الفصل السابع والعشرون
علامات التوبة وممارساتها
لا ديانة من دون علامات خارجية، فالانسان جسد ونفس غير منفصلين. والبحث عن ديانة باطنية محضة وروحانية بكليّتها، يبقى وهماً لدى بعض المفكرين الذين تجعلهم الشكليّات لا ينتبهون إلى وضع الانسان الملموس. فالانتربولوجيا البيبليّة تكفي لكي تحذّرنا من هذه النظرة المجرّدة. ففي الانسان يمثّل القلمب والروح الوجه الباطنيّ لشخصيّة يكون فيها الجسد والحركات وسيلة التعبير الضروريّة. فالكلمة هي أولى هذه الحركات وهي تحمل الكثير من الوضوح والجلاء. ولكنّنا لا نستطيع أن نفصلها عن سائر الحركات التي تعبّر على بدائيّتها، عمّا في القلب والروح.
وإذا كان جوهر التوبة يتحدّد بالقلب المنسحق والروح المنكسر (مز 51: 19)، فالتعبير الخارجيُّ عن هذا الاستعداد الباطنيّ يبقى ضرورة لا يمكن أن نتناساها. فالاعتراف بالخطيئة في صلاة تائبة، يحتلّ المكان الأوّل. ولكن، لماذا يكون الجسد غريباً عن تعبير القلب النادم، لا سيما إذا أردنا أن نعطيه طابعاً إجتماعياً، كما يليق بليتورجية شعب الله؟ ستتيح لنا هذه الاعتبارات العامة الفرصة لنفهم معنى وقيمة علامات التوبة وممارساتها في الكتاب المقدّس.
1- علامات الحزن وعلامات التوبة
بشكل عامّ، لا تختلف اللغة الدينيّة عن اللغة اليوميّة بالكلمات والعبارات التي تستَعمل، بل بالنيّة التي توجِّه هذا الاستعمال وبالبُعد الذي تحمله الكلمات بالنسبة إلى اختبار خاصّ تريد أن تعبرِّ عنه. ونقول الشيء عينه عن الحركات الدينية: إنها تستعيد حركات من الحياة اليوميّة فتحمِّلها معنى يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهومها الأوّل. هذا ما نقوله عن علامات التوبة وممارساتها. ففي محيط حضاري، يشعر فيه الانسان بحاجة ماسّة إلى التعبير عن بعض العواطف، يعود إلى علامات وممارسات مرتبطة بالحداد والحزن ويعطيها معنى جديداً. يتحدَّث حزقيال عن دمار صور فيجعل الأممّ الوثنية تلبس الحداد عليها. وهذا ما يقوله دون العودة إلى العالم الديني: "يسمعون عليك أصواتهم ويصرخون بمرارة. يرمون التراب على رؤوسهم ويتمرَّغون في الرماد. يحلقون شعر رؤوسهم عليكِ ويتحزَّمون بالمسوح. يبكون عليكِ بمرارة النفس نحيباً مرّاً، وفي نومهم يرفعون الرثاء عليكِ ويرثونكِ قائلين..." (حز 27: 30- 32).
تلك هي عادات الحداد التي سنجدها أيضاً في الانجيل.. فعلى فراش الموت، الذي أعدّ لابنة يائيرس (مر 5: 38)، سيظهر حزن التوبة بالشكل عينه. قال أش 22: 12- 13: "في ذلك اليوم، دعاكم الربُّ القدير إلى أن تبكوا وتنوحوا وتحلقوا شعر رؤوسكم وتتحزّموا بالمسح. أما أنتم فاستسلمتم إلى الفرح والسرور وذبح البقر ونحر الغنم وأكل اللحم وشرب الخمر وقلتم: لنأكل ونشرب فإنّا غداً نموت".
يبدو هذا النص معبرِّاً كلّ التعبير عن الحياة اليوميّة، وهو يبيِّن كيف يتعامل الناس مع ملذّات الحياة، حسب الظروف. إن كانوا سعداء، لبسوا أجمل ثيابهم وعطّروا رؤوسهم، وعيّدوا وغنّوا. إن كانوا حزانى، صنعوا عكس ذلك، ليدلّوا على مرارة نفوسهم. هذا ما يحدث في كلِّ مكان مع بعض الفوارق السطحيّة. مَرضَ إبنُ بتشابع، فصام داود صوماً قاسياً وتغطّى بالمسح ونام على الأرض (2 صم 12: 16). ولبس بَنْهَددُ مَلك دمشق المسح ووضع الحبل على رقبته بعد معركة أفيق، وكان يتوسّل إلى أحاب ليعفو عنه (1 مل 20: 31).
ولكن هناك وقتاً تدخل العادات بعده في الحيّز الديني: حين ترتبط طقوس الحداد بصلاة التوسُّل وتعبّر عنها بطريقتها. فداود لا يصوم فقط لأنه حزين على مرض ابنه: إنّه يصوم ليتوسّل إلى الله من أجل شفاء ابنه وحياته. ولهذا، حين مات الصبيّ، اغتسل الملك وتعطّر وبدّل ثيابه وطلب طعاماً، بعد أن صلّى في المعبد (2 صم 12: 20). لم يعد للتوسُّل من موضع. طلب داود ليبعد الحكم الإلهـى عنه، ولمّا مات الصبي، زالت كلُّ إمكانية رجوع إلى الوراء.
نحن لا نفهم سلوك الملك إلاّ على ضوء نظرة دينيّة قديمة، تربط كلَّ مصائب الحياة بخطيئة الانسان، وتجعل من هذه المصائب عقاب الخطيئة. ولقد كانت هذه النظرة في كل العهد الاقديم. بل تركت آثاراً في أيّام يسوع (يو 9: 2). إنها تنتمي إلى أعماق الوعي الديني وتسندها بوضوح الشريعة الأساسية المرتبطة بعهد سيناء، وتحدِّدها نهاية كلّ الدساتير الموسوية: ان موقف اسرائيل تجاه شريعة الله، يتحكَّم بما يصير إليه مصيره الزمني: إن أطاع الشعب، غمره الربُّ بعطاياه. وإن تمرّد الشعب، انصبَّتْ عليه كلُّ المصائب فعاقبته على سلوكه (خر 23: 30- 31؛ 26: 3- 21؛ تث 28: 1).
هذه هي الحال في تدبير العهد الأوَّل: الشقاء هو علامة الخطيئة التي يعاقبها، هو علامة الغضب الإلهي الذي يعبّر عنه بطريقة تربويّة. ونحن نفهم في هذه الظروف أن يدعو كلُّ اختبار، للألم والفشل، أكانَ فرديٍّا أو اجتماعياً، الانسانَ إلى فحص ضمير: من أين جاء هذا الألم؟ أما سبَّبته خطيئة بعيدة أو قريبة، ظاهرة أو خفية، معروفة أو مجهولة؟ وحركات الحداد التي نقوم بها في هذه الظروف تحمل معنيين يرتبطان الواحد بالآخر ارتباطاً وثيقاً: يتحسّر الانسان على الشرّ الذي حصل، ويطلب الرحمة من الذي يستطيع وحده أن يعيد الحالة الخربة إلى ما كانت عليه.
2- ليتورجيات التوبة
هذا هو الاطار الذي نقف فيه لنفهم ليتورجيات التوبة التي نجد نماذج منها في التوراة. قال لنا إرميا، بمناسبة جفاف كبير: ناح يهوذا وعمّ الحزن مُدنه (14: 2). لا شكّ في أنّ هذه العبارة هي جزء من طقوس التوبة. ويتدخّل النبيّ في مكان آخر، ليمارس دور الشفاعة، فيعترف بخطايا شعبه: "إن كانت آثامنا تشهد علينا يا ربّ، فلأجل اسمك إفعل. آثامنا عديدة وقد خطئنا إليك... يا رب، نحن نعرف شرَّنا واثم آبائنا، لأننا إليك خطئنا" (إر 14: 7- 20).
والاقرار بالخطيئة والارتداد، يفترضان عادة هذا الإذلال الخارجيّ الذي يعبّر عن توبة القلب. وحين وجَّه إيليا النبيّ إلى آحاب ونسله اللعنةَ المريعة بعد موت نابوت، مزَّق الملك ثيابه ولبس المسح على بدنه وصام وندم في المسح ومشى بخطى وئيدة (1 مل 21: 27). فسمع الربّ صلاته التائبة. ويرتبط سفر المراثي بطقس حداد، موضوعه دمار أورشليم، ويصوّر لنا الشيوخ جالسين على الأرض وهم صامتون. "لبسوا المسوح وذرَّوا التراب على رؤوسهم" (مرا 2: 10) وفعل عزرا ونحميا الشيء عينه حين علما بزواج اليهود من نساء غريبات (عز 9: 3- 15؛ نح 9: 1).
وجاءت آخر الطبقات التشريعية في البنتاتوكس (أسفار موسى الخمسة) فأدخلت في روزنامة الأعياد يوم كيبور (يوم التكفير) العظيم، في اليوم العاشر من الشهر السابع، أي قبل عيد المظالّ بقليل (لا 23: 26- 32). وتتضمن شعائره احتفالات تكفيريّة تقام في الهيكل من أجل خطايا اسرائيل. ولكنه يتضمّن أيضاً، بالنسبة إلى كل اليهود أينما وُجدوا، صوماً قاسياً سيحدّد التقليد الشفهيُّ قواعده (لا 16: 29- 31)، صوماً يمارسه الجميع، وإلاّ حُرموا من مشاركة الجماعة في حياتها (لا 23: 29).
في هذه المرحلة من التوسّع الليتورجي، أخذت فكرة التكفير تدخل في كل الطقوس الذبائحيّة، وذلك لأنّ وعي الخطيئة صار عاطفة حادّة في إسرائيل. وبنتجية ذلك، صارت ممارسات التوبة أهلاً للمديح. فالفريسيّ الذي يتحدّث عنه يسوع، يصوم في الاسبوع مرتين (لو 18: 12)، وهو بقوله، يظهر تقواه بأَعمال زائدة على الواجب، ويسوع لا يلومه على ذلك.
نستطيع أن نتصوّر ليتورجيات التوبة، بفضل سفر يوئيل الذي يرسم لنا مع بعض التفاصيل، إحدى هذه الليتورجيات. نحن لسنا أمام عيد نحتفل به مرّة كل سنة، بل أمام احتفال دفع الشعب إليه مناسبةٌ خاصة هي ضربة الجراد. اعتبر الناس أن هذه المصيبة هي علامة ملموسة لدينونة الله وبداية يوم الربّ الذي يحمل الغضب. ونتيجة هذا الوضع، يتوقّف الفرح والسرور، وتلبس البلاد كلُّها الحداد (يوء 1: 8- 9، 13- 15). وأمّا الاعلان الاحتفالي ليوم التوبة فيكون في الهيكل على صوت البوق (يوء 2: 1) يعلنه كهنة يلبسون المسوح (يوء 1: 13) وإليهم يتوجَّه النبيُّ فيقول: "انفخوا في البوق في صهيون. افرضوا صوماً، وادعوا الشعب إلى المشاركة في الاحتفال. اجمعوا الشعب، ادعوا الجماعة، اجمعوا الشيوخ. اجمعوا الاطفال والرضّع. ليخرجِ العريس من مخدعه، والعروس من خدرها. ليبكِ الكهنة خدَّام الربِّ وليقولوا: إرحم يا ربّ، إرحم شعبك، ولا تسلّم ميراثك إلى العار وإلى هزء الشعوب. لماذا يقال بين الامم: أين إلههم"؟ (يوء 2: 15- 17).
إن صلاة التوسل التي يتلوها الكاهن باسم الجماعة الملتئمة، تشكّل قلب ليتورجية التوبة. ولكن الجميع يشاركون فيها، من الشيوخ إلى الرضّع، بانقطاع عن كل ملذّة يناسب عمر كل منهم.
3- التوبة والصلاة
لم يعد هدف ممارسات التوبة فقط التكفير عن الخطايا الفرديّة والجماعيّة. إنها ترافق صلاة التوسّل وتعبرِّ عنها بأَعمال ندفع ثمنها غالياً. ففي الظروف المأساوية، لن نكتفي بالكلام لكي نعبِّر أمام الله، عن حاجاتنا الملحَّة. بل نبكي بدموع ونلبس الحداد لندلَّ على الواقع الأليم الذي نتخبَّط فيه.
يُظهر لنا سفر أستير وسفر يهوديت حالات نموذجية وجد شعب إسرائيل نفسه خلالها في قبضة محنة خطيرة. فبعد إعلان قرار الإبادة بفم هامان، مزّق مردخاي ثيابه ولبس المسح وذرّ الرماد (أس 4: 1). ولم يفعل وحده، بل شاركه في أَعماله، كل المقاطعات، بالدموع والنحيب، ونام الناس على المسح والرماد (أس 4: 3). ولمًّا علمت أستير بالحالة، لم تكتفِ بالصلاة، بل مارست مع جواريها وسكان شوشن، صوماً دام ثلاثة أيام وطلبت من الرب أن يعينها (أس 4: 16).
وحين أُعلن عن قدوم اليفانا، كانت ردة الفعل عند اليهود الصوم والحفلات التكفيرية (يه 4: 9- 14) التي نجد فيها الطقوس عينها التي يتكلّم عنها النبييُّ يوئيل: يبدأ الله فيغفر الخطيئة ثم يُبعد الضربة التي تهدّد شعبه. ولهذا بدت صلاة يهوديت بالطريقة عينها: الرماد، المسح، إذلال النفس (يه 9: 1).
ونجد في سفر دانيال طقساً يُظهر صلاة التوسُل الملحّة. لا نجد في ف 9 أي خطر جديد يهدِّد شعب اسرائيل. أمّا النبي فبحث في الكتب وفكّر في المحنة الوطنية الكرى التي تدوم منذ أيام ارميا: التشتُّت، مضايقة الوثنيين، خراب المدينة المقدسة... إلى متى سيدوم كلّ هذا؟ أما كُفِّرت بعد خطايا شعب إسرائيل؟ متى تنتهي السبعون سنة من الشقاء الذي أنبأ به إرميا؟ وإذ أراد دانيال (وهو المتكلِّم باسم شعبه) أن يحصل على نور الله حول هذه المسألة التي تهدِّد طرق العناية الإلهية، فرض على نفسه فترة من الصلاة: صام ووضع المسح وذرّ الرماد (دا 9: 3)، واعترف بخطاياه وخطايا شعبه، وأرسل توسّله أمام الله (دا 9: 20).
فبجانب صلاة المديح التي يرافقها السرور، نجد صلاة أخرى ترافقها علامات الحداد وهي تدوم ما دام البشر أمام محِن فرضتها عليهم خطاياهم. وإنّ هذه المحن معنى: تجعلهم يعون واقعهم الحقيقي أمام الله. إنهم خطأة منذ أوّل الأجيال البشرية، وغضب الله الديَّان ينكشف أمامهم دوماً. هم لا ينجون إلاّ بنعمة مجّانية، متى شاء الله وكما يشاء. فإن استسلموا كالمجانين إلى ملذات الحياة (لنأكل ونشرب فأنّا غداً نموت، أش 22: 13؛ حك 2: 7- 9)، فهم يتصرّفون كالجهَّال. إنّهم يشبهون ذلك الغنيّ الجاهل الذي يحدِّثنا عنه المثل الانجيلي: "يا نفسي، لك خيرات كثيرة محفوظة لسنين عديدة. فاستريحي وكلي واشربي وعيِّدي. فجاءه الجواب: يا جاهل، في هذه الليلة تؤخذ منك نفسك..." (لو 12: 19- 20).
الحياة التائبة هي الموقف العاديُّ للخاطىء، وهي وحدها تقدر أن تحارب الموقف الماديّ العملّي الذي نميل إليه طوعاً. هذا هو الثمن الذي ندفعه إذا أردنا أن يسمع الله صلاتنا.
4- التوبة الحقيقية
ولكن شعائر التوبة تتضمّن خطراً، هو ذاته الذي يكمن في كل طقس خارجي: أن تتوقّف عنه الشكليّات، عند المظاهر الخارجيّة، ولا تصل إلى القلب. حين تصيبنا الشرور نتطلّع غريزيًّا إلى الله، فنلبس المسح ونذرُّ الرماد، ونصوم ونعترف بخطايانا... ولكن، ما قيمة هذه الأعمال وما قيمة هذه الصلاة؟ هل تبدَّل القلب تبدُّلاً عميقاً؟ هذا هو السؤال الحقيقي. هل نطلب الله حقّاً، أم منفعتنا الخاصة؟ وما إن تنتهي المحنة، حتى نعود إلى ماضينا. ستعود الكرازة النبويّة دوماً، إلى مسألة التوبة الكاذبة: "يطلبونني في ضيقهم ويقولون: هلمّوا نرجع إلى الربّ، هو الذي مزّق وهو يشفينا. هو الذي ضرب وهو يضمِّد جراحنا... ماذا أصنع إليك، يا إفرائيم، ماذا أصنع إليك، يا يهوذا، ان حبَّك لي مثل غمام الصباح وكالندى الذي يزول باكراً... فأنا أريد المحبة لا الذبيحة، أريد معرفة الله وأفضّلها على المحرقات" (هو 5: 15؛ 6: 1، 4- 6).
كل المشكلة هي هنا: إذا كانت الذبائح لا تفيد شيئاً حيث ينقص القلب المستقيم، فحركات التوبة لا تفيد شيئاً إن لم يتبدَّل القلب. العودة إلى الله عمل صعب ويكلِّفنا غالياً، وهذا ما لا شكَّ فيه. ولكن كلّ عذابات الصوم لا تنفع من دون محبة القريب. قال أش 58- 5- 7: "أهكذا يكون الصوم الذي أفضِّله؟ أإذا حنى الانسان رأسه كالقصب وافترش المسح والرماد، هل هذا ما تسميِّه صوماً ويوماً مرضيّاً للربّ؟ هذا هو الصوم الذي أفضّله: حلُّ قيود الظلم، ونزع النير الذي يثقِّل على الناس، وإطلاق المسحوقين أحراراً. الصوم هو أن تكسر خبزك للجائع وأن تُدخل إلى بيتك البائسين الذين لا بيت لهم. أن تكسو العريان الذي تراه ولا تتوارى عمّن هم من لحمك ودمك (أي أقاربك)".
وهذا الارتداد الذي نعبِّر عنه بكل الأعمال، نجده في صلوات التوبة التي تركها لنا العالم اليهودي بعد المنفى. هناك صلاة عزرا (عز 9: 6- 15) وصلاة نحميا (نح 9: 5- 38)، وصلاة دانيال (دا 9: 4- 19) وصلاة باروك (با 15: 3- 8). بعد هذا تتَّخذ حركات التوبة معناها. والانقطاع عن ملذَّات العالم يعبِّر عن موقف الانسان الذي أخذ التوبة بكلّ جديّة واهتمام. كلّ هذا يعبِّر عنه مز 51: "إني عالم بمعاصيَّ، وخطيئتي أمامي في كلّ حين. إليك وحدك خطئت والشرَّ أمام عينيك صنعت. نقِّني بالزوفى فاطهر، إغسلني فابيض أكثر من الثلج. قلباً طاهراً أخلق فيّ يا الله، وروحاً ثابتاً جدِّد في باطني".
هذه التوبة، عاشها يسوع مدَّة أربعين يوماً، فكان صومه امتداداً لصوم شعبه وإكمالاً له. إلى هذه التوبة، دعانا يسوع في بداية تبشيره. توبوا وآمنوا بالانجيل (مر 1: 15). وإلى هذه التوبة تدعونا الكنيسة خلال هذا الصوم المبارك وتعلِّمنا بلسان المسيح، أنَّنا نحتاج إلى الصوم والصلاة (مت 17: 21) لننال نعم الربّ.