الفصل السابع
ختام الرسالة
آ 20- 25
ولامست الرسالة نهايتها: قال بولس مرة ثانية ثقته بفليمون، كما نظر إلى المخرج السعيد الذي وصلت إليه طلبته (آ 21). تم تطلّع إلى المستقبل وأعلن زيارته القريبة (آ 22) قبل أن يصوّر مرة أخرى (رج آ 1- 3) الإطار الجماعي للقضيّة التي رافع عنها. وهكذا ضمّ إلى تحيّته الرفاق المحيطين به (آ 23- 24) وانتقل من المخاطب المفرد (أنت، أعدّ أنت لي منزلاً) (آ 21- 22 أ، 23) إلى المخاطب الجمع (أنتم، سأردّ إليكم أنتم) (آ 25). هذه الرسمة قريبة ممّا نجد في خاتمة رسائل بولس.
غير أننا نلاحظ أن رسائل بولس تتميّز عن رسائل عصره بغناها: فهو يذكر الأشخاص بأسمائهم، بشكل مباشر أو غير مباشر. ويمزج الاهتمام بالاشخاص المحدّدين مع الوجهة الجماعيّة للحياة في المسيح. ولا ينسى أن يجعل كل هذا في ظلّ "نعمة الرب يسوع المسيح". ونلاحظ في فلم بشكل خاص أن التحيّات الأخيرة والبركات (آ 23- 35) تعود بنا إلى التحيّات الأولى التي تنتهي بالمباركات (آ 1- 3). والقول عن الثقة في محبّة فيلمون واستقباله لأونسيمس (آ 21- 22)، يتجاوب مع ما قرأناه في آ 4- 7.
1- أكتب إليك واثقًا (آ 21)
صارت "الطابة" حقًا في ملعب فيلمون. فيبقى على بولس أن يعبّر عن ثقته بأن محاوره سيجد في قلبه الأشكال التي تليق باستقبال أونسيمس وعدته. فما قاله وما كتبه بولس يعنيان مبدأ هذا الاستقبال وهذه العودة. أما شكلهما الملموس، فراجع إلى حرّية فيلمون وسخائه. فهو يستطيع أن يجد ما هو واجب، أكثر من بولس. جاءت العبارة مضخّمة لتحرّك حرّية فيلمون وكبر قلبه. وهي تعوا إلى آ 16 حيث أعلن بولس أمله بأن يرى فيلمون يستقبل أونسيمس "لا كعبد، بل كأخ حبيب".
لهذا يبدو من النافل أن نحاول تحديد الأشكال الملموسة لانتظار ترك بولس لفيلمون أن يحددّها: غفران بسيط. تحرير جزئي. تحرير كامل بحيث يعود أونسيمس إلى بولس من أجل عمل الرسالة. واعلان بولس عن سفره القريب إلى كولسي لا يُفهم على أن بولس يريد أن يتأكّد من تنفيذ أوامره، بل على أن لا حاجة إلى السرعة. فهناك عناصر عديدة ومتشعبّة سوف نجادلها في وقتها. وبما أن أونسيمس ذُكر في كو 4: 9 كشخص تحدّد من أجل نشر الانجيل. وبما أنه وُجد في نهاية القرن الاول في أفسس أسقف اسمه أونسيمس، نستطيع القول إن الأمور سارت كما أرادها بولس.
وتتحدّث الآية عن "طاعة" (هيباكوي) فيلمون. هناك من اعتبر أننا في تعارض مع الطريقة السمحة التي أخذ بها بولس في آ 12- 21. أن بولس استعاد سلطته ليسيطر في النهاية. بعد أن استعمل الطريقة الليّنة ها هو يستعمل الطريقة القاسية! ولكن بولس يتحدّث عن الطاعة. لا الطاعة للرسول. بل الطاعة لمبدأ المحبّة التي تتوافق كل الموافقة مع الحرّية (غل 5: 1 ي). هذه الطاعة هي اسم آخر للايمان. وهي تدلّ على التزام ملموس في الحياة اليوميّة (رج روم 1: 5؛ 15: 26).
2- أعدّ لي منزلاً (آ 22)
يتطلّع بولس إلى المستقبل: ما سيفعله فيلمون يملأ قلب الرسول، ويتّخذ ألوان الرجاء (البيزو). فسيُفرَج عن بولس فيعود إلى كولسي. وأونسيمس الذي حمل الرسالة سيهيّيء هذه الزيارة التي ربّما لن تحصل (كو 2: 1).
والطريقة التي بها عبّر بولس عن مشروعه تدلّ على أن رؤيته للعالم مطبوعة بطابع النعمة والحياة الجماعيّة. يذكر النعمة لأنه لا يقدر أن يتطلّع إلى الإفراج القريب عنه إلا في هذا الإطار، لا كنتيجة محاولة بشريّة. ويذكر الحياة الجماعيّة لأن صلاة المسيحيين (هي صدى للنعمة) من أجل أخ، تجعل هذا الأخ في ظلّ النعمة. وهكذا نفهم أن الانتقال من صيغة المتكلّم المفرد (أنت) إلى المتكلّم الجمع (نحن) يجعلنا في سياق جماعيّ مطبوع بالصلوات وفعل الشكر.
3- يسلّم عليكم ابفراس (آ 23)
وإذ أراد بولس أن يشدّد على الوجهة الجماعيّة في هذه المسألة، أورد تحيّات (اسبازوماي: سلّم بحرارة، قبّل) خمسة رفاق يحيطون به: أربعة منهم هم مشاركون في العمل (سينارغوس). الخامس مشارك في السجن (سينايخمالوتوس). محور هذه الجماعة هو حياة وعمل في خدمة الانجيل. وهذه الخدمة قد قادت بولمس إلى السجن. وهكذا ترتبط المجموعة التي حول بولس بتلك التي تلتئم في بيت فيلمون (آ 2- 3).
إن لائحة الأشخاص الواردة هنا تتوافق مع لائحة كو 4: 10- 14 وما فيها من ذكر لأونسيمس (كو 4: 9): الأسماء هي هي ما عدا يسوع يوستوس (كو 4: 11). جاءت كو أكثر توسّعًا فأعطت صفة الأشخاص المذكورين (ما عدا ديماس، آ 14)، وتوقّفت عند شخص يوستوس (آ 11) وإبفراس (آ 12- 13). وتذكّرُ هذين الشخصين يحيط به تذكّر أربعة أشخاص: ارسترخس ومرقس من جهة (آ 10)، لوقا وديماس من جهة ثانية (آ 14). هذا يعني أن كو وفلم كُتبتا في الزمن عينه. أو أن رسالة استوحت رسالة ثانية.
يُذكر ابفراس هنا. كما يذكر في كو 1: 7؛ 4: 12- 13. يبدو أن أصله من كولسي (4: 12). أنه يشّر هذه المدينة (1: 7)، واهتم بلادوكية وهيرابوليس (4: 12). سمّي "رفيق السجن" مثل اندرونيكس ويونيا المذكورين في روم 16: 7، ومثل ارسترخس المذكور في كو 4: 10. يبدو أن ابفراس هو "سكرتير" الرسول. أما العاملون الآخرون فنشاطهم في الخارج.
4- ومرقس وارسترخس وديماس (آ 24- 25)
مرقس. أو "يوحنا الملقب مرقس" (أع 12: 12- 25؛ 15: 37). أصله من أورشليم. وقد انتمى إلى جماعة الهلينيين (أع 6: 1 ي). فاسمه إسم يهودي (يوحنا) واسم هليني (مرقس). كان نسيب برنابا (كو 4: 10) ورفيق بدايات بولس الرسوليّة (أع 13: 1- 15، 39؛ رج 1 كور 9: 6؛ غل 2: 1، 9، 13). إن مرقس وبرنابا شكّلاً صلة وصل بين بطرس (أع 12: 12؛ غل 2: 13؛ 1 بط 5: 13) وبولس. وحين تأزّمت الأمور، انفصلا عن بولس الذي اتخذ سيلا (أو سلوانس) رفيقًا له (1 بط 5: 12)، وقاما برسالة خاصة بهما قادتهما، على ما يقول التقليد إلى قبرص (أع 15: 37). وهكذا يكون وجود مرقس بجانب بولس ساعة دوّن كو وفلم (رج كو 4: 10؛ 2 تم 4: 11)، دليلاً على أن الهدوء قد عاد. غير أن هذا لا يتيح لنا أن نعرف متى دوّنت فلم.
ارسترخس. ذُكر مع مرقس في كو 4: 10، وسُمّي رفيق السجن. أصله من مكدونية. من تسالونيكي. من أول الذين ردّهم بولس إلى الايمان (أع 19: 29؛ 20: 4؛ 27: 2). رافق بولس في سفره الأخير إلى أورشليم (أع 20: 4) وخلال الأسر الذي حمل الرجلين إلى رومة (أع 27: 2).
ديماس. يُذكر أيضًا مع لوقا في كو 4: 14 وفي 2 تم 4: 10. يقول عنه الرسول: "تركني حبًا بالعالم" ومض إلى تسالونيكي. أما لوقا "الطبيب الحبيب" (كو 4: 14) فيُذكر أيضًا في 2 تم 4: 11. يقول التقليد إنه دوّن الانجيل الثالث وأعمال الرسل.
وأخيرًا (آ 25)، يعود الرسول إلى عبارة ليتورجيّة (تشدّد على الوجهة الجماعيّة والعباديّة في تقبلّ الرسالة)، فيطلب نعمة الرب يسوع المسيح على سامعيه. هذه العبارة تذكّرنا بالبدلية (آ 3)، كما تذكّرنا بطريقة بولس في إنهاء رسائله (روم 16: 20؛ 1 كور 16: 24؛ 2 كور 13: 13، عبارة ثالوثيّة؛ غل 6: 18؛ 1 تس 5: 28؛ فل 4: 23). فالنعمة هي في أساس الحياة المسيحية وهدفها، كما هي في قلب الانجيل (آ 9 ي). ينبوعها سيادة يسوع المسيح الذي نعترف به ربًا في الاجتماع الليتورجيّ (غل 2: 5- 11). ونحن نعيشها في واقع الحياة الملموس كما "فعل" فيلمون حين استقبل أونسيمس "في المسيح"، "في الرب"، وأعاد له اعتباره، بل رفعه (آ 5، 6، 8، 16، 20).