الفصل الحادي والعشرون
قيامة لعازر من القبر
يو 11: 1- 42
أ 1 وكان إنسانًا مريضًا وهو لعازر من بيت عنيا من قرية مريم ومرتا أختها. 2 وكانت مريم التي كان لعازر أخوها مريضًا هي التي دهنت الربّ بطيب ومسحت وجليه بشعرها. 3 فأرسلت الأختان إليه قائلتين يا سيد هوذا الذي تحبّه مريضٌ. 4 فلمّا سمع يسوع قال: "هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله ليتمجّد ابن الله به. 5 وكان يسوع يحبّ مرتا وأختها ولعازر. 6 فلمّا سمع أنّه مريضٌ مكث حينئذ في الموضع الذي كان فيه يومين.
ب 7 ثم بعد ذلك قال للتلاميذ لنذهب إلى اليهوديّة أيضًا. 8 قال له التلاميذ يا معلّم الآن كان اليهود يطلبون أن يرجموك وتذهب أيضًا إلى هناك. 9 أجاب يسوع أليست ساعات النهار إثنتي عشرة. إن كان أحدٌ يمشي في النهار لا يعثر لأنه ينظر نور هذا العالم. 10 ولكن إن كان أحدٌ يمشي في الليل يَعثرُ لأنّ النور ليس فيه.
ج 11 قال هذا وبعد ذلك قال لهم. لعازر حبيبنا قد نام. لكنّي أذهب لأوقظه. 12 فقال تلاميذه يا سيد إن كان قد نام فهو يُشفى. 13 وكان يسوع يقول عن موته. وهم ظنّوا أنّه يقول عن رقاد النوم. 14 فقال لهم يسوع حينئذ علانية لعازر مات. 15 وأنا أفرح لأجلكم إنّي لم أكن هناك لتؤمنوا. ولكن لنذهب إليه. 16 فقال توما الذي يقال له التوأم للتلاميذ رفقائه لنذهب نحن أيضاً لكي نموت معه.
د 17 فلمّا أتى يسوع وجد أنّه قد صار له أربعة أيام في القبر. 18 وكانت بيت عنيا قريبة من أورشليم نحو خمسة عشرة غلوةً. 19 وكان كثيرون من اليهود قد جاؤوا إلى مرتا ومريم ليعزّوهما عن أخيهما.
هـ 20 فلمّا سمعت مرتا أن يسوع آتٍ لاقته. وأمّا مريم فاستمرّت جالسةٌ في البيت.
21 فقالت مرتا ليسوع يا سيّد لو كنت ههنا لم يمت أخي
22 لكنّي الآن أيضًا أعلم أن كلّ ما تطلب من الله يعطيك الله إياه.
و 23 قال لهم يسوع سيقوم أخوك. 24 قالت له مرتا أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير. 25 قال لها يسوع أنا هو القيامة والحياة. مَن آمن بي ولو مات فسيحيا. 26 وكلّ من كان حيًّا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد. أتؤمنين بهذا. 27 قالت له نعم يا سيد. أنا قد آمنت أنّك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم.
هـ هـ 28 ولمّا قال هذا مضت ودعت مريم أختها سرًّا قائلة المعلّم قد حضر وهو يدعوك. 29 أمّا تلك فلمّا سمعت قامت سريعاً وجاءت إليه. 30 ولم يكن يسوع قد جاء إلى القرية بل كان في المكان الذي لاقته فيه مرتا. 31 ثم إنّ اليهود الذين كانوا معها في البيت يعزّونها لمّا رأوا مريم قامت عاجلاً وخرجت تبعوها قائلين إنّها تذهب إلى القبر لتبكي هناك. 32 فمريم لمّا أتت إلى حيث كان يسوع ورأته خرّت عند رجليه قائلةً له يا سيّد لو كنت ههنا لم يمت أخي. 33 فلمّا رآها يسوع تبكي واليهود الذين جاءوا معها يبكون انزعج بالروح واضطرب.
د د 34 وقال أين وضعتموه. قالوا له يا سيد تعال وانظر. 35 بكى يسوع. 36 فقال اليهود انظروا كيف كان يحبّه. 37 وقال بعضٌ منهم ألم يقدر هذا الذي فتح عيني الأعمى أن يجعل هذا أيضًا لا يموت.
ج ج 38 فانزعج يسوع أيضًا في نفسه وجاء إلى القبر. وكان مغارةً وقد وضع عليه حجرٌ. 39 قال يسوع ارفعوا الحجر. قالت له مرتا أخت الميت يا سيّد قد أنتنّ لأنّ له أربعة أيام. 40 قال لها يسوع أم أقل لك إن آمنت ترين مجد الله. 41 فرفعوا الحجر حيث كان الميت موضوعًا.
ب ب ورفع يسوع عينيه إلى فوق وقال آيها الآب أشكرك لأنّك سمعت لي. 42 وأنا علمت أنّك في كلّ حين تسمع لي. ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت. ليؤمنوا أنّك أرسلتني.
أ أ 43 لمّا قال هذا صرخ بصوت عظيم لعازر هلّم خارجًا. 44 فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل. فقال لهم يسوع حُلّوه ودعوه يذهب.
تحديد النص
إن تكرار الكلمات التالية "لعازر" (آ 1، 43) "ورجليه" (آ 2، 44) وكلمة "الموت" (آ 4) التي تتوازى مع "الميت" (آ 44)، تشكّل تضمينًا يبكل النص من الآية 1 إلى الآية 44 جاعلاً منه وحدة أدبية مستقلّة بموضوعها عن النصوص الموجودة قبل النص وبعده.
تأكيدًا على ذلك يمكننا الاعتماد على كلمة يسوع: "حلّوه ودعوه يذهب" (آ 44ب). يستعمل الإنجيلي الفعل "ذهب" في نصوص عديدة كي يختم كما هي الحال في خبر شفاء الأعمى عند بركة سلوام: "إذهب فاغتسل في بركة سلوام" (9: 7) وخبر الزانية: "اذهبي ولا تعودي بعد الآن إلى الخطيئة" (8: 11ب).
الإطار البعيد للنص
سنركّز في هذا المقطع على بعض الأبحاث التي قام بها بعض العلماء كـ "Ch.Rau"، و"A.George" و"P.Grelot" المذكورين في كتاب (A. Marchadour "Lazare" col. Lec. Div. N0. 132 P. 99). استطاع Ch.Rau أن يستنتج مدى أهمية الدور المعطى لخبر قيامة لعازر في إنجيل يوحنا؛ قسّم كتاب الإنجيل بحسب الطريقة البلاغيّة واستدرك بأن يوحنا 10: 22- 11: 54 يشكّل محور الكتاب نظرًا لعزلته وعدم تكرار موضوعه في أماكن أخرى من الإنجيل. ولكن بالرغم من منطقيّة بحثه، يبقى الشكّ قائمًا حول بعض المقاطع التي لاحظ فيها توازيًا يربط فيما بينها: ربط التلاميذ الخمسة في يو 1، ربط بالتلاميذ السبعة في يو 21 ومقارنة الأزمنة الثلاثة لعيد المظال مع التلاميذ الثلاثة في يو 13.
اقتنع Ch. Rau فقسّم الكتاب على الشكل التالي:
1: 9- 2: 12
2- 3
4
5
6
7
7: 53- 8: 59
9- 10
10: 22- 11: 54
11: 55- 12: 36
12: 35-13: 36
13: 36- 14
15- 16
17
18- 19
20
21
نستنتج من تقسيم كهذا أن لخبر لعازر عملاً مميّزًا ينفرد به عن القسم الأول والثاني من كتاب الإنجيل. تصل أهمية الآيات في هذا الخبر إلى أوجها لأنها بدأت في قانا (يو 2) وختمت فيه (يو 11). يفتح هذا الخبر في الوقت نفسه برموزه زمن قيامة جديدة لا مثيل لها (قيامة يسوع من بين الأموات).
سنتطرّق بعد نظرية Ch. Rau إلى نظرية A. George وP. Grelot اللذين قسما الإنجيل إلى قسمين: الأول كتاب الآيات (1: 19- 12: 50)؛ والثاني: كتاب الساعة أو المجد: (13: 1- 20: 31). قسّموا الإنجيل إلى كتب، وكل كتاب إلى أجزاء، وكل جزء إلى مقاطع إلخ... ينتمي بذلك خبر لعازر إلى الجزء الثالث من المقطع الثاني من الكتاب الأول. بالنسبة للإنجيلي، لا تشكّل قيامة لعازر محور الكتاب، لأن خاتمة الكتاب الأول ترتكز على يو 12: 37- 50 التي تحتوي على موضوعين، عدم إيمان اليهود (12: 37- 43) وعظمة يسوع (12: 44- 50). إذًا يو 11: 1- 45 الذي يلخص بالنسبة لـ A. George وP. Grelot خبر موت وقيامة يسوع لا يشكّل محور الكتاب. بالرغم من ذلك يمكننا القول بأن قيامة لعازر تشير إلى المواجهة بين يسوع والموت والتي انتهت بانتصار يسوع القائم من الموت.
ثلاث نقاط تسمح لنا بالتوجّه في هذا الإتجّاه:
1- تحليل توما "هلّموا بنا نموت معه" (11: 12)
2- تآمر مجلس عظماء الكهنة والفرّيسيين عليه (11: 46- 54)
3- تأكيدات يسوع المتتالية على أنه القيامة والحياة (يو 11: 20).
في خاتمة هذا العرض يمكننا الاستنتاج بأن هذه النظرية الأولى أقرب إلى المنطق من الثانية. بالرغم من الشلّ الذي لاحظناه، استدرك Ch. Rau ميزة خبر لعازر الذي يحتلّ مركزًا استراتيجيًا في كتاب يوحنا. وهو يحسب P. Grelot يلخّص خبر موت وقيامة يسوع من بين الأموات. يعارض A. G وP. G نظريات عدّة في قولهما بأن خبر لعازار لا يشكّل لا محور الكتاب ولا خاتمة الكتاب الأول من إنجيل يوحنا.
إن Brown مثلاً يختم الكتاب الأول عند الفصل 12 ويسمّيه كتاب الآيات ويقول بأن خبر لعازار يشكّل عبورًا من زمن تحضيري إلى زمن تمّ فيه كل شيء. فالحياة التي أعطاها يسوع للعازار لا تفتح بعد باب الدخول إلى ملكوت الحياة الأبدّية ولكنها قريبة منه بإنهائها لكتاب الآيات وافتتاحها لكتاب المجد.
يمثّل إذاً يو 11: 1- 44 مركزاً يخوّله لأن يكون محورًا، خاتمة وبداية.
الإطار القريب
إن النظر في الاطار القريب ليوحنا 11: 1- 44 يمكننا من الكشف عن النقاط التي تربط النصوص بعضها ببعض مساعدة على شرح وجهات نظر عديدة أدّت بالكاتب إلى اختيار مواقع محدّدة لنصوصه.
اعتمد الإنجيلي قبل البدء بخبر قيامة لعازر من الموت ذكر عيد تجديد الهيكل وتطهيره من الدنس (10: 22- 23) للإشارة إلى قول يسوع عندما طرد الباعة من الهيكل: "انقضوا هذا الهيكل، أقمه هذا الهيكل في ثلاثة أيام" (2: 18)؛ عنى يسوع بذلك هيكل جسده عندما قام من القبر بعد ثلاثة أيام من موته (2: 22).
يمكننا الاستنتاج إذًا أن لخبر لعازر وجهة معينة ألا وير الإضارة إلى موت وقيامة يسوع من بين الأموات. أما الحدث بحدّ ذاته فيأخذ معناه الحقيقي انطلاقًا من الكلمة التي ألقاها يسوع في الهيكل على مسامع اليهود.
إن قيامة لعازار من الموت هي عمل من الأعمال التي يقوم بها يسوع بصفته المرسل من الآب السماوي (10: 25- 28). وتهدف هذه الأعمال للكشف عن هوية يسوع:
1- بعمله أثبت بنوّته للآب السماوي ووحدته معه، وأعلن عن ألوهيته (10: 32- 33)
2- وكل من يؤمن بأن يسوع هو المسيح ابن الله ينال الحياة الأبدية (قارن 10: 24ب و28 و36 مع 20: 31).
يمكننا القول إذاً أن يسوع بأعماله جعل من الآيات شاهدًا له أمام الجمع: "إن الأعمال التي أعملها باسم أبي هي تشهد لي" (10: 25).
بالاضافة إلى ذلك استعان الكاتب الإنجيلي بشهادة يوحنا المعمدان (10: 41) الذي كان بدوره نبيًا ملهمًا مرسلاً جاهلاً لهوية يسوع لأنه لم يكن موجودًا لدى الله من قبل: "وأنا لم أكن أعرفه، ولكن الذي أرسلني قال" (1: 33أ). شهد يوحنا المعمدان بأن يسوع أتى كي يعمّد بالروح القدس وبأنه ابن الله (1: 33ب- 34).
أما هدف هاتين الشهادتين، الأعمال ويوحنا المعمدان، فما هو إلا تعريف الناس على ابن الله كي ينالوا بإيمانهم به الحياة الأبدية: "إن يوحنا لم يأت بآية، ولكن كلَّ ما قاله في هذا الرجل كان حقًّا". فآمن به هنالك خلق كثير (10: 41- 42).
أما بالنسبة للنص الذي يأتي من بعد يو 11: 1- 44 فهو يُظهر نتائج حدث قيامة لعازر من القبر:
1- آمن به كثير من اليهود (11: 45).
2- استولى الخوف على عظماء الكهنة والفرّيسين فعقدوا مجلسًا خوفًا من أن يؤمن به الجميع (آ 48).
3- موت يسوع خلاص للشعب اليهودي (آ 50).
4- أكّد الكاتب نبوءة قيافا على أن يسوع سيموت عن الأمة من أجل خلاصها وتمّمها بقوله: وليس عن الأمة فحسب بل ليجمع أيضًا شمل أبناء الله المشتّتين (آ 52).
5- فعزموا على قتله (آ 53).
وبما أن حدث لعازر تم بحضور اليهود، يمكننا القول بأنه يشير إلى المواجهة التي ستحدث بينهم وبين المسيح والتي ستؤدّي إلى صلب المسيح وقتله وقيامته من بين الأموات لأنه القيامة والحياة كما سبق وأكّد لمرتا (11: 26).
تقسيم النص
بعد ربط يو 11: 1- 44 بالنصوص التي تحيط به ورضعه في إطاره الأدبي يمكننا الانتقال الآن إلى تقسيم النص.
بدءاً بأطراف النص يمكننا ملاحظة التوازي الحاصل بين آ 1- 6 وآ 43- 44، وذلك بسبب تكرار الكلمات التالية "لعازر" (آ 1، 43) و"رجليه" (آ 2: 44) وكلمة "الموت" (آ 4) التي تتوازى مع "الميت" (آ 44).
إن ورود عبارة "هذا العالم" في الآية 9ب وعبارة "هذا الجمع" في الآية 42 يساعد على ملاحظة التوازي بين آ 7- 10 وآ 41ب- 42، لأن يسوع في كلتا الحالتين يشرح الهدف الذي من أجله أتى إلى هذا العالم.
أما تكرار موضوع "الموت" و"الإيمان" فإننا نلحظه في آ 13، 14، 15، 16 وفي آ 39، 40، 41 مما يجعل التوازي واضحاً بين آ 11- 16 وآ 38- 41 آ. وبروز موقف اليهود يبدو ظاهراً في آ 17- 19 حيث أتوا إلى مرتا ومريم كي يعزّوهما وفي آ 34- 37 حيث ذكّر بعض منهم بآية شفاء الأعمى.
إن ردّة فعل مرتا (آ 20) لمّا سمعت أن يسوع آت، تتوازى مع ردّة فعل مريم لمّا سمعت هي أيضاً بأنه يدعوها (آ 29). فالأولى والثانية قالتا الشيء نفسه عندما التقتا به: "يا سيّد لو كنت ههنا لما مات أخي" (آ 21، 32). لذلك فالتوازي يشمل آ 20- 22 وآ 28- 33.
أما الحوار الذي جرى بين يسوع ومرتا (آ 23- 27) فلا يتوازى مع أي من المقاطع الموجودة في النص، لذلك فهو يشكّل محور النص.
شرح النص
سنبدأ بشرحنا من الأطراف هادفين وبطريقة تصاعدية الوصول إلى المحور، حيث نجد النقطة الأساسية التي بنى عليها الكاتب إنجيله.
آ 1- 6 و43- 44
اعتمد الإنجيلي ذكر اسم القرية التي كان لعازر وأختاه يسكنون فيها للتشديد على صحة أقواله ودعمها بعوالم جغرافية. فلعازر وأختاه مرتا ومريم كانوا ينتمون إلى مكان معيّن يمكننا تحديده ألا وهو "بيت عنيا" القريبة من أورشليم حوالي خمس عشرة غلوة" (آ 1، 18).
إن الآيات 1- 6 موزّعة بشكل محوري يرتكز على قولين وهما التاليين: قول الأختين اللتين أرسلتا في طلب السيّد من أجل إعلامه بمرض أخيهما لعازر (آ 3)، وقول يسوع الذي ردّ سؤالهما بشكل غريب إذ إنه اعتبر بأن المرض هو وسيلة لأجل مجد الله ليتمجّد ابن الله به وليس للموت (آ 4).
انطلق يسوع بكلمته من علاقته المتينة والمميّزة بالله، فهو ابن الله الذي سيهب الحياة لكل من آمن به (10: 28) أي لكل الذين يسمعون صوته كما سبق وقال: "إن خرافي تصغي إلى صوتي" (10: 27). وبما أن المرض حالّ في الإنسان، لذلك فإزالته تؤدّي إلى تحرير هذا الأخير وتجديد الحياة فيه. فالمرض مع ابن الله لا يؤدّي إلى الموت (آ 4) بل إلى الحياة وذلك مؤكّد في الآيات 43- 44 حيث خرج الميت من القبر حيًا. يقف الإنسان إذاً متوسطًا مجد الله وابنه. فالابن يمجّد الله بإحيائه للإنسان والله يمجّد الابن لأنه أحيا الإنسان.
إن التقرّب من يسوع يجب أن يرتكز على علاقة حبّ تقوم بينه وبين طالبيه. فيسوع يحب لعازار وأختيه: "هو الذي تحبه" (آ 3)، "وكان يسوع يحب مرتا وأختها ولعازر" (آ 5). لعبت الأختان دور الشفيع فوجّهتا رسالة إلى السيّد من أجل أخيهما لعازر، فأدّى ذلك للكشف عن إرادة ابن الله وأبيه، فصار لعازر علامة تحرّك الله من خلالها. يجب أن تنطلق الشفاعة إذًا من نقطة بالغة الأهمية ألا وهي الإيمان بمحبة الابن للإنسان. والعبارة التي تعبّر عن شمولية هذه المحبة هي "وكان إنسانًا مريضًا" (آ 1) لأن كلمة "إنسان" تُطبّق على كل شخص يحمل صفة الإنسانة.
بعد الإشارة إلى علاقة الآب بالابن والابن بالانسان يمكننا الآن الغوص أكثر فأكثر في رموز هذه الآيات.
إن ذكر حادثة مريم التي دهنت الربّ بالطيب ومسحت رجليه بشعرها (11: 2؛ 12: 1- 8) يُدخلنا في عالم آخر ألا وهو موت ودفن السيّد لأن يسوع بنفسه قال: "دعها فإنها حفظت هذا الطيب ليوم دفني" (12: 7). أما عبارة "مكث حينئذ في الموضع الذي كان فيه يومين" (آ 6) فتشير إلى موت يسوع ودفنه. استعمل الإنجيلي كلمة "الموضع" (توبوس) نفسها عندما تكلّم عن القبر الذي دفن فيه يسوع: "وكان في الموضع الذي صُلب فيه بستان، وفي البستان قبر جديد لم يكن قد وُضع فيه أحد" (9: 41).
أما عدد الأيام "يومين" في آ 6 هو نفسه الذي قضاه يسوع في القبر إلى حين قيامته في اليوم الثالث (19: 31). وموت يسوع الذي أنبأ به تلاميذه عندما أعلمهم بخيانة يهوذا أدّى به إلى القول: "الآن مُجّد ابن الإنسان ومجّد الله فيه" (13: 31 و11: 4). إذاً فعندما تكلّم يسوع عن مرض لعازار وموته أشار إلى موته الذي سيؤدّي إلى المجد.
أما بالنسبة للآية 44 فهي تعبّر عن قيامة يسوع من القبر لأن الكاتب اعتمد وصف حالة الميت عند خروجه من القبر: "يداه ورجلاه مربوطة بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل" كي يساعد القارئ على ربط هذه الحالة بالأقمطة واللفائف التي وُجدت في قبر يسوع بعد قيامته: "فدخل القبر فأبصر اللفائف ممدودة..." (20: 6- 7).
والذي يؤكد صحة هذه الرموزية هو التوازي الحاصل بين رجلَيْ يسوع: "ومسحت رجليه بشعرها" (آ 2) ورجيّ لعازر المربوطة بالأقمطة (آ 44 أ). إذاً فموت لعازر وقيامته أشارا إلى موت وقيامة يسوع من القبر.
انطلاقًا من شمولية الخلاص التي جاء ابن الله من أجل إتمامها، فإن خروج لعازار من القبر (آ 43) يؤكد قول يسوع: "والخراف إلى صوته تصغي. يدعو خرافه كل واحد منها بأسمائها ويخرجها" (10: 2). لذلك فعندما صرخ يسوع بصوت عظيم ذكر اسم "لعازر" ودعاه باسمه وقال له "هلمّ خارجًا" (11: 43).
والقيامة هي عمل يقوم به يسوع من أجل تحرير الانسان من الموت. أما الانسان لا يستطيع لأخيه الانسان إلاّ أن يحلّه من رباطه ويدعه يذجر أي يتجرّد على سيطرته عليه.
آ 7- 10 و41ب- 42
دعا يسوع تلاميذه كي يتبعوه إلى اليهودية، واستعمل كلمة "لنذهب" أي لنشارك (آ 7). إن ردّة فعل التلاميذ تشير إلى مدى الخطورة التي سيتعرّضون لها إذا رافقوه، لأنه سيضعهم في مواجهة مع اليهود الذين كانوا يطلبون رجمه (آ 9). تردّد التلاميذ إذًا في خلق وحدة المصير مع المعلّم نظراً لجهلهم للأمور التي سيعيشها هناك. انطلق الكاتب من مرض لعازر كي يتكلّم عن خطورة الوضع الذي سيمرّ فيه المعلّم عندما يواجه اليهود. فصار المعلّم بدوره أيضاً معرّضًا للموت كما هي الحال مع لعازر المريض.
ولكن يسوع كان يشدّد على مدى أهمية عمله طالما هو يعيش تحت وطأة نور هذا العالم: "أليست ساعات النهار أثنتي عشرة؟". لذلك عليه أن يبقى ديناميكيًّا لا جمود فيه: "إن كان أحد يمشي" (آ 9، 10). وما دام سيعيش وقتًا قليلاً معهم "أنا باق معكم وقتًا قليلاً" (7: 33) فإن سيداوم العمل من أجل أن يعلم العالم أن الآب فيه وأنه في الآب (10: 38).
ومحاولة رجم اليهود ليسوع كان من أجل إعلانه للوحدة بينه وبين الآب (10: 39). وهذا ما يؤكّد لنا بأن الساعات الإثنتي عشرة تشير إلى هذا العمل بالذات.
أما يسوع فلن يعد (إلى الوراء) أي أنه لن يتردّد عن ذلك لأن النور فيه وهو عالم بما يفعل (آ 10) ومواجهته لليهود لن تردّه. إن عمل يسوع يقوم على فتح أعين العالم كي يراه ويؤمن به كما فعل مع الأعمى (9: 1- 7). عادت البصيرة إلى الأعمى فطرح عليه يسوع سؤالاً: "أتؤمن أنت بابن الانسان؟"، أجاب: "ومن هو، يا رب، فأؤمن به؟" (9: 35- 36).
أتى يسوع إلى العالم كي ينقل إليه نور الآب السماوي. لذلك كانت صلاة يسوع ليس فقط من أجل قيامة لعازر من القبر، بل من أجل إحياء الإيمان في الجمع الحاضر: "لأجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمن أنك أرسلتني" (آ 42).
أما صلاة يسوع فهي مقسمة إلى أربعة أقسام:
1- حالة الجسد المصلّي: "رفع عينيه إلى فوق".
2- الشكر على الأعمال التي صنعها الآب مع الابن.
3- ثقة الابن بالآب على أنه يسمع له في كل حين.
4- الهدف الذي من أجله تُتلى الصلاة (41ب- 42).
وعبارة "ليؤمن أنك أرسلتني" تهدف إلى دفع الجمع لإيمان بالمرسل. إذًا فيسوع يعمل ليس من أجل إنسان واحد بل من أجل العالم كله.
آ 11- 16 و38- 41
انتقل يسوع من الجمع والاهتمام بإحياء إيمانه إلى التلاميذ هي يعوا بدورهم أهمّية الإيمان بالمعلّم الذي يسيرون معه: "وأنا أفرح لأجلكم لأني لم أكن هناك لتؤمنوا" (آ 15).
إن الآيات 11- 16 مبنيّة بشكل محوري ومتواز بنفس الوقت: إن ليسوع كلمتين متوازيتين بينهما (آ 11 و14- 15) كما هي الحال مع التلاميذ (آ 12 و16)، أما المحور فهي كلمة الكاتب التي يشرح فيها مضمون كلمة المعلّم (آ 13).
أ 11 كلمة يسوع (لعازر مات وهو ذاهب لإيقاظه)
ب 12 كلمة التلاميذ (النوم يؤكّد إمكانيّة الشفاء)
ج 13 قول يسوع (لعازر مات)
ج ج 1 قول التلاميذ (ظنّوا بأنه رقاد النوم)
أ أ 14- 15 كلمة يسوع (يسوع يعبّر عن فرحه بوجود التلاميذ معه في هذه المهمّة كي يؤمنوا)
ب ب 16 كلمة توما تلميذ يسوع (هلمّوا لنموت معه).
استعمل يسوع الفعل نام كي يؤكّد موت لعازر: "لعازر حبيبنا قد نام" (آ 11). وفعل نام يحمل معنيين: رقاد النوم ورقاد الموت. سبق واستعملت الجماعات المسيحية الأولى هذا الفعل في كتاباتها للدلالة على رقاد الموت، مثلاً: "قام كثير من أجساد... الراقدين" (متى 27: 52)؛ "رقد وانضمّ إلى آبائه" (أع 13: 36)؛ "وصار باكورة الراقدين" (1 كور 15: 20). يجدر بنا أن نركّز إذاً على كلمة "أيقظه" التي استعان بها يسوع للدلالة فقط على أنه الموقظ الوحيد من الرقاد. وقد اكتفى بالفعل "أيقظ" (آ 11) دون الإشارة إلى الفعل "أقام" عندما أكّد موت لعازر (آ 14). لذلك فعلى القارئ نفسه أن يستنتج سلطان يسوع الكامن فيه أي قدرته على إحياء الأموات لأنه يوقظهم من رقادهم كما سبق وقال (آ 13).
بقيت عقول التلاميذ محدودة، وزاد فرح المعلّم، لأن العمل الذي سيقوم به تجاه لعازر (إخراجه من القبر) سيؤدّي بهم إلى الإيمان (آ 15). وما زال يسوع يشدّد على وحدة المصير بينه وبين التلاميذ كي يستطيع هؤلاء أن يشهدوا لما سيحدث (آ 15 ب).
أعلن توما عن موافقته للمشاركة لكن ليس بدون تعليق. بعد أن أكّد التلاميذ مدى خطورة عودة يسوع إلى اليهودية لأنه سيتعرّض للرجم من قبَل اليهود (آ 8). دمج توما بقوله، موتَ لعازر واحتمال موت يسوع، لذلك قال: "لنذهب نحن أيضًا لكي نموت معه" (آ 16 ب). هنا أيضًا يمكننا أن نرى كيف أن موت وقيامة لعازر يشيران إلى مسيرة يسوع التي أدّت إلى الموت والقيامة.
أما بالنسبة للآيات 38- 41 فهي توضح هدف يسوع: "ألم أقل لك إن آمنت ترين مجد الله" (آ 40) لأن الآيات نفسها تتمحور حول كلمة مرتا أخت الميت وكلمة يسوع.
(أ) 38 انزعاج يسوع ومجيئه إلى القبر (شكل مغارة موضع عليها حجر)
(ب) 39 كلمة يسوع (يسوع يصدر أمرًا برفع الحجر)
(ج) 39 ب كلمة مرتا: تأكيد على موت أخيها ومدى صعوبة العمل
(أنتنَّ، فله أربعة أيام في القبر)
(ج ج) 40 كلمة يسوع (إن آمنتِ ترين مجد الله)
(ب ب) 41 أ فرفعوا الحجر (نفّذوا أمر يسوع)
(أ أ) 41 ب حيث كان الميت موضوعًا.
أكّد الكاتب من خلال كلمة مرتا وصحة قول يسوع: "لعازار مات" (14). وشدّد على أن الجثة قد انتنت أكّد على فساد الجسد لأن مهمّة يسوع ستتضمّن عملية خلق تشمل عودة الروح وشفاء الجسد.
أما يسوع فقد عاود تذكير مرتا بأهمية الإيمان حتى تستطيع رؤية مجد الله، لأن عمله مربوط بإيمان الإنسان الذي طلب منه هذه الآية (آ 40). يظهر الله مجده إذًا لكل إنسان يؤمن بابنه المُرسل إلى العالم.
أصدر يسوع بعد ذلك أمراً طلب فيه رفع الحجر عن المغارة ليزيل المسافات بين الحاضرين (اليهود) وبين الميت (41)، واقتراب اليهود من القبر يؤكّد صحة عمل يسوع تجاه لعازر الذي سيقوم من القبر على يده.
إحياء إيمان التلاميذ وإيمان الذين أحبّوا يسوع سيؤذي إلى إحياء لعازر الذي بقيامته سيحيي بدوره إيمان اليهود أي الجمع (آ 42).
آ 17- 19 وآ 34- 37
بعد استيضاح موقف التلاميذ وإيمانهم الذي ينبغي أن يكون مشابهًا لموقف مرتا التي آمنت بيسوع، انتقل الكاتب ليرينا مشهدًا آخر من الخبر ألا وهو وجود اليهود: "وكان كثير من اليهود قد جاؤوا إلى مرتا ومريم ليعزّوهما عن أخيهما" (آ 19). بالإضافة إلى ذلك ذكر مدينة "أورشليم" (آ 18) حيث سيلقى يسوع عذاباته من جرّاء مواجهته مع اليهود أنفسهم (11: 47- 51). إن وجود اليهود بقرب مرتا ومريم كان للتعزية، ولكن قرب يسوع من هاتين الأختين جعلهما يلاحظان مدى قوّة المحبّة التي يكنّها لهما: "بكى يسوع" (آ 35) فقال اليهود: "انظروا كيف كان يحبّه" (آ 36).
عبّر يسوع بذلك عن إنسانيته وعن مشاركته لآلام الإنسانية جمعاء، فأخذ المبادرة وسأل عن المكان الذي وُضع فيه الميت (آ 34). وعندما ذكَّروا بعجيبة شفاء الأعمى التي جرت على يدي يسوع، انطلقوا من علاقة يسوع بلعازار، لا بعلاقتهم بيسوع لأنهم على ما يبدو ظلّوا عديمي الإيمان به. وما عجيبة فتح عين الأعمى بالنسبة لليهود إلاّ لإظهار شكّهم واعتبارهم بأن الدقّة لم تعد في يدي يسوع نظراً لموت لعازر أثناء غيابه: "ألم يقدر هذا الذي فتح عيني الأعمى أن يجعل هذا أيضًا لا يموت، (آ 37).
ظنّ اليهود أولاً أن يسوع لا يستطيع إخراج لعازار من القبر. واعتبروا ثانية أن الأعمى بفتح عينيه قد نال الحياة لأن العبارة "أن يجعل هذا أيضًا" تربط بين "فتح عيني الأعمى" وعدم الموت! فالذي فتح عيني الأعمى أعطى الأعمى حياة لأن هذا الأخير آمن به ونال الحياة الأبدية (9: 1- 7). والسخرية هي من ميزة الأنجيلي، لأنه غالباً ما يضع على لسان اليهود ما يجب على القارئ المؤمن استنتاجه.
أما انزعاج يسوع (آ 38أ) فهو ناتج عن اكتشافه لعدم مقدرة اليهود على الإيمان به بأنه واهب الحياة الأبدية "ألم يقدر هذا الذي" (آ 37) وعن الموقف الذي أخذوه من آية شفاء الأعمى إذ إنهم ظلّوا عميانًا لا يبصرون ولا يؤمنون فبقوا في خطيئتهم التي تعبّر عن عدم إعترافهم بيسوع مرسلاً من عند الآب (9: 41).
آ 20- 22 و28- 33
يعاود الكاتب التحدّث عن مرتا ومريم فيظهر موقفين مختلفين نوعًا ما:
موقف مرتا موقف مريم
(آ 20) (1) سمعت مرتا أن يسوع آت (آ 28) مضت مرتا ودعت مريم أختها وقالت لها
(29أ) المعلّم حضر وهو يدعوكِ لما سمعت قولها
(2) لاقته (آ 29ب) (2) قامت مسرعة وجاءت إليه
(3) أما مريم فاستمرّت جالسة في البيت (آ 30) (3) لم يكن يسوع قد جاء إلى القرية بل كان في المكان الذي لاقته فيه مرتا.
(آ 31) (-) ثم إن اليهود الذين كانوا معها في البيت ظنّوا بأن مريم ذاهبة إلى القبر فتبعوها.
(آ 21) (4) فقالت مرتا ليسوع: "لو كنت ههنا لم يمت أخي" (آ 32) (4) لمّا أتت مريم إلى حيث كان يسوع خرّت عند رجليه قائلة "يا سيّد لو كنت ههنا لم يمت أخي"
(آ 22) (5) لكني الآن أيضاً أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه. (آ 33) (-) فلما رآها يسوع تبكي واليهود الذين جاءوا معها يبكون انزعج بالروح واضطّرب.
نستنتج من رسمنا هذا أمورًا عدّة جعلت الأحداث تتحرّك وتتمحور حول إيمان مرتا ومريم، وتجاوب يسوع مع هذا الإيمان.
أخذ يسوع كعادته المبادرة، إما بقدومه (آ 20)، لهاما بدعوته لمريم (آ 29)، والتجاوب كان سريعاً من مرتا ومريم، لأن الاثنتين هبّتا لملاقاته (آ 20 و29ب) ولكن الفارق الوحيد بين الاثنتين هو أن مرتا لعبت دور صلة الوصل بين يسوع ومريم، لأنها هي التي ذهبت إلى أختها من أجل نقل كلمة يسوع ودعوته إلى سماعها (آ 28- 29أ).
عندما تحرّكت مرتا بقيت مريم جالسة في البيت أي في حالة جمود عبّرت بها عن قلّة إيمانها بيسوع (آ 3). ولكنها عادت والتقت بيسوع في المكان نفسه الذي التقت فيه مرتا بيسوع، أي إن هذه الأخيرة عادت لتقطع المرحلة نفسها التي قطعتها أختها (آ 30). أما وجود اليهود في البيت، فكان من جهة مريم التي بتحرّكها جرّت معها أفكارهم ومعتقداتهم (آ 31). ظنّ اليهود بأنها ذاهبة إلى القبر ولكنها كانت تفكّر عكس ما كانوا يفكرون. ذهبت باتّجاه يسوع كي تنال التعزية منه. فخرّت عند قدميه معلنة "إيمانها": "يا سيّد لو كنت ههنا لم يمت أخي" (آ 32). ولكن هذا الإيمان ظلّ بمستوى إيمان اليهود الذين توقّفوا عند آية فتح عيني الأعمى، وشكّو بمقدرة يسوع على إخراج لعازر من القبر (آ 37).
ونلحظ بعد ذلك أن مرتا تعدّت هذا الإيمان السطحي وذهبت أبعد من ذلك في إيمانها وقالت دون حاجتها لأن تخرّ على قدمي يسوع: "لكنّي الآن أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك إياه" (آ 22). وهذه الآية توازي بمحتواها ما قاله في صلاته لأبيه: "وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي" (آ 42). وحّدت مرتا إيمانها بإيمان معلّمها، فآمنت بأنه مرسل من عند الآب، لذلك فهي سترى مجد الله في قيامة أخيها من القبر (آ 40). أما مريم التي ظلّ إيمانها بمستوى إيمان اليهود، فبكت وبكى اليهود معها فأزعجوا يسوع بالروح وجعلوه يضطرب، لأنهم لقلّة إيمانهم قد لا يرون مجد الله أي قد لا تتحقّق الأعجوبة (آ 33).
ولكن بالرغم من ذلك، فإن الأعجوبة ستحصل بوجود مؤمن واحد ألا وهو مرتا التي حافظت على هذا الإيمان بتدخّل يسوع نفسه عندما جرى الحوار بينه وبينها (آ 23- 27) وعندما شدّدها (آ 40).
الخاتمة آ 23- 27
إن الآيات 23- 27 مبنيّة بشكل متواز:
(آ 23) قال لها يسوع: "سيقوم أخوك"
(آ 24) قالت له مرتا: "أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير"
من آمن بين ولو مات فسيحيا
(آ 25) قال لها يسوع: "أنا هو القيامة والحياة:-
(آ 26) وكل من كان حياً وآمن بي
فلن يموت إلى الأبد. أتؤمنين بهذا؟
(آ 27) قالت له: "نعم يا سيد. أنا قد آمنت أنك أنت المسيح إبن الله الآتي إلى العالم".
كان رجاء القيامة في اليوم الأخير من المعتقدات المهمّة الشائعة لدى اليهود (دا 12: 1- 3؛ 2 مك 7: 22 و24؛ 12: 44) لذلك بدأ يسوع حديثه مع مرتا كي ينطلق من إيمانها بالذات: "أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير" (آ 24). ولكن يسوع ردّ عليها مكملاً إيمانها وداعيًا لها لأن تضع كل ثقتها في شخصه بالذات لأنه كشف عن نفسه قائلاً "إنه هو القيامة والحياة" (آ 25). لذلك فاليوم الأخير قد حلّ بقدومه إلى العالم لأنه القيامة والحياة لكل من آمن به. فالذي يؤمن إذًا بأن يسوع هو المسيح ابن الله الآتي إلى العالم يدخل في عالم الحياة الأبدية والقيامة. فإن كان حياً فلن يموت إلى الأبد وإن مات فسيحيا (آ 25- 26).
نستنتج من ذلك أن إيمان التلاميذ الذي غاب عن الأنظار بعد آ 16 وإيمان اليهود الذي توحّد بإيمان مريم وظلّ ناقصًا، يجب أن يتّحدا في إيمان مرتا التي دخلت في عالم يسوع مقتنعة بأنه المسيح ابن الله فنالت الحياة الأبدية ورأت مجد الله.
لذلك فالنص بحدّ ذاته يشير إلى العقيدة المسيحية التي نادى بها الرسل: المسيح قام من بين الأموات وكل من آمن به نال الحياة الأبدية.
الأب ريمون الهاش