خاتمة عامة
وهكذا قدّمنا في هذا الكتاب رسالتين توّجهتا إلى الكنيسة الجامعة، رسالتين أرسلهما يعقوب ويهوذا إلى المسيحيّين المشتّتين في عالم الشرق هذا الممتدّ من فلسطين والواصل إلى آسية الصغرى، أي تركيا الحاليّة.
قدّمنا رسالتين هما بشكل عظتين، واحدة طويلة هي رسالة يعقوب. وأخرى قصيرة هي رسالة يهوذا. وقد شدّدتا على الأخلاقيّة المسيحيّة التي يجب أن يعيشها المؤمنون في جوّ الضيق الذي يعرفونه، في مناخ الضياع الذي تولّد خلال الجيل المسيحي الثاني أو الجيل الثالث، وبعد وفاة الرسل والشهود الأولين للقيامة.
قدّمنا رسالتين لا نعرف بالضبط من كتبهما. يعقوب ويهوذا، أم تلميذان من تلاميذهما، أم مسيحيّان هلّينيان عرفا تقليد هذين "الرسولين" وأوصلاه إلينا في اللغة اليونانيّة، كما وصلت إلينا كل أسافار العهد الجديد. ومهما يكن من أمر الذين كتبوا، فالكنيسة التي هي جسد المسيح هي التي كتبت لنا مستعينة بأيدي أبنائها. فالروح هو الذي كتب لنا فكانت هاتان الرسالتان بل كل الأسفار المقدسة نتيجة عمل الله وعمل الانسان. عمل الله الذي يلهم الكاتب ليكتب ويعينه لئلا يخطىء على مستوى الإيمان والأخلاق. وعمل الانسان الذي يجعل كل مقدّراته في خدمة الكلمة، في تصرّف الروح الذي ما زال يكلّم كنائسنا اليوم. وعمل الانسان الذي يتطلّع إلى جماعة من الجماعات فيقدّم لها التعليم الذي يسندها في الوضع الذي تعيش فيه. غير أن هذا التعليم يتعدّى دوماً الكاتب البشريّ ليصل إلى جميع البشر في كل زمان ومكان.
يبقى علينا أن ندخل في جوّ هاتين الرسالتين، أن نكتشف الجماعات التي توجّهتا إليها لكي تصبح هذه الكلمة المكتوبة كلمة حيّة تحمل إلينا اليوم النور الذي نحتاج إليه. وقد تظلّ هذه الكلمة ميتة إن لم نجسّدها في حياتنا وأقوالنا وأعمالنا. هذا ما بدأنا به حين قدّمنا تفسير رسالة يعقوب إلى الأسباط الاثني عشر الذين في الشتات، وتفسير رسالة يهوذا إلى المحبوبين في الله الآب.
فرجاؤنا بعد قراءة نصّ الكتاب المقدس وتفسيره، أن يصبح كل واحد منا قريباً من الكلمة، بل أن تصبح الكلمة قريبة منه وهي التي ليست في السماء فلا ندركها، وليست في أعماق البحر فلا نعرف كيف نصل إليها. الكلمة يقول الكاتب هي في فمنا وقلبنا. نقرأها. نتلوها. نفهمها. نعمل بها. ذاك هو النداء الذي يتوجّه إلى كل واحد منا، إلى الكاتب وإلى القارىء وإلى السامع. يتوجّه إلى الكنيسة كلها.