كلّفه بها الرسول. فهذه الرسالة سوف تُقرأ في أكثر من جماعة في جزيرة كريت. كان الاهتمامُ الجوهريّ هو الحفاظ على الإيمان المسيحيّ في كريت. لهذا شدّد بولس على أن واجب الراعي الأول هو الاهتمام بايمان مختاري الله.
ب- جسم الرسالة (1: 5- 3: 11)
أولاً: الموضوع الأول: بنية الكنيسة أو التنظيم (1: 5- 9)
مسألة هامة في "الرعائيّة" ولا سيّما في تي، 1تم. فوثيقة موراتوري (القرن الثاني) تقول: إن كانت هذه الرسائل الثلاث تُعبّر عن عاطفة شخصيّة تجاه تيطس وتيموتاوس، فهي مهمّة في الكنيسة من أجل تنظيم الكنائس. ففي كريت نجد خطر المعلّمين الكذبة، فيجب على تيطس أن يُنظّم الكنائس ويجعل فيها شيوخًا. فالرسالة تشير إلى أن بولس، خلال إقامته في كريت، لم يكن قد أقام بنية ثابتة، فكلّف بهذه المهمة تيطس، الذي لبث في الجزيرة بعد ذهاب الرسول. أما 1تم فتطلّعت إلى جماعة منظمة مع شيوخ هم أساقفة. وما يُطلب من هؤلاء من صفات، يكفل أن رعايتهم تظلّ أمينة لتعليم بولس، فتحمي المؤمنين من عدد من البدع، لا ترتبط أي ارتباط بالتقليد الرسوليّ.
ثانيًا: الموضوع الثاني: التعليم الكاذب (1: 10- 16)
وتطرّقت تي إلى خطر ملحّ. نجد أن وصف المعلّمين الكذبة جاء بشكل هجوميّ فصعب علينا أن نميّز ما هو معلومة وثيقة وما هو عموميّات غامضة. كيف نحدّد هذا التعليم انطلاقًا من معلومات تقول: الخصوم هم متمرّدون وخطباء باطلون يجب أن نسدّ أفواههم. هم مغفّلون يقلبون عائلات كاملة ويعلّمون من أجل مكسب خسيس، لأن عقلهم نجس وروحهم فاسد. بما أنهم يُنكرون الله بسلوكهم، فهم ممقوتون، متمرّدون، لا يقدرون أن يقوموا بعمل صالح. في 1: 12 نقرأ ما قاله إبيمينيديس ابن كنوسوس (القرن 6 ق م) عن الكريتيين: هم دومًا كذّابون، وحوش رديئة. بطون كسالى. هذا يعني أن موطن هؤلاء المعلّمين هو كريت. ومع ذلك، فوصف معلّمي أفسس في 1تم 1: 3- 11 يشبه ما في كريت.
والمسيحيون الذي هم من أصل يهوديّ (المختونون) يهاجَمون هم أيضًا في 1: 10. يُتّهمون بأنهم يتبعون قواعد بشريّة تعلن بعض الأشياء نجسة (1: 15). هذا يعني أنهم يتبعون قواعد دقيقة في تفسير الشريعة الموسويّة (رج مر 7: 8). ولكن ماذا تعني عبارة "الخرافات اليهوديّة" في 1: 14؟ هل نحن أمام توسّعات في المنحولات اليهوديّة التي تشدّد على تفاصيل تتعلّق بالأعياد (الكلندار أو الروزنامة) ودور الملائكة؟ هل نحن أمام تنظيرات يهوديّة ترتبط بالغنوصيّة، حول أصل الانسان؟ فالعبارة "يقرّون بأنهم يعرفون الله"، تسير بنا في هذا الخطّ. هناك إمكانيّة تجعل تي مدوّنة في الربع الأول من القرن الثاني، فترتبط بالغنوصيّة كما بتاتيانس السوريّ الذي أنكر العهد القديم وكل ما يرتبط به من أسفار نقرأها في العهد الجديد (مت، مر، يو، رؤ...). ولكنّنا نبقى على مستوى الفرضيّة بحيث تنطبق تي على عدد من المعلّمين الكذبة في أكثر من زمان.
ثالثًا: الايمان والعلاقات داخل الجماعة (2: 1- 3: 11)
يشغل هذا الموضوع ثلثيّ مساحة تي. جاء الجزء الأول (2: 1- 10) شرعة بيتيّة نجد ما يشبهها في كو 3: 8- 14؛ أف 5: 21- 6: 9. ما نقرأ في كو وأف بدا مقسومًا في ثلاث مجموعات ثنائيّة القطب: الزوجات والأزواج. الأولاد والوالدون. العبيد والأسياد. أما في تي، فلم تأت الرسمة متوازنة: الشيوخ والعجائز. الشابات والشبّان والعبيد. فالمسألة ليست العلاقات بين الشيوخ والعجائز، بل التصرّف العام لدى هاتين المجموعتين اللتين تبنيان الجماعة، فتقدّمان قدوة للشبّان والشابات (تعلّم العجائز الصبايا. مع أن 1تم 2: 12 منعت المرأة من أن تعلّم وتتسلّط على زوجها). ولكن في 2: 4- 5 حيث يقال للنساء بأن يحببن أزواجهنّ، وفي 2: 9 حيث يقال للعبيد بأن يخضعوا لأسيادهم، بدت تي قريبة من الشرعة البيتيّة في كو وأف. فمتطلّبات تصرّف فيه الاعتدال والوقار، شبيهة بما فُرض على الشيوخ في 1: 7- 9، تتوافق والتعليم الصحيح وتتوخّى تكريم تعليم الله مخلّصنا (2: 10) بحيث يكون الايمان هو إيمان الجميع، وطريقة الحياة هي للجميع. وحين يربط مسيحيّو كريت تصرّفهم بالايمان والتعليم المسيحيّ، يتميّزون هكذا عن تصرّف مماثل، هو تصرّف يعلّمه فلاسفة يونان كطريقة حياة تستند إلى العقل.
في 2: 11- 3: 11، ينطلق الكاتب من أهميّة الرسالة، فيقدّم إلى المؤمنين تعليمات رعائيّة تستند إلى ما فعله المسيح. قبل اهتدائهم، كانوا متمرّدين وجهالاً. كانوا عبيدًا لشهواتهم (3: 3). ولكن إلهنا العظيم ومخلّصنا المسيح يسوع (أي يسوع هو الله) بذل نفسه لكي يفتدينا ويطهّر شعبًا يخصّه وحده، شعبًا غيورًا من أجل "الأعمال الصالحة" (2: 13- 14). بل هو بذل نفسه من أجل خلاص الجميع (2: 11؛ رج 3: 4- 7. نحن هنا أمام نشيد ليتورجيّ).
اعتاد بولس، في الرسائل الأولى، أن يقدّم نفسه قدوة للمؤمنين (فل 3: 17). وهو يقول الشيء عينه في الرسائل الرعائيّة (1تم 1: 16؛ 2تم 1: 13. بولس المنادي بالانجيل هو نموذج الفضائل التي تساعد الجماعات في حياتها: الثبات في المحنة، رجاء لا يُغلب. أمانة في تعليم وتصليح الخطأ)، فيطلب من الكريتيين أن يكونوا قدوة (2: 7) تجلب الآخرين إلى الايمان. وجزء من هذه "الغيرة للأعمال الصالحة" يقوم بالخضوع للسلطات (3: 1). بلطف ووداعة مع الجميع، ولا سيّما الذين في الخارج (3: 2). والخطر كل الخطر هو خلافات وخصومات بين المسيحيين. فأيّ مثال نعطيه حينذاك لغير المسيحيين (3: 9- 10)؟
ج- الخاتمة (3: 12- 15)
تحدّثنا عمّا في الخاتمة حين عالجنا خلفيّة تي: ارتيماس، زيناس، أبلوس، تيخيكس. والتحيّة والأخيرة تفترض أن قرّاء الرسالة هم تيطس مع الجماعة كلها، بل الجماعات في كريت وفيها ما فيها من مدن. لهذا قال لهم: "النعمة معكم جميعًا".