توطئة
بعد سبع وعشرين سنة عدت إلى الرعيّة التي خدمتها في بداية حياتي الكهنوتيّة، عدت إلى بلدة بشري وقضيت فيها أسبوع الآلام متحدثاً عن يسوع الذي هو الطريق والحقّ والحياة، الذي هو الخبز النازل من السماء، الذي هو الراعي الصالح ونور العالم. وفي هذه الرعية كتبت تفسير رسالتي يعقوب ويهوذا اللتين أقدّمهما للقارىء.
رسالتان لم نعتد على قراءتهما في حياتنا الليتورجية، يوم الأحد، ولا في حياتنا الخاصة. غير أن بعض المعاهد تدرس هاتين الرسالتين لتكون ثقافة طلأبها كاملة في جولة داخل كل أسفار العهد الجديد. لهذا أردت أن أقدّم هذا التفسير لرسالتين توجّهتا لا إلى كنائس خاصة على مثال الرسالتين الأولى والثانية إلى كورنتوس، على مثال الرسالة إلى فيلبي وغلاطية... بل توجّهتا إلى كنائس لا نعرف أسماءها. توجّهتا إلى مسيحيّين مشتّتين وقد جاؤوا في الأصل من العالم اليهودي، وظلّوا يحافظون على بعض ممارساته. لهذا قلنا: رسالتان إلى الكنيسة الجامعة، إلى الكنيسة الكاثوليكية في المعنى الأصلي للكلمة. لأنهما تتوجّهان إلى جميع المسيحيين وإلينا أيضاً على مثال ما في سفر الرؤيا. فالرسائل التي وجّهها يسوع بواسطة يوحنا إلى الكنائس السبع تتوجّه في الواقع إلى كنائس محدّدة في منطقة آسية الصغرى، إلى أفسس وسميرنة... ولكنها في العمق تتوجّه إلى جميع كنائس العالم التي يمرّ فيها يسوع ليحلّ فيها بركته. التي يمسكها يسوع بيده اليمنى فيدله على حمايته لها. وهذا ما نقوله عن رسالتي يعقوب ويهوذا وما فيهما من تعليم أخلاقي، وحثّ على الحذر من الضلال الذي ينخر الكنيسة من الداخل ومن الخارج. فالمعلّمون الكذبة هم هم، اليوم وفي مايهما حياة الكنيسة، وزؤان الضلال سوف يرافق الكنيسة حتى عودة المسيح والدينونة الأخيرة. يبقى علينا أن نقرأ هاتين الرسالتين كما نقرأ سائر الأسفار المقدّسة فنكتشف فيهما وجه يسوع كما نكتشف تعليمه الذي ما زال حياً في الكنيسة ولا يطلب إلاّ أن يصبح حياً في جماعاتنا وفي قلب كل واحد منا.
فإلى قراءة رسالتي يعقوب ويهوذا ندعو المؤمن في هذا الكتاب، ليكتشف الغنى الذي اكتشفناه في كلمة الله التي هي هي أمس واليوم وإلى الأبد. ندعوه إلى رفقة هذه الكنائس الشرقيّة التي سمعت للمرة الأولى صوت الإنجيل فحملته وسلّمته إلينا. ونحن بدورنا نسلّمه إلى أبنائنا بانتظار أن نتّحد بمن هو الكلمة، فنترك كلمات البشر ونمتلىء من الذي هو كلمة الله يسوع المسيح.