الفصل الثالث
المعجزات والآيات
في دورة إيليا وأليشاع
التصميم
المقدّمة.
1- الإطار التاريخي.
2- الإطار الأدبي لدورة إيليا (1 مل 17- 2 مل 2: 18) وأليشاع (2 مل 2: 19- 2 مل 10).
3- تصميم كتاب دورة إيليا (1 مل 17- 2 مل 2: 18).
4- التوزيع البلاغي لدورة إيليا النبيّ (1 مل 17- 2 مل 2: 18).
أ- جدول المقارنات.
ب- التوزيع البلاغي المحوري.
ج- دورة إيليا، وحدة أدبية متكاملة.
5- معنى لاهوت معجزة جبل الكرمل (1 مل 18: 17- 40) بالمقارنة مع الحرب الآرامية (1 مل 22: 1- 38).
أ- معجزة جبل الكرمل (1 مل 18: 17- 40).
ب- الحرب بين آرام وإسرائيل (1 مل 22: 1- 38).
ج- مقارنة بين معجزة الكرمل والحرب بن آرام وإسرائيل.
د- المعنى واللاهوت.
1- المقدّمة.
2- الدافع والعقدة.
3- دور الملك والنبيّ.
4- النبيّ والشعب.
5- مرحلة انتقال المواجهة من النبيّ -الشعب إلى النبيّ- أنبياء بعل.
6- النبيّ وأنبياء البعل.
7- صمت البعل أمام أنبيائه.
8- تدخّل النبيّ من أجل الشعب.
9- قوة النبيّ في تجاوب الشعب.
10- قوة النبيّ في حضور الشعب.
11- شهادة الشعب على عمل النبيّ.
12- النبيّ يرفع صلاته أمام الربّ.
13- النبيّ يُجذّر النبوءة في حدث تاريخي.
الخاتمة.
المقدّمة
إنّ النصوص الكتابية لا تُفصل عن البيئة التي كُتبت فيها. وبالتالي لا يمكن لأيّ مفسّر أن يصل لاستنتاجات واقعية ونوعًا ما مضمونة، إلاّ إذا جذر النصّ الكتابي في واقعه التاريخي.
نبدأ دراستنا إذًا بالإطار التاريخي محاولين ربط النصّ بالأحداث التاريخيّة التي عاشها النبيّ إيليا وأليشاع ومعاصروهما. كما وأنّه لا يمكننا نزع النصّ من إطاره الأدبي لأنّ الكاتب اعتمد وضعه في مكانه الحالي لأسباب لاهوتيّة وأدبيّة معًا. لذلك سوف نعالج وضع دورة إيليا (1 مل 17- 2 مل 2: 18) ودورة أليشاع (2 مل 2: 19- 36: 10) نسبة لوضعهما الأدبي. وبما أنّ الوقت لا يسمح لنا بمعالجة الأعاجيب بمجملها، سوف نتطرّق لأعجوبة واحدة، ولدورة واحدة، ألا وهما أعجوبة جبل الكرمل (1 مل 18: 17- 40)، ودورة إيليا النبيّ.
أما بالنسبة لطريقة المعالجة، فهي ترتكز على التحليل البلاغي الذي يأخذ منحى التوازي بين الوحدات الأدبية التي تتشكّل منها الدورة. لذلك، إنّ دراسة أعجوبة الكرمل، تحتّم علينا مقارنتها مع الحرب بين آرام وإسرائيل (1 مل 22: 1- 38). وتعيننا هذه المقارنة أولاً: على اكتشاف المراحل التي تُبنى عليها الأعجوبة. وثانيًا: على رؤية وجهات النظر اللاهوتية التي اعتمد الكاتب إدخالها في هذا النص.
1- الإطار التاريخي
بعد موت الملك سليمان (930 ق. م.)، استمرّت الأزمة بين الشمال والجنوب، حتى استولى الملك عُمري (885 ق. م) على السلطة في الشمال. خلف آحاب الملك عمري الذي كان ذا شخصية مميّزة طبعت الشعوب المجاورة، ودَعَت آشور إسرائيل في ذلك الوقت بعبارة "أرض عمري".
بالواقع، كان باستطاعة مملكة الشمال أخذ المبادرة من ناحيتها بهدف تحقيق الوحدة بين المملكتين لولا أنّها اصطدمت في بادئ الأمر بالقوات الآرامية، ومن ثم بالأشورية من الخارج، وبعناصر كنعانيّة كانت دائمًا موجودة في داخل أرضها.
بنى الملك عُمري عاصمة السامرة على أرضٍ اشتراها من الكنعانيّين، لذلك احتكم كرجل سياسي بطلب المساعدة من الفينيقيّين كي يعزّز قوته العسكرية. فعقد عهداً جسّده بزواج ابنه آحاب من إيزابيل إبنة ملك صور إتّوبعل. وعندما استلم آحاب الحكم (874 ق. م.)، اعترف يهوذا بعظمة إسرائيل وعقد صلحًا معه جسّده بزواج ابن الملك من عثليا ابنة الملك آحاب. خلقت كل هذه الأحداث والعلاقات الغريبة توتّرًا ضمن الديانات المتواجدة على أرض واحدة بين المؤمنين بالله من جهة، والكنعانيّين الذين أصبحوا أقليّة بعد موت الملك داود من جهة أخرى. فاستغلّ الكنعانيون العهد مع الفينيقيّين، واعتبروهم شركاء جددًا يساعدونهم على تثبيت أرجلهم في الأراضي الإسرائيليّة. أراد آحاب التخفيض من حدّة هذا التوتر فخلق نوعين من الإدارة: الأولى إقطاعية بَعْليّة مقدّسة تهتم بالإصلاح الزراعي في السامرة. والثانيّة يهوية على أرض يزرعيل. أما جبل الكرمل الذي أعيد إلى فينيقية بعد موت سليمان والذي تأثّر كثيراً بالديانة البعليّة، فسيلعب دور الدافع الأساسي لإحياء مثل هذا التوتّر بين الديانتين اليهوية والبعلية.
لن يقوى ذكاء سياسة السلالة العمرية على الثبات أمام هذا التوتر. مرض آحاز بن آحاب (853- 852)، فخلفه يورام (852- 841) الذي بمواجهته لموآب وآرام وآشور، حضّر الأرض لثورة ياهو (841). رسّخ هذا الأخير سلطته بوضع خطة تنهي وجود الصراع الديني الذي ورثه عن خلفائه إن في الشمال وإن في الجنوب. وأزال بذلك كل ما بقي من مخلفات آحاب.
2- الإطار الأدبي لدورة إيليا (1 مل 17- 2 مل 2: 18) وأليشاع (2 مل 2: 19- 2 مل 10)
تعالج هذه المجموعة الروائية الخلاف بين الأنبياء والملك (1 مل 17- 2 مل 10). جمعت عدة أخبار نبويّة ألحقت بتاريخ الملوك الذين ملكوا في هذه الفترة: فكوّنت مجموعتين: تمحورت الأولى حول النبيّ إيليا (1 مل 17- 19؛ 21؛ 2 مل 1)، أما الثانية فكانت حول أليشاع (2 مل 2: 1- 9؛ 10).
جاءت قصة ميخا بن يملة (1 مل 22: 1- 28) في نهاية تاريخ آحاب (22: 29- 40) بالإضافة إلى معلومات جديدة عن ملوك آخرين (22: 41- 51 و52- 54)، ومن ثم مجموعة من الأخبار النبوية في (1 مل 20).
أما نهاية دورة أليشاع فكانت بداية لتاريخ ثورة ياهو (2 مل 9: 11- 10: 26) حيث ستتمّ النبوءات (9: 25؛ 10: 10 و17).
بالواقع، يسيطر على تاريخ إيليا بشكله الحالي المواجهةُ بين النبيّ والملك آحاب. وهو مرتبط بمحتوى قصة كرم نابوت (1 مل 21)، وبإطار الفصل 17 حيث الجفاف والجوع (17: 1- 7؛ 18: 8- 16 و17- 24)، وبخبرين عجائبيين أدخلا ضمن هذا الإطار (17: 8- 16 و17- 24)، وبخبر آخر ذي طابع أسطوري ألا وهو معجزة الكرمل (18: 21- 40) حيث فُرض الاختيار بين "يهوه أو البعل؟". وهنا نلاحظ عدم وجود آحاب في المواجهة. كانت امرأة آحاب الملك، العدو الأكثر خطورة للنبّي إيليا (آ 1) خاصة في خبر ظهور الربّ عند جبل حوريب (19: 1- 18) مع دعوة أليشاع (آ 19- 21). أما في 2 مل 1، فنلاحظ وجود آحاز بن آحاب. حتى ولو تغيّر الأعداء، يبقى الخلاف المهيمن ذا طابع ديني، وقد أعطى لتاريخ إيليا وقعاً مميّزًا.
يسيطر على تاريخ أليشاع صورة صنع المعجزات (2 مل 4: 1- 7 و8- 37)، التي تتوازى بشكل صاعق مع 1 مل 17: 8- 16 و17- 24. وتتوالى المعجزات ضمن إطار ضيّق ملفت للنظر. ويأخذ البعض منها الطابع العسكري والسياسي (2 مل 3؛ 6: 8- 7: 20). ونراه مثلاً يمارس دوره السياسي أيضا في 8: 7- 15 و13: 14- 19، ومساعدته في إنجاح ثورة ياهو. وأثّر بتدخلّه على التطوّرات التاريخية والسياسية لمملكة الشمال. تبقى شخصية أليشاع مميّزة بالمقارنة مع صورة إيليا.
نستنتج من خلال ما ورد، أنّ الأعاجيب أُدخلت ضمن إطار تاريخي أعطت لكلمة النبيّ سلطة خوّلتها تغيير مجريات الأحداث، وإظهار قوة الله وحضوره الفعّال في حياة الشعب.
وبما أنّ الوقت غير كاف لدراسة الأعاجيب الواردة في الدورتين، سنكتفي بدراسة أعجوبة واحدة ضمن دورة واحدة تكون بمثابة الصورة المثال التي ستساعدنا على رؤية النقاط البارزة في الأعاجيب الأخرى.
3- تصميم كتاب دورة إيليا (1 مل 17: 1- 2 مل 2: 18)
اعتمد الكثير من شرّاح الكتاب المقدّس على التصميم المبني على المميّزات الأدبيّة، من إنشاء، وكتابة، ومضمون وغيرها... في جمع النصوص ضمن وحدات أدبيّة مستقلّة. تشكّل بعض هذه الوحدات سلسلة تفرّقها عن سلاسل أخرى، وهي تضمّ مجموعة من نصوصٍ تتمحور حول مواضيع قائمة بحدِّ ذاتها.
يُشكّل كتاب دورة إيليا سلسلتين:
* السلسلة الأولى
1- جفاف وشتاء (1 مل 17: 1؛ 18: 1أ- 2أ و17 و41- 46).
ب- التحدّي على جبل الكرمل (1 مل 18: 19- 40).
ج- ظهور الله على جبل حوريب (1 مل 3:19 ب و8 ب و9- 13).
د- دعوة أليشاع (1 مل 19: 19- 21).
هـ- موت نابوت (1 مل 21: 1- 9 و11- 20ب).
و- آحاز عند بعل- زبول (2 مل 1: 2- 8 و7أ).
لم يتعرّض إيليا في هذه السلسلة لأي اضطهاد لا من آحاب، ولا من إيزابيل. أما العلاقات بين الملك والأنبياء، فهي غير متناقضة مع باقي الأخبار الملكية.
* السلسلة الثانية
1- طعام على ضفاف نهر كريت (1 مل 17: 2- 6).
ب- طعام في صرفت صيدا (1 مل 17: 7- 16).
ج- قيامة في صرفت صيدا (1 مل 17: 17- 24 و18: 1أ).
د- لقاء مع عوبديا (1 مل 18: 2 ب- 16).
هـ- تعزية الملاك للنبي إيليا (1 مل 19: 4- 8أ).
و- العثور على إيليا (2 مل 1: 9- 16).
تتمحور هذه السلسلة حول اضطهادات تعرّض لها النبيّ إيليا، وحول مساعدات مصدرُها الله نفسه.
إذا قابلنا السلسلتين معًا في الإطار التاريخي والأدبي اللذين وردا فيه سابقًا، نلاحظ تناغم السلسلة الأولى مع الأحداث التاريخية لأنّها تساعد على ربط الأمور بعضها ببعض، وتُبرز هدف رسالة إيليا الكامنة في نزع تردّد الشعب بأخذ قراره (الله أم البعل؟) (1 مل 18: 19- 40). وبالتالي، فإنّه يسعى ليؤكّد على أنّ الأرض تخصّ أهل إسرائيل: "نابوت" (1 مل 21: 8- 9 و11- 20ب) ليس الكنعانيّين، وللمحافظة على إيمان الملك: "آحاز عند بعل زبول" (2 مل 1: 2- 8 و17أ). وبالختام لتأمين استمرارية رسالته بدعوته لأليشاع. ولقائه بالله في حوريب هو مصدر وسلطة رسالته الأساسيّين (1 مل 19).
تُظهر السلسلة الثانية عمل الله في حياة إيليا، وهي تحمل طابع الأعاجيب والمعجزات من أجل التأكيد على ما هو عليه. حماه الله من الجفاف (1 مل 17: 2- 6). وأجرى على يده المعجزة (تكثير الدقيق والزيت وقيام ابن الأرملة، 1 مل 17: 7- 24)، كي يكشف للقارئ هويّته النبويّة: "رجل الله" كما فعل مع قوّاد الملك حين أكّد لهم على ذلك (2 مل 1: 9- 16). وما حضور الملاك، وتأمين الطعام له، إلاّ لإبراز رحمة الله تجاهه، وحضوره المستمر معه كي يتمّم رسالته إلى النهاية.
4- التوزيع البلاغي لدورة إيليا النبيّ (1 مل 17- 2 مل 2: 18)
عند اعتمادنا القراءة البلاغية لدورة إيليا بكاملها، نلاحظ أن النصوص موزّعة بشكلٍ ملفت للنظر إذ إنّها تشكّل وحدة أدبية متكاملة بموضوعها وبتربيتها. فالدورة مقسّمة إلى وحدات أدبية عديدة تتوازى في ما بينها توازيًا محوريًا ينطلق من الأطراف كي يُبكّل في النهاية المركز الذي تتمحور حوله الدورة بكاملها. وستظهر الوحدات المتوازية عن خلال جدول المقارنات والتعاليل والتوضيحات اللازمة وهو التالي:
1 مل 17: 8- 24 (معجزتان: تكثير الزيت والدقيق + إحياء ابن الأرملة).
+ هاءنذا أقش عودين لآتي وأعمله لي ولابني لنأكله ثم نموت (12)
أ- جدول المقارنات
1 مل 17: 1- 7 (الإعلان عن الجفاف)
+ حيّ الربّ إله اسرائيل (1)
+ عند نهر كريت مقابل الأردن (3 و5) 2 مل 2: 1- 18 (إصعاد الربّ لإيليا في العاصفة)
+ "حيّ هو الربّ وحية هي نفسك" (2 و4 و6)
+ لأن الربّ قد أرسلني إلى الأردن (6) ووقف كلام ما بجانب الأردن (8) ورجع ووقف على شاطئ الأردن (13)
1 مل 17: 8- 24 (معجزتان: تكثير الزيت والدقيق + إحياء ابن الأرملة).
+ هاءنذا أقش عودين لآتي وأعمله لي ولابني لنأكله
ثم نموت (12)
+ هل جئت لتذكيري بإثمي وإماتة ابني (18)
+ وصعد به إلى العلية (19 و23).
+ وأضجعه على سريره (19)
+ هذا الوقت علمت أنّك رجل الله (24).
+ إحياء ابن الأرملة (انظري ابنك حيّ) (22 و23) 2 مل 1: 1- 18 (وفاة الملك أخزيا والعثور على إيليا)
+ إنّ السرير الذي صعدت عليه لا تنزل عنه بل موتًا تموت (4 و6 و16 و17)
+ وسقط أخزيا من الكوة التي في علّيته
+ السرير (4 و6 و16 و17)
+ فقال له يا رجل الله الملك يقول انزل (9 و11 و13)
+ فمات حسب كلام الربّ (16)
1 مل 18: 1- 16 (إيليا وعوبديا)
+ وكان عوبديا يخشى الربّ (3 و12ب)
+ فذهب آحاب في طريق واحد وحده (6) 1 مل 22: 39- 53 (سيرة الملوك في يهوذا واسرائيل)
+ إذ عمل المستقيم في عيني الربّ (43)
+ وسار في كل طريق آسا أبيه (43)
1 مل 18: 17- 40 (إيليا وأنبياء البعل التابعين لإيزابيل على جبل الكرمل)
+ أصغى الربّ لإيليا وأثبت كذب الأنبياء والبعل
+ الشعب آمن 1 مل 22: 1- 38 (ميخا بن يملة وأنبياء آحاب)
+ أصغى الربّ لميخا وأثبت كذب أنبياء آحاب
+ الملك لم يؤمن.
1 مل 18: 41- 19: 9أ (أرسلت إيزابيل تهدّد إيليا بالقتل)
+ آحاب يأكل ويشرب (18: 41- 46)
+ إيزابيل تهدّد إيليا بالقتل (19: 1- 2).
+ إيليا يأكل ويشرب (19: 3- 9). 1 مل 21: 1- 26 (أرسلت إيزابيل تقتل نابوت)
+ آحاب لم يأكل ولم يشرب (21: 1- 7)
+ أرسلت إيزابيل تقتل نابوت (21: 8- 16)
+ آحاب لم يأكل ولم يشرب (21: 17- 26)
1 مل 19: 9 ب- 14 (لقاء الربّ في حهريب)
+ إيليا يخرج من المغارة ويقول للربّ: "قد تركوا عهدك" (آ 10)
ويشدّد على ترك الشعب لمذبح الربّ (10) وعلى طلبهم في أخذ نفسه (14) (يطالبون بقتل النبيّ) 1 مل 20: 1- 34 (الحرب الآرامي)
رفض آحاب في بادئ الأمر عرض بنهدد ولم يخف من جيشه (1- 12) وقاومه بعد أن تدخل النبيّ لصالحه مرتين (13- 21) و(22- 25) وبالنهاية قضى آحاب على جش بنهدد ولكنه لم يقتله بل قطع معه عهدًا (26- 34). وطلب بنهدد قبل ذلك بواسطة خدّامه من آحاب "لتحيا نفسه" (32).
1 مل 19: 15- 18 (إيليا سيمسح آرام وملك إسرائيل وأليشاع نبيًا).
صراع بين ملك إسرائيل وملك آرام سينتصر فيه ياهو ملك إسرائيل وسيتدخّل النبيّ أليشاع لمعونته في ذلك (آ 17) وشعب جديد سيظهر لم يسجد بعد لبعل (18). 1 مل 20: 35- 43 (النبيّ سيذكر الملك يخطأه)
لم يعمل آحاب بحسب قول الربّ بل عاد وصادق الآراميين ولم يقضِ على بنهدد (42أ) لذلك سيموت بدلاً عنه (42ب) والشعب الذي سار وراءه سيُقضى عليه (42ج).
1 مل 19: 19- 21
إيليا يمسح أليشاع نبيًا بدلاً عنه كي يتمّم رسالته التي بدأها.
ب- التوزيع البلاغي المحوري
أ- 17: 1- 7 (الإعلان عن الجفاف).
ب- 1 مل 17: 8- 24 (معجزتين: تكثير الزيت والدقيق وإحياء ابن الأرملة).
ج- 1 مل 18: 1- 16 (إيليا وعوبديا خادم آحاب).
د- 1 مل 18: 17- 40 (إيليا وانبياء البعل التابعين لإيزابيل على جبل الكرمل).
ه- 1 مل 18- 19: 9أ (أرسلت إيزابيل تهدّد إيليا بالقتل).
و- 1 مل 19: 9 ب- 14 (لقاء الرب في حورب).
1 مل 19: 15- 18 (إيليا سيمسح ملك آرام وملك اسرائيل)
ز- 1 مل 19: 19- 21 (إيليا يمسح أليشاع نبياً)
و1- 1 مل 20: 1- 34 (الحرب الآرامية)
1 مل 20: 35- 43 (النبي سيذكّر الملك بخطأه)
ه1- 1 مل 21: 1- 26 (أرسلت إيزابيل تقتل نابوت)
د1- 1 مل 22: 1- 38 (ميخا بن يملة وأنبياء أحاب)
ج1- 1 مل 22: 39- 53 (سيرة الملوك في يهوذا واسرائيل)
ب1- 2 مل 1: 1- 18 (وفاة الملك أخزيا والعثور على إيليا)
أ1- 2 مل 2: 1- 18 (إصعاد الرب لإيليا في العاصفة)
ج- دورة إيليا، وحدة أدبية متكاملة
بالرغم من التحليلات الأدبية التي استطاعت اكتشاف قسمين مختلفين من ناحية الاسلوب والأهداف، أثبت لنا التوزيع البلاغي مدى أهمية النظر إلى دورة إيليا كنصّ متكامل تمّ جمعه من أجل تأليف وحدة أدبية متكاملة ذات لاهوت مبنيّ على روح النبّوة التي تستمد سلطتها من الله فقط، وتغيّر مجرى الأحداث بحسب إرادة الله ومشيئته. نلاحظ من خلال هذا التوزيع أشياء عديدة لا بدَّ من ذكرها.
1- الجفاف (1 مل 17: 1- 7) الذي حرّك الأمور من أجل ربط الملك بالنبيّ وإعلامه بضرورة التوجه إلى الله كي يحلّ المعضلة.
2- تحرك الملك ووجّه عبيده للتفتيش عن إيليا. التقى عوبديا بالنبيّ وطلب منه ألا يرسله إلى الملك نظراً لموقف آحاب الرفضي منه (1 مل 18: 1- 16).
3- تأتي المعجزات لتحلّ في مكان يعلن فيه إيليا عن مقدرة الربّ على حلّ مشكلة الجوع (1 مل 17: 8- 24). والله حاضر لكل من استنجد به من خلال نبيّه.
4- تقع معجزة جبل الكرمل داخل الضياع والتردّد اللذين يعيشهما الشعب في قلب هذا الصراع؛ الكنعاني يطالب بوجوده وبحقوقه على هذه الأرض من جهة، والإسرائيلي راضخ لهذا الواقع خوفًا من الخلافات والهجومات الآرامية من جهة أخرى. تدخّل إيليا فأنقذ إيمان الشعب وأثبت كذب أنبياء البعل (1 مل 18: 17- 40).
5- يأتي تهديد إيزابيل بعد أن عالج إيليا مشكلة الجفاف (1 مل 18: 41- 19: 9أ).
6- انسحاب إيليا وخوفه من بطش إيزابيل التي لم تتدخل في هذا القسم إلاّ بواسطة أنبيائها الذين وقفوا من جهة آحاب وبواسطة رسائل تهديدية منها. التقى إيليا بالربّ وتلقّى رسالة ثانية وهي مسح ملكين جديدين ونبي جديد ألا وهو أليشاع. وأعلن الربّ عن مجرى الأحداث التي ستجري في دورة أليشاع (1 مل 19: 9 ب- 18).
7- يدعو إيليا النبيّ أليشاع وتنتهي القصة الأولى التي برز فيها إيليا رجل الله فاعل المعجزات ومغيّر مجرى الأحداث لكي تبدأ قصة جديدة ثانية تنحدر فيها قوة آحاب وتتحقق نبوءات إيليا حول موته وموت إيزابيل وابنها آحاز.
8- تنطلق القصة من حرب آرامية إسرائيلية تستبق الأحداث التي ستعود وتجري مع ملوك آخرين على أيام أليشاع. آحاب سيقطع عهدًا مع بنهدد (1 مل 20: 1- 34) ويعارض مشيئة الربّ لذلك سيُقضى عليه هو وشعبه (1 مل 20: 34- 35).
9- تعود إيزابيل لتظهر من جديد ولكن بشكل فعلي فتقتل نابوت حامل تقليد آبائه وتأخذ منه أرضه التي صارع من أجلها أصحابُ الإيمان اليهوي وممتلكي أرض آبائهم. فيتنبأ عليها إيليا غاضبًا هي وآحاب (1 مل 21: 1- 26).
10- يدخل آحاب في حرب جديدة فيموت، لأنّه عارض مشيئة الربّ التي أعلنت على لسان النبيّ ميخا. فيصبح أنبياء آحاب شبيهين بأنبياء البعل الذين طالهم روح الكذب والضياع. ويعتمد الكتاب إظهار روح البعل من خلاف القرنين الذين يرمزان إلى الوثنيّين، "وابن كنعنة" الذي يشير إلى بني كنعان الذين يتعامل معهم الملك آحاب من خلال زوجته. فيموت الملك منكسرًا وتتحقق نبوءة إيليا والنبيّ ميخا بن يملة (1 مل 22: 1- 38).
11- يسرد لنا الكاتب موت آحاب وسيرته التي لم تُرضِ الربّ، وحلول ابنه آحاز مكانه وسَيره على خطى أبيه. يُجري مقارنة واضحة مع الملك يوشافاط وابنه مظهرًا الفرق بين ملك يهوذا المستقيم وملك إسرائيل المنحرف بإيمانه (1 مل 22: 39- 53).
12- سار أحزيا بن آحاز على خطى أبيه وطلب حماية البعل. فظهر عمل إيليا من جديد وتنبأ له بموته. مات أحزيا لأنّه رفض طلب عناية الربّ عكس ما فعلت الأرملة بالنسبة لابنها. فيموت في علّيته بالوقت الذي يحيا فيه ابن الأرملة في علّيته (1 مل 17: 18- 24) و(2 مل 1: 1- 18).
13- بعد ذلك يصعد إيليا في العاصفة مشيرًا إلى نفسه الحيّة التي ستبقى حيّة ما دام الربّ حيًّا. فطالما أنّ الموت يطال كل من اتحد بالبعاد، فالحياة تُصعد كلّ من اتّحد بالرب (2 مل 2: 1- 18). وهكذا تبدأ قصة جديدة مع أليشاع تعاود الأحداث كما لو كانت هي نفسها.
5- معنى لاهوت معجزة جبل الكرمل (1 مل 18: 17- 40) بالمقارنة مع الحرب الآرامية (1 مل 22: 1- 38).
إن الدخول بشرح أيّة أعجوبة من الأعاجيب يحتّم علينا الاستفادة من التوزيع البلاغي الذي اكتشفناه سابقًا. لذلك فالتوازي بين أعجوبة جبل الكرمل (1 مل 18: 7- 40) والحرب الآرامية (1 مل 22: 1- 38) يدفعنا لأخذ كل واحدة على حدة. ومن ثم مقارنتها مع الأخرى من أجل استكمال الشروحات اللازمة وإظهار الأهداف اللاهوتية والخلفيات التاريخية الكامنة في كل منها.
أ- معجزة جبل الكرمل (1 مل 18: 17- 40)
يقسم النص أربعة أقسام متوازية فيما بينها: أ- (17- 20)// أ أ- (25- 29)
و
ب- (21- 24)// ب ب- (30- 40)
يعرض القسم الأول حوارًا جرى بين إيليا وآحاب، يتهم فيه آحاب إيليا بأنّه مكدّر إسرائيل، أي أنّه سبب الجفاف (17). ينطلق إيليا بردّه من تقليد آباء آحاب الذين تركوا وصايا الربّ وساروا مثله وراء البعليم وأنبيائه طالبين حمايته. وبالنهاية أمر إيليا آحاب بجمع الشعب وأنبياء البعل معًا على جبل الكرمل (18- 19). ففعل آحاب كما أمره إيليا.
أما القسم الثالث (25- 29) فهو يعرض التقدمة التي قام بها أنبياء البعل أي تقطيع الثور والصلوات وضرب الذات. ويبرز الحدث عندما يسخر منهم إيليا ومن آلهتهم (27). أما التوازي بين آ 17- 20 و25- 29، فهو يرتكز على تباعية آحاب وآبائه والشعب الحالي للأصنام التي لا تتكلّم ولا تصغي (29).
ويعتمد القسم الثاني (21- 24) على كشف شكّ وتردد الشعب الإسرائيلي الذي يترنح بين البعل والله، فعرض عليهم إيليا فكرة تقدمة الثور والنار آكلة المحرقة (22- 24) فقبلوا عنهم وعن أنبياء البعل (24ب). وقام إيليا بتنفيذ كلمته بحيث إنه صعّب التقدمة وأعطى للشعب براهين كبيرة عندما طلب منهم أن يصبّوا على المحرقة ماء (33- 34). فاستجاب الربّ طلبه (38) وأخذ الشعب قراره وَثَبَت في إيمانه عندما سجد أمام إله إيليا. يستند التوازي إذًا إلى انتقال الشعب من حالة التردد (21) إلى حالة الايمان (39) وإلى الوصف الذي أعطاه إيليا للذبيحة في آ 22- 24 و30- 35.
إذًا يأخذ التوزيع البلاغي العام للنص الشكل التالي:
أ- (17- 20) إيليا يتهم آحاب وآبائه بإتباعهم للبعل
ب- (21- 24) تردد الشعب ووصف الذبيحة
أأ- (25-29) إيليا يسخر من أنبياء البعل ويكشف عن كذبهم وآلهتهم التي لا تتكلم ولا تصغي
ب ب- (30- 40) تخلص الشعب من التردد والربّ استجاب إيليا
ب- الحرب بين آرام واسرائيل (1 مل 22: 1- 38).
يقسم النص أربعة أقسام: أ- (1- 4)// أ أ- (29- 38)
و
2 ب- (5- 12)// ب ب- (13- 28أ)
يشكّل القسم الأول (1- 4) العنوان والمقدّمة. بعد مرور ثلاث سنين على الحرب بين آرام وإسرائيل يجتمع آحاب ويوشافاط من أجل احتلال راموت جلعاد. أخذ آحاب المبادرة من أجل ذلك. وتتوازى آ 1- 4 مع 29- 38 كون الحرب التي طرحت في القسم الأول ستتحقق في القسم الرابع. يدخل الملك آحاب الحرب متنكّرًا ويوشافاط يرتدي ثيابه (30) أما آرام فيهدف إلى قتل آحاب مباشرة وينجح في ذلك (34). مات آحاب ولحست الكلاب دماءه حسب كلام الربّ (37).
بعد أن سأل آحاب يوشافاط عن الحرب (1- 4) يبدأ الملكان بالتفتيش عن وسيلة يأخذان بها القرار (5- 12). يأخذ هذه المرة يوشافاط المبادرة ويقترح على ملك إسرائيل أن يسأل كلام الربّ (5). فيدعو آحاب أنبياءه وعددهم أربع مائة فيقولون له إصعد وحارب لأنّك ستنتصر (6). يعود يوشافاط ويشدّد على طلب نبي آخر قد يختلف رأيه عن رأيهم فأشار آحاب على ميخا بن يملة الذي لا يتنبأ إلا بالشرّ على آحاب حسب قول هذا الأخير (7- 8). وأكد صدقيًا بن كنعنة بواسطة قرنين من حديد على النبوءة التي تقول إن آحاب سينتصر (8- 12). إذًا تتوازى آ 5- 12 مع 13- 28 نظرًا للمواجهة بين ميخا بن يملة وبين الأربع مائة نبي التابعين لآحاب (13). سخر في بادئ الأمر ميخا من آحاب (15) ولكن عاد ونطق بكلام الربّ الذي يشير إلى انكسار الملك وموته (18- 19). فاضطُهد النبيّ ميخا وسُجن (28).
أما التوزيع البلاغي للنص فهو التالي:
أ- (1- 4) آحاب يأخذ المبادرة ويعرض الحرب ضد آرام.
ب- (5- 12) يهوشافاط يعرض على آحاب استشارة كلمة الربّ (الأنبياء400+ صدقيا بن كنعنة)= ستنتصر.
ب ب- (13- 28) آحاب يأخذ برأي ميخا بن يملة (رأي معاكس للأنبياء و400) ستننكسر وتموت.
أ أ- (29- 37) خوض الحرب (وموت آحاب ونجاة يوشافاط).
ج- مقارنة بين معجزة الكرمل والحرب بين آرام واسرائيل
بعد أن عرضنا كل سلسلة على حدة وتثبّتنا من الوحدة الأدبية التي ترتكز على تسلسل الأحداث وترابط العناصر ببعضها البعض في كل من 1 مل 18: 17- 40 و1 مل 22: 1- 38، ننتقل الآن إلى جدول مقارنات جديد بين السلسلتين محاولين إيجاد المتشابهات والمتناقضات التي تساعدنا على تفسير أهداف كل من الإثنين معًا.
1 مل 18: 17- 40 1 مل 22: 1- 38
المقدمة: حوار بين اثنين، إيليا وآحاب (17- 19) يبدوان مختلفين بالرأي. آحاب يقول لإيليا "أأنت هو مكدّر إسرائيل" (17) المقدمة: حوار بين اثنين يبدوان في بادئ الأمر متفقين: "شعبي كشعبك وخيلي كخيلك" (4ب)
يأمر إيليا آحاب بجمع الشعب والأنبياء 450 وأنبياء السّواري الذين يأكلون على مائدة إيزابيل (19) يشير يهوشافاط على ملك إسرائيل أن يسأل "اليوم على كلام الربّ" (5)
فأرسل آحاب إلى جميع بني إسرائيل وجميع الأنبياء إلى جبل الكرماء (20) فجمع ملك إسرائيل الأنبياء نحو أربع مئة رجل (6)
عدد الأنبياء 450 و400 المقرّبون من إيزابيل (19ب) عدد الأنبياء400 (6أ)
يوجّه إيليا كلامه إلى الشعب سائلاً: حتى متى تعرجون بين الفرقتين. إن كان الله فاتبعوه وإن كان البعل فاتبعوه (21) فقال آحاب للأنبياء "أأذهب إلى راموت جلعاد للقتال أم لا؟ (6ب)
فلم يجبه الشعب بكلمة (21ب) فقال الأنبياء لآحاب: إصعد فيرفعها السيد ليد الملك (6ج)
ثم قال إيليا للشعب: "أنا بقيت نبيًا للرب وحدي وأنبياء البعل أربع مئة وخمسون رجلاً" (22). فقال يوشافاط: "أما يوجد هنا بعد نبي للرب فنسأل منه" (7)
فقال إيليا: "فليعطونا ثورين". كي يقدّموا ذبيحة، إيليل يقدّم واحد والأنبياء يقدّمون واحد والإله الذي يجيب بالنار يكون هو الله (22- 24) فقال ملك إسرائيل أنّه يوجد بعد رجل واحد لسؤال الربّ ولكنه يتنبأ عليّ شرًا (8أ)
فأجاب جميع الشعب وقالوا: "الكلام حسن" (24ب) فقال يوشافاط: "لا يقل الملك هكذا" (8ب).
فقال إيليا الأنبياء البعل اختاروا لأنفسكم ثورًا واحدًا وقرّبوا أولاً لأنّكم الأكثر وادعوا باسم آلهتكم ولكن لا تضعوا نارًا. (25) فدعا ملك إسرائيل خصيًا وقال أسرع إليّ بميخا بن يملة (9)
فأخذوا الثور الذي أعطي لهم وقرّبوه ودعوا باسم البعل من الصباح إلى الظهر قائلين يا بعل أجبنا فلم يكن صوت ولا مجيب (26أ) وكان ملك إسرائيل ويهوشافاط ملك يهوذا جالسين كل واحد على كرسيه لابسين ثيابهما في ساحة عند مدخل باب السامرة وجميع الأنبياء يتنبأون أمامهم (11)
وكانوا يرقصون حول المذبح الذي عُمل (26ب) فصرخوا بصوت عال وتقطعوا بالسيوف والرماح حتى سال منهم الدم (28) وعمل صدقيا بن كنعنة لنفسه قرنين حديد (إشارة إلى الوثنية) وقال هكذا تنطح الآراميين حتى يفنوا (11)
ولمّا جاز الظهر وتنبأوا إلى حين إصعاد التقدمة ولم يكن صوت ولا مجيب ولا مصغ (29) وتنبأ جميع الأنبياء هكذا قائلين: "إصعد إلى راموت جلعاد وأُفلح فيدفعها الربّ ليد الملك (12)
أما الرسول الذي ذهب ليدعو ميخا كلّمه قائلاً هوذا كلام الأنبياء بفم واحد. فليكن كلامك مثل كلام واحد منهم وتكلّم بخير (13)
قال إيليا: "لجميع الشعب تقدّموا إلي" (30أ) فقال ميخا: "حي هو الربّ إنّ ما يقوله لي الربّ به أتكلّم". (14)
فتقدّم جميع العشب إليه (30ب) ولما أتى إلى الملك قال له الملك يا ميخا أنصعد إلى راموت جلعاد للقتال أم نمتنع (15أ)
وعند الظهر سخر بهم إيليا وقال: "ادعوا بصوت عالٍ لأنّه إله. لعلّه مستغرق... (27) فقال اصعد وافلح فيدفعها الربّ ليد الملك (15ب)
وبنى الحجارة مذبحاً باسم الربّ (32أ) فقال له الملك كم مرة استحلفك أن لا تقولي إلا الحق باسم الربّ (15 ب- 16)
فرمم مذبح الربّ المنهدم (30ج) ثم أخذ إيليا اثني عثر حجرًا بعدد أسباط بني يعقوب الذي كان كلامه الربّ إليه قائلاً: "إسرائيل يكون اسمك" (31)
فقال رأيت كل إسرائيل مشتّتين على الجبال كخراف لا راعي لها فقال الربّ: "ليس لهؤلاء أصحاب فليرجعوا كل واحد إلى بيته بسلام (17)
فقال ملك إسرائيل ليوشافاط أما قلت لك أنه لا يتنبأ عليّ خيرًا بل شرًا (18)
وعمل قناة "حول المذبح تسع كيلتين... ثم رتب الحطب وقطّع الثور ووضعه على الحطب [وتعاون مع الشعب كي يسكن الماء على النار والحطب] فجرى الماء حول المذبح وامتلات القناة أيضًا ماء (32 ب- 35) وقال فاسمع إذًا كلام الربّ (19أ)
قال أيها الربّ إله إبراهيم واسحق وإسرائيل ليعلّم اليوم أنّك أنت الله في إسرائيل (36أ) قد رأيت الربّ جالسًا على كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره (19أ)
وإنّي أنا عبدك وبأمرك قد فعلت كل هذه الأمور (36ب) فقال الربّ من يغوي آحاب فيصعد ويسقط في راموت جلعاد فقال هذا هكذا وقال ذاك هكذا ثم خرج روح ووقف أمام الرب وقال أنا أغويه. وقال له الربّ بماذا فقال أخرى وأكون روح كذب في أفواه جميع أنبيائه. فقال إنك تغويه وتقتدر فاخرج وافعل هكذا (19ب- 22)
استجبني يا رب ليعلم هذا الشعب أنّك أنت الربّ الإله وأنّك حوّلت قلوبهم رجوعًا (37) والآن هوذا قد جعل الربّ روح كذب في أفواه جميع أنبيائك هؤلاء والربّ تكلّم عليك شرًّا (23)
فسقطت نار الربّ وأكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب ولحست المياه التي في القناة (38) فتقدّم صدقيا بن كنعنة وضرب ميخا على الفكّ وقال من أين عبر روح الربّ مني ليكلمك (24)
فلما رأى جميع الشعب ذلك سقطوا على وجوههم وقالوا الرب هو الله الرب هو الله (39) فقال ميخا إنّك سترى في ذلك اليوم الذي تدخل فيه من مخدع إلى مخدع لتختبىء (25)
فقال لهم إيليا أمسكوا أنبياء البعل ولا يفلت منهم رجل (40أ)
فقال ملك إسرائيل خذ ميخا وردّه إلى آمون رئيس المدينة وإلى آبوش ابن الملك (27) وقل هكذا قال الملك ضعوا هذا في السجن وأطعموه خبز الضيق وماء الضيق حتى آتي بسلام (26- 27).
فقال ميخا إن رجعت بسلام فلم يتكلّم الربّ بي (28)
فأمسكوهم فنزل بهم إلى نهر قيشون وذبحهم هناك (40ب) جرت الحرب بين آحاب ويوشافاط من جهة وملك آرام من جهة أخرى فقضي على آحاب ومات الملك وغُسلت المركبة في بركة السامرة (37- 38) فلحست الكلاب دمه [...] حسب كلام الربّ الذي تكلّم به.
ما يهمّنا من هذه المقارنة هو التشديد على الأعجوبة أكثر منه على خبر مواجهة ميخا بن يملة للملك آحاب. ولكن لاهوت الأعجوبة على ما يبدو، يكتمل بهذا الخبر لذلك سنضطر لمعالجة الخبرين معًا.
د- المعنى واللاهوت
1- المقدمة
يبدأ الحوار بين النبيّ والملك آحاب فيبرز الملك سيدًا على شعبه لأنّه مفروض على النبيّ المرور بالملك كي يصل إلى الشعب: "والآن أرسل واجمع إليّ كل إسرائيل إلى جبل الكرمل" (1 مل 18: 19أ). وهذا ما نراه فعلاً في 1 مل 22: 4 ب عندما يقول يوشافاط لآحاب: "شعبي كشعبك".
2- الدافع والعقدة
تدخّل النبيّ بسبب انحراف الملك الذي بسيادته وقراراته ضلّل الشعب عن إيمانه بإله آبائهم ابراهيم واسحق ويعقوب. ويبدو ذلك واضحًا عندما يردّ إيليا على آحاب قائلاً: "لم أكدّر إسرائيل بل أنت وبيت أبيك بترككم وصايا الربّ وسيرك وراء البعليم" (18: 18). أما بالنسبة لآحاب ويوشافاط، فالأول يطرح مشكلة التمييز بين الدخول بحرب مع آرام أم لا (3:24).
3- دور الملك والنبيّ
حتى وإن كان الملك هو سيد الشعب فعليه الأخذ بعين الإعتبار وجود الأنبياء حاملي كلمة الله كي يستلهم قراراته منهم، لذلك فهو يسمع كلمة إيليا عندما يقول له: "والآن أرسل واجمع إليّ كل إسرائيل إلى جبل الكرمل" (20). أما من ناحية يوشافاط، فهو يذكّر آحاب بضرورة الإصغاء إلى كلمة أنبيائه (22: 5) ويلعب يوشافاط دور الملك المثالي الذي لا يخطو خطوة دون استلهامه لكلمة الربّ. جمع آحاب 400 نبي كانوا يتنبّأون لصالحه أي يكرّرون ما يرغب القيام به ويشرّعون عمله وخطواته (22: 6). وكان هؤلاء الأنبياء من المقرّبين لإيزابيل كما يقول النبيّ إيليا: "وأنبياء السواري أربع المئة الذين يأكلون على مائدة إيزابيل" (18: 19ب). انطلاقًا ممّا ورد، يمكننا استنتاج ما يلي: إنّ الصراع الذي سيجري لم يعد بين شخص النبيّ بحدّ ذاته والملك، بل بين الله والملك لهدف واحد ألا وهو استرجاع وإنقاذ الشعب الذي تبع الملك ومعتقداته (1 مل 18) وسار وراء البعل (1 مل 22).
4- النبيّ والشعب
بعد أن اخترق إيليا جدار الملك آحاب وجّه كلامه للشعب مباشرة طالبًا منه أخذ القرار النهائي وعدم "اللعب على الحبلين" إمّا الله وإمّا البعل (18- 21أ). وهذا ما سيتعرّض لم الملك آحاب عندما يطرح سوالاً يطلب جوابًا عليه: "أأذهب إلى راموت جلعاد للقتال أم لا؟" (22: 6ب). كان الشعب كما هو ملاحظ يتعمّد المحافظة على إيمانه بالله وبالبعل معاً وقلبه مجزأ بين الإثنين. أما تدخل إيليا فيشير إلى مطالبة الله لهم بالجذرية في أخذ القرار: إمّا الله وإمّا البعل. بقي الشعب صامتًا ولم يُجِب بكلمة خوفًا من أخذ طرف يكون الكاذب (18: 21) فيخسر المعركة ويهلك.
أما في الجهة المقابلة فالردّ على سؤال آحاب كان سريعًا عندما قال له أنبياؤه: "إصعد فيرفعها السيد ليد الملك" (22: 6ب). ولكن بالرغم من ذلك فإنّ وجود يوشافاط أثار الشك في قلب الملك آحاب وأعاد عليه السؤال مجدداً عندما طالب بأخذ رأي نبيّ آخر لا ينتمي إلى مجموعة أنبياء آحاب (22: 6ب). ويبرز التناقض عندما يكشف إيليا للشعب بأنّه بقي وحده نبيّاً للرب أما أنبياء البعل فهم أربع مئة وخمسون رجلاً (18: 22).
5- مرحلة انتقال المواجهة من النبيّ -الشعب إلى النبيّ- أنبياء البعل
وبدأت هنا مرحلة انتقال المواجهة من إيليا -الشعب إلى إيليا- أنبياء البعل كما هي الحال في 1 مل 22 إذ إنّ آحاب يتهم هذا النبيّ بالكذب لأنّه يتنبأ عليه شرًا (22: 8أ). فيردّ يوشافاط طالبًا من الملك التروّي والتراجع عن رأيه: "لا يقل الملك هكذا" (22: 8ب). وعرض أيضًا إيليا وجهة نظره في تقديم ثورين ورفع الصلاة إلى الله وإلى البعل كل من جهته. أما الاستجابة للصلوات فتظهر من خلال إرسال النار من السماء وأكل المحرقة. والذي يجيب بالنار يكون الله الحقّ (18: 22- 24). فكان الشعب متجاوبًا مع طرح إيليا (18: 24ب) كما هي الحال مع يوشافاط (22: 8ب). والهدف من تجاوب هذين الطرفين كان عن ما أعتقد التفتيش على وسيلة تساعدهم على التمييز بين الحقّ والباطل. فيوشافاط يريد التأكّد من صحة نبوءة أنبياء آحاب، والشعب بدوره يريد التمييز كي يختار نهائيًا بين الربّ والبعل.
نجح إذاً إيليا برمي الكرة في ملعب أنبياء البعل وحصل على موافقة الشعب. ونجح يوشافاط بلفت نظر آحاب إلى نبي يواجه من خلاله أنبياء آحاب. انطلاقًا من ذلك ستأخذ المعركة الشكل التالي:
إيليا - أنبياء البعل.
ميخا - أنبياء آحاب.
إنّ الحصول على موافقة الشعب ورضاه يُلزم هذا الأخير بأخذ القرار عندما يشهد على نتيجة ما سيحدث بين إيليا وأنبياء البعل.
6- النبيّ وأنبياء البعل
تشاور إيليا مع أنبياء البعل فبدا وكأنه سيد الموقف وصاحب السلطة المطلقة في إدارة مجرى التحدّي وقوانينه: "اختاروا لأنفسكم ثورًا واحدًا" (18: 22أ). أما بالنسبة للملك آحاب فاقتنع كما اقتنع الشعب ودعا النبيّ ميخا كبداية للدخول في مسار طلب المشورة (22: 9). وأخذ أنبياء البعل الدور الأول في تقديم الذبيحة نظراً لكثرة عددهم، واختاروا لهم الثور المناسب كما أشار عليهم إيليا (18: 25). بدأوا بتقديم الصلوات وتقريب الثور باسم البعل من الصباح إلى الظهر (18: 26). وكان الشعب يشهد على ذلك. أما بالنسبة لملك إسرائيل ويوشافاط فكانا جالسين على كرسيهما لابسين ثيابهما في ساحة عند مدخل باب السامرة (22: 11). وهذا ما يشير إلى الدور الأساسي المعطى للملكين في إجراء الحكم والتمييز بين ما هو حق وما هو باطل لأنّ باب المدينة هو مكان اجتماع الشيوخ للحكم في قضايا الشعب وأخذ الأحكام.
7- صمت البعل أمام أنبيائه
أما ما كان يجري أمامهم فهو يشبه إلى حد قريب ما كان يجري أمام إيليا: "وجميع الأنبياء يتنبّأون أمامهم" (22: 11أ). والمقارنة بين الحادثتين تكشف لنا عدم تجاوب الإله معهم. بالنسبة لأنبياء البعل، لم يكن صوت ولا مجيب (18: 26أ). أما أنبياء آحاب فليس هناك من تأكيد على صحة ما يتنبّأون به لأنّ يوشافاط بنفسه طلب نبيًا آخر للكشف عن الحق (22: 7). ويخرج هنا نبي لم يعتبره يوشافاط كنبيّ آخر، وهو صدقيا بن كنعنة حامل نسب كنعاني أي آرامي. يضع على رأسه "قرنيّ حديد" يرمزان إلى مدى قرابته من عبادة الأوثان والتعاطي معها، لأنهما يذكران بالعجل الذهبي الذي صنعه الشعب اليهودي عندما غاب عنهم موسى لمدة أربعين يومًا في سيناء. والدليل على صحة ما أقول يكمن في استعمال الفعل نفسه في الجهتين: "وكانوا يرقصون حول المذبح الذي "عُمل" (18: 26 ب؟) "وعمل صدقيا لنفسه" (22: 7) من جهة أخرى. استُعمل الفعل "عمل" عند أنبياء البعل في المجهول للدلالة على عدم ربط المذبح بأي من الحاضرين إن كان بالشعب أو حتى بأنبياء البعل أنفسهم. وعند صدقيا بن كنعنة فالفعل "عمل" يشير إليه فقط: "عمل... لنفسه" (22: 11) وليس للحاضرين كما هي الحال مع أنبياء البعل.
أما باقي الأنبياء فكانوا مماثلين لصدقيا بن كنعنة لأنّهم تنبّأوا مثله (22: 12) فزادوا أصواتهم على صوت صدقيا كي يشدّدوا على صحة ما يقولون ويدفعوا الملك لأخذ كلمتهم بعين الإعتبار. وزادت الأصوات حدّة من جهة أنبياء البعل وقاموا بحركات تعبيرية وقطّعوا أنفسهم بالسيوف والرماح حتى سال الدم منهم (18: 28). ولكن في النهاية بقيت النتيجة نفسها، لا مجيب من جهة البعل (18: 29)، ولا حركة حتى من جهة الملكين. فالتحقيق بقي مفتوحًا لعدم وجود أدلّة تدعم ما يتنبّأ به أنبياؤهم.
8- تدخّل النبيّ من أجل الشعب
بعد إثبات عجز أنبياء البعل (1 مل 18) وعجز أنبياء آحاب، سيتدخل هنا النبيّ الآخر أي إيليا لمواجهة أنبياء البعل، وميخا بن يملة لمواجهة أنبياء آحاب. فأصبح إيليا لجهة الشعب.
نعتقد وللوهلة الأولى عند قراءتنا لبداية تدخل النبيّ الآخر أن الجوهر يختلف بين هدف تدخّل ميخا وهدف تدخّل إيليا لأنّ هذا الأخير ينتظر رضى الشعب مباشرة، أما ميخا فينتظر رضى الملك (22: 15). ولكن بالواقع، تتجه كلمة ميخا في بدايتها وبشكل رمزي إلى الشعب لأنّه قال: "رأيت كل إسرائي مشتّتين على الجبال كخراف لا راعي لها" (22: 17). إذًا فالنبيّان وإن تكلّما فهما يتكلّمان من أجل الشعب الضال في مسيرته تجاه الله وليس من أجل إرضاء نزوات الملك.
9- قوّة النبيّ في تجاوب الشعب
أراد إيليا في بادئ الأمر أن يثبت عدم مقدرته على القيام بأي عمل يتوخّى الأنانية. وإظهار التفرّد قد يبعد شراكة الشعب بالأمر الذي سيحدث. لذلك دعا الشعب كي يتقدّم إليه (18: 30أ). فتقدّم الشعب معلنًا عن تجاوبه مع ما سيقوم به النبيّ الذي انطلق من علاقته بالله ومن استناده إلى كون الشعب سوف يتلقّى رسالة الحدث الإلهية التي قد تغيره وترده إلى الإيمان القويم (18: 30ب). أما بالنسبة لميخا بن يملة فنبوءته مرتبطة بطلب مباشر من الملك لأنّ قرار هذا الأخير يشمل مستقبله الشخصي ومستقبل الشعب معًا (22: 15أ). فعندما سأل الملك ميخا ردّ عليه ساخرًا مكررًا ما تلا عليه أنبياؤه. فعلم الملك بسخريته (15ب). واعترف الملك ولو بطريقة مبطّنة أنّ قول ميخا هو "الحق باسم الربّ" (22: 15- 16) كما اعترف الشعب بإيليا عندما "تقدّم منه" (18: 30ب).
10- قوّة النبيّ في حضور الشعب
بعد كسب إيليا وميخا ثقة ولو بسيطة من الشعب ومن الملك أطلقا العنان لعملهما وأقوالهما.
رمّم إيليا مذبح الربّ المهدم (18: 30ج) الذي ينبغي له أن يكون مرتبطًا بثلاثة أمور ألا وهي:
الأول: أن يكون المذبح مكوّنًا من حجارة مبنية باسم الربّ (18: 32أ).
الثاني: أن يكون عدد الحجارة اثني عشر حجرًا بعدد أسباط بني يعقوب.
الثالث: أن يحمل هؤلاء الأسباط اسمًا أعطي لهم من الربّ مباشرة: "إسرائيل يكون اسمك" (18: 31).
عندما يرمّم إيليا المذبح يشير إلى ذبائح سابقة، كان الشعب الإسرائيلي يقوم بها قبل أن يتبنّى عقائد مصدرها أنبياء البعل. وكلمة "يرمّم" التي يستعملها الكاتب تردّنا إلى الخلاف الذي ذكرناه سابقاً في فترة "الإطار التاريخي" بين الإسرائيليّين والآراميين على الأرض. أما بالنسبة لعبارة "باسم الربّ" فهي تتضمن إرادة الربّ ومشيئته، لذلك لا يمكن أن يرد الربّ على طلب إيليا إلا إذا كان في خط رسمه الربّ له بنفسه (18: 33). وعدد الحجارة الذي يرمز إلى أسباط بني يعقوب يؤكّد على أنّ المذبح هو الشعب نفسه، إذًا لا وجود لمذبح يصنعه إيليا دون وجود الشعب وتضامنه معه. لذلك قال إيليا للشعب: "تقدّموا إليّ" (18: 30أ). أما الإسم الذي أعطاه الربّ لإسرائيل فهو يعبّر عن أمرين يرمزان إلى العهد ألا وهما: انتماء الشعب الذي أعطاه الإسم كونه خالقه واعتبار إسرائيل حاملاً لرسالة أوْكَلَهُ الله بها. وميخا من جهته ربط كلمته التي اعترف بها الملك آحاب كونها "الحق باسم الربّ" (22: 15 ب- 16) بالشعب الذي ينبغي له الرجوع لأنّه من دون راع (22: 17). فالسلام الذي يسعى إليه الشعب لا يناله إلا إذا عمل بمشيئة الربّ المعلنة على لسان ميخا بن يملة. وعدم الاعتراف بوجود الراعي يشير إلى استبعاد الاعتماد على قرار قد يصدر عن الملك آحاب بنفسه (22: 18) الذي قال بأنّ كلام ميخا شرّ عليه.
11- شهادة الشعب على عمل النبيّ
لم يغيّر كلام ميخا قلب آحاب بالرغم من استدعاء هذا الأخير له، فحاول ميخا أن يثبّت للملك صحة ما يقوله علّه يرده عن قراره المهلك فقال "اسمع إذا كلام الربّ" (22: 19). أي إنّ كلمة ميخا هي نبوءة بحدّ ذاتها، ومصدرها الله نفسه، لذلك تفوق سلطتها كل اعتداد بشري مهما كانت أهميته.
أما بالنسبة للنبي إيليا فأراد دعم الكلمة بالفعل (18: 32 ب- 35) فطلب معونة الشعب لتحضير المحرقة والمذبح. أما الشعب من جهته فقد صمت الماء على الحطب بمقدار ثلاث مرات أربع جرار ماء مما يجعلها اثنتي عشرة جرة. ويعادل هذا العدد عدد الحجارة التي يتكوّن منها المذبح.
ويضفي عدد الجرار على العمل قيمة الإتحاد الضرورية بين النبيّ والأسباط الإثني عشر في تحضير المحرقة ورفعها إلى الربّ. بالإضافة إلى المعاني الجوهرية من أجل دعم صلاة إيليا وجعلها مستجابة، فهناك إثبات صحة ما يقوم به إيليا من جهة الشعب. فإغراق الحطب والمحرقة والمذبح بالماء يصعّب عمل إيليا ويجعل موقفه أكثر احراجًا؛ ويصبح الشعب أكثر استعدادًا لتغيير قناعاته إذا ما استجيبت صلاة النبيّ.
12- النبيّ يرفع صلاته أمام الربّ
بعد تحضير المحرقة من قبل إيليا (18: 32- 35) وتلاوة المقدّمة من قبل ميخا (22: 9أ) يأتي الموقف الذي فيه سيَدخل النبيّ بمغامرة عميقة مع الربّ لأنّه باتحاده مع إلهه سيقوم بأي عمل قد يساعد على إثبات صحة إيمانه وردّ الشعب عن طريق هلاكه.
تحتوي صلاة النبيّ إيليا عناصر عديدة لا بد لنا من تفصيلها ليظهر الجوهر الذي ارتكز عليه كي يُصْعد صلاتَه للربّ:
- العنصر الأول: "تقدمة إيليا"، خروجه من بين الشعب كي يلقي كلمته ليس باسمه بل باسم الشعب الحاضر وإلا تعود كلمته لتصبح مشابهة لكلمة أنبياء البعل.
- العنصر الثاني: التقليد، بدأ إيليا صلاته بإعلان انتمائه لتقليد آبائه أي إيمانه بإله ابراهيم واسحق وإسرائيل. وذلك ليذكّر الشعب بما كانوا قد تركوه بسيرهم وراء قناعات الملك آحاب الذي سار وراء البعل وترك وصايا الربّ (18: 18). إذاً يستمدّ إيليا النبيّ إيمانه من إيمان آبائه وإيمان الشعب الذي ينتمي إليه. ولم يستعمل إيليا "اسم يعقوب" بل "إسرائيل" كي يذكّر الشعب بحالته التي أخرجته عن المسار الذي اختير من أجله، أي الرسالة التي أوكلت إليه باختيار الله له. لأنّ اسم "إسرائيل" يخص الله وليس البعل (18: 36أ) وهو يرمز إلى العهد كما سبق وذكرنا.
- العنصر الثالث: السبب الذي من أجله دعا إيليا الله في صلاته؛ يطلب إيليا من الله كي يتدخل مباشرة بهدف إقناع الشعب أنّ الربّ هو الله في إسرائيل وأنّ النبيّ إيليا يفعل كل هذا بأمر منه، أي إنّ سلطة كلمته وعمله مستمدة من الربّ (18: 36ب).
- العنصر الرابع: التكرار الذي به يظهر إيليا متوسلاً ومتواضعًا أمام الربّ: "استجبني يا رب استجبني" (18: 37).
- العنصر الخامس: إذا علم الشعب أنّ الربّ هو الله وأنّ إيليا يفعل كل هذا بأمر منه، فعلى الشعب أيضًا أن يعترف بتدخل الله في تحويل قلوبهم وردّها. لأنّ الإيمان على ما يبدو يأتي من فوق وهو نعمة مجانية توهب للشعب من أجل تخليصه.
وصلاة إيليا بالذات تشبه صلاة المسيح أمام قبر لعازر كما هو بارز في الجدول التالي:
صلاة إيليا (19: 36- 37) صلاة المسيح (يو 11: 41- 43)
إنّ إيليا النبيّ تقدّم وقال ورفع يسوع عينيه وقال (41أ)
أيها الربّ إله ابراهيم واسحق وإسرائيل (أعلن إيليا إيمانه وانتماءه إلى التقليد أي إيمان آبائه ليقول بأنّ الربّ هو نفسه دائمًا كما كان سابقًا وأبدًا كما سيحدث معه الآن وفي المستقبل)
شكراً لك / يا أبت / على أنك استجبت لي/ وقد علمت أنّك تستجيب لي دائمًا أبدًا (41ب) (أعلن يسوع إيمانه وثقته بأبيه وذكر بما صنعه معه وأنه دائمًا سيصنع ذلك معه الآن وفي المستقبل)
ليُعلم اليوم
(36ب) ليعلم هذا الشعب
(37ب) ولكنني قلت هذا من أجل الجمع المحيط بي (41ج)
أنك أنت الله في إسرائيل وأنّي أنل عبدك وبأمرك قد فعلتُ كل هذه الأمور. أنّك أنت الربّ الإله حوّلت قلوبهم رجوعًا.
لكي يؤمنوا أنّك أنت أرسلتني (41د)
13- النبيّ يُجذّر النبوءة في حدث تاريخي
انطلاقاً من هذه المقارنة يمكننا طرح السؤال التالي:
إن كان محتوى الصلاة التي رفعها إيليا إلى الربّ مشابهًا لمحتوى الصلاة التي قام بها المسيح لإحياء لعازر، أيُعقل أن يكون تجاوب الله مع الصلاة مجرد فنّ أدبي ابتدعه الكاتب كي يؤثّر على القارئ، ولا يمتّ بأيّة صلة إلى أي حدث تاريخي؟ أيُعقل أن يكون كاتب انجيل يوحنا قد استعاد العناصر نفسها التي وردت في 1 مل 19: 36- 37 كي يقول بأنّ المسيح ينتمي إلى التيار اليهودي الذي يؤمن بالعجائب التي تستمد قوتها من الله، وليس إلى التيار الذي يشدّد على الشريعة وحرفيتها؟
الردّ على أسئلة كهذه قد يزعزع معتقدات البعض ويهمّش معتقدات البعض الآخر. لذلك يبقى الجواب مفتوحاً أمام كل مفسّر أو مؤمن يحاول التعمّق في هذا الحدث.
أما بالنسبة للأعجوبة التي حدثت أمام الشعب وهي أنّ نارًا نزلت من السماء وأكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب ولحست المياه في القناة، فقد حوّلت مجرى الأمور وأضفت على الحاضرين شعورًا بالرهبة والمخافة (18: 38- 39). رأى الشعب وشهد، وسجدوا على وجوههم واعترفوا وآمنوا أنّ الربّ هو الله. وكرّروا عبارة "أنّ الربّ هو الله" مرتين للتأكيد على ثباتهم في قناعتهم التي كانت سابقًا (18: 39). ومع المسيح أيضًا بصرخته خرج لعازر من القبر وآمن به كثير من الناس.
إذاً للأعجوبة هدفان جوهريان: إيمان الشعب بالله والاعتراف برسوله وبكلمته كما هي الحال مع المسيح. بالواقع يُبنى الإيمان دائمًا على حدث له جذوره التاريخية يدفع الشاهد للدخول فيه فيصبح الإيمان قناعة توحّد الإنسان بالله كما هي الحال بين حدث القيامة من جهة والتلاميذ من جهة أخرى. لم تنمُ قناعة التلاميذ ولم يثبت إيمانهم إلا عندما شاهدوا ولمسوا القائم من بين الأموات. انطلاقًا من ذلك، لا يمكننا استبعاد حدوث أعجوبة كهذه، كما وأنّه لا يمكننا نفي تلوينها بالفنّ الملحمي الذي كان متّبعًا في ذلك الوقت.
عندما نعود إلى ميخا بن يملة فإنّا نراه يعرض في بادئ الأمر الرواية التي تخوله لأن يقول بأنّ الربّ هو رب الجنود وسيد السماء ولا إله غيره (22: 19أ). وهذا الإله هو نفسه إله ابراهيم واسحق وإسرائيل الذي تكلّم عنه إيليا (18: 36أ). وبما أنّه رب الجنود فهو سيد المعركة الذي سيقرّر مجرى الأحداث. وما يثبت أنّ أنبياء آحاب كذبة هو روح الكذب الذي حلّ عليهم ومنعهم من حسن التمييز بين الخير والشر (1 صم 16: 14) وأبعدهم عن أية صلة قد تجعل منهم رسلاً لله أو عبيدًا له كما هي الحال مع إيليا النبيّ (18: 36ب) عندما يقول: "وإنّي أنا عبدك وبأمرك قد فعلت كل هذه الأمور". وبما أنّ روح الشر متملّك بأنبياء آحاب، حكماً سيكون كلامهم شرًا على من يطلب نصيحة منحهم (22: 23). أما الربّ فيستجيب كل من اتكل عليه وطلب منه المعونة كما فعل عندما رفع صلاته أمامه (18: 37).
إنّ أنبياء آحاب يضلّلون الملك والشعب معًا، أما النبيّ إيليا وميخا بن يملة فهدفهما هو إرشاد الشعب إلى الإيمان وتحويل القلوب. وكانت ردّة فعل الملك اضطهاد ميخا وضربه وسجنه (22: 24 و26- 27). ولكن صحة كلمة ميخا ستتأثّر عند المعركة حين يهرب صدقيا بن كنعنة) (رمز النبوءة الكاذبة) من وجه الآراميين ويقتل الملك آحاب.
إنّ قتل الملك آحاب وهرب الأنبياء الكذبة يقابلان عمل إيليا النبيّ الذي أمسك الأنبياء ونزل بهم إلى نهر قيشون وذبحهم هناك (18: 40ب). إنّ حدث ذبح الأنبياء قد يكون عملاً جرى ضمن معركة بين تبّاع إيليا وتبّاع البعل، انتصر فيها رجال إيليا الذين آمنوا بكلمته كما هي الحال عند مقتل الملك آحاب الذي مات وغسلت مركبته في بركة السامرة. تربطنا "بركة المياه" "بنهر قيشون" حيث ذُبح أنبياء البعل وقضي عليهم (18: 40ب).
الخاتمة
نستنتج من خلال ما ورد أنّ الأعجوبة بحدّ ذاتها مرتبطة بعوامل عديدة أهمّها علاقة النبيّ بالله التي من خلالها سيتم ردّ قلوب الشعب إلى الإيمان. والأعجوبة بحدّ ذاتها لا قيمة لها إلاّ إذا تمّت بحضور الشعب: لذلك فالعمل الذي قام به إيليّا له ارتباط مجذّر بحدث تاريخي تم على عهد ملك ما، في مكان ما، وأمام شعب ما.
أما بالنسبة لأنبياء البعل وحضورهم فهم يشيرون إلى إيمان الشعب الذي ضلّ عن طريقه وإلى مدى خطورة هذا الضياع وحدّته. والخلاص من ذلك لا يتمّ إلا عن يد الله وتدخله بواسطة أنبيائه كما قال إيليّا: "وأنّك حوّلت قلوبهم رجوعًا" (18: 37). فالأعجوبة بحدّ ذاتها نعمة مجانية معطاة من الله بهدف تخليص الإنسان وإرجاعه إليه.
الأب ريمون الهاشم