الفصل الحادي والعشرون
جاذبية الشيع وإغراؤها
يبدو أن الشيع تقدّم "الجواب الصالح" لحاجات وأمنيات أشخاص سريعي العطب أو يعيشون أزمة من الأزمات على مستوى القلب وعلى مستوى العقل. ونستطيع أن نجمع هذه الحاجات في تسع فئات.
* جماعات متلاحمة مترابطة
قد تدمّرت بنية الجماعات في المجتمعات المتطوّرة، في المدن، وتفسّخت طرق الحياة التقليديّة. وبدا الشقاق في العائلات، وأحسّ الناس انهم اقتلعوا من جذورهم ويعيش كل واحد وحده. لهذا يشعر الإنسان بحاجة إلى الانتماء إلى جماعة، إلى التعلّق بأشخاص... وتبدو الشيع قادرة على تلبية هذه الحاجة: حرارة بين الناس. انتباه إلى الآخر ومساندته داخل جماعة صغيرة ومتلاحمة. مشاركة على مستوى الهدف والأخوة. حماية وطمأنينة في الأزمات. إعادة أشخاص مهمّشين إلى الحياة الاجتماعيّة. وهكذا تبدو الشيعة جماعة تفكّر من أجل الفرد.
* أجوبة بسيطة ومبسّطة
في الأوضاع المعقّدة والغامضة، يحتاج الإنسان إلى أجوبة وحلول... وتقدّم الشيع جوابها: أجوبة بسيطة و"معلّبة". نسخة مبسّطة عن الحقائق والقيم التقليدية. حقيقة "جديدة" لأناس يجهلون الحقيقة "القديمة". توجيهات محدّدة وحاسمة (لا تناقش). دعوة إلى تسامٍ خلقي، براهين من عناصر "تفوق الطبيعة".
* الحاجة إلى الانسجام والتناغم الداخلي
اختبر عدد من الناس الانقطاع والانفصال عن الآخرين. أصابهم في الصميم جرح من الأهل أو الأساتذة أو الكنيسة أو المجتمع. فأحسّوا أنهم مرذولون، مستبعدون، فطلبوا رؤية دينيّة تجعلهم ينسجمون مع ذواتهم. احتاجوا إلى شعائر عبادة يشارك فيها الجسد والنفس، يكون فيها الخلق واضحاً وكذلك المشاركة والعفويّة. رغبوا في شفاء على مستوى النفس، وحتى على مستوى الجسد... وقدّمت الشيعة لهم "الحل": خبرة دينيّة ترضي عاطفتهم. تشديد على الخلاص وعلى الارتداد. موضع يعبرّون فيه عن شعورهم وعواطفهم في عفويّة داخل الاحتفالات الليتورجيّة. شفاء الجسد والروح. مساعدة للمدمنين على الحشيش أو الكحول. ارتباط بالحياة.
* البحث عن هويّة
ترتبط هذه الوجهة بسابقتها. ففي بلدان العالم الثالث، بلداننا، انقطع الناس عن عدد من القيم الحضاريّة والاجتماعيّة التقليديّة... والقيم الدينيّة، فما عادوا يؤمنون بشيء... ماذا تقدّم الشيع؟ مكانة هامة للارث الديني والحضاري التقليديّ. الطوعيّة والمشاركة. اسلوب صلاة وكرازة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يتوق إليه الناس.
* الحاجة بأن لا يكون الانسان نكرة
هناك عدد من الناس يودّون أن يخرجوا من عالم لا اسم لهم فيه، أن يبنوا لذواتهم هويّة، أن يحسّوا بفرادتهم بشكل أو بآخر: لا يريدون أن يكونوا أرقاماً في مجموعة ولا شخصاً لا وجه له في "حشد" من الناس. ذاك هو الوضع في الرعايا الكبرى، في الإدارات، في المعامل... وطريقة تعاملنا مع الناس تنسى وضع كل شخص بمفرده... فتقدّم الشيعة اهتماماً بالفرد. الفرص المتعادلة على مستوى القيادة والخدمة والمشاركة والتعبير. امكانيّة انماء الشخصية والمواهب. الفرصة بأن ينتمي الشخص إلى "النخبة".
* الحاجة إلى تبديل الحياة
هناك حاجة روحيّة عميقة وواقع يلهمنا كي نطلب شيئاً ما وراء اليقين الحسابي، وما نراه بشكل مباشر أو عاديّ، وراء ما هو ماديّ ونتحقّق منه بحواسنا. كل هذا لنجد جواباً على الاسئلة الأخيرة في الحياة. نبحث عن شيء يعطي الحياة مدلولاً آخر، يبدّل غايتها. هذا ما يدلّ على حاجة إلى السرّ، إلى ما هو سريّ وخفي. واهتمام بما سيأتي. وانتظار تعليم مسيحاني ونبويّ. ولا يعي الناس مراراً ما تستطيع الكنيسة أن تقدّم لهم، أو هم يصدمون بما تقدّمه على المستوى الخلقي، أو بوجهات الكنيسة كمؤسّسة تشبه سائر المؤسسات المدنيّة... فتقدّم الشيع: الكتاب المقدّس وتربية بيبليّة. حسّ الخلاص. مواهب الروح. التأمّل. النمو الروحي الكامل. وهناك مجموعات تقدّم مساحة فيها نعبرّ عن تساؤلات الحياة ونتعمّق فيها في مناخ "محمي" (لا يصل إليه الهواء فيصبح الانسان بدون مناعة) مع مجموعة من الأجوبة "الواضحة" حتى التبسيط الذي يضلّلنا.
* إرشاد روحيّ
لا يجد الانسان سنداً في عائلته، لا يجد من يرشده على مستوى المربّين أو المسؤولين في الكنيسة... فتقدّم له الشيع: الارشاد والتوجيه على يد قوّاد مواهبيين. هنا يلعب "القالد" أو "الرئيس" دوره لكي يربط التلاميذ بشخصه. فلا نكون فقط أمام خضوع وطاعة، بل أمام عبادة هستيريّة لقائد روحيّ له تأثيره.
* البحث عن عالم أفضل
عالم اليوم يعرف العداوة والصراعات، يعرف العنف والخوف والدمار. ويحسّ الناس أنهم قلقون بالنسبة إلى المستقبل. أنهم يائسون، لا عون لهم ولا قوّة. فيطلبون علامات من الرجاء وخروجاً من هذه الأوضاع... يرغبون في عالم أفضل... فتقدّم لهم الشيع "نظرة جديدة" إلى الذات، إلى البشريّة، إلى التاريخ، إلى الكون. وتعدهم بعصر جديد يبدأ منذ الآن.
* مشاركة في القرارات
ترتبط هذه الوجهة بسابقتها. فهناك أناس لا يكتفون برؤية مجتمع عالمي، بل يريدون أن يشاركوا في القرارات، في التوقّعات، في ما يتحقّق... فتقدّم الشيعة مهمّة ملموسة من أجل عالم أفضل، نداء إلى عطاء كامل، مشاركة عل جميع المستويات.
وبمختصر الكلام نستطيع القول إن الشيع تبدو وكأنها تعيش ما به تؤمن بيقين وتعبّد والتزام قوي يفعل فعل المغنطيس. يذهبون إلى لقاء الناس حيث هم، بحراراة، بلغة شخصيّة خفرة (لا تحقّرهم)، فيخرج الفرد من عالم النكرة الذي كان فيه، يعملون من أجل المشاركة والمسؤولية والالتزام والطوعيّة...
"يلاحقون" "المؤمن" بشكل متواصل: باتصالات عديدة، بزيارات في البيوت، بالمساندة والإرشاد. ويساعدونه لكي يعيد تفسير خبرته، ويؤكّد على قيمه، ويواجه الاسئلة الأساسيّة. ويستعملون الكلام "المقنع": الوعظ والإرشاد، وسائل النشر، تشديد على الكتاب المقدّس، خدمة الشفاء. وهكذا تقدّم كل شيعة نفسها على أنها الجواب الوحيد، الجواب الصالح في عالم تسيطر عليه الفوضى.