الفصل التاسع
في الثالوث الأقدس وألوهة الإبن
وألوهة الروح القدس
1- في الثالوث
يقول الشهود: "إن عقيدة الثالوث ابتدعها إبليس" وهي وهم وضلال وخدعة وكذب (المصالحة ص 130).
وفي كتابهم "كشف القناع" ص 48: "تعليم الثالوث تعليم زور وبهتان يبثّه الشيطان". ويقول الشهود: انه ليس في الكتاب المقدّس لفظة واحدة عن الثالوث وإن أول عالم من صاغ هذه العبارة هو رجل دين "ترتليانس" عاش في القرن الثاني... (ليكن الله صادقاً ص 105).
الردّ الكتابي: في الواقع، إن أول من استعمل لفظة ثالوث مع مشتقاتها هو تيوفيلس الانطاكي (181) وليس ترتليانس. كما أن الكنيسة منذ مهدها كانت تعيش هذا الإيمان بالثالوث الأقدس دون أن تدوّنه في قانون... ولم تفعل ذلك إلاّ بسبب ظهور اريوس وغيره آنذاك وشهود يهوه وغيرهم اليوم. فالقديس يوحنا يقول في 1 يو 5: 7- 8: "إن الشهود في السماء ثلاثة: الآب والكلمة والروح القدس... وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (هذا النصّ يعود إلى اللاتينيّة الشعبيّة وبعض النسخ اليونانيّة القديمة منذ القرن الرابع). وفي مت 28: 19: "اذهبوا وتلمذوا كل الأمم معمّدين إياهم باسم الآب والابن والروح القدس" ذكر واضح للثالوث الأقدس. وفي 2 كور 13: 13: "نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبّة الله الآب وشركة الروح القدس معكم أجمعين". ونلاحظ هنا لا فقط ذكر الثالوث الأقدس، بل أن اسم الربّ يسوع ورد قبل اسم الآب... وهذا يعني المساواة في الجوهر.
وفي الواقع، إن اعتراضهم على الثالوث الأقدس، هو اعتراض ونفي لألوهيّة الابن والروح القدس والمساواة مع الآب في الجوهر.
2- ألوهة المسيح
فعن المسيح يقول الشهود صراحة في كتابهم (ليكن الله صادقاً) ص 41- 42: "المسيح ليس إلهاً ولا مساوياً للآب)... وفي كتاب آخر (الحياة الأبدية في حرية أبناء الله ص 70). "ان المسيح والله ليسا متساويين في ثالوث مؤلف من ثلاثة أقانيم في إله واحد".
الردّ الكتابي: اسمعوا ماذا تقول الرسالة إلى أهل فيليبي فصل 2: 5- 8: "ليكن فيكم من الأفكار والأقوال ما هو في المسيح يسوع، الذي إذ هو في صورة الله، لم يكن يعتد مساواته لله اختلاسا لكنه أخلى ذاته آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه البشر وموجوداً كبشر في الهيئة". وفي يو 10: 30- 33 و36- 39.
تعليق على النصّ:
1- أنا والآب واحد. في اليونانية Ego kai o Pater en esmen. فعل كان en هنا هو بصيغة الحاضر (نكون). فلولا المساواة مع الآب لكان ذكر يسوع نفسه (أنا - Ego) قبل الآب بعنجهية وكبر.
2- لأجل تجديف نريد رجمك... لأنك تجعل نفسك إلهاً وأنت إنسان.
هذا يعني أن اليهود فهموا جيداً أن يسوع يظهر ألوهته ومساواته للآب (ولذلك فكّروا بالرّجم بحسب الأحبار 24: 16).
ويسوع في جوابه لم ينكر هذا القصد، بل أكّده من جديد بقوله إن الآب قدّسه وأرسله إلى العالم. ولأنه يعمل أعمال الآب فبنوّته إذاً صادقة وثابتة. وأعماله دليل أن هذا الابن هو من ذاك الآب... وهذا يعني أنه في الآب وأن الآب فيه... ولأنهم فهموا أيضاً، طلبوا القبض عليه. وفي يو 5: 18: كان اليهود أيضاً يطلبون قتله، لأنه كان يدعو الله أباه مساوياً نفسه بالله. وعندما سأله فيليبس: "يا رب أرنا الآب وحسبنا؟"... أجاب: "أنا معكم كل هذا الزمان ولا تعرفني... من رآني فقد رأى الآب" (يو 14: 9). وفي رؤ 14: 1: "عليهم اسمه واسم أبيه مكتوباً على جباههم". كلمة مكتوباً وردت بالمفرد، واسم يسوع ورد قبل اسم الآب. وهذا دليل مساواة. وفي رؤ 7: 17: وكذلك رؤ 22: 3- 4: "سيكون عرش الله والحمل، فيعبده عباده وينظرون وجهه ويكون اسمه على جاههم... عرش واحد للآب والابن... واسم واحد وعبادة واحدة، لأن الآب والإبن واحد في الجوهر.
وفي الرسالة إلى أهل كولسي 2: 9، يقول بولس الرسول: "اذ في المسيح يحلّ كل ملء اللاهوت جسدياً". كلمة لاهوت هنا تعني الألوهة. في الأصل اليوناني الكلمة هي Théotétos= divinité بالفرنسي. وفي روم 9: 5: "ومنهم المسيح بحسب الجسد الذي هو فوق الكل الله المبارك إلى الأبد". في اليوناني: الله théos الكل Penton فوق epi الكائن on.
وفي تيطس 2: 13: "فنحيا... انتظار الرجاء السعيد، وتجلي مجد الهنا العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح".
باليونانية (أي حرفياً): المخلص يسوع Kai sotéros ymon الله العظيم théou.
هذا الأسم: "الله العظيم" ورد في نحميا: 1: 5 "يهوه إله السماء أنت الله العظيم". وفي تث 10: 17: "يهوه إلهكم هو إله الآلهة وربّ الأرباب الله العظيم". ولعلّ النصّ الذي يتناوله الشهود أكثر بالتشكيك في ألوهيّة الإبن هو بداية إنجيل يوحنا 1: 1: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله". ففي بعض الترجمات وردت العبارة الأخيرة هكذا: "وإلهاً كان الكلمة". وهم يعتمدون هذه الترجمة ويعلّقون على عبارتَي "في البدء" و"إلهاً"... ليقولوا: هو إله وليس الله. (المسيح إذاً هو إله من الدرجة الثانية- مخلوق من الله) (ليكن الله صادقاً ص 112) "تعليم راسل".
الردّ الكتابي والتعليق على النص:
1- ثبت من ملف الدعوى التي أقيمت على راسل، أنه كان يجهل اليونانية تماماً... فترجمته إذاً باطلة.
2- لنعود إلى النصّ الحرفيّ لهذه الآية باللغة اليونانية... مع الترجمة والمعنى... العبارة اليونانيّة هي هكذا بأحرف عربية: "إن أرخي اين اولوغوس ك أولوغوس اين بروس تون ثيون ك يوس اين أولوغوس": في بدء كان الكلمة والكلمة كان عند ال إله وإلهاً كان الكلمة.
هذه هي العبارة الحرفية مع الترجمة الحرفية لها. إلاّ أن الترجمة الحرفيّة أحياناً تغيرّ المعنى، لأنها لا تراعي أصول اللغة اليونانيّة. فمثلاً: عندما يتقدّم الخبر على المبتدأ في اللغة اليونانية القديمة (وهي لغة الإنجيل) لا تستعمل أداة التعريف لهذا الخبر، وذلك للتشديد على الحقيقة التي يحملها. ولذلك في الترجمة يعاد المبتدأ إلى مكانه. وترد للخبر أداة التعريف المحذوفة فيستقيم المعنى. كما هي الحال في "ك يوس اين أولوغوس" فالترجمة الصحيحة هي هكذا: "وكان الكلمة الله".
ولنبيّن ان حذف ال التعريف من كلمة الله لا ينتقص من ألوهته نورد مثلين:
أ- مع ال التعريف (عن الابن) في يوحنا 20: 29 "أجاب توما وقال أنت ربيّ وإلهي"
النصّ باليوناني: أوكيريوس مو ك أوثوس مو
الترجمة الحرفية: أنت الربّ لي والله لي.
ب- بدون ال التعريف (عن الآب) 1 تيمو 1: 1 "سلام من الله الآب"
النصّ باليونانيّ: ايريني أيو تو باتروس.
الترجمة الحرفية: سلام من إله الآب. (فهل تسمية الآب إله هو انتقاص أو شكّ بألوهيته).
3- ان كلمة "ان أرخي" (في البدء) لا تعني البداية بل المبدأ الأول أي الذي يعطي البدء للخليقة. ولا يفهم هذا المعنى إلاّ بمتابعة النصّ- يعني: الذي به كل شيء كان وبدونه لم يكن شيء مما كان. وهناك أيضاً اعتراض مضحك، يقولون فيه عن المسيح إنه الملاك ميخائيل- أو رئيس الملائكة عند الله. فلنترك الرسالة إلى العبرانيّين 1: 5- 8 تجيب بقوة على هذا الاعتراض. ومن له أذنان للسماع فليسمع: "لمن من الملائكة قال قط أنت ابني وأنا اليوم ولدتك. وأيضاً أنا أكون له أباً وهو يكون لي إبناً. وحين يدخل البكر إلى المسكونة ثانية يقول: لتسجد له جميع ملائكة الله. وعن الملائكة يقول صنع ملائكته أرواحاً وخدامه لهيب نار. وأما الابن فيقول له: إن عرشك يا الله إلى دهر الدهور... الخ".
3- ألوهة الووح القدس
يقول الشهود عن الروح القدس: "ان زعم رجال رجال الدين أن الروح القدس شخص روحيّ مع الآب والإبن هو زعم مبنيّ على أساس واهن" (ليكن الله صادقاً ص 113). "ان الروح القدس ليس شخصاً ولا كائناً ولا إلهاً" (المصالحة ص 141). "ان كلمة روح تعني الريح والنسمة... فلا دخل لها في عقيدة الثالوث ولا وجود للروح القدس كأقنوم" (عقيدة التثليث ص 8).
الردّ الكتابي:
1- في الآيات العديدة التي يتكلّم فيها على الروح القدس، لا يمكننا احلال كلمة ريح محل الروح القدس: يقول يسوع لرسله: "اذهبوا وتلمذوا كل الأمم معمدين إياهم باسم الآب والإبن والروح القدس" (مت 28: 19). فأي معنى يكون للتعميد باسم الآب والإبن والريح أو النسمة. وأيضاً: "ان لم يولد أحد من الماء والروح، فلا يقدر أن يدخل ملكوت السماوات" (يو 3: 5). فهل يمكن القول ان لم يود من الماء والنسيم؟
2- الروح القدس هو "أقنوم- أي شخص": وهذا ما تعنيه كلمة "المعزي" (التي لا تنسب إلاّ إلى شخص) "وأنا أسأل الآب فيعطيكم معزّياً آخر ليقيم معكم إلى الأبد روح الحقّ" (يو 14: 16- 17). "وأما المعزي الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء" (يو 14: 26)... فهو إذاً معكم. وهو يشهد للمسيح. "ومتى جاء المعزي الذي أرسله إليكم من عند الآب روح الحقّ الذي من الآب ينبثق فهو يشهد لي" (يو 15: 16) وهو يقيم رعاة للكنيسة: "احذروا لأنفسكم ولجميع القطيع الذي أتاكم فيه الروح القدس أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه الخاص" (أع 20: 28) فهذا كله ليس ريحاً ولا نسمة، بل هو شخص (أو أقنوم) الروح القدس المتميّز عن الآب والابن والذي هو الله قبل الآب والابن. وهذا ما تشير إليه صيغة العماد في مت 28: 19 "اذهبوا وتلمذوا كل الأمم معمدين إياهم باسم الآب والابن والروح القدس". فالعبارة الثالوثية تدلّ على الوحدة والمساواة في الجوهر. فاستعمال واو العطف دلّ على أن الأقانيم الثلاثة متميزون وباستعمال المفرد "باسم" لا بأسماء يدل على أن الأقانيم الثلاثة إله واحد (وهو الله).